بنك الجينات والبذور
م. وليد أحمد الحدي *
في كوكب تَعصف به الحروب والمُتغيرات المناخية والتهديد بالفناء تبدو فكرة إنشاء بنك خاص بالجينات مهمة وأساسية, وبناءً عليه فقد أنشأت النرويج عام 1984م بمنطقة سفا لبارد بنكاً خاصاً يحفظ جميع أنواع البذور النباتية، اعتمدت الأمم المتحدة ذلك البنك كسلّة للبذور تُجمع من مُختلف بلدان العالم وتُخزّن في مخبأ جليدي تحت الأرض تحسّباً لحرب نووية قد تُحرق الأخضر واليابس ما دفع بدول عدّة إلى إنشاء بنوك خاصة بها بِذات المجال، بعد أحداث 2011م اضطرت الحكومة السورية إلى الاستعانة ببنك الجينات النرويجي للحصول على بذور بعد تدمير جزء كبير من المحاصيل الزراعية نتيجة الأحداث الدامية التي شهدها البلد آنذاك؛ ذلك أنه من المعلوم لدى البلدان التي تتعرّض لظروف استثنائية نتيجة الحُروب وتهريب الموروثات القومية كبلدنا غير البعيد عن تلك الأحداث, يكون لزاماً على الجهات المسؤولة اتخاذ الاحتياطات والتدابير اللازمة بتوثيق وحفظ الموارد الوراثية من بيئتها الأصلية والإكثار منها حتى لا تتعرّض للفقد والاندثار والسرقة، فعلى سبيل المثال عندما تُنسب لدول أخرى منتجات وسُلالات وأشجار اشتهرت بها اليمن على مستوى العالم كما تتعرض له شجرة دم الأخوين السُّقطرية اليوم من سرقة تاريخية عبر لصوص الأوطان، أو عندما يُساء إلى تلك المنتجات بِخلطها بمنتجات خارجية ذات جودة رديئة لا تقارن بجودة المنتج اليمني كما يحدث في الآونة الأخيرة مع بعض ضعفاء النفوس من تُجار يعملون على خلط البُن اليمني الأصيل مع بُن برازيلي أو أثيوبي لغرض الربح السريع وبيعه كبُن يمني في إساءة واضحة للمنتج المحلي ذي السمعة الطيبة، كذلك الحال مع العسل اليمني الممزوج بعسل كشميري وبيعه وتصديره كمُنتج يمني خالص، وينسحب ذلك على كثير من منتجات وسلالات تميزت بها بلادنا لازالت تتعرض لتدمير ممنهج على يد بعض جهات تُزوّد المزارعين ببذور مهجنة خارج الأطر الرقابية لا تعطي إنتاجاً جيداً على المستوى البعيد، من هنا تتجلّى أهمية فكرة إنشاء بنك خاص بالجينات والبذور من أبرز اختصاصاته حفظ الموروث البيولوجي, وتوثيقه لدى الهيئات الدولية المتخصصة خِشْية أن نفقد يوماً ما سُلالات وطنية مثلت هوية قومية تفاخر بها اليمنيون على مدى قرون.
آمل أن تأخذ الجهات المسؤولة على عاتِقها مُهمة تأسيس بنك وطني للجينات والبذور، من مهامه انتخاب وتوفير بذور ذات نوع جيد لم تطرأ عليها التدخلات الوراثية, وتقديمها للمزارعين بآلية سداد تُلْزم المُزارع بإعادة ضعف القرض من البذور عند الحصاد بما يضمن استمرارية رفْد البنك من المزارعين أنفسهم لتوسيع قاعدة المستفيدين، ورُغْم تداول هذه الطريقة بشكل تقليدي ما بين المزارعين في الريف اليمني, حيث يركِّز الكثير منهم على الاستعانة ببذور ذات خواص جيدة في الإنتاج ومقاومة الأمراض، إلا أن هذه الطريقة بِبَساطتها لازال يعْتوِرها كثير من القصور والعشوائية, ولا يمكن أن تُحقق الهدف إلا وفق آلية علمية وبمشروع متكامل يضمن المحافظة على النوع وتحديد الصفات التي يمكن الاستفادة منها في برامج التربية، وتوثيق المعلومات من المحاصيل المختلفة في قواعد بيانات, وكذلك بيانات توصيفها وتقييمها وتوعية الباحثين والمزارعين بالموارد الوراثية وأهميتها من أجل المساعدة على جمعها خاصة المهدَّدة بالاندثار، وكذلك استعادة البذور المهرَّبة سيما النادرة منها والتي لديها القدرة على التأقلم مع الظروف المناخية المختلفة في ظِل ظرف مناخي عالمي يتَّصف بتسارع نسق انخفاض التنوع البيولوجي الذي تقوم عليه السيادة الغذائية للدول، وبالتوازي مع ذلك يتم سن القوانين والتشريعات التي تدعم آليات الرقابة والحد من نزيف الثروات البيولوجية نحو الخارج بالطرق غير القانونية، لأنه مما لا شك فيه أنه مع التغيرات المناخية التي يشهدها العالم ستكون هناك معاناة على صعيد الأمن الغذائي للدول لن تنجو منه إلا البُلدان التي تزخر بثروات بيولوجية وهبتها الطبيعة قدرة على مقاومة درجات الحرارة المرتفعة .
فهل سنشهد خلال الفترة القادمة صُدور قرار بتأسيس بنك جينات وبذور يخدم المزارع ويحمي الإرث البيولوجي اليمني؟
*رئيس الجمعية اليمنية لحماية وتشجيع الإنتاج المحلي