بعد 5 سنوات.. ماذا تبقى من مزعوم الشرعية ؟!!
لأول مرة ارتعشت يدي الممسكة بالقلم ولم أتمكن من ضبط مساره، يتحرك بتلقائية، قطة القلم تذرف سائلاً يشبه الدموع ما لبثت بعد لحظات أن تشكلت بلون الدم الأحمر، وكلما أوغلت في متابعة مشاهد برنامج الجزيرة “أموات على الحدود” زاد الحبر وازدادت الحُمرة، بالذات عندما وصل الأمر إلى طريقة استقطاب آلاف الشباب اليمنيين والزج بهم إلى معارك لا ناقة لهم فيها ولا جمل، فجأة يجد الشاب نفسه في حلقة من حلقات النار الملتهبة، لاذنب له إلا أنه يحتاج إلى المال الذي يسد به جوعه وتجاوز حالة الفاقة التي يعيشها، وتفاقمت بفعل الحصار الجائر الذي تفرضه دول ما يسمى بالتحالف العربي.
هذا التحالف الذي أنفرط ولم يبق منه سوى النظامين السعودي والإماراتي، وثبت أنهم لا علاقة لهم بالشرعية وإنما دفعتهم أطماع ورؤى خاصة ونزوات شيطانية لم تتوقف عند بشاعة الدمار والخراب والكوارث الإنسانية وكل الغارات الجوية والقصف العشوائي لمساكن المواطنين في المدن والقرى وطالت كل مقومات البنى التحتية.
بمرور الأيام ظهرت النوايا الخبيثة وأخطرها الرغبة في نهب ثروات البلاد وإيجاد مناطق نفوذ في المحافظات الخاضعة لنفس الدول بقصد تفتيت البلاد وإعادة تشكيل خارطة الوطن وفق الرؤية التي أعدتها أمريكا في زمن مبكر، وحاولت ترجمتها عبر مؤتمر الحوار ونظام الأقلمة، كما وضعت في مشروع الدستور الهزيل الذي تمت صياغته تحت إشراف السفير الأمريكي السابق في صنعاء، وعندما قوبلت الفكرة بالرفض الصارم من قبل مكون أنصار الله ونالت تأييد عارم من شرفاء هذا الشعب، فشلت أمريكا في تنفيذ المخطط الخبيث فلجأت إلى البديل الآخر بالإيعاز إلى أدواتها في المنطقة لتشكيل تحالف عربي يناصر ما يسمى بالشرعية، وتم بالفعل استقطاب هادي وتوظيفه ليكون مظلة للعدوان الهمجي السافر، مع استخدام فائض المال السعودي الإماراتي لاستمالة الأنظمة العربية وجعلها تشارك في العدوان واستقطاب شذاذ الأفاق من المرتزقة وشركات تجارة الحروب للإسهام في العدوان القذر، إلّا أن الصمود الأسطوري للمجاهدين من الجيش واللجان الشعبية غير المعادلة وأسقط كل الرهانات ونقل المعركة إلى الداخل السعودي، مما جعل هذا النظام يسقط جوقة الشرعية ويحولها إلى مجرد ديكور لشرعنة العدوان وإقناع العالم بوجود حركة انقلابيه ضد الشرعية، والانتقال إلى استقطاب الشباب للدفاع عن السعودية في حدها الجنوبي.
ما أفصحت عنه قناة الجزيرة لم يشكل مفاجأة بالنسبة لنا لأن لدينا معطيات وحقائق عن أعمال وممارسات أكثر بشاعة واستفزازاً لمشاعر كل إنسان، لكنها مثلت إضافة للتقارير المعلنة عن حالات امتهان كرامة الإنسان اليمني الثابتة في تقارير المنظمات الدولية التي تكتفي بالإفصاح عنها فقط، ولم تصل إلى 20% من الممارسات والانتهاكات التي تحدث ووصلت إلى حد اختراق السيادة الوطنية كما استمعنا إليها من المجاهدين الأبطال العائدين من ساحات القتال، كانوا يتحدثون إلينا وقلوبهم تقطر دماً لأنهم واجهوا أخواناً لهم مُكرهين بعد استقطاب الشباب من المحافظات الخاضعة لنير الاستعمار والاحتلال السعودي والإماراتي المباشر ونقلهم إلى الحدود السعودية الجنوبية بطريقة النخاسة والمغريات المادية المدنسة والزج بهم إلى محارق الموت للدفاع ليس عن وطنهم وعرضهم وإنما عن النظام السعودي، وأتباع طرق أقل ما توصف به أنها لاأخلاقية تتعارض مع أبسط القيم الإنسانية لأنهم يؤخذون إلى مواجهات غير متكافئة.
صحيح أن لديهم أسلحة متطورة إلا أنه لا يتم تدريبهم وتأهيلهم بشكل مناسب، إضافة إلى انعدام الثقة بالنفس والاستعداد الذاتي للقتال لأنهم مجرد مرتزقة وأدوات للدفاع عن أرض ليست أرضهم، وقضية لا علاقة لهم بها، بينما من يواجهونهم أصحاب قضية وعلى مبدأ يدافعون عن كرامة المواطن وسيادة الوطن.
قال أحد المجاهدين كنا نشفق كثيراً على إخواننا الذين تم الزج بهم إلى هذه المحارق حتى أننا كنا نمكنهم من الهرب أو الوقوع في الأسر حفاظاً على أرواحهم، أما من سقطوا قتلى ولم نتمكن من دفنهم فإن العدو تعامل مع جثثهم باحتقار ودونية، حيث تركها نهباً للوحوش وغطتها رمال الصحراء ولن تعرف الأسر بمرارة الحزن وفقد أبنائها الذين سقطوا في زمن مبكر، إلا بعد أن تضع الحرب أوزارها، انتهى كلام المجاهد البطل.
الإشكالية الكبرى أن تجار الحروب من يتزعمهم علي محسن الأحمر لا يزالون يتاجرون بالبشر خارج نطاق ما يسمى بالشرعية وإنما بطريقة النخاسة وتجارة العبيد وليتهم يكملون جميلهم بعد موت الشاب واستبساله في المعركة، لكنهم يهملون أسرهم ولا يخبرونهم بما جرى، وهذه هي الكارثة.
كل ما أسلفت من حقائق مخيفة تبرر سؤال هام عن الشرعية المزعومة وماذا تبقى منها !! لأن فاقد الشيء لا يعطيه، فإن هذه الشرعية بدأت بكذبة وانتهت إلى كذبة، وأختم بطرفة استمعتها من أحدهم وهو يقول قررت منظمة الصحة العالمية إعطاء جائزة خاصة للدنبوع هادي كونه الوحيد الذي تحمل الحجر الصحي والعزل الذاتي طوال خمس سنوات فاستبق الفيروس وتحول بذاته إلى فيروس ينخر في جسد المساكين والأبرياء المظلومين الذين يزج بهم إلى محارق الموت.. والله من وراء القصد..