( نص ) المحاضرة الثالثة للسيد عبدالملك بدر الدين الحوثي بمناسبة ذكرى الهجرة النبوية 1440هـ
( نص ) المحاضرة الثالثة للسيد عبدالملك بدر الدين الحوثي بمناسبة ذكرى الهجرة النبوية 1440هـ
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله الملك الحق المبين وأشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله خاتم النبيين، اللهم صل على محمد وعلى آل محمد وبارك على محمد وعلى آل محمد كما صليت وباركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد، وارضَ اللهم برضاك عن أصحابه الأخيار المنتجبين وعن سائر عبادك الصالحين.
أيها الإخوة والأخوات.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته:
في سياق الحديث عن المعالم الرئيسية في الإسلام والتي تجلّت في أداء وحركة وتطبيق النبي (صلى الله وسلم عليه وعلى آله) وفي حديث القرآن على نحو واسع معلم مهم جدا هو المسؤولية، المسؤولية في الإسلام والتي هي جانب أساسي لا بد منه، وكما قلنا في الأصالة التي تعبر عن حقيقة الإسلام ومبادئه وقيمه وأخلاقه وتعاليمه وتشريعاته لا بد أن نعود إلى القرآن ولا بد أن نعود إلى النبي (صلى الله عليه وعلى آله وسلم) من موقعه في القدوة والقيادة والهداية، فلذلك نتخلص من كل أشكال الزيف والخداع والتضليل التي تعتمد عليها قوى الطاغوت والنفاق لتفريغ الإسلام من محتواه المهم ومن ثمرته العظيمة والمهمة في الحياة.
من جوانب المسؤولية هو أننا في انتمائنا إلى هذا الدين، وفي هذا الدين في مبادئه في قيمه في أخلاقه في تعليماته في تشريعاته في توجيهاته، فيه ما لا يُرضي قوى الطاغوت ولا قوى النفاق ولا كل القوى الشيطانية، تلك التي ترى في كثير من مبادئ الإسلام المهمة وتشريعاته العظيمة وتوجيهاته الحكيمة ما تعتبره يضر بمصالحها، يحد من هيمنتها ونفوذها وتسلطها، لأن الواقع البشري أيها الإخوة والأخوات لا يخلو أبدا من وجود قوى شر، من وجود فئات واسعة من البشر اتجاههم في هذه الحياة اتجاه منفلت لا ينضبط على أساس المسيرة الإيمانية والدينية، لا يلتزم لا بمسألة حلال ولا حرام ولا حق ولا باطل، كل هذه الاعتبارات ليس لها بالنسبة له أي قيمة ولا أي أهمية، ينطلق في واقع هذه الحياة من أهدافه الشيطانية من أطماعه من أهوائه من رغباته، ويتجه في هذه الحياة بناءً على ذلك وليس بناءً على الالتزام بأمر الله وتوجيهات الله وهدي الله والسير بالتزام وانضباط وفق تعاليم الله، قد يأخذ منها البعض ما لا يراه متناقضا بمفرده إذا فُصل عن بقية الدين مع ما هو عليه وقد يحرّف من البعض الآخر، كذلك بما يراه مناسبا مع أهدافه وآماله وطموحاته، ولكن سيبقى دائماً يواجه مشكلة مع مبادئ مهمة، نصوص أساسية، تعليمات وتشريعات مهمة جدا، سيفتضح في كونه له موقف منها، وغير منسجم معها، فعندما يأتي مجتمع معين أو أمة معينة تتجه في هذه الحياة على أساس الالتزام بدين الله، على أساس الاتباع لرسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله) والاهتداء بكتاب الله، تلقائيا ستجد نفسها في صدام مع تلك القوى المتسلطة والطاغوتية والشيطانية، ستجد نفسها على خلاف ومشكلة كبيرة معها وبالذات على المسائل المهمة والأساسية والمعالم الرئيسية في هذا الدين، مبادئ مهمة وعظيمة مصلحة لحياة البشرية مصلحة لحياة الإنسان، ولكن بقدر ما هي عظيمة ومهمة وإيجابية ومثمرة ومفيدة ومصلحة لهذا الواقع، بالقدر نفسه ينزعج منها أولئك المتسلطون والمجرمون والطغاة والمفسدون.
