من لم تنقذه أمريكا لن تسعفه الصين.. الهزيمة السعودية في اليمن
أفق نيوز../
كثيراً ما تنتقد الدوائر الأجنبية الجيش السعودي وتصفه بـ”عدم الكفاءة والاعتماد الصارخ على المساعدة الأمريكية”. وفي هذا الصدد، كشف تقرير فرنسي عن تفاصيل الأداء السعودي في العدوان على اليمن المستمر منذ العام 2015.
التقرير الفرنسي السرِّي المؤرَّخ في 25 أيلول/ سبتمبر 2018، الذي رُفع إلى القيادة الفرنسية العليا خلال اجتماع مغلق بين الرئيس ماكرون ووزير دفاعه فلورنس بارتي، ووزير الخارجية لودريان، والذي تسرَّب فيما بعد إلى مجموعة “ديسكلوز” الاستقصائية وتم نشره مؤخراً، يرسم صورة قاتمة للقدرات العسكرية السعودية، وينتقد أداء الجيش السعودي خلال الحرب على اليمن، رغم الإنفاق السخيِّ على قطاع الدفاع من طرف المملكة العربية السعودية، والذي وصل إلى 67 مليار دولار عام 2018، مقارنة بمبلغ 13 مليار دولار بالنسبة لإيران.
وانتقد التقرير بشدَّة القدرات العسكرية السعودية وقيَّمها بـ”عدم الفاعلية”. كما وصف جهود الجيش السعودي في تأمين حدود البلاد مع اليمن ضد ضربات أنصار الله بـ”الفشل”؛ ناهيك عن أن التقرير يشير إلى اعتماد السعودية على المساعدة التقنية الأمريكية.
كما يشير التقرير إلى أن الحشد العسكري المكوَّن من نحو 25 ألف جندي ينتمون إلى الجيش السعودي على الحدود اليمنية فشل بسبب عدم دقَّة الضربات السعودية وغياب الفاعلية ضد القوات اليمنية.
وقال التقرير: “رغم القوَّات الدفاعية المسخَّرة على الحدود، حافظ الحوثيون على مقدرتهم على الإزعاج، باستخدام الطلقات المدفعية والضربات الصاروخية والمتفجِّرات المصنوعة تقليدياً، واستطاعوا الاشتباك والتوغُّل داخل الأراضي السعودية”.
ورغم التفوُّق التكنولوجي المائل بشكل صارخ لصالح الجيش السعودي فإنه فشل -وفقاً للتقرير- في الوصول إلى أهدافه العسكرية، كما أن قدرته على الاستهداف في حاجة إلى التحسين. كما وصف التقرير السعوديين بأنَّهم أقل فاعلية في المهام الجوية والبحرية.
المشكلة الأخرى التي تعاني منها الاستراتيجية العسكرية السعودية هي أنَّها تعتمد بشكل شبه كامل على السلاح الأمريكي والفرنسي وما يتبعهما من دعم تقني وأنظمة التشغيل، وهو ما يحد من مرونتها وقدرتها على المناورة إلى حدٍّ كبير، خصوصاً في حالة بروز خلافات سياسية مع الإدارة الأمريكية؛ إذ ليس في إمكانها ببساطة أن تستبدل بهذه الأنظمة بدائل صينية أو روسية بصورة فورية.
وتعد السعودية أكبر مستورد للسلاح في العالم، وتملك أكبر ميزانية دفاع في العالم العربي، بل إنَّها تملك إحدى أكبر ميزانيات دفاع في العالم (احتلَّت السعودية المرتبة الثالثة في العالم في قائمة أكبر ميزانيات الدفاع عام 2018 بعد الولايات المتحدة والصين).
غير أن عملية اقتناء السلاح تجري بطريقة عشوائية، بدون تخصيص تكوين عالي الجودة للجيش السعودي. كما تعتمد الرياض على التقنيين الأجانب لتشغيل معدَّاتها العسكرية بصورة كبيرة، خصوصاً المعدَّات الأمريكية. كما أنَّها تعتمد على الجنود السودانيين في حربها على اليمن، وبالتالي فإن الاستراتيجية العسكرية السعودية تعاني من مشكلة في العقيدة القتالية، بالإضافة إلى أزمة تقنية؛ ناهيك عن ظاهرة الفساد المالي من خلال الرشاوى والمحسوبية من خلال صفقات التسليح الضخمة. كل هذا يخلق تبذيراً كبيراً في مقتنيات الجيش السعودي بصورة غير متحكَّم فيها.
وتبرز هذه المشكلات بصورة واضحة في الحرب على اليمن. فمنذ 2015، تتلقَّى السعودية ضربات الصواريخ والطائرات المسيَّرة على حدودها الجنوبية. ورغم ذلك لم تنجح في التأقلم مع هذا الخطر العسكري أو تكييف تسليحها مع نوعية الهجمات التي تتلقَّاها، إذ لم تشتر المعدَّات المناسبة للحرب التي تخوضها.
عوضاً عن ذلك اشترت السعودية معدَّات كبيرة وغالية جداً، مثل الصواريخ البالستية والطائرات المقاتلة المتطوِّرة، وترك أساليب الحرب غير التقليدية مثل الصواريخ الصغيرة أو تطوير منظومة الطائرات المسيَّرة؛ عكس الجانب اليمني الذي في كلِّ مرَّة يتأقلم مع الهجمات السعودية ويطوِّر -وفقاً لهذه التغييرات- استراتيجية مضادة.
إن أكبر مشكلة لدى الاستراتيجية العسكرية السعودية هي انعدام الرؤية وبعد النظر، وعدم وجود استراتيجية متكاملة على المدى الطويل.
ومن أجل الفكاك من الضغط الغربي، أدارت السعودية وجهها شرقاً تجاه الصين ولو بصورة سريَّة في البداية؛ إذ كانت شبكة “سي إن إن” الأمريكية كشفت في كانون الأول/ ديسمبر 2021، استناداً إلى صور لأقمار صناعية من خلال شركة “بلانيت” التجارية، بالإضافة إلى تقييمات من طرف الاستخبارات الأمريكية (سي آي إيه)، عن مصنع لإنتاج الصواريخ البالستية في السعودية بالتعاون مع الصين، وذلك بعد الكشف عن عمليات حرق في منشأة قريبة من بلدة الدوادمي غرب الرياض.
ومؤخراً، وقعت شركة أنظمة الاتصالات والإلكترونيات المتقدمة السعودية اتفاقية مع شركة (China Electronics Technology Group Corp)، خلال معرض الدفاع العالمي في الرياض الذي أقيم في آذار/ مارس 2022، لتدشين مشروع مشترك لتصنيع الطائرات المسيرة الصينية في المملكة.
غير أن الصين لم تقدم أي شيء قريب من نطاق الالتزامات السياسية والأمنية التي تقدمها الولايات المتحدة، حسبما ورد في تقرير في مجلة (The Diplomat) اليابانية.
ورغم زيادة الوزن النسبي لبكين في السياسة والاقتصاد والترتيبات الأمنية، فإن الأمر لم يصل بعد إلى الحد الذي يجعلها قادرة على توفير الرعاية الأمنية والسياسية للسعودية ودول الخليج، وأن تقدم البدائل القادرة على جعل هذه الدول تستغني عن الحلفاء الغربيين، خاصةً أن بكين ليست مستعدة لمواجهة الغرب رغم انتقاداتها له، وليست راغبة ولا قادرة على أن تقوم بالدور الغربي نفسه في الخليج، بما في ذلك الانخراط العسكري الواسع النطاق لحماية حقول النفط وإمداداته الحيوية، وأن تعلق مثل واشنطن في المناوشات السعودية الإيرانية.
المصدر: صحيفة لا