الشهيد عابد حمزة .. والاستطلاع الأخير !!
علي الشرفي
في زمن كثر فيه الجفاء وندر فيه الوفاء تظهر مثل هذه النوعيات التي يأبى الله سبحانه وتعالى إلا تمييزها لتكون نماذج حية يُستقى منها روح العطاء وطيب الخصال وينهل من معينها صور الصمود والتضحية والاقدام ،، لم يكن الشهيد الإعلامي عابد حمزة هو الحجر الكريمة الوحيدة في عقد فريد بدايته كانت في زمن غابر منذ أيام الدنيا الأولى ممن اصطفاهم الله إنما كان حجرة مميزة استقت صفاءها ونورانيتها من بين دفتي كتاب الله سبحانه وتعالى ومن أفواه أعلام الهدى الأطهار ، ما جعل من صفحته الثقافية في صحيفة الحقيقة والتي كان ينظمها شخصياً ببصيرة ووعي ونظرة ثاقبة للواقع بلسماً لجراح الكثير من جمهور الصحيفة من المجاهدين خلف فوهات المدافع وقاذفات الصواريخ ، وفي محاريب الجهاد في كل ساحة وميدان ، وألقى ذلك ايضاً بضلاله على حياته الشخصية المليئة بتجارب الحياة لينعكس على نفسه وعياً وبصيرة ، فكان قلمه فعلاً سيفاً مسلطاً على الظالمين والمجرمين والفاسدين .
كان الشهيد حمزة يتميز في كتاباته بالعمق والواقعية منذ أن كان يرسل مشاركاته في صحيفة الحقيقة من مسقط رأسه في منطقة فوط بمديرية حيدان إلى صندوق الحقيقة في مؤسسة الشهيد زيد علي مصلح في اعدادها الأولى فكان استدعاؤه للعمل في الصحيفة ذا أهمية ، وبعد التحاق الشهيد بالعمل الصحفي رسمياً في الصحيفة وتقلده مهام فيها ازداد ارتياحه للعمل في سبيل الله رغم ابتعاده عن الأهل والمال والولد ، وصقلت موهبته أكثر ، وكان لحرصه الشديد على اكتمال رسالة ما يكتبه إذا أهمه موضوع يعطيه كل اهتمامه ويفعّل كل جوارحه لتعمل فيه بكل طاقتها ما يجعله شارد الذهن لا يكاد يسمع ولا يرى ما حوله حتى يتكلل بالنجاح ويعلن الانتصار .
لم يخفي الشهيد حبه وتعلقه الكبير بل وميله إلى الميدان العسكري وكان ذلك ظاهراً في كل حركته وحتى كتاباته ، وقد كان كثيراً يحدثنا عن حبه للقتال والمواجهة ويقول : أن اليوم الأفضل لديه إذا كان في الميدان والأسلحة كلٌ تتحدث بلغتها . فكان دائم الاتصال والتواصل بأهل الميدان وكان ايضاً ينفذ عمليات نزول واستطلاع في أكثر من جبهة داخلية وفيما وراء الحدود وكانت تلك الاستطلاعات محط اعجاب جمهور الصحيفة في كل جبهة وميدان فقد كان ينقل فيها الواقع المرئي ويشخص لك مالم تسطع توثيقه العين أو عدسة الكاميرا فتشعر في تلك الاستطلاعات وكأنك تصاحبه السفر وتعيش معه كل تلك اللحظات .
وفي محرم لسنة 1439هـ تفاجأ الجميع باستشهاد الزميل الإعلامي صلاح العزي والذي كان من أقرب رفقاء الشهيد عابد فأبدى الجميع تألمهم عليه ومنهم الشهيد عابد حمزة إذ تجلى ذلك الألم فيه بشكل واضح سلوكاً وعملاً ، إلا ان الربع الأول من العام الميلادي 2017م حمل ايضاً خبراً أكبر ألماً إذا بلغ الشهيد استشهاد أخيه عزي حمزة والذي كان نسخة طبق الأصل منه في الشجاعة والإقدام والضحية ومعه رفيق درب الشهيد عابد ايضاً الشهيد الإعلامي عبد الله المؤيد تلاهم ايضاً زوج ابنة الشهيد عابد فكانت تلك ضربة كبيرة نزلت على قلب رجل تواق للسفر نحو الله تعالى فما زادته إلا حباً في الله وهمة في العمل في سبيله ،، وذات نهار حمل الشهيد بندقية الحقيقة وكاميرتها متجهاً نحو الساحل الغربي في استطلاعه الأخير ممنياً نفسه بالالتحام مع العدو وهذا ما حدث .
رغم المحاولات الكثيرة من رفقائه العسكريين بثنيه عن المواجهة والتقدم إلا أنه أصر على ذلك قائلاً لهم إنها أمنيته ، وتقدم شهيدنا مقبلاً غير مدبر مسطراً بفوهة بندقيته مصاديق استطلاعاته السابقة عن رجال الله في ميدان الجهاد باستطلاع أخير عمده بدمه الطاهر بعد معركة نكل فيها مع اخوانه المجاهدين بالغزاة والمنافقين وأوقعوا بهم خسائر فادحة في الأرواح والعتاد في واقعة يختل المشهورة ذات العشرين آلية مدمرة ..فطوبى لك أيها العابد الزاهد هذه الخاتمة العظيمة والمشرفة ، والعهد لكم بالسير على خطاكم حتى ينصر الله بنا دينه أو يصطفينا في ركابكم .