عندما نعرف أن هذا الدين دين يسعى إلى إقامة العدل، أمامك فئة واسعة من المتسلطين الظالمين، تلقائيا تصبح على مشكلة معهم، أنت تسعى بحكم انتمائك إلى هذا الدين لإقامة العدل وهم هناك طغاة متسلطون ظالمون متجبرون، عندما نرى أن هذا الدين يسعى إلى إصلاح البشرية وبقيم عظيمة ومهمة هناك فئات أخرى فاسدة في نفسها ومفسدة لغيرها، لا تكتفي بأنها هي فاسدة، وتعتبر كل المساعي الرامية لأن تسود مكارم الأخلاق والقيم الفاضلة في واقع البشرية، ترى فيها تهديداً لها وتهديدا لسياساتها وتناقضاً مع اتجاهها بكله، تلقائياً يحدث هذا التقاطع وينتج عنه الصراع في النهاية، وهكذا عندما نأتي إلى أن من المبادئ الرئيسية في هذا الدين هو تحرير الإنسان من العبودية لأخيه الإنسان وأن يكون الإنسان عبداً لله تأتي قوى الطاغوت التي ترى أنها لا تتمكن من الوصول إلى كل أهدافها في السيطرة التامة إلا باستعباد الناس بشكل أو بآخر فترى نفسها في خصومها مع من يتجه بخلاف ذلك.
فإذاً عندما يتجه أي مجتمع معين لينطلق على أساس هذا الدين كما هو في قرآنه وفي حركة رسوله وليس بحسب الزيف وليس بحسب الأكاذيب التي كُذب بها على رسول الله مما تناقضت مع حركته مع رسالته مع ما ثبت عنه مع كتاب الله، لا، الرسول (صلوات الله عليه وعلى آله) فيما ثبت عنه وفيما قدّمه القرآن عنه والقرآن الكريم فيما فيه من مبادئ وقيم ومافيه من هدى، هذا المجتمع سيواجه المشاكل الكبيرة هنا أو هناك، ومن الطبيعي في واقع الحياة أن يواجه الإنسان مشاكل كهذه، والإنسان حتى لو لم ينطلق على أساس هدى الله وقرر أن يتغاضى وأن يتماشى في واقع هذه الحياة كما يريده الآخرون منه، كل الطاغوت والاستكبار والفساد والإجرام، هل ستحتل مشكلة الإنسان؟، لا، لأن تلك في الأساس هي المشكلة يعني ليس الهدى وليس الحق وليس القرآن وليس الرسول هو المشكلة، لا، المشكلة هناك، المشكلة فيما عليه المتسلطون الطغاة المجرمون الظالمون المفسدون، ومايفعلونه هم هو يمثل المشكلة.
فالإنسان حتى بدون الهداية بدون الرجوع إلى الرسول والقرآن لن يعيش واقعاً مطمئناً ومستقراً، لا أبداً، إنما معناه أن يعيش ضحيةً لتسلط الطغاة والمجرمين والظالمين والمفسدين وأن يتحول في واقعه في هذه الحياة إما إلى عبدٍ مستغَل له وأداة في أيديهم، ويعيش لذلك، حياة سيئةً جداً مُستَغَلاً بكل ما تعنيه الكلمة ومحطاً لسخط الله ثم يكون قد خسر آخرته فيكون مصيره في الآخرة إلى جهنم والعياذ بالله، أو أن يعيش في هذه الحياة ضحيةً للقهر والإذلال وقد يسحقونه بكل بساطة.
