حقائق هامة عن ناقلة صافر ولماذا قدم المجلس السياسي الأعلى مبادرة تصدير النفط واستخدام العائد في صرف المرتبات!
لا يعرف معظم اليمنيين شيئاً عن الباخرة صافر أو ما تسمى «الميناء العائم»، وما هي المشكلة المتعلقة بها، وأثارها الكارثية والحلول الممكنة والمعوقات الحالية. إليكم بعض التفاصيل المهمة التي من الضروري معرفتها والإلمام بها.
مقدمة لا بد منها
الباخرة صافر هي عبارة عن منشأة ناقلة صنعت في اليابان عام 1976 واشترتها الحكومة اليمنية عام 1986 (بعد عشرة أعوام من استخدامها في كوريا الجنوبية)، وتستخدم في تخزين النفط المصدر عبر صافر ثم نقله من الباخرة إلى ناقلات النفط المعنية بالتصدير.
تحتوي الباخرة على 36 مخزناً، كل مخزن معزول عن الآخر، وتقدر سعتها التخزينية بأكثر من ثلاثة ملايين برميل نفط، وهي موجودة في منطقة تحت سيطرة المجلس السياسي الأعلى، وكانت النفقات التشغيلية للباخرة صافر سنويا تقدر بـ10 ملايين دولار، وكان المبلغ يتزايد بشكل سنوي نظرا لقدمها وتهالكها.
المشكلة
وجود 1.2 مليون برميل تقريبا من النفط الخام في الباخرة صافر، وإذا تسرب هذا النفط لا قدَّر الله فستحدث كارثة بيئية قدَّر خبراء البيئة أنها ستكون أكبر بأربعة أضعاف من أكبر كارثة بيئية حدثت حتى الآن، وستمتد إلى قناة السويس والسعودية، وسيحتاج الأمر إلى عشرات السنوات وأموال ضخمة جدا لمعالجة أضرار الكارثة، وستقتل كل الأحياء البحرية على امتداد المناطق الملوثة، وبالتالي ستتوقف أعمال كل الصيادين، إضافة إلى أضرار أخرى يصعب حصرها.
أساس المشكلة التي أدت إلى تدهور وضع الباخرة صافر هو أنها تجاوزت عمرها الافتراضي بعدة مراحل، بعد أن عملت مدة 40 عاماً منذ تاريخ تصنيعها واستخدامها إلى 2015. وفي التسعينيات كان قد تم الشروع بدراسات لتوفير بديل عن الباخرة، إلا أنها لم تر النور. وفي 2013 تم تكليف شركة صافر بدراسة مشروع رأس عيسى والإشراف على تنفيذه بعد أن تعثرت وزارة النفط في تنفيذ المشروع، وهو عبارة عن جزء بري متمثل في عدة منشآت على اليابسة لتخزين النفط المصدر عبر البحر الأحمر، وجزء بحري وهو عبارة عن أنابيب وتوصيلات ممتدة من المنشآت البرية. وكان يفترض تسليم المشروع في 2015 إلا أنه توقف بسبب العدوان، بعد أن كانت شركة «كمتك» الهندية (التي رست عليها مناقصة إنشاء المشروع) قد أنجزت 40٪ من الجانب البري وصنعت 90٪ من المعدات اللازمة للجانب البحري. وما فاقم الوضع وزاد خراب وتآكل هيكل الباخرة صافر هو توقف تصدير النفط عن طريق شركة صافر بموجب توجيهات العدوان وأياديه في مأرب، فتوقف التصدير يعني توقف تشغيل الباخرة، وتوقف تشغيلها يعني زيادة تآكل هيكلها، بالإضافة إلى توقف نفقات تشغيلها وصيانتها بحسب توجيهات قيادة صافر في مأرب وتسريح الفريق الهندسي والفني العامل على متن الباخرة والاستغناء عنهم.
ما ينبغي فعله
في مثل هذه الحالة وفي ظل تعنت العدوان بإيقاف تصدير النفط عن طريق صافر ومع استمرار العدوان في مد وتركيب شبكة أنابيب جديدة لتصدير نفط مأرب وشبوة عبر البحر العربي، فالحل الأمثل هنا هو تصدير النفط الخام الموجود في الباخرة أو تفريغه إلى خزانات آمنة.
المعوقات: قام المجلس السياسي الأعلى بمخاطبة الأمم المتحدة والمجتمع الدولي أكثر من مرة، وطالب السماح بتصدير الكمية أو تفريغها لتلافي الكارثة البيئية، وكان الرد دائماً هو الرفض، بحجة أن هذا الطلب يجب أن يأتي من الحكومة اليمنية المعترف بها دولياً.
وقبل عام تقريباً بدأت ما تسمى «الشرعية» النقاش مع شركة «كمتك» الهندية لبيعها النفط الموجود في الباخرة وهو تقريباً 1.2 مليون برميل، مقابل استكمال مشروع رأس عيسى، بحكم أنها الشركة التي رست عليها مناقصة إنشاء مشروع رأس عيسى، ولم تتسلم من صافر المبالغ المتفق عليها بسبب حالة الفساد المالي التي تعانيها الشركة في مأرب، وكانت الشركة قد هددت برفع دعوى قضائية ضد صافر والحكومة اليمنية بتعويض خسائرها، لذلك توجهت وزارة النفط للنقاش مع الشركة، وكان ذلك سيكون له فائدتان: الأولى هي التخلص من النفط الذي قد يسبب كارثة بيئية كبيرة جدا، والثانية هي استكمال مشروع رأس عيسى الذي سيكون البديل الأفضل والأنسب للباخرة المنتهية «صافر»، ويعتبر مشروعاً عملاقاً يجب استكماله بأي شكل من الأشكال، نظرا لأهميته وكون قيمة المشروع أصبحت التزاماً حتمياً على اليمن واجب السداد. إلا أن ثلاثة من المسؤولين في ما تسمى «الشرعية» أعاقوا الاتفاق بسبب رفض الشركة دفع 30 مليون دولار بواقع عشرة ملايين دولار لكل واحد منهم كعمولة، وعلى رأسهم جلال عبد ربه، ولم يتم الاتفاق مع أنه كان الحل الأفضل للمشكلة القائمة، بالإضافة إلى أن الاتفاق كان سيلغي رفع قضية على اليمن ومطالبتها بتعويضات.
الجدير بالذكر أن المجلس السياسي الأعلى تقدم بمبادرة تصدير النفط واستخدام العائد في صرف مرتبات الموظفين، وذلك لدحض افتراء من يتحدث عن رغبة سلطة «السياسي الأعلى» في الاستحواذ على قيمة نفط الباخرة صافر. ورغم أن المقترح سيعالج أبرز القضايا (تلافي الكارثة البيئية وصرف المرتبات) إلا أن ذلك أيضاً قوبل بالرفض، وتم اشتراط أخذ حكومة الفنادق القيمة كاملة لينهبوها كما نهبوا سابقاً قيمة النفط المخزون في حضرموت وغيرها من عائدات ثروات الوطن ولم يفوا بالتزاماتهم وعهودهم كما هي العادة ولا يرغبون بحل مشكلة المرتبات رغم أنهم ملزمون بصرفها وفق تعهداتهم للبنك الدولي عند نقل البنك المركزي من صنعاء إلى عدن.
ولا يجب أبدا أن تتحجج شرعية الفنادق بقيمة النفط وتجعله عائقاً أمام مشكلة بهذا الحجم، حيث بالإمكان تنفيذ مقترح «السياسي الأعلى» أو الاتفاق مع شركة «تمتك» برعاية دولية، فالأهم هو تدارك المشكلة الأكبر والكارثة المحتملة. إلا أن شرعية المنفى لا همّ لها غير المال مهما كانت النتائج.
وصحيح أن الباخرة تقع في مناطق سيطرة «السياسي الأعلى» إلا أن تحالف العدوان يهدد بقصف أي مركب أو سفينة تقترب منها. ومؤخرا تم إجراء حوار مباشر بين عضو المجلس السياسي محمد علي الحوثي والسفير البريطاني بشأن الباخرة، وانتهى الحوار باتفاق يقضي بالسماح لفريق الصيانة بإجراء معالجة وصيانة طارئة وسريعة بشكل مؤقت إلى حين الاتفاق النهائي.
بريطانيا هي المعنية بهذا الملف وتستخدمه باستمرار كورقة ضغط إلى جانب ملف المرتبات لتسليم ميناء الحديدة، ويأتي ذلك في ظل صمت مخزٍ لكل المنظمات الإنسانية، خاصة المنظمات المعنية بالحفاظ على البيئة.
يجب أن يضج العالم ويتفاعل مع موضوع بهذا الحجم، بعيداً عن السياسة وشراء الذمم والانتهازية التي يتعامل بها تحالف الشر والظلام في كل قضايا اليمن الإنسانية، بما فيها مشكلة الباخرة صافر.
(خالد العراسي – صحيفة لا)