” ماس ” وثقافة النصر
أحمد يحيى الديلمي
بكل المقاييس مثّل اكتساح معسكر ماس الاستراتيجي في محافظة مارب والسيطرة الكلية عليه، انتصاراً عظيماً وإنجازاً نوعياً هاماً للقوات المسلحة اليمنية، قلب الموازين وحدد مستقبل قوات التحالف وموعد اندحارها الكلي في القريب العاجل إن شاء الله، فمن حيث الدلالات والتوقيت يُمثل الانتصار عملية استراتيجية هامة أعادت للأمة كرامتها وعزتها في وقت تتهاوى فيه خيانات ودول تندحر باتجاه التبعية الضآلة للأعداء الأمريكان والصهاينة بفعل الهرولة العمياء باتجاه التطبيع مع دولة الكيان الصهيوني، فجاء هذا النصر ليؤكد أن عروق الأمة ما تزال حية تنبض بالدم وتتصاعد منها الكرامة لتؤكد أنها أمة حية وجدت لتبقى، خاصة إذا ما أدركنا أن الانتهاء من تطهير المكان ترافق مع موقف خسيس ومؤلم تمثل في اجتماع المدعو الأمير الغر محمد بن سلمان مع رئيس وزراء إسرائيل في مدينة سعودية على البحر الأحمر، وكما تقول المعلومات الخفية أن هذه المدينة اُختيرت بعناية لتكون مكان اللقاء الذي يُمهد لوضع أول لبنة للقواعد الصهيونية في المنطقة، وعلى هذا الأساس اجتمع نتنياهو وأبن موردخاي، والتي ستتم بعد استكمال مرحلة التطبيع النهائي بين الدولتين في إطار حملة التطبيع التي طالت حتى الآن السودان والبحرين والإمارات، والسعودية على مشارف هذه الخطوة الدنيئة التي وصفها الكاتب الفلسطيني ناصر اللحام بأنها تشبه فرار الزوجة من بيت زوجها إلى بيت الدعارة وهو وصف في محله ويتفق مع عقليات ومستويات تفكير هؤلاء الناس الذين باعوا أنفسهم للشيطان ويحاولون شيطنة كل شيء بما في ذلك الإسلام .
كل هذه الدلائل والمؤشرات تجعل الانتصار الذي تحقق أكثر عظمة وأكثر قرباً من الحسم النهائي إن شاء الله، فجميع المعطيات تؤكد أن مقومات النصر العظيم كانت غير عادية وتمثلت في صمود الأبطال المجاهدين الذين حققوا هذا النصر وكل الانتصارات العظيمة في جبهات الكرامة والعزة على امتداد الوطن اليمني .
بالصدفة ألتقيت ثلاثة مجاهدين من الشباب الأبطال في صنعاء يقضون استراحة المحارب عادوا للتو من ماس، وجدتهم يقللون من أهمية ما حدث ويعتبرونها مجرد محطة إضافية للانتصارات التي تحققت في كل جبهات العزة والكرامة، ومقدمة للاقتراب من الهدف العظيم والغاية الأسمى المتمثلة في تحرير كل شبر في أرض اليمن من دنس الأعداء والمحتلين تمهيداً لخوض غمار المرحلة الثانية من النضال الهادف إلى تحرير الأراضي المقدسة في نجد والحجاز وفلسطين المحتلة .
تفاجأت فعلاً أني أمام ثلاثة أبطال في نهاية العقد الثاني من العمر، لم يجلس أحدهم على مدارج الجامعات والمعاهد العسكرية ولم يقتحموا دهاليز السياسة بأفاقها الزائفة القائمة على قاعدة فن الممكن، لكن ملامحهم تعكس الصدق والكرامة والعزة والإيمان الخالص بالخالق سبحانه وتعالى والاتكال عليه في كل صغيرة وكبيرة، وهذا هو الرصيد المتراكم من معرفة الدين وفهم مقاصده الثابتة في القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة والتراث المتناسل عن آل البيت عليهم السلام، هو المعين الروحي الذي أعطى هؤلاء الشباب دفعة قوية جعلهم يقتحمون ويواجهون أعتى الأسلحة ويتصدون لأكبر الصعاب ويذللونها لتصبح مدخلاً للنصر بعيداً عن تلك الصفات والطباع الكريهة الملوثة بالحقد وكل أنواع الكراهية، وبهذه الصفات العظيمة قهروا مستويات التسليح المتطور والتجييش غير مسبوق من قبل الأعداء، وتغلبوا على الصعاب الجغرافية حتى حققوا الهدف وقلبوا كل الموازين بعد أن رسموا ملحمة إيمانية عظيمة ستظل خالدة في نفوس كل ا لمهتمين والمتابعين للاستراتيجيات العسكرية، لأنها بالفعل ترجمة الإرادة الإلهية المتمثلة في قولة تعالى ( كَم مِّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللّهِ وَاللّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ) صدق الله العظيم .
بفعل هذا الإيمان المُعزز ببُعد وطني وانتماء صادق لليمن، جسد الحرص الشديد على الوحدة وإقامة العدل بأفقه الشرعي والسعي إلى حماية مصالح الوطن وملامسة هموم المواطن، استطاع الشباب أن يحققوا هذا الإنجاز وأن يكونوا أكثر قدرة على التحدي ومواجهة الصعاب وأكثر وعياً بالمخاوف المحتملة، لأنهم عندما حدثناهم عن النصر وأبعاده قالوا إن ما حدث تأخر كثيراً لا بفعل قوة الآخرين ولا تجييشهم ولكن لأننا خالفنا تعليمات القائد السيد/ عبد الملك بدر الدين الحوثي الذي حذرنا من الغرور بعد انتصار الجوف، كبشر داخل نفوسنا بعض هذا الغرور فكانت النتيجة تأخر النصر لكننا ولله الحمد تعلمنا مما جرى وسنواصل الانتصارات إن شاء الله حتى يتحقق الإنجاز الأكبر الذي انطلقنا من أجله ووضعناه في قائمة اهتماماتنا الأساسية .
إنها فعلاً أفكار غير عادية وغير مسبوقة، لاشك أنها أسهمت كثيراً في صناعة النصر العظيم وستسهم في تحقيق الخطوات التالية إن شاء الله بنفس العزم والإرادة القوية كأهم عمل وطني واضح يُقصد به في المقام الأول وجه الله سبحانه وتعالى، وبه يتحقق معنى الجهاد الثابت عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، حيث قال ( من خرج لتكون كلمة الله هي العليا فهو مجاهد في سبيل الله ) أو كما قال، إذاً هذه هي مقومات النصر وهذا هو محور ارتكاز البطولات التي يسطرها هؤلاء الشباب وستقود إلى تحقيق ما يتطلع إليه شعبنا اليمني من عزة وكرامة وصيانة للسيادة والاستقلال والتفرد بإرادة القرار الذاتي بعيداً عن الهيمنة والاستحواذ لأيٍ كان، ألم تكن هذه معجزة فعلاً وستظل خالدة في النفوس طالما أنها تستند إلى قوة الله سبحانه وتعالى وتتمثل تعليمات القيادة في كل خطواتها، وعلى هذا الأساس ستظل الراية خفاقة حتى يتحرر آخر شبر في أرض اليمن من الأعداء والمحتلين الجُدد .. والله من وراء القصد ..