أفق نيوز
الخبر بلا حدود

رجــل الـمسؤولية.. أبو الفضل الرئيس الذي لم يطغَ في السلطة، ولم يزهُ بها

257

أفق نيوز | عبدالرحمن الأهنومي

عامان منذ استشهد «رجل المسؤولية» فخامة الرئيس أبو الفضل صالح الصماد ، كُتب وقيل عن حضوره وعن شخصيته وعن مدرسته التي جسدها في موقعه كرئيس للبلاد ، وبداياته، وألمعيّته، وصفاته التي لا مجال لحصرها, سيرته كذلك يصعب وضعها ويصعب تناولها في سياق واحد كان الصماد خلاصة لتجربة جهادية ونضالية طويلة ، وبالإضافة امتلك مقومات وصفات ذاتية وكاريزما قيادية شكلت مع ما يتمتع به من وعي وثقافة وخطاب سياسي وثقافي شخصيته الجذابة ، والتوافقية والقوية في الوقت نفسه ، فهو التجسيد العملي الأكثر توهجا للمشروع القرآني ، وهو المدرسة السياسية والثقافية والجهادية.
عامان مرا منذ استشهاد “أبي الفضل” من الصعب الإحاطة كتابة أو قولا بشخصية عظيمة كرئيسنا المغدور ، من الصعب أيضا أن ينحصر عملاق بين أوراق ، نحن نقرأ الصماد من الصماد نفسه ، نتعرف على الفضل من أبي الفضل كله ، ومن شهادات من عرفوه ، ومن حضوره المتوهج في قلوب المحبين نتعرف على رجل أتقن الرئاسة والريادة واختار الشهادة بديلا عن كل ذلك.
عاصر الشهيد الصماد أحداثا وتحولات كبرى ، وكان أبو الفضل في كل مراحله منذ بني معاذ نبراسا لقائد نموذجي صقلته الحروب وعركته أحداثها ، حتى صار الرجل الأول في بلد يتعرض لأشنع حرب عدوانية شهدها التاريخ الحديث ، وفي رئاسته طبع مسيرته بالزهد والقرب من الناس ، فكان الأقرب إليهم فهو المعلم سابقا..والمجاهد الذي ما بارح عمل القربات يوما ، ولا القران ليلة ، وقد اختار بوعي وهمة عالية أن يكون الأنموذج الأرقى للمسؤول الذي لم تزده المسؤولية إلا قربا من الناس ، واقترابا من أحوالهم.
لم يترجّل الفارس عن صهوة الجواد الا بعد أن أدى دوره وأنهى مهمته في ترتيب أمور الدولة ووضع برامجها وتحديد هويتها وطبيعة علاقتها بالناس ، بعد أن بعث الهمم وحفز العقول لابتكار السلاح ، وقد اختار لنفسه الشهادة بوعي وبهمة ليجسد بذلك النموذج الأرقى في الرئاسة والريادة وفي التضحية والعطاء.
“كان يتمنى الشهادة وقد بلغ مراده” ، بهذه العبارة استذكره السيد عبدالملك الحوثي حفظه الله في خطاب النعي الذي ألقاه قبل عامين ليلة إعلان استشهاد الرئيس الصماد ، معبرا عن المآل الذي اختاره الشهيد بوعيه وإدراكه الكامل ، كلّ من عرف واقترب من الرئيس كان يكرر هذه المقولة كان يحلم بالشهادة ولم يكن يحب الدنيا ، وقد عرف أنه كان مستعدا للذهاب إلى أقصى ما يمكن في سبيل الدفاع عن اليمنيين ، لا تزال كل خطبه وتوجيهاته تُسمع ويحفظها الرجال والنساء والولدان ، الكل يتذكر يوم إعلان استشهاده وتلك اللحظات السوداء في حياة اليمنيين ، ويبكي تأثرا حزنا على خسارة عملاق لا يعوّض ، هو الرئيس الإنسان المتواضع الذي وضع الناس في رأس أولوياته، وكان ليله متصلا بنهاره بهدف دعمهم وتعزيز صمودهم ، حتى أن زيارته الأخيرة للحديدة كان الهدف منها تحفيز التهاميين في مواجهة الغزاة والرد بلسانهم وحالهم على تصريحات السفير الأمريكي الذي خيل إليه أنه سيُستقبل بالورود.
“يتمنى المرء أن يمسح أحذية مجاهد أفضل من مناصب الدنيا” ، عندما اختير رئيسا كان يعي أنه “عندما يتسلَّم المرء مسؤولية عامة , فعليه أن يعتبر نفسه مُلكاً للجميع ” من المعروف أن الشهيد كان دائما يعرض على نائبه تسلّم الرئاسة ، إذ أنه كان يحب البقاء مع المجاهدين ، وكان يعد دائما بمساعدة وإسناد كل من سيتولى المهمة ، في فترة توليه تمكن من إنجاز وحسم ملفات كثيرة وأسس لمسار عمل مؤسسي أعاد للدولة هيبتها وحضورها وخطابها ، خاض الحرب وتصدّى لها ، أنجز خلال رئاسته الكثير من المهمات ، أنهى فتنة ديسمبر ، وقد كانت أخطر منعطف تمر به البلاد في سنوات مواجهة العدوان ، تمكن من تأسيس الكثير من العلاقات السياسية والاجتماعية ، وأزاح عن عوامل جديدة لتعزيز الصمود وتماسك الجبهة الداخلية ، ورغم المهمات تلك ، لم يغب عامة الناس عن بال الرئيس ، كان يزورهم في مناطقهم وفي منازلهم ، يتفقد أحوال من يعرفهم ، من اساتذته ومعارفه وحتى من خاصموه في مسيرة جهاده سابقا ، وكان في كل أحوال رئاسته أقرب إلى العامة ولحوائجهم ، وأبعد عن الخاصة وأنانياتهم.
التقيت الشهيد الرئيس صالح الصماد عقب توليه زمام الأمور ورئاسة المجلس السياسي الأعلى ، على هامش التحضيرات الميدانية لمسيرة التأييد الشعبي لتشكيل المجلس السياسي الأعلى بميدان السبعين في العاصمة صنعاء ، سبق وأن التقيته قبل ذلك أي قبل توليه الرئاسة في مناسبات ولقاءات متعددة ، كان قد وصل لتوه إلى ميدان السبعين قبيل المسيرة الجماهيرية بيوم واحد ، وعلى غير العادة كان الميدان مليء بالجماهير ، كان الرئيس النجم بين الحشود ، لقد تدافعوا إليه لهفة وحبا يحيونه بالهتاف وبالدموع ، تلك البادئة الفاتحة كأول ظهور له بعد توليه الرئاسة استذكرتها في يوم الوداع الأخير حينما كانت الجموع تتزاحم لوداعه في حشد قلَّ نظيره رغم كثافة الغارات الجوية التي شنت حينها على الأمكنة المجاورة للسبعين ، بين ذلك اليوم وبين يوم تشييعه ، راكم الشهيد ثقة الشعب برئيسه ، راهن بشعبه وواجه الغطرسة به ، وقدم نفسه فداء وتضحية لشعبه أيضا..تلك هي معادلة الوفاء المتبادل بين رئيس لم يزهُ بالسلطة ، وبين شعب أحياه سيرة ومسيرة وأنموذجا يحتذي به في كل وقت وأوان وحين.

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com