التوسع السعودي جنوب #اليمن .. يختنق بحبال هزائمه
لم يعد مستساغاً حتى لدى محبي النظام السعودي سماع تصريحاته التي يطلقها بين وقت وآخر حول أهمية وحدة اليمن، فيما يمارس علنا الانفصال وألياته ومفاعيله على الأرض..
والأمر ليس جديدا البتة لمن يفهم في السياسة السعودية التي تعمل الشيء ونقيضه، والمتتبع للسياسة السعودية تجاه اليمن سيجد أن مطامعها في اليمن لم تكن جديدة، بل تعود إلى ستينات القرن الماضي.
فبينما كانت «الجبهة القومية» تقاوم الاحتلال البريطاني في سبيل الاستقلال الذي تحقق في الـ 30 من نوفمبر 1967 كانت السعودية تقوم بتحقيق مكاسب على أرض جنوب اليمن قبل الاستقلال.
ويعزو الكثير من الباحثين عداء السعودية للثورات اليمنية في شمال اليمن وجنوبه في ستينات القرن الماضي إلى مخاوف حكامها من تصدير الثورة للمملكة، إلا أن عداء الرياض تجاوز ذلك، إلى العداء لمشروع الوحدة اليمنية.أفق نيوز / عبدالله محمد
لكن الكثير من المعطيات والأدلة على الأرض تشير إلى أن ذلك العداء يعود إلى تقاطع أهداف ثورتي سبتمبر وأكتوبر وكذلك مشروع الوحدة واليوم ثورة 21 سبتمبر مع مطامع السعودية التوسعية في الأراضي اليمنية.
«الجبهة القومية الجنوبية» التي اتخذت الكفاح المسلح خياراً وحيداً لمقاومة المحتل البريطاني حتى نيل الاستقلال في جنوب اليمن كان من أبرز أهدافها طرد المستعمر الأجنبي وإسقاط الحكم السلاطيني، واسترجاع الأراضي والثروات المسلوبة وتحقيق وحدة الشعب في إقليم اليمن.. تلك الأهداف وجدت فيها السعودية خطراً سيداهمها في حال نال الجنوب الاستقلال، فعمدت خلال فترة الكفاح المسلح في الجنوب ضد الإنجليز إلى توطيد تواجدها العسكري في شرورة اليمنية وفي الوديعة التي تقع في الحدود الشمالية لحضرموت، بعد أن ضمتها بريطانيا أثناء ترسيم حدود الجنوب مع السعودية مطلع ستينات القرن الماضي إلى الجنوب، ورفضت الاعتراف بأي وجود سعودي فيها..وفق مراقبين محليين.
ويقول المتابعون للنشاط السعودي في اليمن من الباحثين والسياسيين “بعد أشهر من نيل الجنوب الاستقلال، وجلاء آخر جندي بريطاني، واختيار «الجبهة القومية»، الرئيس قحطان الشعبي، كأول رئيس لدولة الجنوب المستقلة التي حلت محل دولة السلاطين الاتحادية الموالية للإنجليز انشغلت «الجبهة القومية» وقواتها بمهمة توحيد الجنوب، وإنهاء السلطنات التي صنعتها بريطانيا في المناطق الجنوبية والشرقية، وتزامن ذلك مع حدوث انقلاب ابيض في شمال الوطن على الرئيس السابق عبدالله السلال في نوفمبر من نفس العام، وهو ما تسبب في تراجع خطوات توحيد اليمن.
ومن جديد وفي العام 1970 عاد الحديث عن الوحدة، إلا أن السعودية كانت قد نجحت في اختراق النظام الجمهوري في الشمال عبر اتفاقيات سلام، فوقف ذلك التوجه حائلاً دون حدوث تقارب بين الشمال والجنوب وإعادة نغمة اتهام النظام الجنوبي بـ«الماركسي»، ليتطور الخلاف إلى دعم الجنوب «للجبهة الوطنية» المسلحة في الشمال التي كانت من أبرز مطالبها تقليص النفوذ السعودي وتحقيق الوحدة الوطنية.
وحسب ذات المراقبين السياسيين ” إلا أن الجبهة أوقفت عملياتها العسكرية ضد الدولة خلال فترة الرئيس إبراهيم الحمدي الذي كاد أن يعلن الوحدة مع الرئيس سالم ربيع علي سالمين في الـ 12 من أكتوبر 1977، أي قبل يوم من اغتيال الحمدي المدبر من قبل السعودية، لتعود «الجبهة الوطنية» مرة أخرى إلى التصعيد العسكري في فترة ما بعد الحمدي وتحقق الوحدة خلالها في 22 مايو 1990م وهو ما أغضب السعودية التي بذلت كافة الجهود لإفشال الوحدة لما تشكله من تهديدٍ على مصالحها ومطامعها في اليمن”.
ووفقا لكتابات سياسية مهتمة فإن كل تلك المساعي والنوايا السيئة تجاه اليمن وجنوبه بدت جلية دون مساحيق تجميلية في موقف الرياض مع الانفصال في حرب صيف 1994م، ولاتزال الرياض تقف في صف مناهض للوحدة حتى اليوم بطرق مباشرة وغير مباشرة.. وبدت الفرصة سانحة لها أكثر بتمكنها من شن عدوان مستمر على اليمن منذ مطلع العام 2015عبر رافعة مرتزقتها المحليين وعلى رأسهم الفار عبد ربه منصور هادي.
الجنوب .. والمطامع السعودية
دأب النظام السعودي على تجزئة اليمن وخصوصا جنوبه واستمرأ سياسة الضم وإلحاق أراض يمنية يبتلعها بين وقت وآخر كلما سنحت له الفرصة..
والمعطيات تبدو جلية وفقا لباحثين مهتمين بالقضايا الجيوسياسية في شبه الجزيرة العربية “فقد حاولت دولة الجنوب المستقلة بقيادة أول رئيس، وهو قحطان الشعبي، بعد أشهر من الاستقلال حل الخلاف سلميا حول شرورة والوديعة وأبدت استعدادها لتشكيل لجنة يمنية جنوبية ـ سعودية لبحث موضوع الحدود بين البلدين، إلا أن مطالب السعودية كانت بضم شرورة إلى أراضيها، فتصاعدت الخلافات بعد أن فقدت الرياض الكثير من اذرعها في الجنوب وخصوصاً سلاطين حضرموت، لتندلع أول حرب جنوبية مع السعودية في 27 نوفمبر 1969م، حينما أقدمت قوات جنوبية على مهاجمة «مركز الوديعة الحدودي» الذي استحدثته السعودية في عمق الأراضي اليمنية ، وتقدمت تلك القوات باتجاه شرورة لاستعادتها وتجاوزت منطقة قرن الوديعة لتصل إلى مشارف مدينة شرورة، إلا أن السعودية اعتبرت الحرب «ماركسية»، واستعانت بـ«الإسلاميين» لمساندة قواتها، وبقيادة الملك الحالي سلمان بن عبدالعزيز – الذي قاد القوات السعودية – استعادت السيطرة على الوديعة ومناطق واسعة في شرورة بعد مواجهات عسكرية استمرت عدة أيام وأخضعتها بالقوة لسيطرتها”.
الضم والإلحاق
وحسب أولئك الباحثين فإن تلك الأطماع لم تتوقف بل استغلت المملكة حالة عدم الاستقرار السياسي الذي عاشته دولة جنوب اليمن سابقاً خلال السبعينيات والثمانينيات، لتضم أراض يمنية واسعة كانت تابعة لحضرموت ومحافظتي المهرة النفطيتين وتلحقها بأرضها معتمدة على آلية الاستقطاب لضم سكان المناطق الحدودية إليها من خلال منحهم جنسيات سعودية وتابعيات وامتيازات مالية، لتتوغل في عشرات القرى الواقعة على حدودها الشرقية، ونظراً لذلك كادت أن تندلع حرب سعودية-يمنية في ديسمبر عام 1994م، أثناء قيام قوات سعودية باستحداث نقاط ومواقع في منطقة الخراخير التابعة للمهرة والتي أصبحت اليوم سعودية بالكامل، والتمدد في شرورة التابعة لحضرموت، إلا أن تدخلا سوريا ومصريا مع قيادة البلدين نزع فتيل التوتر .
المهرة.. حضرموت
وعلى الواقع اليوم انكشفت سياسة الضم والإلحاق السعودية تجاه اليمن، ومطامعها الاستعمارية، فالرياض لم تكتفِ بضم عشرات المناطق المهرية إلى أرضيها وإلحاق مناطق واسعة في الربع الخالي، وفي مناطق تابعة لحضرموت لأراضيها، بل تسعى اليوم للسيطرة على محافظة المهرة بشكل كامل تحت أكثر من ذريعة كذريعة مكافحة التهريب، وإعادة الأعمار، ومساعدة المتضررين من كوارث الأعاصير ، مستخدمة القوة ضد أبناء المحافظة الرافضين لوجودها العسكري على أراضيهم.
محللون سياسيون يرون – في هذا السياق – أن الوجود الإماراتي قابل للرحيل في أي لحظة بقوة إرادة أحفاد ثوار أكتوبر ونوفمبر لكن التوغل السعودي أخطر بكثير بحكم الجوار، فالرياض تسعى لاحتلال أبدي في أرض الجنوب.
التنسيق البريطاني السعودي
يقول مؤلف كتاب “المطامع السعودية التوسعية في اليمن” (1) الدكتور محمد علي الشهاري تأكيدا للتنسيق السعودي البريطاني لمواجهة الثورة في الشمال ومقاومة المحتل في الجنوب:
بعد إعلان ابن سعود الحرب ضد اليمن في ٢٢ مارس ١٩٣٤م تقدمت قوى الغزو في شكل قافلتين ، إحداهما تحت إمرة سعود ، ولي العهد ، وأكبر أبناء عبد العزيز ، والذي كان مكلفا بالاستيلاء على نجران وصعدة ، والأخرى كانت بقيادة فيصل ، نجله الثاني ، وكانت مهمتها استعادة جبال عسير تهامة والزحف على تهامة .
ومن معسكرها في خميس مشيط في عسير السراة اندفعت فصائل قوية برئاسة فيصل بن سعد في اتجاه صعدة ، بينما هجم الأمير خالد بن محمد – نجل الأخ الأكبر لابن سعود من شمال نجران على الجيش اليمني في جنوب نجران ، ومن صامطة انطلق احمد الشويعر أمير عسير تهامة ضد حرض – معسكر الجيش اليمني في الغرب – ومن نجد قدم الأمير محمد ، النجل الأصغر لابن سعود بقوات احتياطية من اجل أخيه سعود .
يضيف الدكتور الشهاري: كانت الجيوش السعودية المتقدمة مزودة بسيارات حمل ، ودبابات ، ومصفحات ، ومدافع جبلية ، وبطاريات ، ومدافع رشاشة ، وأجهزة ميدان لاسلكية ، وغير ذلك من التجهيزات الحديثة .
ومعظم الأسلحة الحديثة كانت مقدمة من بريطانيا العظمى صاحبة النفوذ والحظوة في الرياض، وخلال الفترة من أكتوبر ١٩٣٣م _ أبريل ١٩٣٤م زودت الحكومة البريطانية ابن سعود بمليوني حبة رصاص ، وقد لعب رجل المخابرات البريطاني ومستشار ابن سعود الدائم في نفس الوقت المستر جون فيلبي، والذي تنبأ منذ عام ١٩٣٠م بحتمية اندلاع الحرب بين اليمن ونجد، لعب دورا بارزا في هذا المجال ، فقد تكفل بمهمة جلب سيارات النقل للمملكة السعودية ، وبفضل جهوده قدمت شركة ستاندرد أويل عن طريق البنك الهولندي في جدة للملك السعودي ٣٠ ألف جنيه استرليني كقرض ، ليستعين به في شراء تجهيزات حربية ، وكل سيارات النقل التي تسلمها عبدالعزيز عام ١٩٣٤م بيعت له من قبل شركة فورد على الحساب.
الحاكم الوهابي وحروبه التوسعية
ووفقا للشهاري “من هذه الوقائع يتضح أن الحرب التي أعلنها الحاكم الوهابي على اليمن لم تكن فقط بسبب النزاع على عسير ونجران بينه وبين الأمام يحيى حميد الدين ، وإنما كانت بالدرجة الأولى حربا توسعية شنت بدعم من الاستعمار البريطاني ، لهدف أوسع بكثير من مجرد إلحاق عسير ونجران بالمملكة السعودية ، لقد كان هدفها البعيد هو احتلال أراضي المملكة اليمنية كلها ، وإلحاقها إن أمكن بالمملكة العربية السعودية” .
وتابع الدكتور الشهاري مدللا على الاطماع السعودية التوسعية في اليمن شمالا وجنوبا بالقول: ولم تكن الامبريالية البريطانية تريد بهذه الحرب الحصول على الأرباح الاقتصادية التي تجنيها من وراء بيع تجهيزاتها في شكل أسلحة ووسائل نقل آلية ، وإنما أيضا تحقيق مصالح سياسية خاصة في حالة تمكن حليفها ابن سعود من الاستيلاء على أراضي مملكة اليمن.
الانفراد بملف حضرموت والمهرة
راهنا ، يرى مراقبون أن السعودية مكنت حكومة هادي العميلة و«ميليشيا الانتقالي» من ممارسة دور شكلي في إدارة محافظات عدن وأبين وشبوة والضالع ولحج، ولكنها ستنفرد بالملفات في حضرموت والمهرة، ويتوقع مراقبون أن تستكمل الرياض استقطاب القيادات الاجتماعية في صحراء حضرموت.
فالرياض سبق لها مطلع العام 2015م أن جسّت نبض الشارع الحضرمي، من خلال توجيه عشرات المشائخ الموالين لها الذين منحتهم جنسيات سعودية نحو توقيع وثيقة تطالب الملك السعودي سلمان بن عبد العزيز بضمّ أراضي حضرموت لتصبح ملكاً من أملاك السعودية.. تلك الوثيقة التي تعمّدت الرياض تسريبها لمعرفة ردود الفعل الحضرمية تبنّاها الشيخ صالح بن سعيد بن عبد الله بن شيبان التميمي الذي يدّعي تمثيل مشائخ وأعيان قبائل حضرموت، ويُعدّ من المشائخ الأكثر ولاءً للرياض.
واستنادا إلى ردود الأفعال وقتها فقد أثارت الوثيقة التي حملت تواقيع قرابة 60 شيخاً ينحدرون من حضرموت ويعيش معظمهم منذ سنوات طويلة في السعودية ردود فعل متباينة وغاضبة بين أبناء حضرموت، وكشفت حينها عن وجود مشاريع أخرى كامنة، كتأسيس «دولة حضرموت» وضمهّا إلى دول الخليج.