عسكريا .. معركة مارب تبلغ فصلها الأخير!
أفق نيوز – تقرير – إبراهيم الوادعي
لم تفصل سوى أيام بين المولد النبوي الشريف وبيان مجلس الأمن الذي أدان فيه بالكامل صنعاء لاستمرارها بالهجوم على المملكة، بيان أرضى الغرور السعودي فحذفت الوكالة الإخبارية السعودية الرسمية خبراً كانت نشرته قبل ساعات، تهاجم فيه الأمم المتحدة لعدم فعل ما يجب إزاء إدانة الهجمات الصاروخية على المملكة، التي تأتي ردا على استمرار القصف السعودي والإماراتي للأراضي اليمنية ودعم المليشيات في محافظات يمنية، وفق ما تكرره صنعاء وتؤكده قوى سياسية.
ومع أن الإدانة مكررة إلا أن صدور مثل هذا البيان – بحسب محللين – لا يمكن فصله عن الصدمة الأمريكية أمام التأييد الشعبي المتنامي الذي ظهر جليا في احتفالات حاشدة وغير مسبوقة في المناطق الخاضعة لسلطة المجلس السياسي الأعلى.
منّت الإدارة الأمريكية نفسها، بتقارير أوردتها، في أن الأزمة الاقتصادية التي تعمل على مضاعفتها قد جعلت التأييد الشعبي يخفت بعض الشيء عن أنصار الله، لكن الاحتشاد الشعبي في مولد الرسول الأكرم محمد، بدعوة من السيد عبدالملك فاق التوقعات وأحدث على ما يبدو صدمة كبيرة ليس في أروقة القصر السعودي بل وحتى في دوائر صنع القرار الأمريكي.
من حضروا تلك الاحتفالات وخاصة في العاصمة صنعاء، وصفوها بغير المسبوقة، ولم يتم مشاهدتها مسبقا مع الحكومات المسبقة وفي أوقات السلم، وبرغم أن المناسبة دينية فإنها حملت رسائل سياسية من حيث كونها تمثل استفتاء شعبيا من قبل سكان المحافظات التي يسيطر عليها المجلس السياسي الأعلى، وحتى تلك المحررة حديثاً كبيحان شبوة وحريب في مارب، فقد شهدت إقامة الاحتفالات النبوية وشارك مواطنوها بكثافة .
الالتفاف الشعبي حول القيادة الثورية والسياسية في صنعاء يجعل مارب ليست محورية في المواجهة بالشكل الذي وضعه وقدّره المبعوث الأمريكي وما نقل إلى دوائر القرار الأمريكي في واشنطن.
يقول عبد العزيز البكير – وهو وزير دولة في حكومة الإنقاذ – إن ثلثي السكان يتواجدون في مناطق سيطرة حكومة الإنقاذ، وأي جهود للسلام تتجاوز هذه الحقيقة فلن يكتب لها النجاح، لكونها لا تستند إلى الحقائق على الأرض والمتمثلة في أن ثلثي اليمنيين يؤيدون حكومة الإنقاذ الوطني والمجلس السياسي الأعلى ويقيمون في مناطقها .
وذهب البكير إلى القول، إن اليمنيين في المناطق المحتلة يؤيدون حكومة الإنقاذ الوطني ويتمنون زوال الاحتلال.
الشرعية بين قوسين، التي تدعمها السعودية لا وجود لها على الأرض ، من يتواجد في مواجهة الدولة في صنعاء هي مكونات وجماعات مسلحة تتلقى تمويلا من التحالف للقتال في مدينة مارب ومديريات أخرى لم تصلها قوات صنعاء، من يسيطر هو حزب الإصلاح، وفي عدن يسيطر الانتقالي وهو مدعوم إماراتيا، بينما تسيطر على المخا وجزء من الساحل الغربي قوات طارق صالح المدعوم إماراتيا كذلك، وهو يتشارك السيطرة مع قوات العمالقة، وهذه المكونات تتقاتل وتتصارع في ما بينها، واتفاقها الوحيد هو الطاعة للتحالف وقبض الأموال منه وتنفيذ ما يطلب منها من مهام قذرة.
الرياض تبدو أكثر خوفا كما الإمارات وإسرائيل، محللون وضعوا بيان مجلس الأمن في إطار مسعى أمريكي لطمأنة الرياض، وهو لن يضيف لها شيئا في المواجهة سوى لناحية تأكيد سقوط الأمم المتحدة أخلاقيا وقيميا، كما جاء في رسالة رئيس المجلس السياسي الأعلى مهدي المشاط للأمين العام أنطونيو غوتيريش، وهو ما اعتبره متابعون صرفا لتلك الحشود في السياسة.
في رسالته بذكرى إنشاء الأمم المتحدة، أكد الرئيس المشاط أن مقعد اليمن لايزال شاغرا وان من يشغله لا يمثل الشرعية اليمنية، وهو أدان بيان مجلس الأمن غير المنطقي. كلام الرئيس المشاط يستند اليوم إلى ملايين نزلت قبل أيام في الميادين، صحيح أنها نزلت لتحتفل بالمولد النبوي الشريف، لكنها لبت الدعوة التي أتت من قبله وأعربت بنزولها ضمنا عن تأييدها للمجلس السياسي وحكومة الإنقاذ وخيار الصمود في مواجهة العدوان رغم مضي 7 سنوات من العدوان واشتداد الحصار وقطع المشتقات النفطية .
عسكريا أكد احتشاد اليمنيين في المولد النبوي الشريف أنه يمكن لصنعاء إكمال خطتها في تحرير مارب وأخذ الوقت الكافي لاستعادتها بأقل قدر من الدماء والخسائر، غير مبالية بالضغوط الدولية، ومستندة إلى تأييد شعبي جدد في الميادين ثقته بها .
في المقابل السعودية وواشنطن – من لها الكلمة الفصل في وقف العدوان ورفع الحصار عن اليمن – يقبعان اليوم في وضع صعب للغاية فالمراهنة على صمود المرتزقة في مارب غير متاح، فهؤلاء يفقدون يوميا مزيدا من الأراضي وخلال فترة وجيزة فقط استعادت صنعاء ما يقارب 5 آلاف كيلومتر بتحرير كامل لمحافظة البيضاء من تنظيم القاعدة والجماعات السلفية الموالية جميعها للتحالف، وتحرير عدد من مديريات شبوة وتحرير حريب مارب والعبدية وعلى بعد مرمى حجر يقف الجيش واللجان الشعبية من تحرير كامل الجوبة وجبل مراد، لتفتح الستارة على الفصل الأخير من معركة مارب والانتقال إلى معركة المدينة وتحريرها سلما باتفاقات أو خوض معارك مع من تبقى فيها مع فرار معظم القيادات الكبيرة ونقل المراكز الأمنية الحساسة للإصلاح والتحالف إلى حضرموت .
وفي هذا السياق، قال نائب رئيس هيئة الأركان العامة للواء الركن علي حمود الموشكي – قبل أيام – إن من تبقى يقاتل في مارب هم حفنة من الموتورين وعناصر تنظيم القاعدة وداعش، بينما فرت معظم القيادات النافذة حاملة معها الأموال إلى الخارج .
بحسب أحد السياسيين، فإن التحالف بات مسلما بسقوط مارب من أيدي مرتزقته بعد التطورات العسكرية الأخيرة جنوب مارب وسقوط الجوبة – يحاصر الجيش واللجان حاليا مركزها الجديد من كل الاتجاهات – ثاني أهم مدينة بعد مدينة مارب عاصمة المحافظة وقطع خطوط إمداد مديرية جبل مراد التي فتحت خطا للتفاوض مع صنعاء حول تسليم المديرية دون قتال، وبحسب هذا السياسي فإن التحالف فتح خط اتصال مع صنعاء في محاولة للبحث عن مكسب في مقابل تسليم مدينة مارب سلما وعدم تنفيذ تهديداته بقصف منشآت النفط والغاز في صافر، ودون إيضاح مزيد من التفاصيل قال إن صنعاء حريصة على حقن دماء اليمنيين ولديها خطوط حمراء وثوابت أهمها تطهير كل شبر دنسه المحتل ومغادرة أي جندي أجنبي الأراضي اليمنية، وأشار إلى أن اتفاقات مهمة قد عقدت مع مشايخ قبائل في مارب تجعل من اقتحام المدينة غير ذي صعوبة بما في ذلك مشايخ من عبيدة لتجنب الاقتتال ما أمكن، وقصره على الرافضين إلقاء السلاح والمستمرين في القتال .
ما من شك في أن المشهد النبوي في صنعاء والمحافظات المحررة سيلقي بأثره على مجريات الحراك السياسي في عمان، وهو في ساعاته الأولى أحال قرارا من مجلس الأمن كانت تنشده الرياض إلى بيان غير ملزم – رفع عتب – ولا يمكن للرياض صرفه على طاولة التفاوض أو في الميدان سوى فسحة إضافية لارتكاب مزيد من جرائم الحرب التي ستطوق عنق أمرائها وتقودهم إلى محاكم دولية، كما اقتيد مجرمو الحرب في البوسنة بعد سنوات من الهروب والاحتماء بالمظلة الأمريكية التي خذلتهم في نهاية المطاف وستفعل كذلك مع النظام السعودي .
استمرار السعودية بالهروب إلى الأمام في اليمن بالاستمرار في العدوان وفرض الحصار، يضعها أمام هزيمة استراتيجية تكبر يوما بعد آخر، ويعمق أزمتها على عدة صعد اقتصاديا وسياسيا، ولن تقف تداعياتها عند حدود تلك الأزمات بل ستمتد لتهدد المملكة بشكلها الحالي وهي – منذ الحرب على اليمن و ما استتبعها من أزمات معيشية داخلية – تنام على صفيح شعبي ساخن ينتظر شرارة خارجية أو ضعفا داخليا ليثور ويتخلص من واقع الاستعباد الذي يعيشه وإهدار الثروة وقصرها على أسرة بعينها.