الأسر المنتجة… طريق الريادة وانتصار الإرادة
يتكون هذا المفهوم من شقين، الأول:- “الأسر” جمع أسرة، ويقصد بهم عدد من الأفراد، تربطهم علاقات قرابة، وينضوون تحت مسمى أسرة، والأسرة هي قوام تكوين بنية المجتمع الإنساني.
والثاني:- إنتاج، ويشير إلى عملية صناعة شيئ من شيئ آخر، باستخدام مجموعة من الأدوات والوسائل، ويعد من أهم العمليات التي تساهم في إيجاد سلعة أو خدمة معينة، يتم تقديمها تلبية لحاجة الاستهلاك، وينتمي مصطلح الإنتاج إلى علم الاقتصاد.
ولذا يمكن القول إن مفهوم الأسر المنتجة، يتداخل فيه حقلان معرفيان، هما:- علم الاجتماع وعلم الاقتصاد، وقد نشأ مفهوم الأسر المنتجة، من طبيعة العلاقة الوثيقة التي تربط الإنسان بعملية الإنتاج، التي تعد جزءاً من النشاط الإنساني.
ويسمى هذا النشاط الاقتصادي، الاقتصاد الأسري، بوصف الأسرة وحدة اقتصادية، حيث تميزت المراحل الأولية من التنمية في الاقتصاديات عديدة الإنتاج باعتمادها على الأسر، خاصة في عصر ما قبل الثورة الصناعية، حيث كانت الوحدة الاقتصادية الأسرية، تعتمد على العمل المتخصص الذي يقوم به أفراد الأسرة.
وفي هذا السياق تحضرنا الكثير من مظاهر الإنتاج الأسري المتخصص في اليمن، حيث كانت معظم الأسر تتوارث عدداً من المهن والحرف والصناعات والخدمات، ذات الطابع التخصصي، وبرزت أسماء أسر اشتهرت بنسبتها إلى المهن والحرف والصناعات والخدمات، التي كانت تقدمها للمجتمع، وتميزت بتوريث تلك المهن والصناعات جيلا بعد جيل، بالإضافة إلى الإنتاج الزراعي، الذي كان سمة بارزة في حياة المجتمع اليمني آنذاك.
ولم تتوقف أهمية تلك المنتجات المحلية على تحقيق حالة من الاكتفاء الذاتي لدى تلك الأسر المنتجة، بل تعداه إلى تغطية احتياج السوق المحلية من تلك المنتجات، وتجاوز ذلك بالتصدير إلى الأسواق الخارجية، الأمر الذي عاد بالنفع على الاقتصاد الوطني، وأكسب المنتج اليمني شهرة وتميزاً.
وفي مرحلة ما بعد الثورة الصناعية العالمية، تحولت الأسرة من موضع الإنتاج إلى موضع الاستهلاك، بسبب دخول الآلة في صميم العمليات الإنتاجية، التي كان يقوم بها الإنسان، وبتكلفة أقل غالبا، وتحولت تبعا لذلك طبيعة الدور المناط إلى الإنسان، حيث تحول أفراد الأسرة من العمل المنظم في إطار الإنتاج الجمعي، إلى العمل وفقاً للفرص المتاحة في المجالات المختلفة، وأصبح الإنسان الثروة المستنزفة، والمعرضة لأبشع أنواع الاستغلال الرأسمالي، في سوق الإنتاج الربحي المتوحش، والفاحش الثراء، وهناك لا تعدو قيمة الإنسان أكثر من كونه وسيلة أو أداة يجب استغلالها إلى أقصى الحدود، بما يحقق المزيد من الأرباح، دون مراعاة لإنسانية الإنسان، أو أدنى المبادئ والقيم والأخلاق، الأمر الذي جعل الإنسان عبارة عن منتج، تحكمه معايير صلاحية الاستخدام، ضمن ظروف الإنتاج والانتهاء.