فالدين في نفسه بقدر ماهو لصالح هذا الإنسان بما فيه من تشريعات وتوجيهات وأوامر ومبادئ من الله سبحانه وتعالى فيها الخير لهذا الإنسان فيها الكرامة لهذا الإنسان فيها الحرية لهذا الإنسان فيها العزة لهذا الإنسان فيها مصلحة هذا الإنسان الحقيقية والفعلية في الدنيا والآخرة، أيضاً هذا الإسلام العظيم يشكل حماية، حماية لهذا الإنسان لأي مجتمع يتمسك به من أن يقع فريسة سهلة ولقمة سائغة للمتسلطين والشيطانيين والظالمين والمجرمين.
فيمكن لأي أمة ولأي مجتمع يتمسك بهذا الهدى أن ينعم به وأن يقوى به، وأن يقوى به لأن من الأشياء البديهية هي هذا الصراع الذي سيحدث وهذا ملحوظ في القرآن الكريم وفي هذا الدين العظيم، ملحوظ أن هذا الإنسان الذي ينتمي لهذا الدين أن المجتمع الذي ينطلق على أساس هذا الدين أن الأمة التي ستتحرك في حياتها على أساس هذا الدين ووفق هذا الدين ستواجه تحديات وأخطار ومشاكل وصعوبات إلى آخره..، هذا ملحوظ وبما أنه ملحوظ فهناك مساحة كبيرة من التعليمات والتوجيهات التي تبني الأمة لتكون قوية في مواجهة التحدي وكي تخوض هذا الصراع بجدارة وكفاءة عالية إضافة إلى وعد الله سبحانه وتعالى بالمعيّة والمعونة والنصر.
فنحن نقول عندما تتجه أمة على هذا الأساس ستواجه المشاكل والتحديات وتخوض الصرع الذي لابد أن تخوضه. البعض من الناس تعتبر هذه المشكلة بالنسبة لهم مؤثرة عليهم على توجههم على مصداقيتهم على ثباتهم ويتجهون للانحناء والخضوع لقوى الطاغوت والتنازل عن مبادئ مهمة من هذا الدين والقرآن الكريم عبر عن هذه الفئات كما في قول الله سبحانه وتعالى: ( وَمِنَ النَّاسِ مَن يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةَ) وكذلك يقول الله سبحانه وتعالى: ( وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ فَإِذَا أُوذِيَ فِي اللَّهِ جَعَلَ فِتْنَةَ النَّاسِ كَعَذَابِ اللَّهِ) من الناس من هو على هذا النحو يريد أن يتحرك في هذا الدين لكن دون أن يتحمل مسؤولية في مقارعة الظلم والاستكبار والطاغوت في العمل على إقامة الحق والعدل في التصدي للطغاة والمتسلطين والظالمين الذين يسعون إلى استعباد الناس من دون الله، يريد ديناً مجرداً من المسؤولية وخاضعاً لطبيعة الظروف، فإذا كان سيواجه تحديات أو أخطار لم يعد هناك بالنسبة له من ضرورة لمبادئ معينة من هذا الدين إما للدين جملة وتفصيلا فهو مستعد أن يرتد عنه بالكامل، وإما لمبادئ أساسية ومهمة للغاية من هذا الدين لها دور حيوي وفعّال في هذا الدين، ينتج عنها ثمرة هذا الدين في واقع الحياة، فلا بأس مثلاً سيتنصل عن كل ماهو مهم وعظيم في الإسلام ويبقى بالنسبة له بقايا من هذا الإسلام فصلت عن جوانب أخرى أساسية ففقدت أثرها المفترض والطبيعي في واقع هذه الحياة في نفس الإنسان وفي واقع الحياة.
