الشهادة أيقونة النصر
أفق نيوز../
كثيرة هي الدروس والقيم والمعاني التي نستذكرها في إسبوع الشهيد، ونستلهمها من حياة شهدائنا الأبرار سلام الله على أرواحهم الطاهرة، أهمها تكريس منهج التضحية، إذ ليس أمام الأحرار سوى الحياة بكرامة أو الموت بكرامة، وماعدا ذلك ذُلٌ وهوانٌ يتنافى مع التكريم الإلهي لبني آدم في محكم التنزيل، وما يقتضيه هذا التكريم من السمو والرفعة والإعمار القائم على الخيرية والحياة الكريمة والخلافة العادلة.
ولذا تعتبر الذكرى السنوية للشهيد، والكلام لسيد الثورة والمقاومة في يمن الأنصار “فرصة مهمة لتعزيز الروح المعنوية، والاستعداد العالي للتضحية كعامل أساسي في الصمود والثبات، وهنا تقع المسؤولية بالدرجة الأولى على العلماء، والخطباء، والمثقفين، والوجاهات الشعبية، فالشعب الذي يقدس الشهادة في سبيل الله تعالى، وفي الحفاظ على حريته واستقلاله وكرامته، ومواجهة المعتدين عليه، هو الشعب الجدير بالنصر في نهاية المطاف، وبُحسن العاقبة التي وعد الله بها عباده المستضعفين، وهو الشعب الذي لا ينحني للطغاة، ولا يركع للجبابرة، ولا تنكسر إرادته مهما كانت التحديات، ومهما بلغت التضحيات، فبالصبر والتضحية يصنع له ولأجياله مستقبلا كريماً وعزيزاً ومزدهراً بإذن الله”.
مؤكداً بأن شهدائنا الأبرار إختزنوا كل قيم ومعاني “العطاء، والإيثار، والتضحية، والصُّمـود، والشجاعة، والثبات، ..، وتحركوا وهم يحملونها، وعبّروا عنها من خلال مواقفهم، وثباتهم، وصُمودهم، وفي النهاية شهادتهم، وجسّدوها في أرض الواقع موقفاً، وعملاً، وتضحيةً، وعطاءً لا يساويه عطاءٌ في واقع الإنسان”.
وأمةٌ هذا نهجها، وتلك سماتها، لن تنضام، ولن تضيع دماء شهدائها، بل ستزهر حياة كريمة هنيئة عزيزة، ووطناً حُراً قوياً مستقلاً.
وتتأكد أهمية هذا النهج القويم في ترسيخ دماء الشهداء حب العطاء للوطن، والاستعداد للتضحية في سبيله، وعدم التعامل مع قضايا التحرر الوطني بمنطق النفعية المقيتة، كما هو ديدن المنافقين والمرجفين والمرتزقة والخونة، فالتعامل مع الوطن هو لونٌ من رد الجميل والاعتراف بالفضل له، ولله در الشاعر المصري الكبير “أحمد شوقي” حيث يقول:
“وللأوطان في دم كل حر .. يد سلفت ودين مستحق”
ومن الدروس والقيم والمعاني النبيلة التي نستلهمها من حياة شُهدائنا الأبرار التحلي بروح المسؤولية الجماعية، وإنكار الذات، والصبر والاحتساب، والشجاعة، والبسالة، والإقدام، والإخلاص، والتحمل، وتحفيز عوامل البذل والسخاء والإيثار والتضامن والعطاء، والتأسيس لعصر الشهادة، وترسيخ ثقافة المقاومة والممانعة والصمود.
ومنها إحياء الحالة النورانية في المجتمع، حيث منحتنا دمائهم الطاهرة معنى الحرية والخلود بالوقوف ضد الظلم، وأضاء نورهم للأمة الدرب لسلوك طريق الرقي والتطور، وأشعرها بالحياة، لأن دمائهم الطاهرة أحيت الإنسان من جديد بعد موت الضمير فيه، لقبول الظلم والظالمين، والطغاة والمستبدين والمفسدين، وثمرت ذلك الاستقرار في المجتمع، وتحرك عجلة الإنتاج والبناء والتطور والرُقي، وخلق حياة أفضل لأبنائه.
وبدمائهم تتحقق الحرية والاستقلال، ويتم إعادة الاعتبار للسيادة والهوية اليمنية والقرار اليمني، بعد عقود من التبعية والاستباحة، وينجلي الظلم والقهر والفساد، ويتحقق العدل والانصاف، وتترسخ المثل والقيم السماوية.
الشهادة حياة للأمم والشعوب، فالأمة التي تقدس شهدائها، وتعزز من ثقافة الاستشهاد، وتعتبرها قيمة إنسانية، وثقافة إلهية، تفهم أن الموت قتلاً في سبيل الله، حياة، والحياة من دون ثقافة الشهادة، موت، ما نجد مداليله في قول شهيد كربلاء الإمام الحسين بن علي عليهما السلام: “إني لا أرى الموت إلا سعادة، والحياة مع الظالمين الا برما”، وما أراده سلام الله عليه هنا ليس التعبير عن اليأس، بل عن حالة الرفض، فالموت في خط الجهاد، سعادة، لأنّ الإنسان يؤكّد رسالته وانتماءه وموقفه وعبوديته لربّه، أما الحياة مع الظالمين دون أن يواجههم، فإنها تمثل الحياة التي برم بها الإنسان، بمعنى أنّه لا يشعر فيها بالحيوية، ولا يشعر فيها بالحياة.
