الأبــْــــراجُ الـعــاجــيـّـة .. والــمـركـزيـّـةُ الــقــاتِـلـة
سيف الدين المجدر
من خلال تأمّلي في واقع بعض الوزارات في بلادنا وفي مسؤولياتها، أجد أن واقعها العملي لا يتوافق مع مسؤولياتها، مثالاً على ذلك “وزارة الإدارة المحلية” والتي أسمع عنها كما يسمع عنها الكثير من أبناء المجتمع اليمني على أنها وزارة تقوم بتعيين المدراء، والوكلاء…إلخ.
لكن ونحن نقف أمام هذه الوزارة، والتي علمت أنها من أهم الوزارات في بلادنا، بل هي بمثابة العمود الفقري الذي تعتمد عليه جميع الوزارات الأخرى في الحكومة، ومن أبرز مسؤولياتها والسبب في نشأتها هو تفعيل وإدارة المشاركة المجتمعية في مجتمعاتنا المحلية والذي يعتبر أهم مبدأ يقوم عليه تحقيق التنميه في أي مجتمع في العالم حيث أن بعض الدول تطلق عليها اسم وزارة التنمية.
بالنظر إلى واقع هذه الوزارة ومسؤولياتها، نجد أنها تعيش فجوة فكريه كبيرة بينها وبين المجتمع، وهذه الفجوة تتوسع بسبب الحساسية المركزية في التعامل مع أنشطة ومبادرات ومشاركات المجتمع فما إن يرى البعض من مسؤولي الإدارة المحلية أن المجتمع يتوجه الى إقامة مبادرة تنموية ذاتية
حتى يرتفع أمبير الحساسية والمركزية، خائفين على الدولة وهيبتها!..
فيسعوا إلى إيقافها أو على الأقل عرقلة تلك المبادرات أو أي تفاعل مجتمعي تنموي، بحجة أن هذا العمل هو من اختصاص الدولة ولايجوز أخذ دورها، وأحياناً يتم إيقافه بوعود زائفة، إما وعود التمويل الحكومي أو إن الدولة هي من سوف تقوم بهذا العمل، وعود خبيثة تقتل روح المبادرة في المجتمع وتحوله إلى مجتمع منهزم ومستسلم للمعاناة، فاقدٌ للثقة في نفسه وفي الدولة.
كل من يقف في وجه هذه المبادرات المجتمعية العظيمة بأي شكل من الأشكال هو شيطان..
هو يُعرقل شق الطريق ويعاني الناس في تنقلاتهم، ويُعرقل بناء المدرسة ويحرم آلاف الأطفال من التعليم وتزيد الأمية، ويُعرقل مشروع المياه ويضطر الناس إلى قطع مسافات بعيدة جداً لجلبها، ويُعرقل إقامة المركز الصحي فيموت الناس من المرض، انظروا لكل هذه الآثار الكارثية!! التي نتجت عن ذلك التصرف الغير مسؤول، أليس هذا شيطان؟!!.
ليس من يعرقل المبادرات المجتمعية فقط، بل حتى ذلك المسؤول الذي لايتحرك ولايبتكر حلول تنهي المعاناة وتحرك عجلة التنمية ولا يحشد طاقة المجتمع ولا يفعله، وهو قادر على ذلك بصفته الشخصية وبعظمة الأهداف التي يحشد لها، أهداف تنموية تعود بالنفع على المجتمع، هذا المجتمع العزيز الذي تنحني له الجبال احتراماً وإجلالاً لعظيم مايقدمه في كل الميادين العسكرية والتنموية.
إذا تحرك المجتمع وقام بالتخطيط والتمويل والتنفيذ لأي مشروع يجد البعض أن في ذلك إهانةً له وللدولة، لأنهم لا يفكرون كرجال دولة تسعى إلى بناء البلد وخدمة الناس بكل ماهو ممكن ومتاح، وللأسف الشديد لازال البعض منهم مثل (المقاولين) لايهمه أمر هذا الشعب ولايحركه انتمائه الديني والوطني ولاتحركه حتى إنسانيته.
إن رجل المسؤولية الصادق ليس ذلك الذي لايعرف إلا الخطط والموازنات و المطالبة، رجل المسؤولية هو الذي يتحرك في هذه المرحلة مستشعراً حاجة الناس ومعانتهم ويسعى جاهداً إلى خدمتهم ويوحدهم ويتحرك معهم ويشركهم في التخطيط والتنفيذ عند إقامة أي مشاريع تنموية، ويكون هو فرد منهم، ولا ينتظر الحكومي ولا يستجدي المنظماتي، وهناك الكثير من هاؤلاء الأبطال الذين يسطرون الانتصارات العظيمة على الساحة التنموية .
فالتنمية الحقيقية لن تأتي إلا ببناء المجتمع، وبغير ذلك لن تتحقق أبداً، ونجد أن كل تلك المشاريع التي نفذت من قبل الحكومة بالمليارات، لم يُكتب لها الاستدامة ولم يستفيد منها الناس بالشكل المطلوب، وكان مفهوم التنمية في السابق مجموعة من المباني الضخمة لا غير، ذلك لأنه لم يتم إشراك المجتمع فعلياً في التنمية ولم يكن هناك أي اهتمام به، وبذلك ظلت المركزية قائمة في الفكر!، حتى وصلت إلى ذلك الحد الذي أصبحت فيه عائقاً أمام التنمية الحقيقية والمستدامة.
على مستوى عملية صيانة بسيطة لأحد الطرقات تحتاج إلى خطط ودراسات وموازنات، كما يرى أصحاب البروج العاجية، واجتماعات تلو اجتماعات، ومعايير دولية، هذه المعايير التي قتلت التنمية، وفي الأخير لايُنجز شيء، فيما لو أن الإدارة المحلية قامت بدورها المسؤول والحقيقي في تحفيز وتفعيل المجتمع لأنجز ذلك في خلال أيام معدودة.
إن البعض يبدون وكأنهم غير مدركين لهذه الحرب الشرسة، وهذه الهجمة الوحشية العدوانية التي تشن علينا، ولايزالون في “أبراجهم العاجية” ونتيجةً لهذه الوضيعة الخاطئة، تأتي قراراتهم وأفكارهم منافيةً تماماً لاحتياجات الواقع المحلي، لذلك هم بحاجة إلى ترك الأبراج العاجية وبحاجة إلى النزول للميدان وملامسة واقع الناس ..
هذا التأخر في إنجاز الرؤية الوطنية، هو بسبب بعض المسؤولين الذين لم يستوعبوا الرؤية الوطنية ولم يعلموا بعد ماذا تعني التنمية ولم يؤمنوا بالإمكانيات والموارد المحلية وبقدرة هذا الشعب العظيم، ويعيشون حالة التـيـه التنموي.من المفترض أن يستشعر الجميع مسؤوليته ويتحرك في مسار الثورة التنموية، ذلك التحرك العملي والجاد، البعيد عن التفكير المادي والأناني، وبروحية عالية تؤمن بأن الله قادر على كل شيء .
نجاحات المبادرات المجتمعية الذاتية، ليست ضرباً من ضروب الخيال، نحن نتحدث عن واقع ملموس، وهناك شواهد عظيمة في الميدان وهناك شواهد تاريخية وتجارب سابقة، ومن منا حين يذكر اسم (الشهيد الحمدي) لايتذكر (التعاونيات)!؟.
إذاً من المفترض أن ندرك أهمية دور المجتمع في التنمية، وعلينا أن نستجيب لتوجيهات القائد العلم السيد عبدالملك بدر الدين الحوثي -حفظه الله-
فقد وجه بدعم النهضة الزراعية وتحسين الجودة الإنتاجية بالتنسيق مع الجهات الرسمية المعنية ومنها اللجنة الزراعية العليا، وكذلك وجه بدعم المبادرات المجتمعية الذاتية).
في الأخير نلاحظ أن في بلادنا إدارة محلية شكلية ليست فعلية، تترك تحت أقدامها كل تلك الإمكانيات الهائلة، وبصرها شاخص إلى الأعلى، ولأنها لا تؤمن بالمشاركة المجتمعية الحقيقية، وتغرق في مركزية التفكير القاتلة أصبحت عثرة أمام العديد من المشاريع التنموية.
ألِــهــذا وُجــدت الإدارة الـمـحـلـيـة!!؟؟.
قال تعالى{ أَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا فَاحْتَمَلَ السَّيْلُ زَبَدًا رَّابِيًا ۚ وَمِمَّا يُوقِدُونَ عَلَيْهِ فِي النَّارِ ابْتِغَاءَ حِلْيَةٍ أَوْ مَتَاعٍ زَبَدٌ مِّثْلُهُ ۚ كَذَٰلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْحَقَّ وَالْبَاطِلَ ۚ فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً ۖ وَأَمَّا مَا يَنفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ ۚ كَذَٰلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ }.