أفق نيوز
الخبر بلا حدود

عقوبات إقتصادية وتهديدات بإخراج روسيا من نظام سويفت العالمي.. هل ستجد موسكو مخرجاً؟

488

أفق نيوز../

 

تصاعدت أحداث الأزمة الروسية مع أوكرانيا تصاعدا كبيرا على مدار الساعات الماضية، بعد توجيه روسيا ضربات عسكرية للبنية العسكرية لأوكرانيا، بل وجهت روسيا نداء لجنود الجيش الأوكراني بأن يلقوا سلاحهم ويتوجهوا إلى منازلهم.

 

وجاءت هذه الخطوة بعد أن اعترفت روسيا باستقلال إقليمي دونيتسك ولوغانسك، وهو ما وضع أميركا والغرب أمام تحديات جديدة من شأنها أن تمثل تغيرا حقيقيا في إطار خريطة القوى السياسية العالمية، بل يذهب البعض إلى أن ما قامت به روسيا خطوة كبيرة في إطار تشكيل نظام عالمي جديد.

 

سلاح الردع الغربي.. هل تقف العقوبات الاقتصادية حائط صد بين روسيا وأوكرانيا؟

 

وقبل قيام روسيا بتوجيه ضربات عسكرية لأوكرانيا، واعترافها بدونيتسك ولوغانسك، اتخذت دول غربية مع أميركا مجموعة من القرارات من شأنها فرض عقوبات اقتصادية على بعض الأشخاص والمؤسسات الروسية، فبريطانيا فرضت عقوبات اقتصادية على 5 بنوك روسية (هي: مصرف روسيا، وآي إس بنك، وجنرال بنك، وبرومسفياز بنك، وبنك البحر الأسود)، وكذلك بعض الشخصيات الكبيرة في النظام الروسي.

 

كما قامت ألمانيا بتجميد العمل بخط السيل الشمالي 2، وأعلنت أميركا عقوبات شاملة بحق مؤسسة “VEB” الروسية، وبنكها العسكري، وتطبيق عقوبات شاملة بشأن الدين السيادي الروسي، وهو ما يعني حرمان روسيا من التمويل الغربي، كما أعلنت أميركا فرض عقوبات على شركة “نورد ستريم زد إيه جي” (Nord Stream Z A G) القائمة على أمر خط السيل الشمالي 2 بالشراكة مع شركة روسية.

 

ومع التصعيد الروسي، وفرض هذه العقوبات من قبل بعض دول أوروبا وأميركا، تراجعت بورصة موسكو بنحو 8%، كما تراجعت قيمة العملة الروسية لتصل إلى 87.7 روبلا للدولار صباح يوم الخميس، مما أدى إلى إعلان الحكومة الروسية قيامها بالتدخل في الجوانب المالية لعودة الاستقرار إلى الأسواق، كما قام “سبير بنك” الروسي بطمأنة عملائه على ودائعهم، وتقديم خدماته بشكل طبيعي.

 

ومما حرصت عليه روسيا طمأنة الجميع على استمرار إمدادات النفط للسوق الدولية، وهو ما سيفتح لها بابا لثغرات في ثوب العقوبات الاقتصادية، بخاصة في الأجل القصير والمتوسط، حيث لا يمكن لأوروبا أن تستغني عن الغاز الروسي في الأمدين القصير والمتوسط.

 

ولكن الأخطر في الأحاديث التي أدلى بها مسؤول أميركي هو أن إخراج روسيا من النظام المالي العالمي “سويفت” (Swift) وارد حسب التصعيد الروسي، وهذا يجعل الجميع يتحسب لوقوع هذه الخطوة، لما لها من تداعيات كبيرة على الاقتصاد الروسي، لأهمية هذا النظام، وخطورة هذه الخطوة إذا ما اتُّخذت في إطار الصراع الروسي مع أميركا وأوروبا.

 

ما هو نظام “سويفت”؟

 

مع تطور التعاملات الاقتصادية البينية لدول العالم، كان من الضروري إيجاد آلية للتسويات والتبادلات المالية، التي تنتج نظير التعاملات التجارية أو الخدمية، وكانت الآلية القديمة تستخدم تقنية “التليكس” ولكنها كانت تستغرق بضعة أيام، فضلا عن احتياجها إلى جهد وفترات زمنية لتدقيق المعلومات ومراجعتها، وكذلك افتقارها إلى عنصر الأمان بشكل جيد.

 

ولكن مع مطلع السبعينيات من القرن الـ20، تم تفعيل آلية “سويفت” وهي آلية تعتمد على نظم المعلومات الحديثة، ويمكن من خلالها تلافي سلبيات نظام “التليكس”، وساعد على استخدام آلية “سويفت” ثورة المعلومات، وكذلك ما انتشر من سيادة لنظام العولمة على الصعيد الاقتصادي مطلع التسعينيات، بخاصة بعد إنشاء منظمة التجارة العالمية، وذلك ساعد على زيادة تبادل المعاملات المالية والتجارية والاستثمارية بين مختلف دول العالم.