فالفئة هذه من الناس فئة لا تنطلق على أساس ما عليه هذا الدين في مبادئه وقيمه وأخلاقه، وفيما كان عليه رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم) الذي بقي طيلة فترة بقائه في مكة على صلابة وثبات عظيم لا نظير له، ثم هاجر وواصل المشوار مجاهداً في سبيل الله آمراً بالمعروف ناهياً عن المنكر يخوض الصراع مع كل قوى الطاغوت على أشده وبكل المستويات وبكل الوسائل المشروعة.
الفئة التي تتجه هذا الاتجاه السلبي في القعود والجمود والتنصل عن المسؤولية والمداهنة للطغاة وتجريد الإسلام من جانب المسؤولية بكل ما فيه، هي لا تعبر عن حقيقة الإسلام أبداً، أبداً، هي تعبر عن اتجاهها المزاجي الذي ينبع من ضعفها وحتى من ضعف وعيها وقلة إيمانها ومستوى إدراكها ومعرفتها بأهمية تلك المبادئ وتلك القيم وتلك الأخلاق وتلك التشريعات وتلك التوجيهات من الله سبحانه وتعالى.
فإذاً هي في اتجاه خاطئ، في اتجاه خاطئ وشاذ عن مسيرة هذا الإسلام، لا ينبغي أن تكون في موقع القدوة ولا في موقع التأثر، ما كان منها باسم شخصيات علمائية أو مثقفة أو فكرية وما كان منها بأي شكل من الأشكال هي في الاتجاه الخاطئ بكل ما تعنيه الكلمة.
نأتي إلى الإسلام، ليست فقط المسألة في حدود أنك ستثبت على هذه المبادئ بل تسعى لإقامة هذه المبادئ في واقع الحياة، في واقع الحياة حينما يقول الله (كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ) قوّامين ما هو رقادين ومتنصلين عن المسؤولية ومتهربين من أداء الواجب.
عندما يأتي القرآن الكريم ليقول (وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ ۚ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) عندما نجد الكثير من الآيات التي توجهنا بالجهاد في سبيل الله سبحانه وتعالى وفق ما في القرآن، الجهاد القرآني ليس جهاد الدواعش والتكفيريين جهاد في خدمة أمريكا وإسرائيل وعملائهما، لا.
الجهاد بالمفهوم القرآني الذي يحمي الأمة من الطاغوت من الاستعباد من القهر من الإذلال الذي تكسب به الأمة المنعة في مواجهة التحديات والأخطار التي على حريتها واستقلالها وكرامتها وعزتها وأرضها وعرضها وسائر حقوقها.
فهذا الجانب جانب أساسي في الدين ورد في شأنه تعليمات وتوجيهات كثيرة جداً، مع أنه هُمّش في الخطاب الديني لكثير من الناس ممَن يتحدثون باسم الدين وينطقون عن الدين أو حُرِّف في إطلاقه على غير واقعه وعلى غير مصاديقه، لدى البعض الآخر كما هو الحال بالنسبة للتكفيريين.
الأمة اليوم في أمس الحاجة إلى جانب المسؤولية، كمَعلم أساس من المعالم الرئيسية في الإسلام في حركة رسول الله وفي كتاب الله، لأن الأمة تواجه تحديات فعليه وخطيرة جداً عليها، إذا لم تتجه هذا الاتجاه المسؤول ستقع ضحية لسيطرة الطاغوت ستسحق ستظلم ستهان وهي تظلم حاليا، هي تظلم والأعداء يسعون إلى استحكام السيطرة عليها استحكاما تاماً ، والمسألة لا تبقى فقط في الجانب الديني في جوانبه الروحية أو الجوانب الأخرى، لا.
الطاغوت يشكّل خطراً على الناس في حياتهم في أعراضهم في مصالحهم في أرضهم، لما تأتي مثلا إلى دراسة والتأمل في طبيعة السلوك الأمريكي والسلوك الإسرائيلي ما الذي يسعى له ؟ هل فقط يسعى إلى منعك من بعض العبادات أو أنه يتجه إلى أشياء أخرى أيضاً، إنما يريد أن يحول بينك وبين مبادئ أساسية إذا كنت عليها بَنَتْكَ وكنت بها قويا في مواجهته وفي دفع تسلطه.
