فرص ثلاث أضاعها الجنوب للاستقلال !
مشهد السفير السعودي محمد آل جابر وهو يستقبل في مطار عدن والعلم السعودي يرفرف وحيدا، رئيس وزراء حكومة المرتزقة القادم من الرياض معين عبد الملك بعد أن طرده جناح آخر من عدن في وقت سابق بعد قتال دام، حقيقة واحدة، وهي أن الاستقلال الذي تحقق لجنوب اليمن في 30 نوفمبر 1967م قد تمت إضاعته، وأن السعودية اليوم الوجه الجديد للاحتلال، وأن السفير آل جابر وهو يستقبل في وقت سابق الرئيس الخائن الفار عبد ربه هادي يلعب اليوم في جنوب اليمن دور الكابتن البريطاني هنس، والذي كان أول مبعوث للاحتلال البريطاني لعدن في عامي ( 1837م- 1838م).
منذ جلاء آخر جندي بريطاني عن جنوب اليمن في الـ 30 من نوفمبر 1967م شكل القادة الوطنيون اليمنيون الحقيقيون ندرة في كلا الشطرين، فالشطر الشمالي أخضع للوصاية السعودية وبات رجلها الخائن علي عبدالله صالح هو الذي يدير البلاد شمالا بتوجيهات سلطان بن عبد العزيز رئيس اللجنة الخاصة السعودية المعنية بإدارة ملف اليمن.
وفي الجنوب ارتهن ما تبقى من قادة جنوبيين ضعاف عقب مجزرة 86 م للنفوذ السوفيتي الذي كان يدير كل شيء هناك بدءا من الغذاء وحتى القرار السياسي.
وباستثناء سنوات فارقة وجد فيها قادة وطنيون في كلا الشطرين كإبراهيم الحمدي في الشمال والذي اغتيل في 11 أكتوبر 1977م وسالمين ربيع علي في الجنوب، والذي تعرض بعد عام فقط لانقلاب أعدم على إثره في 22 يونيو 1978م، هذين القائدين حاولا التملص بقدر الإمكان من النفوذ الخارجي وأدواته لصنع الوحدة اليمنية بشكل حقيقي، وليس لتحقيق مصالح وأمجاد تقاتل أطرافها بعد بضع سنوات كما حدث في صيف 94م، وشكل فقد الزعيمين ليس فرصة ضائعة للجنوب فقط بل لكلا شطري اليمني آنذاك.
وإذا كان خسارة توحيد اليمن واستقلال قراره قد تمت خسارتها في أعقاب قتل الرئيسين سالمين والحمدي في نهاية السبعينيات، فإن الفرصة الثالثة والأغلى قد تمت أضاعتها من قبل القادة الجنوبيين الذين تنصلوا عن واجبهم بتوفير حاضنة داعمة للجيش واللجان الشعبية في واجهة الغزو الأجنبي في مارس 2015م.
الفرصة الأولى لاستقلال القرار ضاعت في عام الاستقلال ذاته حين سمح قادة التحرر الحقيقيون في جبهة التحرير بتسليم بريطانيا زمام السلطة للجبهة القومية التي لم تقاتل طيلة سنوات ثورة أكتوبر الممتدة من 1963 م في جبال ردفان، وحتى 1967م، وبحسب روايات تاريخية فإن الأخيرة كانت صنيعة البريطانيين.
في أعقاب ثورة 21 سبتمبر في الشمال والتي أطاحت برموز العمالة للخارج، كان يفترض بالقادة الجنوبيون التلاقي مع الثورة الفتية في الشمال والتي أطاحت برموز الفساد والوصاية للخارج لإنجاز كامل للتحرر الوطني، وتخاذل القادة الجنوبيون عن ذلك سمح لهادي بالفرار والاستقرار في عدن عقب ثورة ال21 من سبتمبر واتخاذ مناطق الجنوب من قبل القوى الإقليمية وداعميها الدوليين قاعدة لزرع عدم الاستقرار في اليمن، حتى آلت الأوضاع في مايو 2015م إلى وقوع الجنوب تحت احتلال مباشر سعودي إماراتي.
في نوفمبر 2019م جنوب اليمن واقع في براثن الاحتلال السعودي وقبله الاحتلال الإماراتي، وامتداد جميع ذلك للاحتلال البريطاني كان العامل الرئيسي هو توارى قادة الجنوب الحقيقيون وتخليهم عن أدوارهم الوطنية، وبالتالي تخلو الساحة لصالح قادة مزيفين يصنعهم أو يستثمر وجودهم المحتل للسيطرة على جنوب اليمن، وقام هؤلاء بتصفية القادة الوطنيين لضمان بقائهم واستمرار الاحتلال الذي يرتزقون منه على حساب استمرار سفك الدماء، وفي نفس الوقت لم يأت هؤلاء القادة المصطنعون “بالدولة” ولا هم حافظوا على الاستقلال والثروة، أو وفروا الأمن في حده الأدنى، مشهد عدن ومحافظات الجنوب واضح ولا يحتاج لتفصيل.
وحدها المهرة تقدم مشهدا مغايرا والنموذج الذي يجب البناء عليه لعمل تحرري يتسم بالديمومة، لا يكرر تجارب السقوط السابقة، وتجربة 2015م حين جرى تحميل الجيش واللجان الشعبية عبء المحافظة على استقلال الجنوب، دون وجود دور وطني وبيئة حامية يلعبها القادة المحليون والمجتمع المحلي، لقد كان الثمن الذي سيدفعه الجنوب أقل بكل المقاييس فيما لو انخرط قادته وقواعده في الدفاع والقتال ضد الغزاة الجدد، لكنهم اليوم يدفعون ثمنا باهظا، وهم وحدهم من بيدهم إطلاق الشرارة الأولى لطرد المحتل، واستعادة الاستقلال الحقيقي.
إذا كان من مكان يحق له الاحتفال بعيد الاستقلال ال30 من نوفمبر 2019م على أرض الجنوب ففي المهرة التي تقاوم أطماع الغزاة، وصنعاء التي تنتصر اليوم لكل اليمن، اليمن المستقل مالك قراره وسيادته.