 

وعبر تقنية “سويفت” تُنقل الأموال من بلد إلى بلد خلال 24 ساعة، ويستخدم هذا النظام أيضا داخل البلاد، إلا أنه أكثر إفادة في التعاملات الخارجية بين البلاد.

 

المؤسسة المشرفة على نظام “سويفت” تتخذ من بلجيكا مقرا لها، ولديها مجموعة مكاتب تمثيل منتشرة في بعض دول العالم، منها مكتب تمثيل في المنطقة العربية بدولة الإمارات العربية.

 

تستفيد من خدمات آلية “سويفت” 10 آلاف مؤسسة على مستوى العالم، عبر 212 دولة، وأغلب المؤسسات المستفيدة من آلية “سويفت” هي البنوك، وإن كانت هناك مؤسسة أخرى بخلاف البنوك تستفيد من هذه الخدمة، مثل المؤسسات المالية غير المصرفية، أو شركات المقايضة.

 

وتعطى كل مؤسسة تتعامل مع آلية “سويفت” رمزا معينا تتعامل من خلاله مع المؤسسة الرئيسة للنظام، ويعطى كل عميل داخل البنوك ما يعرف (IBAN) لإمكانية التعامل على آلية “السويفت” لاستقبال أو إرسال الأموال إلى حسابات الآخرين، سواء في الإطار المحلي أو الخارجي، وهي في التعاملات الخارجية أوجب.

 

وعادة ما تتم هذه التحويلات عبر آلية “سويفت” نظير رسوم، تتحصل عليها البنوك، وتزيد هذه الرسوم عندما يكون المطلوب التحويل إلى عملات أجنبية، أما إذا كان رصيد العميل بالعملات المحلية فتتحصل البنوك على فرق سعر الصرف، وتزيد هذه الرسوم عند وجود بنك وسيط بين بنكي العملاء.

 

تعاملات روسيا المالية

 

تظهر أرقام قاعدة بيانات البنك الدولي لعام 2020 أن الصادرات والواردات السلعية والخدمية لروسيا في العام نفسه بلغت 683 مليار دولار، منها 305 مليارات للواردات، و378 مليارا للصادرات، ولكن يلاحظ أن عام 2020 هو العام الأكثر تأثرا سلبيا بجائحة كورونا.

 

وبالرجوع إلى بيانات عام 2019 نجد أن الصادرات والواردات السلعية والخدمية لروسيا بلغت 833 مليار دولار، منها 352 مليار دولار للواردات، و481 مليار دولار للصادرات، وهو ما يعني أن جزءا مهمًّا من عصب الاقتصاد الروسي سوف يصاب بالشلل لو لجأت أميركا والغرب إلى إخراج روسيا أو تجميد نظامها المالي ضمن آلية “سويفت”.

 

وثمة قضية مهمة تمت الإشارة إليها في إطار التهديدات الأميركية لروسيا، هي فرض عقوبات على الديْن السيادي الروسي، بمعنى عدم وصول التمويل الغربي إلى روسيا، عبر آلية الديون، وهو أمر مهم لروسيا، حيث تُموّل بعض الاستثمارات من بوابة الديون.

 

وحسب أرقام قاعدة البنك الدولي، فإن الدين الخارجي لروسيا، مع تولي الرئيس بوتين السلطة هناك، بلغ في عام 2020 نحو 146 مليار دولار، وظل هذا الدين في تصاعد ملحوظ، فقد بلغ في عام 2013 نحو 668 مليار دولار، أي إن الدين الخارجي لروسيا زاد على مدار 13 عاما بقيمة 522 مليار دولار.

 

ولكن مع بداية العقوبات الاقتصادية بعد ضم روسيا لشبه جزيرة القرم، لوحظ أن قيمة الدين الخارجي لروسيا في تراجع، فقد بلغت 475.5 مليار دولار في عام 2020.

 

وإغلاق آلية الديون عن الاقتصاد الروسي سيساعد على تقليص تعاملات روسيا المالية والاقتصادية بشكل كبير، وذلك قد يؤدي إلى تقليص قيمة الناتج المحلي لروسيا، بخاصة إذا أضيفت بقية العقوبات الاقتصادية إلى منع التمويل الأوروبي عن روسيا، وحرمت من الحصول على الديون الخارجية.

