نص كلمة قائد الثورة بمناسبة ذكرى الهجرة النبوية 1440هـ
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين وأشهد أن لا إله إلا الله الملك الحق المبين، وأشهد أن سيدنا محمد عبده ورسوله خاتم النبيين، اللهم صل على محمد وعلى آل محمد وبارك على محمد وعلى آل محمد كما صليت وباركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد، وأرض اللهم برضاك عن أصحابه الأخيار المنتجبين، وعن سائر عبادك الصالحين.
أيها الإخوة والأخوات..
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته:
ونسأل الله سبحانه وتعالى أن يبارك لنا ولكم في العام الهجري الجديد إنه سميع الدعاء وأن يوفقنا وإياكم لما يرضيه عنا.
ربط التاريخ الإسلامي بالهجرة النبوية لكل ما لذلك من دلالة مهمة على أهمية الهجرة كحدث تاريخي عظيم مثلت نقلة عظيمة ومهمة جدا نتج عنها تحول في الواقع العالمي وفي الواقع البشري وترتب عليها نتائج مهمة جدا، ونحن كأمة مسلمة وكشعب يمني مسلم عندما نعود إلى هذه المناسبات وإلى مثل هذه الذكرى العظيمة والمهمة من تاريخنا الإسلامي فنحن نعود إليها من واقع حاجتنا حاجتنا كشعب يمني مسلم وحاجتنا كأمة مسلمة بشكل عام من واقع ما نواجهه وما نعانيه من أخطار وتحديات ومشاكل وأزمات نعود إلى هذه المحطات التاريخية المشرقة والملهمة والمضيئة من تاريخنا لنستلهم منها الدروس ونستلهم منها العبر ونستفيد منها فيما نواجهه نحن نفتقر دائما فيما نواجهه من تحديات وأخطار ومشاكل نفتقر دائما ونحتاج بشكل ملح إلى الرؤية الصحيحة والسليمة والهادفة وإلى الطاقة المعنوية والروحية التي نكتسب منها العزم ونكتسب منها الصبر والتحمل للنهوض بالمسؤولية ولمواصلة السير في الدرب والطريق الصحيح، ونحتاج بين هذا وذاك إلى الاتصال والارتباط بما نكسب به رعاية الله ومعونة الله سبحانه وتعالى وألطافه وتدخله وتأييده وهدايته بما يصلنا بالله فيكون معنا، هذا كله لا يمكن أن نحصل عليه من هناك أو هناك لنتلفت إلى خارج ساحتنا الإسلامية وإلى خارج جذورنا الإسلامية وإلى خارج الاتجاه الأصيل لمسارنا الإسلامي ومنهجنا الإسلامي مهما تلفتنا إلى الشرق وإلى الغرب فلن نحصل على أي شيء مما يمثل حلا صحيحا وسليما ومما يعالج لنا ما نحن بحاجة إلى معالجته في واقعنا.
من الغريب في حالتنا كأمة مسلمة أن أعدائنا الذين يصنعون لنا المأساة في واقعنا بكله ويستثمرون في مشاكلنا ويستغلون واقعنا المتردي يحرصون هم أن يكونوا هم من نتجه إليهم لنستلهم منهم الحلول وليقدموا أنفسهم المخلصين والمنقذين وهم في واقع الأمر من يصنعون المآسي ومن يسعون بكل ما يستطيعون وبكل الوسائل إلى تحطيمنا كأمة تحطيمنا بشكل كامل.
الهجرة النبوية محطة تاريخية عظيمة ومهمة، وجديرة بأن ربط بها التاريخ الإسلامي لكل ما تحمله من دروس وعبر وما نتج عنها من متغيرات كبرى.
الرسول صلوات الله عليه وعلى آله وسلم منذ أن ابتعثه الله بالرسالة فبلغ رسالات الله بدءً في مكة أم القرى لتكون هي محطته الأولى لبلاغ الرسالة الإلهية مجتمع مكة قبائل قريش ومن حولهم أتيحت لهم فرصة لا يساويها فرصة أبدا فرصة لنيل شرف عظيم لأن يكونوا هم من يكونوا في طليعة البشرية في حمل راية الإسلام في أن يستنيروا بنوره وأن يتخلصوا مما هم فيه من واقعٍ ظلاميٍ ومظلم ومليء بالظلم ومليء بالخرافات واقعٍ غارق تحت سيطرة الطاغوت أن يكونوا هم في طليعة البشرية يحملون راية الإسلام بعظمتها، الإسلام بما فيه من تحرر، الإسلام بما فيه من مبادئ عظيمة وأخلاق كريمة وتشريعات إلهية، الإسلام كدين نتصل من خلاله بالله سبحانه وتعالى في هدايته وفي رعايته وفي لطفه وفي رحمته ومجتمع مكة قبائل قريش ومن معهم في أكثريتهم كان موقفهم خاسرا وخاطئا وخائبا لقد تعاملوا تجاه هذه الرسالة وتجاه خاتم الأنبياء وسيد المرسلين بكل كفر وجحود وتنكر مع وضوح مصداقية وعظمة ونقاء هذه الرسالة كما يقدمها الرسول صلوات الله عليه وعلى آله، ومع ما يعرفونه عن رسول الله صلوات الله عليه وعلى آله ما يعرفونه عنه من كمال ومن مكارم الأخلاق وفيما عرفوه به من مصداقية لا نظير لها ومن أمانة لا مثيل لها في واقع البشرية جمعاء، وفيما عرفوه عنه من اتزانٍ ورشدٍ وذكاءٍ وصلاح واستقامة وسداد يتميز به عن كل الناس، مع هذا وذاك اتجهوا حتى بعد الآيات المعجزات والدلائل الواضحات والبراهين النيرات التي تثبت صدقه في نبوته صلوات الله عليه وعلى آله في أنه نبي من الله في أنه رسول من الله في أنه يبلغ عن الله في أن الله ابتعثه هاديا ورسولا ونبيا ومبشرا ونذيرا وداعيا إلى الله بإذنه وسراجا منيرا إلى آخر ذلك، مع كل ذلك وقفوا موقفا يتسم بالعناد والنكران لهذه الرسالة والتصدي لها.