ومنها التأكيد على عدالة القضية التي وهبوا أرواحهم من أجلها، وجاهدوا لأجلها، وحديث “قائد الثورة” في هذا واضحٌ وجلي فشهدائنا لم يكونوا مجرد ضحايا فقط، بل رجال مشروع، وأصحاب فكر، وحاملين لقضية، تهم كل العرب بمختلف مكوناتهم وأطيافهم وأديانهم:
“كانوا هم شهداء القضية العادلة، والموقف المشروع، والهدف المُقدَّس، كانوا هم شهداء الأمة، كل الأمة؛ لأنَّهم حملوا في ثقافتهم، وفي وجدانهم، وفي فكرهم، وفي مشاعرهم، وفي مبادئهم، وفي حركتهم، همّ الأمة كل الأمة، وقضايا الأمة كل الأمة، وحملوا أيضاً روح الموقف والمسؤولية للصمود والثبات في وجه أعداء الأمة كل الأمة، في قلوبهم حملوا همّ الأمة في قضيتها الكبرى (فلسطين)، والعداء لعدو الأمة، العدو اللدود، العدو الخطر، عدو الأمة جمعاء (إسرائيل)، حملوا همّ الأمة في مقارعة ومناهضة هيمنة قوى الاستكبار وعلى رأسها أميركا، حملوا همّ الأمة في مواجهة الاختلالات التي صنعها العدو في داخل الأمة من خلال أياديه الإجرامية والظالمة والمستبدة والعابثة، التي أسهمت من داخل الأمة في ضرب الأمة، في خلخلة الأمة، في إضعاف الأمة، في تدجين الأمة لصالح أعدائها، والله المستعان!.
إذن ونحن نستذكر شهداءنا العظام، نُدرك أنَّ للشهداء في زمننا وفي كل زمن الإسهام الحقيقي والأساسي والرئيسي في صناعة النصر، في كل نصرٍ تحقق للمستضعفين، وفي إعلاء كلمة الحق في كل عصرٍ، وفي كل زمنٍ صدع فيه صوت الحق ضد الباطل، وإسهامهم الحقيقي والأساسي في إعلاء كلمة الله سبحانه وتعالى، وإقامة العدل، وفي مواجهة الظلم والطغيان والجبروت في كل زمنٍ وفي كل عصر، في كل مرحلةٍ تحرك فيها للحق والعدل أمةٌ ومنهجٌ، وعلا فيها صوتٌ كان للشهداء الإسهام الأساسي والحقيقي.
وبدون الشهداء، وبدون الشهادة، وبدون التضحية ما كان بالإمكان أن يعلو للحق صوتٌ، أن يتحقق للمستضعفين والمظلومين خلاصٌ، أن يكسب المستضعفون عزاً ومجداً، وأن يتخلصوا من هيمنة المجرمين، ما كان بالإمكان دفع الشر المُستحكِم، ودفع البغيّ، ودفع الظلم، ودفع كل أشكال الفساد والطغيان بدون تضحية، كانت التضحية هي الثمن الذي لا بُدّ منه، لا بُدّ منه في تخليص الأمة من هيمنة الظالمين والمجرمين، لا بُدّ منه في مواجهة التحديات مهما كان حجمها، لا بُدّ منه في العمل لتغيير الواقع البئيس والمُظلم للأمة، لا بُدّ منه في السعي للوصول إلى العزّة والكرامة، وإلى ما ينشده الناس من عدل وخير وأمن واستقرار”.
وتبقى ثقافة الاستشهاد كلمة السر الوحيدة للنصر عبر التاريخ، فالانتصار لا يتم انجازه بدون تقديم الدم على مذبح القضية التي نؤمن بها، ونناضل من أجلها، والتضحية هي الترجمة الحقيقية للتعبير عن الايمان بالأرض والكرامة والانسان وبالتطور الاخلاقي للشعوب.
وكل هذه الدماء الطاهرة سيكون لها عظيم الأثر في تعجيل النصر والظفر لهذا البلد المظلوم، وتطهيره من أوساخ الغزاة والمحتلين، وإعادة الاعتبار له بعد عقود من الضعف والوهن، وإعادة تفعيل دوره الريادي والحضاري في المنطقة، فمجد الأمم لا يُبنى إلا على رؤوس الشهداء، ودمائهم الثمن الطبيعي المُستوجب الدفع لخلق حياة كريمة لشعبهم وأمتهم.
الرحمة والخلود لشهدائنا الأبرار، والشفاء والعافية للجرحى، والحرية للأسرى والمفقودين، والنصر والتمكين للمجاهدين المرابطين في جبهات العزة والكرامة، والمجد والرِفعة لليمن، والخزي والعار للغزاة والمحتلين وأحذيتهم المحلية.
مركز البحوث والمعلومات: زيد المحبشي