في النهاية هو يريد أن يسيطر عليك أنت، يسيطر عليك أنت ، تكون في هذه الحياة له ، تعمل ما يريده هو منك تتحرك وفق ما يريده هو منك ويسعى إلى السيطرة على أرضك على ثرواتك على كل شيء.
فالدين لا تكون الفائدة منه خارج نطاق قوة الإنسان، عزة الإنسان كرامة الإنسان حرية الإنسان، بل هذه هي غاية رئيسية من الدين وتتجه كل جوانبه في نهاية المطاف إلى ما فيه مصلحة هذا الإنسان، لأن الله غني عن هذا الإنسان ليس بحاجة إلى تديننا ولا إلى عبادتنا ولا إلى صيامنا ولا إلى صلاتنا ولا إلى أي شيء.
هو الغني، نحن من نحتاج، يتجه الجانب التربوي ليهذب هذا الإنسان، الجانب الروحي كذلك ليصلحه ثم تأتي تشريعات وتوجيهات عملية تساعد هذا الإنسان في أداء دوره في هذه الحياة كخليفة لله في الأرض بشكل صحيح وبكل عز وكرامة وبما فيه له الخير في الدنيا والآخرة .
والله يدعو إلى المغفرة إلى الرحمة إلى الجنة إلى الخير، والطاغوت والشيطان إنما يسعى بالإنسان إلى ما فيه هلاك هذا الإنسان، وشقاء هذا الإنسان وخسارة هذا الإنسان في الدنيا والآخرة، والاستغلال لهذا الإنسان فيما عواقبهُ سيئة عليه.
لا يروق للكثير من أبناء أمتنا هذا التوجه المسؤول، لا يروق لهم، ونسبة كبيرة جداً من أبناء الأمة هي متجهة في واقع حياتها، في طريقتها في التدين بناءً على شطب هذا الجانب بالكامل، بمعنى الكثير من أبناء الأمة الإسلامية يُريدون إسلاماً ليس فيه أي مسؤولية، إسلام فيه صلاة وصيام وبعض العبادات، وعاد بعضهم – يا لله اليوم – حتى فيها هذه، بقية الجوانب الأخرى لا يُريد أن يكون لهُ أي دور فيها ولا أن يتحمل فيها أي مسؤولية نهائياً، ولا يلتفت بأي شكل من الأشكال لا إلى مسألة الجهاد وإقامة العدل وإقامة الحق والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وفق مفهومها الصحيح القرآني، وليس المفهوم المحرف الداعشي والتكفيري أو المفاهيم التي يقدمها الجامدون والذين يسعون إلى أن يجمدوا حتى هذه المفاهيم الفاعلة والحيوية والعظيمة والمهمة وأن يطبعوها بطابعهم في الجمود والسكوت والقعود والتخاذل والتنصل عن المسؤولية، لا، بمفهومها الصحيح القرآني، بمفهومها الذي نرى فيه القدوة الأول والعظيم رسول الله (صلى الله وسلم عليه وعلى آله) لا يروق للبعض من الناس أن يسمع حتى الكلام عن هذه المواضيع، ولا أن يحضر مسجداً فيه خطبة تتحدث عن هذا الموضوع أو فيه نشاط تثقيفي يركز على هذا الجانب.