 

ويذكر أن الناتج المحلي الإجمالي لروسيا مع تولي بوتين السلطة في عام 2000 كان بحدود 259.1 مليار دولار فقط لا غير، ولكنه بلغ أعلى قيمة له في عام 2013، حيث أصبح 2.2 تريليون دولار، ولكن مع تراجع أسعار النفط منذ منتصف عام 2014، وكذلك دخول روسيا تحت طائلة العقوبات الاقتصادية في عام 2014، فقد تراجع الناتج المحلي الإجمالي لروسيا إلى 1.6 تريليون دولار في عام 2016.

 

ومع التداعيات السلبية لجائحة كورنا مقرونة بالأسباب السابقة شهد الناتج الروسي مزيدا من التراجع إلى 1.4 تريليون دولار.

 

الخروج من نظام “سويفت”

 

إن إخراج أي دولة من نظام “سويفت” يجمّد نشاطها الاقتصادي بشكل كبير، بخاصة إذا كانت لا تمتلك مصادر قوة وحركة في المحيط الدولي، فقد فرض هذا الأمر على السودان على مدار 30 عاما طوال حكم البشير، وشلّ حركة التعاملات المالية الخارجية، كما أنه معمول به في عزل إيران عن النظام المالي الدولي، ويعاني مصرفها المركزي من صعوبة شديدة في استقبال أو إرسال أي تحويلات مالية للخارج.

 

وإذا ما نُفّذ هذا الأمر على البنك المركزي الروسي، وكذلك جهازها المصرفي، فإن معنى ذلك أن حركة الصادرات والواردات السلعية والخدمية ستصاب بالشلل، وستفقد روسيا جزءا كبيرا من تجارتها الخارجية المقدرة بنحو 683 مليار دولار في عام 2020، بل قد تلجأ روسيا إلى نظام المقايضة لتجارة الخارجية، وسيكون هذا الهامش محدود ولا يفي باحتياجات روسيا الاقتصادية.

 

وقد يكون من الصعب على أوروبا وأميركا إلغاء العقوبات المفروضة من عام 2014، أو تلك التي صدرت في الأيام القليلة الماضية، وذلك على الأقل حفظا لماء الوجه، في ظل الموقف الروسي الرافض لتدخل أميركا وأوروبا في الأزمة الأوكرانية.

 

لكن إدارة الأمر لدى روسيا ستكون عبر بوابة الصين التي تعاني أيضا مشكلات مع أميركا منذ عام 2017، في ما يتعلق بتجارتها الخارجية، وقد بدأ ذلك من خلال تصريح الصين باعتراضها على فرض عقوبات على روسيا بسبب الأزمة الأوكرانية، وقد تسمح الصين بمساحة أكبر للتعاملات التجارية والاقتصادية لها مع روسيا عبر التسوية بالعملات المحلية، أو نظام المقايضة، لتخفيف أثر العقوبات على الاقتصاد الروسي.

 

الأمر الثاني هو الدور المتنامي لروسيا في سوق الطاقة العالمية، عبر ثروتها من النفط والغاز، بخاصة الغاز الطبيعي الذي تمدّ به أوروبا، فحسب إحصاءات 2021، فقد قامت روسيا بتقديم 18% من احتياجات أوروبا من الغاز.

 

ومن هنا قد تشترط روسيا لاستمرار تعاملها في تجارة الطاقة الدولية تحويل مستحقاتها نقدا، أو عدم فرد أي قيود على حقوقها المالية، سواء الحالية عبر أرصدتها بالخارج، أو ما مستحقاتها التي تحصلها نظير عقود جديدة.

 

هل من بديل؟

 

منذ سنوات قليلة أُنشئ بنك البنية الأساسية من قبل الصين ودول البريكس، ليكون بديلا للبنك الدولي الذي تهيمن عليه أميركا وأوروبا، وقد حظي البنك بقبول لدى الدول النامية، بل سعت بعض الدول الأوروبية لعضوية هذا البنك، وهو ما اعتبر خطوة في تغيير خريطة المؤسسات المالية الدولية.

 

والسؤال الذي يطرح نفسه في ظل الأزمة الروسية الأوكرانية، هل ستفكر روسيا والصين بانتهاز الفرصة، والتوجه لتفعيل آلية آخرى لنظام مالي بعيدا عن آلية “سويفت” التي تسيطر عليها أميركا وأوروبا؟

 

سيكون هذا الأمر مرحّبًا به لدى بعض الدول التي لديها مشكلات مالية مع أميركا، عبر آلية العقوبات، مثل إيران، وكوريا الشمالية، وفنزويلا، وغيرها.

 

وقد يكون الوقت أحد محددات التفكير في هذا الأمر، ولكنه مرشح بقوة، لاتخاذ خطوة لكسر الهيمنة المالية الأميركية الغربية على النظام المالي العالمي.

 

المصدر : الجزيرة

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com