التواجد العسكري الأجنبي في محافظة المهرة.. الأسباب والأهداف
أفق نيوز:
وردت أنباء خلال الأيام الماضية عن زيادة ملموسة في التواجد العسكري والاستخباراتي البريطاني في محافظة المهرة اليمنية، ما أدى بدوره إلى احتجاج القبائل والأهالي على وجود المحتلين.
وبحسب مصادر إعلامية يمنية، نظم أهالي محافظة المهرة، الأسبوع الماضي، مظاهرات مناهضة للاستعمار احتجاجا على وصول القوات البريطانية إلى المحافظة. وبحسب التقرير، هتف المتظاهرون بشعارات مناهضة لبريطانيا ودول غربية أخرى وطالبوا بالانسحاب من محافظة المهرة . كما ردد المتظاهرون هتافات مناهضة لأمريكا والسعودية.
وفي هذا السياق عقد الأسبوع الماضي لقاء بين علي هادي نائب رئيس الحكومة اليمنية المستقيلة علي محسن الأحمر والسفير البريطاني الجديد لدى اليمن، في الرياض، وهذا يدل على أن الكشف عن الوجود العسكري البريطاني في محافظة المهرة له أهمية أساسية، والآن تبحث هذه الاطراف عن مخرج لمواجهة الاحتجاجات الشعبية ومعارضة القبائل.
وفي الحقيقة فإن هذا اللقاء يدل بشكل رمزي على أن ما يحدث في المهرة هو انتهاك للسيادة اليمنية بعلم منصور هادي وبناء على خطة معدة مسبقاً، و ان استراتيجية تواجد القوات الأجنبية في المهرة ليست مؤقتة وقصيرة المدى.
ويرى مراقبون أن اللقاء مع السفير البريطاني هو أيضا رسالة تحذير غير مباشرة لقبائل المهرة التي تستعد لمواجهة الوجود العسكري البريطاني والذي يرافقه نشاط استخباراتي إسرائيلي في محافظتي المهرة وسقطرى. وعليه، فإن الحكومة المستقيلة تعتبر أي مواجهة أو تصعيد لاحتجاجات أهالي المهرة ضد الوجود العسكري الأجنبي أمرا غير قانوني.
أهداف بريطانيا من التواجد في المهرة
لم يتم حتى الآن نشر معلومات مفصلة عن عدد ونطاق عمليات الجنود البريطانيين في محافظة المهرة. ولكن تشير المعلومات المتوفرة إلى أن الوجود البريطاني يتمركز في مطار الغيضة بمحافظة المهرة شرق اليمن، حيث تقول منظمة هيومن رايتس ووتش إن القوات السعودية تدير مركز احتجاز يتعرض فيه المحتجزون لتعذيب شديد.
كما أن هناك تكهنات بأن القوات البريطانية تمركزت في المطار منذ شهور. وفي وقت سابق، قال الصحفي المحلي ناصر حكم عبد الله عوض الذي كان في المطار مع القوات السعودية ، إنه شاهد القوات البريطانية هناك منذ العام الماضي. وزعم “أنهم قوة كبيرة. لا يمكننا القول أن وجودهم جزئي. حيث تقضي القوات البريطانية عطلاتها باللباس المدني في رحلات سياحية إلى الأماكن التاريخية.
كما اتهمت هيومن رايتس ووتش القوات السعودية بأنها ردت على الاحتجاجات ضد وجود تلك القوات في المهرة بـ”الاعتقال التعسفي للمتظاهرين” وعذبتهم في مركز احتجاز المطار.
وفي مارس 2021، ادعى نائب محافظ المهرة السابق الشيخ علي سالم الحريزي، أن القوات السعودية والبريطانية قد بنت أكثر من 100 زنزانة تحت الأرض داخل المطار.
ومنذ بدء عدوان التحالف الذي تقوده السعودية في اليمن عام 2015، تعاونت الحكومة البريطانية عسكريًا مع السعوديين في الحرب من خلال التعاون الاستخباراتي والبيع الواسع النطاق للأسلحة العسكرية (المستخدمة بشكل أساسي ضد المدنيين) وتدريب القوات السعودية والميليشيات المدعومة من السعودية والرصد المباشر للعمليات العسكرية الجوية السعودية في اليمن.
حيث وصفت منظمات حقوقية دولية، بما في ذلك منظمة هيومن رايتس ووتش التابعة للأمم المتحدة، حرب التحالف السعودي في اليمن بأنها جريمة ضد المدنيين ، كما حظرت العديد من الدول مبيعات الأسلحة والتعاون العسكري مع التحالف السعودي.
ورغم أن البريطانيين يعتبرون دائما مواجهة إرهابيي القاعدة وداعش سبباً لتواجدهم العسكري والمشاركة في الحرب اليمنية ، لكن في الواقع ، بعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، اعتبرت لندن مخاوف الرياض بشأن استمرار الدعم العسكري الأمريكي ، منفذاً لتعزيز العلاقات الاقتصادية مع السعودية والاستفادة أكثر من مشتريات بن سلمان للأسلحة، ولهذا السبب، ومن أجل إرضاء السعوديين ، لم تكتفي ببيع الأسلحة لهم، بل دخلت بنفسها لإنقاذ التحالف المهزوم ضد اليمن.
أهمية المهرة والتنافس عليها
المهرة من المناطق البعيدة في اليمن التي لم تصلها الحرب الأهلية حتى الآن، ورغم مزاعم المعتدين الكاذبة لم تصل لها الجماعات الإرهابية. ومع ذلك، هناك منافسة علنية وسرية بين الإمارات والسعودية وعمان منذ السنوات الأولى للحرب للحفاظ على النفوذ في هذه المحافظة. كما حدث من قبل في أجزاء أخرى من شرق اليمن (حضرموت وسقطرى). هدف هؤلاء اللاعبين هو السيطرة على المهرة لأسباب جيوسياسية وجيوستراتيجية: والتي تشمل منع تهريب الأسلحة نحو صنعاء وتعزيز علاقاتهم التجارية والعسكرية مع شرق إفريقيا والمحيط الهندي.
لطالما كانت محافظة المهرة تاريخياً مكان نفوذ للعمانيين، الذين أقاموا علاقات جيدة مع قبائل هذه المحافظة. لكن منذ أواخر عام 2017 ، بدأت الإماراتيون والسعوديون بزيادة مشاركتهم في المهرة. وفي نوفمبر تحدثت تقارير عن انشاء قوة أمنية مدعومة من الإمارات. وأدى ذلك على الفور إلى احتجاجات من قبل بعض القبائل بشأن أهداف تشكيل هذه القوة خاصة وأن الإمارات تمكنت في جنوب اليمن من إنشاء فرع عسكري للمجلس الانتقالي للسيطرة على عدن. حيث افتتح هذا المجلس المدعوم من الإمارات مقره المركزي في المهرة.
في ذلك الوقت، منعت قبائل المهرة التحالف السعودي من دخول مطار وميناء الغيضة. ثم تم الاتفاق بين قوات القبائل والتحالف على أنه لا يمكن استخدام المطار كقاعدة عسكرية ، وأن أي عمل للتحالف يجب أن يتم بالتنسيق مع المجالس المحلية.
لكن موضوع تهريب السلاح من المهرة كان مجرد ذريعة. وفي جنوب اليمن (خاصة في شبوة وحضرموت) يتزايد تأثير الإماراتيين يوما بعد يوم. فمن وجهة النظر الجيوستراتيجية ، من المرجح أن تكون محاولة الإمارات للوصول إلى السواحل اليمني مرتبطة بـ “استراتيجية الموانىء” التي تتبعها ابو ظبي في شرق إفريقيا والمحيط الهندي (على سبيل المثال، في إريتريا والصومال). لذلك، ينبغي أيضا اعتبار النشاط السعودي في المهرة محاولة لكسب النفوذ في الجنوب مقابل الإمارات.