ولكن إذا قرر الإنسان أن يتجاهل هذه المسألة هل سيفيدهُ ذلك؟! هل سيعفيه ذلك أمام الله سبحانهُ وتعالى عن تحمل المسؤولية وعن الحساب والجزاء يوم القيامة؟! لا…لا، القرآن عندما يخاطبنا عن مدى أهمية هذه المسألة وموقعها من الدين نفسه نرى الشيء العجيب نرى مثل قول الله سبحانه وتعالى: (أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّة وَلَمَّا يَعْلَم اللَّه الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَم الصَّابِرِينَ) أم حسبتم أن تدخلوا الجنة، الذين يريدون الاقتصار على بعضٍ من الدين وشطب كل الجوانب الأخرى المهمة والكبيرة في هذا الدين، فيقول لك: الحمد لله، أصبحنا نصلي ونصوم الحمد لله.. خلاص يجب أن تكون أبواب الجنة مفتحة لنا وأول ما نصل ندخل بكل سرعة، وإلا من باب الطوارئ إذا به باب طوارئ بكل استعجال يعني، الله يقول (أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّة وَلَمَّا يَعْلَم اللَّه الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَم الصَّابِرِينَ) فلابد، لابد من هذا الجانب من الدين جانب أساسي لابد منهُ في أن يتقبل الله منك دينك، في أن يتقبل الله منك عملك، في أن تكون من عباد الله المتقين، في أن تكون فعلاً مطيعاً لله، لا تكن من العصاة الذين عصوا الله، عصوا الله سبحانهُ وتعالى في جوانب أساسية وتوجيهات إلزامية ومهمة وعظيمة، ونجد مثلاً أن البعض كما قلنا في كثير من كلماتنا يريدون إيمان الأعراب (قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا ۖ قُل لَّمْ تُؤْمِنُوا وَلَٰكِن قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ ۖ وَإِن تُطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَا يَلِتْكُم مِّنْ أَعْمَالِكُمْ شَيْئًا ۚ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ (14) إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ۚ أُولَٰئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ)
البعض يريدون في مسيرة حياتهم هذا الاتجاه الذي يتنصلون فيه عن المسؤولية، والذي يقتصرون فيه على بعضٍ من الدين والبعض الآخر لا، البعض الآخر هلكوا، هلكوا بالاتجاه المنحرف والمحرِّف على مثل ما عليهِ التكفيريون، الذين يحرفون حتى جانب المسؤولية فيجيرونهُ ويسخرونهُ لخدمة أعداء الأمة وللإضرار بالأمة.
هذا الجانب الأساس الذي يحاول الكثير أن يتهرب منه وأن يتنصل عنه، بالرغم من المساحة الواسعة في القرآن الكريم للحديث عنه وبالرغم من أنهُ أيضاً في حركة رسول الله ونشاط رسول الله وعمل رسول الله أخذ مساحة كبيرة وبارزة في حياة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وهو القدوة (لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا)
هو هذا الجانب، جانب مهم بحساب الدين نحتاج إليه لأن نؤدي ديننا بشكل صحيح يقبلهُ الله منا، وجانب ضروري في واقع الحياة لا يمكن أن ندفع عن أنفسنا الاستعباد ولا الظلم ولا الذل ولا الهوان ولا القهر ولا الاضطهاد إلا بإحياء هذا الجانب، إذا عطلنا هذا الجانب تحولنا في هذه الحياة إلى واقع بئيس بكل ما تعنيه الكلمة تحت سيطرة مطلقة للطاغوت والاستكبار، وأصبحنا ضحية للطغاة والمتسلطين والظالمين يستعبدوننا ويذلوننا ويعملون بنا كل ما يشاؤون ويريدون، ونحن في موقع الضعف والاستكانة والذلة وليس في موقع القوة.
سنكمل الحديث إن شاء الله في المحاضرة القادمة حول هذا الموضوع على أساس ما ورد في القرآن الكريم وعلى أساس حركة رسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله) والذي كانت مسيرتهُ من بعد الهجرة من مكة إلى المدينة كلها مسيرة جهاد حتى آخر لحظة من حياته حتى وهو على فراش الوفاة.
أسأل الله أن يوفقنا وإياكم إلى أن نتمسك بكتاب الله ونهتدي بهدي الله ونقتدي برسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وأن يجيرنا من الضلال ومن المضلين إنهُ سميع الدعاء.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته”