عملية “نصر من الله” قلبت موازين الحرب وعززت توازن الردع بمعادلات سياسية وعسكرية وأمنية جديدة
أفق نيوز /
تحول استراتيجي لافت، ومعادلات جديدة سياسية وعسكرية وأمنية تعزز توازن الردع الذي فرضته القوات المسلحة اليمنية بعد توالي عدد من الإنجازات خلال تصدّيها لعدوان التحالف السعودي، وتضييقها الخناق عليه، لاسيما بعد دخول سلاح الطائرات المسيّرة في الحرب بشكل فعّال واستراتيجي، بعد أكثر من 4 سنوات على بدء العدوان.
عملية “نصر من الله” التي بدأت نهاية آب/ أغسطس الماضي على محور نجران السعودية، والتي كشفت عنها القوات المسلحة اليمنية مؤخراً، قلبت موازين الحرب، وأتت في سياق سلسلة من الإنجازات توجت بأسر أكثر من 3 ألوية للقوات السعودية ومرتزقتها، وخلّفت أكثر من 500 عنصر بين قتيل وجريح.
المتحدث باسم القوات المسلحة اليمنية العميد يحيى سريع الذي عرض في مؤتمر صحافي مشاهد عن العملية، أكد أنها “أكبر عملية استدراج لقوات العدو والمخدوعين المغرر بهم منذ بدء العدوان”، معتبراً أنها “من العمليات النوعية من حيث التخطيط والحجم والكثافة النارية والمساحة الجغرافية”.
العملية البرية النوعية سبقها استهداف منشأتين تابعتين لشركة “أرامكو” النفطية في بقيق وخريص في أيلول/ سبتمبر الماضي أيضاً.
استخدام سلاح الطائرات المسيّرة اليمنية غيّر موازين الحرب لصالح القوات اليمنية، التي سبق أن استهدفت حقل الشيبة النفطي التابع لأرامكو شرقي السعودية على مقربة من حدود الإمارات. كما استهدفت خط أنابيب النفط، ومحطة الضخ قرب ينبع في أيار/ مايو الماضي، ما أدى إلى توقفها على نحو كامل لعدة أيام.
في السياق، سجلت استهدافات متتالية لمطارات أبها ونجران وجيزان جنوب السعودية، ولقاعدتي الملك خالد الجوية وجيزان العسكرية، الأمر الذي أثار تساؤلات حول فعالية المنظومات الأميركية في صدّ الهجمات اليمنية، والتي أظهرت فشلاً تقنياً محرجاً وعجزاً عن حماية المملكة.
وكانت الطائرات المسيّرة اليمنية استهدفت عام 2018 مطار أبو ظبي في الإمارات، وبثّت القوات المسلحة اليمنية صور الاستهداف في وقت لاحق بعد العملية.
إنجازات القوات المسلحة اليمنية وتفوقها العسكري بالأداء والتخطيط والعقيدة لم يصمد أمامها تفوق التحالف العسكري بتقنياته وأمواله، وتحالفه مع أكبر قوة عسكرية في العالم، كما يدعي رئيسها مزهّواً باستمرار.
وتوالت إخفاقات هذا التحالف الذي اهتزت أواصره، وفشل في تحقيق أي من أهدافه في حربه على اليمن.
ضعف منظومة التخطيط الاستراتيجي، وإخفاق إدارة العمليات العسكرية للتحالف، ظهر جليّاً في فشله بحماية أجواء المملكة من الطائرات المسيّرة اليمنية التي استهدفت العمق السعودي.
سبق ذلك، إخفاق التحالف السعودي المدعوم من الولايات المتحدة في تشرين الثاني/ نوفمبر عام 2018 في إحراز أي تقدم يذكر في “معركة الحديدة” غرب اليمن للسيطرة على المدينة ومينائها، وعلى كامل الساحل الغربي، وهي التي تعتبر الشريان الحيوي الذي ما زال يؤمن المواد الضرورية اللازمة لمن لم يطالهم الموت غيلة بصواريخ التحالف بعد.
التحالف السعودي كان يحلم بإمكانية احتلال ميناء الحُديدة، على أمل أن يتحكم بإمدادات الغذاء والدواء للضغط على الجيش اليمني واللجان الشعبية.
عملية “نصرٌ من الله” أحرجت القيادة السعودية بعد إخفاقاتها، وأحالت الأسلحة الأميركية إلى “خردة” مقابل الأسلحة اليمنية الأقل كلفة بكثير ولكن الفعّالة.
دفعت هذه التطورات لتغيير السعودية من خطابها، فبعد أيام من هجوم أرامكو وإعلان القوات اليمنية عن عمليتها الأخيرة، تحدث ولي العهد السعودي محمد بن سلمان في مقابلة مع قناة CBS الأميركية عمّا وصفه بأنه انفتاح الرياض على جميعِ المبادرات للتوصّل إلى حل سياسيٍ في اليمن، وعدّ إعلان صنعاء وقف إطلاق النار من جانبها بالخطوة الإيجابية.
أيضاً تبدى التحول قبل ذلك في تأكيد الإمارات، شريكة السعودية في التحالف، تأييدها عقد محادثات سلام يمنية في السويد في أقرب وقت ممكن رغم العملية العسكرية الجارية في مدينة الحديدة.
وزير الدولة للشؤون الخارجية الإماراتي أنور قرقاش رحّب بمحادثات تقودها الأمم المتحدة، ودعا التحالف للاستفادة من هذه “الفرصة” من دون أن يؤدي ذلك إلى أي تقدم في المفاوضات أو وقف العمليات العسكرية.
وتتخوف الإمارات من أن تتحول إلى هدف سهل لليمنيين، وبحسب وكالة الصحافة الفرنسية، فقد قال مسؤول إماراتي رفض الكشف عن اسمه إن أبو ظبي تعمل على الانتقال من “استراتيجية عسكرية” إلى خطة تقوم على تحقيق “السلام أوّلاً”.
قرار الإمارات إعادة انتشار قواتها في اليمن بقي غير واضح الأهداف، وعقّب عليه الخبير بالشؤون الخليجية طارق ابراهيم في حديث لـ الميادين معتبراً أنه يأتي بسبب الخلافات الداخلية في الإمارات. كما أكد أن قرار الانسحاب هو بيد الأمير محمد بن زايد فقط.
وفي السياق، رأى وزير الإعلام في حكومة الإنقاذ الوطني ضيف الله الشامي في مداخلة على قناة الميادين أنّ الطرفين السعودي والإماراتي يرمي كل منهما الفشل في اليمن على الطرف الآخر، مشيراً إلى أن “التناقضات السعودية الإماراتية في اليمن وصلت إلى حد الصراع الدموي بين جماعات الطرفين”، معتبراً أنّ قرار الإمارات أظهر علناً الخلافات بين الطرفين.
إنجازات القوات المسلحة اليمنية الأخيرة جواً وبراً جعلتها قادرة على الحسم لصالحها، وحوّلت مسار المعركة من الدفاع إلى الهجوم، ما سيفرض، على ما يبدو، على التحالف السعودي التوجّه نحو خيار الحل السياسي وإبداء مرونة في المفاوضات انعكست أخيراً من خلال مواقف ولي العهد السعودي في مقابلته الأخيرة.
الميادين