ما هو الذي يؤثر على مجتمع من المجتمعات البشرية مجتمع يغرق في المفاهيم الظلامية يعاني في واقع حياته من الضياع بكل ما تعنيه الكلمة ما يعبر عنه القرآن الكريم بالضلال المبين ضياع في كل شيء حالة من التيه حالة من ضياع الحياة، الحياة بدون هدف الحياة التي يغلب عليها الواقع العبثي ويسيطر عليها الطاغوت بظلمه وظلامه ثم يأتيه النور البين الواضح ويأتيه الرشد تأتيه دعوة الخير دعوة الحق يأتيه الهدى بما فيه من تعليمات وإرشادات وتوجيهات وأوامر ونواهي وبصائر بكل ما ينسجم مع فطرته من جانب ومع سنن الله في واقع الكون والحياة من جانب آخر وفي كل ذلك خيره نفعه خلاصه فلاحه فوزه ودعوة حق بينة واضحة لا لبس فيها ثم يتنكر ويجحد ويعاند ويرفض ولا يكتفي بذلك بل يتجه بكل ما يستطيع وبكل ما بيده من إمكانات لمحاربة هذه الدعوة التي فيها خلاصه فيها فلاحه فيها نجاحه فيها فوزه فيها سعادته يتجه لمحاربتها بكل الأساليب وبكل الوسائل وبكل الإمكانات.
الحالة هذه تحصل لأسباب متعددة في كل مجتمع هناك فئة متحكمة مستغلة مستأثرة تتحرك في التأثير على المجتمع من حولها والتحكم به حتى في صياغة المفاهيم وحتى في مسار الحياة فتطبع حياة الناس بطابع يلائمها يعزز نفوذها يحكم سيطرتها يساعدها على الاستغلال والتحكم لا يشكل نقيضا لهذا كله سواءً نقيضا لاستغلالها أو نقيضا لسيطرتها ثم تعمل على استغلال ذلك في امتهان واستعباد المجتمع فإذا أتى هدى الله الذي يحرر الناس من العبودية لغير الله والذي يبني واقع حياتهم على أساس من المبادئ والقيم والأخلاق والتشريعات والتوجيهات الإلهية يرون في ذلك كله نزعا لسيطرتهم وقضاءً على هيمنتهم ومنعا لاستغلالهم وحيلولة بينهم وبين الاستعباد للناس فيتجهون هم مستغلين سابقا نفوذ وتقادم التأثير واستغلال السيطرة المستحكمة المؤثرة حتى في النفوس ثم يعملون إلى دفع الجميع بالتنكر لذلك الحق والعمل على استهداف كل من يخرج عن نطاق تلك السيطرة وذلك الاستغلال وتلك الهيمنة تمثل هذه المشكلة الرئيسية عبر التاريخ بكله في كل عصور الأنبياء المتقدمين إلى خاتم الأنبياء وسيد المرسلين سيدنا محمد صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله تبرز هذه الفئة، هذه الفئة سماها القرآن الكريم باسمها المستكبرون والطاغوت المستكبرون وهم أيضا الطاغوت بطغيانهم يسعون إلى استعباد الناس والتحكم بهم والسيطرة عليهم السيطرة المطلقة عليهم هذا هو ما حدث في مكة بعد أن بعث الله رسوله محمد صلوات الله عليه وعلى آله تحرك الملأ في مكة [وَانطَلَقَ الْمَلَأُ مِنْهُمْ أَنِ امْشُوا وَاصْبِرُوا عَلَىٰ آلِهَتِكُمْ ۖ إِنَّ هَٰذَا لَشَيْءٌ يُرَادُ] تحركوا ولهم من خلال فترات طويلة ترسيخ في واقع المجتمع وترسيخ لكل المفاهيم الظلامية التي تساعدهم على التحكم بالمجتمع والسيطرة التامة عليه تحركوا بشكل كبير وطبعا الطاغوت في مفاهيمه الظلامية يربي المجتمع تربية سلبية تترك أثرها السيئ حتى في نفوس الناس حتى في وجدانهم حتى في مشاعرهم فتصنع حائلا نفسيا حتى نفسيا وليس فقط فكريا وذهنيا بل حتى نفسيا النفوس المدنسة النفوس المنحطة النفوس النفوس التي ألفت الباطل وألفت الفساد وانسجمت مع المنكر لكثرة ما رُبيت على ذلك وما دفعت إلى ذلك وما حشرت في ذلك تصبح على نحو من النفور والتوحش في اتجاه جانب الحق في اتجاه مكارم الأخلاق وتصبح متجهة حتى بالانسجام إلى الطواغيت إلى أرباب الفساد إلى قادة الشر إلى من يمثلون هم رموز الجريمة والرذيلة والمنكر والفحشاء والبغي والفساد والطاغوت ينشدون إليهم تلقائيا يرتبطون بهم ويتأثرون بهم الكلام عن هذه النقطة يطول ويطول ويطول وهي المشكلة الرئيسية في الواقع البشري التي تكون أول عقبة تواجه الناس للحيلولة بينهم وبين الهداية والحيلولة بينهم وبين الأنبياء والهدى الذي أتى به الأنبياء ثم ما بعد فترة الأنبياء كذلك ما بين ورثة الأنبياء الحقيقيين الصادقين وهدى الله الذين يكونون هم مهتدون به متمسكون به ويدعون إليه فتحول تلك العقبة بين الكثير من الناس وبينهم وما لديهم من الهدى وماهم عليه من الحق، مجتمع مكة الذي بلغ في عناده والذي بلغ في جحوده في أكثريته إلى درجة أن البعض منهم توجهوا إلى الدعاء إلى الله قائلين كما حكى القرآن الكريم عنهم [وَإِذْ قَالُوا اللَّهُمَّ إِن كَانَ هَٰذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِندِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِّنَ السَّمَاءِ أَوِ ائْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ] قالوا خلاص نحن لا نريد هذا الحق أبدا وإذا كان هو الحق من عندك يا الله يدعون الله على أنفسهم بأن يمطر عليهم حجارة من السماء فتبيدهم نهائيا أو أن يعاجلهم بعذاب أليم ليتخلصوا من ذلك الحق ما هو ذلك الحق الذي بلغوا من نفورهم منه وعنادهم تجاهه وكرههم له إلى درجة أن يدعوا على أنفسهم بالهلاك بهذه الطريقة هذه الطريقة المخيفة مطر حجارة من السماء أو عذاب أليم يجتاحهم ويبيدهم شيءٌ غريب، دين عظيم فيه الخير فيه الشرف فيه السعادة فيه الحرية فيه الكرامة فيه العزة فيه السمو فيه رحمة الله في الدنيا فيه الفوز والفلاح في الدنيا والآخرة، الإنسان إذا ساء يمكن أن يتنكر حتى لأجمل وأرقى وأعظم ما في الحياة إلى هذه الدرجة وهذا المستوى من التنكر ويمكن أن يحمل في نفسه الكراهية والنفور من الحق الواضح الجلي الذي فيه الخير له وفيه الحل له يقول القرآن الكريم عنهم أيضا [لَقَدْ حَقَّ الْقَوْلُ عَلَىٰ أَكْثَرِهِمْ فَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ] وصلوا إلى درجة رهيبة من الخذلان على مدى سنوات طويلة سمعوا فيها صوت الحق وعرفوا هذا الحق ونفروا منه وصلوا في الأخير إلى درجة من الخذلان أن يسلبوا التوفيق نهائيا وأن يحق عليهم القول أصبحوا في موقع الاستحقاق للعذاب الإلهي وأن لا يوفقوا للتوبة والهداية أبدا وأن لا يصلوا إلى الإيمان فسدت نفوسهم شقاقهم وعنادهم صنع فيهم ذلك الأثر السيئ الذي خربهم نهائيا فأصبحوا فاقدين لكل عناصر الصلاح والخير التي يمكن أن تهيئه للإيمان مجددا، والمشكلة فيهم هي ارتباطهم بتلك الزمرة والفئة من رموز الشر والباطل والطاغوت البعض منهم قالوا كما حكى الله عنهم في كتابه الكريم [وَقَالُوا إِن نَّتَّبِعِ الْهُدَىٰ مَعَكَ نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنَا] قالوا صحيح أنت تقدم هدى هدى من الله ولكن ليس بوسعنا أن نتبع معك هذا الهدى لأننا سنعرض كل مصالحنا للخطر ويمكن أن يتجه الآخرون لعدائنا والاستهداف لنا فتتعرض مصالحنا الاقتصادية للخطر ونتعرض في أمننا واستقرارنا للخطر والاستهداف رد الله عليهم [أَوَلَمْ نُمَكِّن لَّهُمْ حَرَمًا آمِنًا يُجْبَىٰ إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْءٍ رِّزْقًا مِّن لَّدُنَّا وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ] في الأخير وصل الحال بمجتمع مكة في أكثريته وتحت قيادة زمرة الشر الطاغوت المستكبرة المتمثل آنذاك في أبو جهل وأبو سفيان ومن معهم وصل الحال بهم إلى التآمر على شخص الرسول صلوات الله عليه وعلى آله وبعد مرحلة طويلة من التكذيب والأذى والحرب الإعلامية والدعائية ضد الرسول والإسلام وضد مبادئ الإسلام الرئيسية والإكثار من الجدل والخصام والأذية والاضطهاد للمسلمين في نهاية المطاف التآمر على رسول الله صلوات الله عليه وعلى آله بهدف التخلص منه والاستهداف المباشر له يقول الله تعالى [وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ ۚ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ ۖ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ] فهم ضاقوا ذرعا بالرسول صلوات الله عليه وعلى آله في دعوته إلى الله لهذا الإسلام العظيم واتجهوا في نهاية المطاف بمكرهم ومؤامرتهم بالاستهداف له في مكرهم وفي مخططاتهم ومؤامراتهم درسوا عدة خيارات لاستهداف الرسول صلوات الله عليه وعلى آله أول خيار طرح [لِيُثْبِتُوكَ] يعني ذلك الزج به في السجن وإغلاق السجن عليه والحيلولة بينه وبين الناس الخيار الآخر أو يقتلوك الخيار الثالث أو يخرجوك واستقر رأيهم كما ورد في السير والتاريخ إلى الخيار الثاني الذي هو القتل الاستهداف لرسول الله صلوات الله عليه وعلى آله بالقتل.
الله سبحانه وتعالى يرعى رسوله ويرعى دينه وهو جل شأنه القائل [هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَىٰ وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ] لم يكن جل شأنه ليترك نبيه ويترك مشروعه الذي يستنقذ به عباده من الطاغوت ولذلك قال جل شأنه [وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ ۖ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ] فالله جل شأنه وجه رسوله صلوات الله عليه وعلى آله بالهجرة الهجرة باعتبار ذلك المجتمع لم يعد فيه أي أمل في الاستجابة لهذا الهدى وفي أن يحظى بهذا الشرف العظيم والفضل الكبير وأن يكونوا في طليعة البشرية في التمسك بهذا الهدى والنور والانتفاع به والاستفادة منه [لَقَدْ حَقَّ الْقَوْلُ عَلَىٰ أَكْثَرِهِمْ فَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ] خلاص خذلوا.
الأمر الآخر باتت عملية الدعوة إلى الإسلام في ذلك الوضع المتوتر جدا وتلك البيئة المجتمعية المعاندة والمتبعة للطاغوت والكافرة بالحق والمنصرفة عن الهدى، بات العمل فيها غير مجدٍ لا يمكن أن يقوم للأمة الإسلامية كيان في ذلك الواقع في تلك البيئة كان لابد من الانتقال إلى مجتمع أخر سنة مهمة من سنن الله مع عباده اسمها سنة الاستبدال (وَإِن تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ) (فَإِنْ يَكْفُرْ بِها هؤُلاءِ فَقَدْ وَكَّلْنا بِها قَوْماً لَيْسُوا بِها بِكافِرِينَ) كان هناك مجتمع آخر هذا المجتمع هو مجتمع الأوس والخزرح في يثرب فيما عرف فيما بعد بالمدينة المنورة مدينة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، الأوس والخزرج قبيلتان يمنيتان منذ مئات السنين استقرتا في ذلك الموقع في بعض الآثار والأخبار أن ذلك من عهد تبع اليماني وأنه أمر حيين كانا معه من القبائل اليمانية هما الأوس والخزرج بالاستقرار هناك لحين مبعث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأوصاهما بنصرته والإيمان، به الأوس والخزرج مثل مجتمعا لا يزال فيه قابلية للاهتداء ب الإسلام وحمل راية الإسلام وأن يكون هو البديل الذي يستبدل به الله مجتمع مكة وهذا الذي حدث خسر مجتمع مكة الذي بقي متشبثا بأبو جهل وأبو سفيان ورافضا لرسول الله محمد صلى الله عليه وآله وسلم وبقي متشبثا بخرافات وشرك وظلمات من الجهل والأباطيل ومساوئ الأخلاق وغارقا فيما هو فيه من مستنقعات الجاهلية والرذيلة والفساد وأن يكون ذلك المجتمع الأخر هو الذي يحظى بنور الإسلام فيسمو بهذا الدين ويعلو براية هذا الدين ويشرف بعظمة هذا الدين بعظمة قيمة ومبادئه وأخلاقه فيفوز هو بهذا الشرف الكبير ويخسر مجتمع مكة هذا بحد ذاته يمثل درسا مهما جدا، ونحن نقول كما في المناسبات الماضية وكررنا هذه النقطة إلى مجتمعنا اليمني أن القدوة والأسوة في التمسك بالحق والإقبال على الهدى والتمسك بمبادئ الإسلام وقيمه العظيمة وأخلاقه الكريمة وتشريعاته التي فيها الخير والفلاح مجتمع الأنصار الذي آوى رسول الله ونصر رسول الله ذلك المجتمع الذي حظي بشرف تسمية إلهية تسمية من الله سماهم الله جل شأنه بالأنصار هذه تسمية من الله بالأنصار هذا شرف كبير المجتمع الذين قال الله عنهم أنهم تبوأوا الدار والإيمان (وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ) ذلك المجتمع المعطاء المجتمع المضحي المجتمع الخير البعيد عن تلك الحالة المستحكمة في مجتمع مكة من الطمع والجشع والأنانية والكبر والغطرسة، عناصر سلبية جدا طغت على واقع مجتمع مكة فأثرت عليه ومثلت عائقا بينه وبين الهداية فإذا بالأوس والخزرج يمثل بما يمتلك من عناصر تجعل لديه قابلية لتقبل الهدى والأتباع للرسول فحظي بهذا الشرف والفوز العظيم فانتقل الرسول إلى المدينة وبدأ مشوارا جديدا.
جانب آخر عندما نأتي إلى نقاط مهمة جدا ونحن كما قلنا في بداية الحديث أحوج ما نكون إلى أن نستلهم في هذه المحطات التاريخية ما نحن في أمس الحاجة إليه فيما نواجهه من مشاكل كبيرة وتحديات كبيرة وأخطار كبيرة.
إذا جئنا إلى الرسول نفسه صلوات الله عليه وعلى آله وهو رسول الله صلوات الله عليه وعلى آله يمثل بالنسبة لنا القدوة والقيادة الذي يجب أن نتطلع إليه في كل زمن في كل عصر في كل جيل نتطلع إليه كقدوة وقيادة وإلى القرآن كمنهج فنستلهم من ذلك كله من حركة الرسول في الإسلام وحركته بالقرآن وعلى أساس القرآن وما قدمه القرآن فيما فيه من توجيهات إلى الرسول وفيما فيه من حديث عن الرسول صلوات الله عليه وعلى آله نستلهم من ذلك الرؤية الصحيحة حتى لا نكون ممن يتيهون وراء أفكار ظلامية ورؤى غريبة باطلة ظلامية كذلك من هنا أو هناك لا نتيه مع التائهين الذين يبحثون هنا وهناك في صحاري ومتاهات الضلال، هذا النور قد أتى نور الله الذي يجب أن نتطلع إليه دائما وأن نتوجه من موقع الاقتداء والاتباع والاهتداء لنقفوا أثر رسول الله صلوات الله عليه وعلى آله لنقتدي به هو صلوات الله عليه وعلى آله هو قدوتنا هو أسوتنا هو معلمنا وأن نتأكد ونتيقن أنه لا خلاص لنا ولا فلاح لنا إلا بذلك وإلا فكثير مما يصل إلى أمتنا من هنا وهناك إنما هو في مصدره منشئه إنما يقدم من أعداء الأمة ويصل إليه من خلال أعدائها الذين لا يريدون لها الخير أبدا أيضا فيما تعانيه أمتنا في واقعها الداخلي من حالات اعوجاج حالات انحراف حالات تحريف حتى فيما يحسب على الإسلام نستفيد بعودتنا المباشرة وتطلعنا إلى تلك المحطات التاريخية فنرى كيف كان رسول الله صلوات الله عليه وعلى آله ونرى ما يقدمه القرآن لنا جنبا مع جنب في حركة الرسول صلوات الله عليه وعلى آله نرى الحقيقة التي تكشف كل الزيف فلا ننخدع بالزيف ولا نتأثر بالاعوجاج ولا يتمكن الآخرون من تضليلنا بالعناوين المخادعة التي يلبسون بها الحق بالباطل ويخلطون بها ويمزجون الخير بين الشر حتى يخادعونا تحت تلك العناوين ويتلك العناوين وهذه قضية لاحظها القرآن الكريم حتى في عصر النبي صلوات الله عليه وعلى آله فيما واجهه النبي صلوات الله عليه وعلى آله من تحديات في الساحة الخارجية من أعداء هذا الإسلام الكافرين به جملة وتفصيلا وفيما عاناه من حالات الاعوجاج في الداخل في المنتسبين لهذا الدين ممن ينتسبون له ثم يبتعدون عن مبادئ منه أو عن قيم وأخلاق وتعليمات أساسية فيه فيكون في حالة من الاعوجاج الذي لا ينسجم مع مبادئ الإسلام العظمية فيتصدى لها ويفضحها ويكشفها.
نأتي إلى معالم أساسية في هذا كله بعد أن نلحظ هذه المسالة بشكل أساسي نحن في هذا الزمن ولو أنا على بعد أكثر من 1400 عام من وفاة رسول الله صلوات الله عليه وعلى آله أكثر من هذه المدة الزمنية، معنيون أن نتطلع إليه كيف كانت حركته بالإسلام لنقتدي ونهتدي ونتأثر نجد أن هناك معالم رئيسية بارزة في دعوة الرسول في القرآن الكريم نفسه في سياسة الرسول وحركته بالرسالة أول هذه المعالم الرئيسية ذات الأهمية الكبرى والتي لها تأثير مباشر في واقع حياتنا أول هذه المعالم الرئيسية أن الإسلام دين تحرر من الطاغوت والاستكبار ودينُ يؤسس للإنسان أن يسير في هذه الحياة على أساس مستقل، أساس من المبادئ والقيم والأخلاق والتشريعات والتعليمات والتوجيهات يستقل به ويفصله عن التبعية لكل قوى الطاغوت والضلال هذا مبدأ رئيسي ومعلم أساسي ومسألة لها تأثيرها المباشر كلما استوعبناها جيداً وكلما التزمنا بها في واقع الحياة وكلما تحررنا، واحدُ من أكبر المشاكل التي نعانيها في هذا العصر هو ما نعانيه من هيمنة المستكبرين والطاغوت على أمتنا الإسلامية وتدخلها في كثير من شئون حياتنا وواقعنا حضور الطاغوت والاستكبار وتأثيره في ساحتنا الإسلامية في عالمنا العربي وأكثر البلدان الإسلامية حضور مؤثر في كل مجالات الحياة في كل شئون الناس ومتحكم ومستبد ونتج عن ذالك كثير من المظالم وكثير من المآسي وتأثير مباشر وصل لدرجة تعطيل ثمرة الإسلام في واقع الحياة الثمرة التي سنتحدث عنها إن شاء الله في أخر الكلام، هذه نقطة جوهرية ورئيسية ومهمة.
