” كورونا ” ونظرية المؤامرة
أحمد يحيى الديلمي
حالات الرعب والفزع والذعر التي استبدَّت بالبشر والمنظمات والدول عقب ظهور فيروس “كورونا” أعادت إلى الأذهان حالات الهلع والقلق التي عاشها الناس قبل سنوات عقب الإعلان عن ظهور فيروسات أخرى فاقمت الرعب وضاعفت التوقعات لما رافقتها من حملات إعلامية اتَّسمت بالإرجاف والتهويل وقادت إلى خسائر كبيرة فادحة بفعل الإجراءات الاحترازية لمواجهة الجائحة وعدم السماح بتمددها، بدءاً بفيروس “جنون البقر” الذي اقتضى إحراق مئات الآلاف من الأبقار ، وفيروس “انفلونزا الطيور” وما ترتَّب عليه من إتلاف لملايين الدواجن والطيور.
حدث نفس الشيء مع ظاهرة انفلونزا الخنازير ، وتتضاعف حالات الفزع والهلع اليوم عقب الإعلان عن ظهور فيروس “كورونا” في الصين وتمدّد الجائحة إلى عدد من الدول وعدم القدرة على تشخيص الوباء ومعرفة أسبابه والعجز عن السيطرة عليه ، مما أثار التكهنات وتحدثَّت العديد من التعليقات عن وجود مؤامرة أمريكية غربية تستهدف الصين للحد من انطلاقها الاقتصادي الذي أخاف أمريكا وأضعف قدرتها على المنافسة، بالذات في الجانب التكنولوجي .
تشير الأرقام إلى أن الصين تنجز نصف مليون اختراع في العام الواحد ، بالمقابل استطاعت امتصاص مواقف ترامب وتصريحاته النارية والإجراءات الجمركية التعسفية التي اتخذها للحد من تدفق السلع الصينية إلى الأسواق الأمريكية ، هذه مشكلة ترامب الذي يتصرَّف بغرور وعنجهية حتى مع حلفائه- مصدر تمويل الخزينة الأمريكية ، فهو يتعاطى معهم باستخفاف واستهتار للانتقاص منهم والتأثير على هيبة ومكانة دولهم فأوجد البيئة الخصبة للشماتة والاستهجان وأجَّج النقمة الشعبية داخل نفس الدول على حكامها .
بينما الصينيون مشهورون بالحكمة والعقل ، وهذا ما اتسمت به مواقف القيادة الصينية إلى جانب الالتزام بالموروث ، يبدو أنها استفادت وأخذت العبرة مما جرى للاتحاد السوفيتي الذي سقط وهو في أوج القوة والعظمة وقطب الرحى في حكم العالم ، إذ تؤكد المؤشرات أن هذا القطب راهن على القوة العسكرية وأهمل الجوانب الاقتصادية بعكس الصين التي لم تهمل القوة العسكرية ، لكنها تمتلك قدرة فائقة على الإبداع وزيادة الإنتاج وتمتلك مقومات حقيقية للانطلاق والتجديد في الجانب التكنولوجي وتعطي مساحة واسعة للدبلوماسية ، مما جعل مواقفها تتسم بالمرونة وتجنِّب ردود الفعل النزقة ، مع الاحتفاظ بالمسائل الجوهرية بقصد ترحيلها إلى مراحل قادمة لضمان السير بخطوات واثقة نحو المستقبل .
بالمقابل يبدي الرئيس الأمريكي براعة شيطانية في التلهي بمشاعر الإنسان الأمريكي وتأجيج مشاعر الرفض والكراهية المطلقة لكل ما هو أمريكي ، كون تصريحات ترامب تجسِّد تناقضات صارخة بين ما يفصح عنه وبين الحقائق الماثلة في الواقع ،والهدف واضح وهو تأجيج مناخات الإبادة الصامتة في حق كل من يخالف توجهات السياسة الأمريكية .
هذا يرجِّح نظرية المؤامرة وتأكيد ما ذهبت إليه الكثير من التعليقات حول إمكانية أن يكون فيروس “كورونا” محمولاً ، لأن الرغبة المجنونة للسيطرة والتحكم في إدارة العالم تُبيح كل شيء بما في ذلك الانغماس في الخطيئة والإدمان المفرط في أكل لحوم البشر وتوظيف فيروسات وهمية لترجمة هذه الغاية ، عبر توطينها في أي شعب مستهدف لوضع البشر في قلب مشهد مختلف من الخوف والهلع والترقب.
ما تقدَّم لا يعني أننا نُنكر موضوع وجود الفيروسات والأمراض والجوائح لأن لدينا ثقافة ثابتة وهي ثقافة القرآن الكريم والإيمان الصادق وكلاهما تخبرانا بحقيقة أن الجوائح و الأمراض ابتلاء إلهي ،كما جاء في قولة تعالى ” وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوفْ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الأَمَوَالِ وَالأنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُواْ إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ ” صدق الله العظيم .
من النص تتَّضح علاقة المسلم بمثل هذه الجوائح وكيفية التعاطي معها عندما يكون صادق الإيمان ، فهو يُعيد الأمور كلها إلى الله سبحانه وتعالى وإلى قدرته ، فهو الذي يسبِّب الأسباب ويجعل الإنسان مصدراً لحدوث مثل هذه الجوائح .
وبالتالي فإننا الأكثر اطمئناناً ورضى بخلاف ما يجري في دول الخليج النفطية التي أصبحت تخشى الموت وتبذل الملايين كي تتفادى حدوثه ،وهو عبث واضح يؤكد عدم سلامة عقول هؤلاء الناس وارتهانهم الكلي للبشر دون الاعتماد على الله سبحانه وتعالى ، وهنا يكمن الخلاف.
على أن كل ما يجري في الواقع يضع نظرية المؤامرة والفعل الإنساني في مقدمة الاحتمالات من منطلق أن فيروسات السياسة تتحكَّم في العقول والإرادات وتفرض ما تريد على استراتيجيات الكثير من الدول ، وهذا هو الأساس .. والله من وراء القصد.