تدفع الأمم المتحدة ومبعوثها إلى اليمن نحو استئناف مفاوضات الحل السياسي، مستغلة أجواء الاخفاق العسكري لقوى التحالف وتخبطهم في إدارة جبهات القتال وبالأخص في مأرب، مقابل استبسال الجيش واللجان الشعبية وتصديهم الأسطوري لكل محاولات الزحف العدواني في أكثر من جبهة، مع تسجيل اختراق نوعي جديد تمثل بإطلاق صاروخ اسكود على قاعدة خميس مشيط العسكرية، في عمق عسير السعودية.
وبرغم نجاح المبعوث الأممي في التوصل إلى النقاط السبع مع المفاوضين اليمنيين في مسقط منذ مطلع سبتمبر الماضي، إلا أن العدو السعودي قرأ تنازلات المؤتمر الشعبي وأنصار الله من منظور عسكري فقط، وظن أن الطريق إلى صنعاء بات سالكاً، وعمل بالمماطلة في التعامل مع المبادرة الأممية على تجاوز تداعيات عملية ( توشكا- صافر) وتصعيد العمليات العسكرية بهدف فرض شروط المنتصر قبل التوقيع على أي تسوية سياسية.
ضاعف العدوان من الحصار ومن العمليات العسكرية، بل ودفع بهادي وبحاح للعودة إلى عدن، وأطلق المتحدث باسم التحالف تصريحات نارية بشأن معركة صنعاء واقتراب ساعة الصفر، ومن مأرب إلى باب المندب واصلت القوات الغازية ارتكاب المزيد من الجرائم البشعة بحق المدنيين، وحفلات الزفاف.
غير أن النتائج ارتدت عكسيا، وتفاقمت يوماً بعد آخر، حتى غدا خلاف هادي- بحاح، ومن ورائهما الخلاف السعودي الإماراتي حديث الإعلام، وتحركت في الأثناء عجلة الضغوط الدولية بطابعها الإنساني نحو كسر الحصار على اليمن والعمل على وقف الحرب، الأمر الذي يجعل الرياض مضطرة للتعاطي الإيجابي مع مطالب الحل السياسي. وتوحي التصريحات المتداولة خلال اليومين الماضيين بأن الأمور تتجه إلى مفاوضات أكثر جدية نهاية الشهر الجاري.
لكن ما طبيعة التفاوضات المقبلة، وهل تنطوي النقاط السبع على تنازلات من قبل المفاوض اليمني؟
بالقراءة المتمعنة في النقاط السبع، نلحظ بالفعل تنازلات كبيرة من قبل أنصار الله والمؤتمر الشعبي، لكنها قوبلت بالتشدد من قبل الرياض وما يسمى بالحكومة الشرعية. وتأتي الدعوة الأخيرة من الأمم المتحدة للأطراف المعنية باستئناف المفاوضات دون شروط مسبقة، لتضع حداً لهذه العراقيل وسط مناخ دولي ضاغط باتجاه الحد من تفاقم الأزمة الانسانية باليمن عبر حوار سياسي يضع حداً للحرب، ويفتح نافذة للسلام.
تتضمن مبادئ مسقط التزاما من كل الأطراف بتنفيذ قرارات مجلس الأمن ذات الصلة، بما فيها القرار 2216، وفقاً لآلية تنفيذية يتم الاتفاق عليها، وبدون انتهاك السيادة الوطنية، مع تحفظات حول العقوبات على مواطنين يمنيين، إضافة إلى وقف دائم وشامل لإطلاق النار من جميع الأطراف، مع انسحاب كل الجماعات المسلحة والمليشيات من المدن، وفقاً لآلية تنفيذية متفق عليها، وتجنب أي فراغ أمني وإداري بالتزامن مع رفع الحصار البري والبحري والجوي.
النقاط السبع تشمل أيضاً، احترام القانون الإنساني الدولي، بما في ذلك المواد ذات الصلة بحماية المدنيين، وإطلاق الأسرى والمعتقلين من كل الأطراف، وتسهيل عمليات الإغاثة الإنسانية والسماح بدخول البضائع التجارية والأغذية والتموينات الطبية والمشتقات النفطية والمواد الأساسية الأخرى، دون أية قيود. ووفقا للاتفاق المبدئي تعود حكومة خالد بحاح التي تشكلت بالتوافق، وتمارس مهامها كحكومة تصريف أعمال لمدة لا تتجاوز ستين يوماً، يتم خلالها تشكيل حكومة وحدة وطنية، وبطريقة لا تنتهك الدستور.
وبهذه المرونة العالية وبغض النظر عن مدى جدية الطرف الآخر، وعن طريقة توصيفه لهذه التنازلات، فإن تغليب أنصار الله وحلفائهم للمصلحة الوطنية وتعاطيهم الإيجابي مع الحلول التي تحد من معاناة اليمنيين، لا يقل شجاعة عن خوضهم معركة الكرامة والدفاع عن سيادة الوطن، متسلحين بإرادة شعبية لم تنكسر برغم بربرية العدوان وجرائمه المتواصلة منذ ما يقارب سبعة شهور.