الرسول صلوات الله عليه وعلى آله منذ بداية حركته بالرسالة في أوساط الناس لم يقبل أبدا بأن يدهن مع الطاغوت وأن يتأقلم مع الطاغوت وأن يطوع نفسه أو من معه من أبناء الإسلام ممن آمنوا به للطاغوت أبدا وبشكل بديهي وتلقائي ما إن يسلم الإنسان حتى يعتبر إسلامه آنذاك خروجا من تحت عباءة الطاغوت وتحرراً من سيطرة وسلطة الطاغوت وهذا من أكبر ما كان يزعج الطغاة والمستكبرين كانوا ينزعجون من هذه النقطة.
الإسلام في حركة الرسول به لم يكن مجرد طقوس تقيمها في وقتٍ تتأقلم فيه في مسيرة حياتك بكلها تحت سيطرة الطاغوت وهيمنة الطاغوت في ولائاتك في مواقفك في مسيرة حياتك، لا، كان الدخول الصادق في الإسلام يعني الخروج والتحرر من سيطرة الطاغوت والقرآن الكريم أكد هذا على مستوى الرسالة الإلهية حتى في عصر الأنبياء قبل خاتم الأنبياء رسول الله محمد صلوات الله عليه وعلى آله (وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ ۖ) وهذه مسألة تزعج الطواغيت في كل زمن ولهذا هذا المبدأ بحد ذاته كفيل بتحرير الأمة من هيمنة الطاغوت وإذا تحررت فعليا من هيمنة الطاغوت وانفصلت عن التبعية لقوى الطاغوت والضلال وانطلقت في مسيرة حياتها على أساس المبادئ والقيم والأخلاق والتشريعات الإلهية التي أتى بها الإسلام كما هي في القرآن الكريم وكما هي في حركة رسول الله صلوات الله عليه وعلى آله وبعيداً عن الزيف والاعوجاج الذي لا يمثل حقيقة الإسلام فأن الأمة سيتغير واقعها بشكل تام وستتخلص من معظم مشاكلها ستتخلص من معظم مشاكلها وستكسب ما قلناه في بداية الكلام رؤية إلهية صحيحة تسير عليها في الحياة طاقة معنوية عالية تساعدها على الصبر والتحمل وتوفر لها الاندفاع الكافي والهائل والعظيم والحافز الكبير جداً لتتحرك في الطريق وكذلك تحظى برعاية عظيمة من الله سبحانه وتعالى رعاية شاملة رحمة هداية بكل أشكال الرعاية الإلهية حسب الوعود الإلهية في القرآن الكريم التي شملت كل نواحي الحياة هذا المبدأ المهم طبقهُ رسول الله صلوات الله عليه وعلى آله عندما نجد اليوم في واقع الحال بعض من يسمون أنفسهم باسم علماء البعض منهم نعني علماء السواء لأن العلماء هم في واقع الحال صنفان علماء سوء وعلماء ربانيون علماء السوء منهم تجدهم وهم يقدمون أنفسهم باسم ورثة الأنبياء كمثل ما نرى عليه هيئة كبار العلماء في السعودية كيف يصبحون كلسان وقلم للطاغوت هُناك يفتون دائماً بما يُريده ما أراد أن يفعلهُ هو ابتداءً من نوازعه من دوافعه من رغباتهِ هو رغباته الناتجة عن ما هو عليه من طغيان وفساد وظلم وهوى النفس يأتون هم ليقدموا على هذا ختم الفتوى الشرعية ويقدمون مسوغات دينية لذلك الذي انطلق فيه الطاغوت بدافع هوى النفس قد يكون فساداً قد يكون ظلماً قد يكون جريمةً قد يكون شراً قد يكون منكراً بأي عنوان من عناوين السوء ويشرعنون لهُ ذلك ويبنون واقع الدين على تدجين الأمة للطاغوت رسول الله لم يفعل ذلك أبداً لقد كان على درجة عالية وعظيمة ولا يصل إليها إي بشر آخر فيما هو عليه من الصلابة والثبات وقوة الموقف والثبات والاستقامة على الموقف والتحمل في مواجهة كل الصعاب وكل التحديات والثبات على الموقف تجاه كل ما يواجه بهِ من قوى الطاغوت من حملات دعائية كبيرة ومكثفة ومن مؤامرات متنوعة ومكائد متعددة فإذا هو ذلك الثابت والشامخ والذي لا يتزعزع أبداً ولا يتراجع نهائياً ولا تُحنيه العواصف مهما كانت ولا تدفعهُ التحديات مهما كبرت للاستسلام أبداً أو اليأس، درجة عالية جداً من الثبات والتماسك وصلت بهِ إلى درجة أن قال الله عن ذلك المجتمع الذين كانوا قوماً خصمين ولدا وسيئين وشرسين وقساة قلوب سيئين جداً أن قال الله عنهم (وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ) كانوا يتمنون ويودون لو يتقبل رسول الله أن يدخل معهم في مداهنة وأجواء من المجاملات ونحوٍ من ذلك فيتغاضى عن بعض باطلهم ويتغاضون لهُ عن بعض ما عليه من الحق، لكن المسألة ليست كذلك المبادئ والقيم والتعليمات الإلهية ليست للمقايضة ليست للمقايضة بها والتنازل عنها مع الطاغوت حتى يتمكن هذا الطرف أو ذاك من التأقلم مع الطاغوت لأنهم تركوا لهُ شيئاً والشيء الذي يتركوه عادةً هو الشيء الذي انفصل أو بتر عن سياقه عن جذوره عن أساسه عن مبدئه عن ثمرته ولم يعد لهُ جدوى مهمة في واقع الحياة.
هذا المَعْلَمْ الرئيسي أكد عليه القرآن الكريم يقول الله تعالى: (فَمَن يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىٰ لَا انفِصَامَ لَهَا).
فإذاً مَعْلَمٌ رئيسي ومبدأٌ أساسي في هذا الإسلام أكد عليه القرآن الكريم وهو من أول مضامين الشهادة الرئيسية في الإسلام التي يدخل بها الإنسان في الإسلام “أشهد أن لا إله إلا الله” وتجلّى ذلك في سلوك وممارسات وحركة الرسول (صلى الله وعلى آله وسلم) بالإسلام هو هذا المبدأ، الكفر بالطاغوت التحرر من سيطرة الطاغوت، الاستقلال بكل ما تعنيه الكلمة، الاستقلال الثقافي والفكري والعملي، الاستقلال في مسيرة الحياة، فيما تقوم عليه من مبادئ وقيمْ وأخلاق وتشريعات، الاستقلال الكلي عن التبعية لكل قوى الطاغوت وقوى الاستكبار والقوى الظلامية التي تسير على اتجاهات باطلة في هذه الحياة.
نحن نقول هذا من أهم وأعظم وأكبر ما نحتاج إلى ترسيخه بشكل كبير لأن الحديث عنه حديث واسع، لا تتسع له محاضرة، ولكن بشكل عام مسؤولية الجميع من مثقفين من علماء من نخب، مسؤولية الجميع حتى على مستوى التواصي بالحق ترسيخ هذا المبدأ وأن يكون معياراً لسلامة السير والاتجاه، لتحديد الاتجاه، الاتجاه المتخلّص من سيطرة الطاغوت ومن التبعية بشكلٍ تام، والقائم على أساس الإقتداء بالرسول من موقعه في القدوة والقيادة، والتمسك بالقرآن كمنهج في هذه الحياة هو الاتجاه الصحيح الذي يعبّر حقيقةً عن الإسلام.
الاتجاهات التي نراها اليوم حاضرة في ساحتنا العربية و الإسلامية بشكل كبير تقدِّم نفسها باسم الإسلام ونراها بوضوح في حالة من التبعية العمياء لقوى الطاغوت والاستكبار لأمريكا وإسرائيل، لنعي جيداً ولندرك بشكلٍ تام، أنها قوى زيف أنها تمثل الزيف ولا تمثل الحقيقة، تمثل الزيف فقط، ولا تعبّر عن حقيقة الإسلام في مبادئه وأخلاقه، وهي حولت الإسلام إلى طقوس وشكليات بترتها عن سياقها، وفصلتها عن أساسها، وحالت بينها وبين ثمرتها، وطوّعتها للاستغلال في واقع الحياة، وجعلت منها وسيلة للاستغلال والخداع، هذا الذي حاصل كما هو حال النظام السعودي والقوى التكفيرية والقوى الظلامية بكل أشكالها وأنواعها، من المنافقين والضالين والمبطلين والفاسدين المشوهين للإسلام.
ثم من يسعى إلى التحرر من ينجذب لعنوانٍ كهذا ليعي جيداً أنه لا تحرر بما تعنيه الكلمة ولا استقلال عن التبعية بما تعنيه الكلمة لأمتنا الإسلامية إلا بالاستقامة على نهج الله والاقتداء والتمسك برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من خلال الاهتداء بالقرآن والاقتداء بالرسول، هذا الذي يحقق استقلالاً فعلياً، أما أن يتجه الإنسان نحو الشرق أو نحو الغرب ليقلد أو يحذو حذو هذا الطرف أو ذاك في بعضٍ من العناوين، ثم يتجه على أساسٍ باطل في هذه الحياة لن يصل إلى نتيجة، لن يصل إلى نتيجة.
واحدٌ أيضاً من المعالم الرئيسية في الإسلام أن الإسلام دين وعي ونور وبصيرة، يحرر الإنسان من التبعية الفكرية للمفاهيم الضلالية الشيطانية والطاغوتية، ويمنح الإنسان الرؤية الصحيحة والفهم الصحيح والنظرة الصحيحة إلى الواقع من حوله، هذه مسألة مهمة جداً، ولا تؤخذ بعين الاعتبار بشكلٍ بارد في كثيرٍ مما يُقدَّم من عناوين في الساحة الإسلامية، وهي من أهم المسائل على الإطلاق والذي يتأمل في واقع أمتنا يجد أنها لا تفتقر إلى شيء مثلما هي مفتقرة إلى الوعي إلى البصيرة إلى النور، يستخدم الأعداء بكل أشكالهم من خارج الأمة ومن داخل الأمة كل القوى الظلامية هي تقدم مفاهيم ظلامية نشاط هائل تحت العنوان الفكري والتثقيفي والتعليمي والإعلامي، والتأثير على الرأي العام تأثير على المفاهيم على الأفكار على التصورات على النظرة إلى الواقع، ويمثّل ذلك عاملاً سيئاً وخطيراً جداً، كبّل الأمة وطوعها لأعدائها وأثّر عليها، وحال بين الكثير من أبنائها وبين أن يُبصروا أن يعوا أن يفهموا الأمور بشكل صحيح، وأمكن الأعداء أن يستغلوهم أسوأ حالة من الاستغلال.
الإسلام يقول الله عن قرآنه عن نوره عن هديه: (أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا) الحالة مختلفة، نور الإسلام هو نور لحركتك في الحياة لمواقفك لاتجاهاتك لأعمالك ولتصرفاتك، تُبنى على أساس تلك التعليمات وتلك الحقائق، وتلك البصائر التي يقدمها الله سبحانه وتعالى لعباده، فينظرون نظرة صحيحة ونظرة سليمة ونظرة مستقيمة.
في العهد الجاهلي الأول ما قبل بعثة الرسول محمد (صلوات الله عليه وعلى آله) كان هناك في الساحة كثير من المفاهيم الخاطئة والظلامية تسيطر على تفكير الناس على نظرتهم، في كبير المسائل وصغيرها، من مسألة التوحيد والألوهية إلى أبسط القضايا، وكانت تلك المفاهيم تُقدَّم كحقائق يُخدع بها الناس تُقدّم إلى الناس على أنها الحق والحقيقة ويُصدّق البعض من الناس ذلك، ولكن نور الإسلام أتى لينقذ الناس من ذلك أولاً، فالله يقول: (كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ) يخاطب الرسول (صلوات الله عليه وعلى آله) ( كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ) يقول الله: (هُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ عَلَىٰ عَبْدِهِ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ لِّيُخْرِجَكُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ).
الظلمات هي مفاهيم هي أفكار يا أيها الناس، الظلمات يمكن أن تُقدّم ضمن كتب مفاهيم ظلامية، تُقدم ضمن كتب ويمكن أن تُقدَّم على منابر في مساجد ويمكن أن تُقدَّم من أبواق ضالة مضلّة عبر وسائل الإعلام، لها أشكال متعددة ووسائل متنوعة، لتؤثر على الناس لتؤثر على مفاهيمهم ونظرتهم وفكرتهم الصحيحة والسليمة، ولكن إذا تأصل في واقعنا الرجوع إلى الاقتداء بالرسول والاهتداء بالقرآن بشكلٍ صحيح نتخلص من كل المفاهيم الظلامية، ونمتلك قدراً عالياً من الوعي والفهم الصحيح والنظرة الصحيحة والتقييم الصحيح والفرز الصحيح حتى داخل مجتمعنا الإسلامي.
يتجلى لنا من هو الصادق من الكاذب، بحسب المعايير والمواصفات القرآنية، يتجلى لنا من هو المنافق من المؤمن حقاً، يتجلى لنا من هو الذي في قلبه مرض، ممن ينطلق بصدق وإخلاص وسلامة قلب في حركته في هذه الحياة وفي داخل الأمة، كل ذلك يتجلّى بحسب المواصفات والمعايير القرآنية الهادية، يتجلى لنا من هو العدو الحقيقي الذي يجب أن نُعاديه وماهي مسؤوليتنا، ويتجلى لنا من هو الصديق حتى لا نكون سذّجاً ويخدعنا الآخرون في ولاءاتنا ومواقفنا، يتجلى لنا ماهو الذي يعبّر عن حقيقة الإسلام، وماهو الزيف الذي يُستخدم فقط من قوى الطاغوت والاستكبار والنفاق للخداع والاستغلال، تتجلى الأمور، دين الله هو فرقان، فرقان نور يعطينا بصيرةً في الواقع فنميز وندرك الفوارق بين حقٍ وباطل، بين صادق وكاذب، بين زيفٍ وحقيقة، فلا نُخدع وهذا من أحوج ما تحتاج إليه الأمة، وتضررت بشكل كبير بقدر ما غاب عنها من ذلك وما خسرته منه.
مَعْلَمٌ آخر من المعالم الرئيسية في الإسلام هو الزكاء والطهارة ومكارم الأخلاق، وهذا أيضاً مَعْلَم رئيسي جداً يمكن أن نترك الحديث عنه وعما بقي من ما يتصل بالموضوع لمحاضرة الغد إن شاء الله.
ونكتفي بهذا القدر، نسأل الله سبحانه وتعالى أن يوفقنا وإياكم لما يرضيه عنا، وأن يرحم شهدائنا الأبرار وأن يشفي جرحانا وأن يفرّج عن أسرانا وأن ينصرنا بنصره ويهدينا بنوره، إنه سميع الدعاء.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته”