أفق نيوز
الخبر بلا حدود

أزمة الغذاء العالمية.. السلاح الأكثر فتكاً بشعوب «العالم الثالث»

356

أفق نيوز../

 

بعد الحرب العالمية الثانية وانقسام العالم إلى قطبين (أمريكا وروسيا)، اتجهت أمريكا لإدارة حرب من نوع آخر (غير السلاح)، وهي الاقتصاد، الذي سمي حينها بالحرب الباردة بين حلف النيتو وحلف وارسو، وأدى بالفعل إلى تفكيك الاتحاد السوفييتي وإطلاق شعار العولمة والقطبية الواحدة وإنشاء منظمات أممية ودولية تحمل شعار الأمن والسلام الدوليين كشكل يجذب الدول والشعوب إليها بينما محتواها يتضمن عكس ذلك، حيث بدأت تشن الحرب الناعمة المتعددة التي أطلقها جوزيف ناي، منها حرب الغذاء، التي ظهرت نتائجها مؤخراً بشكل واضح، خاصة بعد الحرب الروسية على أوكرانيا.

 

فما هي خلفية هذه الأزمة؟ وما علاقة منظمة “الفاو” بها؟ في هذا التقرير نسلط الضوء على ذلك وما هو أكثر.

 

شركة “مونسانتو” الأمريكية لصناعة الموت

 

أحد أجزاء مسلسل (The Blak Lest) الأمريكي يتحدث عن شركة عالمية تنتج البذور المعدلة وراثياً، وعن مدى فسادها وخطورتها. ولا يُذكر هذا النوع من الشركات الغذائية العالمية في الدراما الأمريكية إلا وتذكر شركة “مونسانتو” متعددة الجنسيات، التي تحمل تاريخاً إجرامياً منذ إنشائها عام 1901 في سانت لويس بولاية ميزوري الأمريكية، أي قبل الحرب العالمية الأولى، حيث تعمل هذه الشركة في مجال تصنيع المواد الكيميائية، مثل توريد المكسبات الصناعية للأغذية كـ”الكافيين والفانيلين والسكارين” البديلين الصناعيين للفانيليا والسكر.

 

استمرت الشركة في ذلك إلى العام 1933، حيث بدأت “مونسانتو” في المواد الكيماوية المعروفة بـ(PCBS)، وهي زيوت تبريد كانت تستخدم في كثير من الأجهزة الإلكترونية إلى أن حُظرت عام 1979 بعد أن ثبتت خطورة أثرها على البيئة والإنسان، وتم منع استخدامها في عدد كبير من دول العالم، خاصة الدول الأوروبية.

 

في العام 1943، أي أثناء الحرب العالمية الثانية، شاركت شركة “مونسانتو” في “مشروع مانهاتن”، المشروع الذي أنتج القنبلة النووية الذرية التي أسقطها الجيش الأمريكي في 6 آب/ أغسطس 1945 على هيروشيما وناجازاكي في اليابان، وتسببت بمجزرة جماعية وكارثة طبيعية وجينية على البشر ما تزال حتى اليوم.

 

لم تكتفِ “مونسانتو” بكل تلك الجرائم الوحشية التي ارتكبتها بمعية الجيش الأمريكي، حيث شاركت مطلع ستينيات القرن الماضي في المجزرة الجماعية الثانية في فيتنام، عبر تزويد الجيش الأمريكي آنذاك بمادة “العامل البرتقالي” (الاسم الكودي لحمض ثلاثي فينوكسي الخليك شديد السمية)، أحد مبتكرات مختبرات “مونسانتو” في إطار الحرب البيولوجية، وهو عبارة عن مبيد نباتي سام استخدمه البنتاجون بموافقة مباشرة من البيت الأبيض للقضاء على الغابات الفيتنامية والأشجار التي كان يستخدمها المقاتلو الفيتناميون كغطاء لهم، حيث مثلت “مونسانتو” حينها أكبر منتج ومورد للمبيد الذي ألقت الولايات المتحدة منه 12 مليون رطل، أي حوالى 5 مليون كجم تقريبا خلال عشر سنوات على مزارع الفيتناميين.

 

خلف هذا المبيد أرقام ضحايا شديدة الضخامة، حيث أباد ما يقارب 400 ألف فيتنامي ما بين قتيل ومشوه، وحوالى نصف مليون طفل ولدوا بعيوب جينية، ناهيك عن التغير الجيني الذي أحدثه هذا المبيد على البشر هناك، تغير مماثل لأهالي هيروشيما وناجازاكي اليابانيتين.

 

وبذلك استطاعت “مونسانتو” أن تكسب ثقة الحكومة الأمريكية، وأن تحظى بامتيازات فريدة، حيث حصلت على عقود دفاعية مع حكومة الولايات المتحدة الأمريكية وتعاون وثيق مع هيئة الأبحاث الدفاعية القومية، أي أصبحت على علاقة مباشرة مع البنتاجون.

 

بداية أزمة الغذاء عالمياً

 

بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية شهد العالم تغيرات استراتيجية جذرية وتحولات كبرى أشعلت صراعات مفتوحة في العالم ككل، بسبب حاجة الدول الملحة إلى الطاقة والثروات الطبيعية ومصادر المياه، وتنافسها على مكانة بارزة في ساحة القوى الدولية العظمى، لا رغبة في امتلاك السلاح النووي وتطويره فقط، بل أيضاً ظهور أنواع جديدة من الأسلحة البيولوجية اعتبرها العلماء أشد فتكاً من السلاح النووي.

 

معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام، المختص بالأمن الدولي والتسلح ونزع السلاح، يقول إن “الإنفاق العسكري عالمياً انخفض بنسبة 0.5%، ليبلغ 1.75 تريليون دولار عام 2013، وهذا أول تراجع حقيقي منذ العام 1998”. ويذكر المعهد أن سبب هذا التراجع هو التخفيضات الكبيرة في أمريكا ودول أوروبا مقابل زيادتها في دول مثل الصين وروسيا.

 

في المقابل يرجع باحثون استراتيجيون وعلماء في مجال البيولوجيا والأمن والسلم هذا التراجع إلى التطور الحاصل في مجال صناعة السلاح، فالتسلح خاصة في الدول المتقدمة جداً (علمياً) يتجاوز المفهوم التقليدي لديها في سياسة التسلح المرتبطة بالأساطيل العسكرية وعتاد الأسلحة المتطورة والكثيرة، وتعتبر الغذاء والاكتفاء الذاتي هو السلاح الأهم.

 

بناء على هذه النظرية المتقدمة في التسلح اتخذت “مونسانتو” قراراً في أوائل ثمانينيات القرن الماضي، تحديداً في العقد الأخير من الحرب الباردة، بتغيير الشركة من شركة لإنتاج الكيماويات إلى شركة خاصة بالبذور وتعديلها الجيني. وقد بدأت الترويج لذلك بإطلاقها شعار “الثورة الخضراء”، أي الغذاء المعتمد على المحاصيل المعدلة جينياً، وغيره من الشعارات كـ”تحسين النسل أو علم الوراثة”، لتلقى قبولاً واسعاً في العالم، وكذا بالترويج أن هذه المحاصيل قادرة على مقاومة الجفاف والآفات والملوحة ووجود كميات عالية من الفيتامينات؛ لكن الحقيقة هي أن هذه الشركات تريد غزو الأسواق الهائلة والأفواه الجائعة في الدول النامية بالبذور التي تملك حق ملكيتها الفكرية لتدمير أسس الزراعة المحلية وجعل هذه الشركات كـ”مونسانتو” وغيرها المدعومة حكومياً تحتكر سوق الغذاء العالمية.

 

وبالفعل استطاعت “مونسانتو” وغيرها من الشركات الاحتكارية أن تحقق نتائج ملموسة من “الثورة الخضراء” التي ادعتها، منها ارتفاع وتحسن إنتاجية المزارع. إلا أن هذه “الثورة” أدت فيما بعد إلى تدمير الأراضي الزراعية وتسمم المياه الجوفية الصحية، مما أدى إلى تدهور تدريجي لصحة السكان، منها الإصابة بالسرطانات والموت المفاجئ.

 

وقد حصلت البذور المهجنة على تصريح لها بعد العام 1979، مما مكن الشركات المحتكرة من رفض أي تدخل في إدارة أعمالها التجارية، مقابل إجبار العالم على قبول حقها في الملكية الفكرية، بمعنى أن أي معارضة ستتعرض للاصطدام مع الشركات الاحتكارية، وقد تأقلمت منظمة التجارة العالمية مع ذلك.

 

يقول الباحث الأمريكي وليام انغداهل، في كتابه “بذور الدمار – الأجندة الخفية للمواد المعدلة جينيـاً”: “تتمثــــل الاستراتيجيـــات الواضحة لكبرى الشركات الأمريكية، التي تحتكر تجارة الحبوب على غرار مونسانتو ودوبونت، والحكومة الأمريكية الداعمة لها، في إدخال هذه البذور المعدلة وراثياً في كل ركن من أركان المعمورة، مع إعطاء الأولوية للدول العاجزة على غرار أفريقيا والدول النامية”.

 

ولتحقيق ذلك وضعت “مونسانتو” شروطاً احتكارية صارمة، بدعم من الإدارة الأمريكية، وهي عدم الاحتفاظ بالبذور من سنة إلى أخرى أو استخراج بذور من محصول حالي لاستخدامهـــــا فــي الموسـم المقبل. ولضمان ذلك تقوم الشركة بتوظيف محققين يطلق عليهم اسم “شرطة الجينات”.

 

ليس هذا فحسب، فقد حرصت “مونسانتو” على أن تكون بذورها قابلة للتطاير بفعل الرياح مسافة ما يقارب 800 متر خلال 24 ساعة، وهو ما شكل خطورة كبيرة على أي مزارع اختار الاستمرار في زراعة البذور التقليدية، لأن دخول البذور المعدلة جينياً أرضه يعني تلوث المحصول عدة سنوات مقبلة، إضافة إلى خرقه شروط براءة الاختراع الخاصة بشركة “مونسانتو” إذا قام هذا المزارع باستخراج بذور من أرضه لزراعتها في الموسم المقبل. كما أن الشركة تلاحق المزارع الذي توجد بذورها في أرضه دون حصوله عليها من الشركة نفسها، ودفع الرسوم اللازمة لها وتوقيع اتفاقية تضمن خضوعه لشروطها.

 

هذا الأمر اضطر كثيراً من المزارعين في مختلف دول العالم إلى الاقتراض لمجاراة الرسوم التي تفرضها الشركة، حتى غرقوا بالديون، وبذلك حرمتهم “مونسانتو” من مهنتهم وحرفتهم الأساسية لمصلحتها، بل أصبحت شبه متحكمة في بعض المحاصيل الزراعية، أي القضاء على البذور غير المهجنة أو معدلة وراثياً.

 

البذور المهجنة السلاح الأمثل للإبادة الجماعية

 

يُقال إن دافع شركة “مونسانتو” هو تحقيق الربح، حيث يذكر أن الشركة تعتمد على منتج واحد، وهو مبيد الأعشاب الحشري الضار (RoundUP) والعضويات المعدلة جينياً التي تقاوم منتجها الرئيس (RoundUP)، مما يعني أنه أصبح بإمكان المزارعين رش محاصيلهم الزراعية بالمبيدات خلال الموسم الزراعي حتى لا تتأثر محاصيلهم، وبذلك ضمنت الشركة تفوق منتجها الرئيس على بقية المنتجات المنافسة عند انتهاء مدة براءة الاختراع، بالإضافة إلى ضمانها تسويق سلع جديدة مع منتجها الرئيس، وهو البذور المقاومة له.

 

في الأثناء، يرى آخرون أنها بالإضافة للربح فإنها تشن حرباً على الشعوب مباشرة بهدف القضاء عليهم، خاصة شعوب دول “العالم الثالث” أو “الدول النامية”، وذلك بسبب غنى هذه الدول بالموارد الطبيعية، لذا كان الشاغل الرئيسي لأمريكا ودول أوروبا هو كيفية خفض السكان وتحقيق إعدام جماعي في جميع أنحاء العالم دون توليد ردة فعل قوية من المستحيل تجنبها، فكانت البذور المهجنة هي السلاح الأمثل لتنفيذ أجندات الدول العظمى عالمياً.

 

“مونسانتو” لم تكتفِ بهندسة البذور عالمياً، بل قامت أيضاً، خلال الفترة 1995 – 2005، بشراء أكثر من 50 شركة منتجة للبذور في العالم، لتضمن احتكار الغذاء عالمياً، بالإضافة إلى عملها الدؤوب في مصادرة البذور الأصلية من مختلف أنحاء العالم، حيث ذكر الفيلم الوثائقي الفرنسي “حرب البذور” أن آخر شحنة بذور أصلية طبيعية جاءت للشركة كانت من سورية عام 2014، أي أثناء الحرب السورية.

 

دعم “الفاو” لـ”مونسانتو”

 

في 17 أيار/ مايو 2004 أصدرت منظمة “الفاو” تقريراً بعنوان “التنوع التكنولوجي الزراعي: هل يلبي احتياجات الفقراء؟”، وصفه مجموعة من المؤسسات والحركات والأفراد العاملين في الزراعة والمهتمين بالقضايا الزراعية بخيبة أمل بالنسبة لهم، حيث عبروا عن ذلك برفعهم رسالة مفتوحة إلى السيد جاكوس ضيوف، مدير عام منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة (الفاو)، معبرين عن غضبهم من التقرير، الذي تضمن دعماً صريحاً للشركات المنتجة للبذور المعدلة وراثياً، على رأسها “مونسانتو”، قائلين: “مع أن تقرير الفاو يشير إلى سيطرة الشركات على الهندسة الجينية، إلا أنه يتجاهل القول بأن شركة واحدة فقط هي مونسانتو تمتلك تكنولوجيا بذرة GM وهي التي تُبذر أكثر من 90% من مساحة العالم التي تستخدم تكنولوجيا نقل الجينات، وهناك خمس شركات تصنع 100% من البذور المطورة جينياً التي يزود بها السوق العالمية”.

 

وأكدوا أن ذلك أمر خطير يفترض أن يقلق “الفاو”، وأنه يجب على الأخيرة أن تضع حداً للاستثمار في هذه التكنولوجيا، بقولهم: “هذا يمثل اعتماداً غير مسبوق من جانب المزارعين على السوق الزراعية العالمية التي من المفترض أن تنظر إليها الفاو بعين الريبة، ويجب أن تعمل على إيجاد بدائل له، ومجرد القول بأن المزيد من التمويل العام قد وظف له لا يعتبر حلاً بحد ذاته، وأن المزيد من الاستثمار في هذه التكنولوجيا -كما توصي الفاو- سيزيد حتماً مستوى احتكار الشركات وسيطرتها على مصادر الغذاء العالمي، مما سيجبر الدول الفقيرة على قبول قوانين احتكارية وعقود وأنظمة ستضعف قدرتها الداخلية على محاربة المجاعة”.

 

إنها حقائق كارثية يجهلها الكثير، وهؤلاء الجهلاء أنفسهم يقعون ضحية هذه السياسات المخترقة للفرد في جميع تفاصيل حياته، حتى الزراعة التي تعتبر المهنة التقليدية للبشرية كافة اخترقتها أمريكا والدول الكبرى عالمياً ودمرتها أو بالأصح احتكرتها.

 

وهنا نستذكر ما قاله الشهيد القائد (رضوان الله عليه) عن أهمية الزراعة والاكتفاء الذاتي، حيث يقول: “إن كان في الواقع أن وضعيتنا تفرض علينا أن نهتم بزراعة الأشياء التي هي ضرورية بالنسبة لنا كالحبوب والبقوليات الأخرى، لكن هذا يحتاج إلى دعم من الدولة ودعم إلهي”.

 

وأكد أن الجانب الزراعي مهم جداً لاستمرار حياة الإنسان، سواء أكان في حالة صراع أم حرب، فقال عليه السلام: “فالله سبحانه وتعالى هيأ الأمور للناس، حيث بسط الأرض وجعلها قابلة للزراعة، وجعل باطنها الماء الكثير وينزل الغيث ويتكفل برعاية المحصول”.

 

أينما وجدت النزاعات والحروب وجدت منظمة الأمم المتحدة بهيئاتها المتعددة باسم حماية حياة الإنسان وتوفير الحياة الممكنة له في تلك الظروف الصعبة، ومن ذلك: العمل على توفير الأمن الغذائي لسكان هذا البلد ومساعدته للوصول إلى الاكتفاء الذاتي، بينما تاريخ هذه المنظمة، وخاصة منظمة “الفاو” التابعة لها، يحكي أنها كانت السبب في أكبر المجاعات في العالم، خاصة في الدول النامية مثل العراق ومصر ودول أفريقيا واليمن… وغيرها. فما هو حال الأمن الغذائي في الدول العربية؟ وكيف أن العدوان على اليمن كشف حقيقة “الفاو”؟

 

العالم العربي والأمن الغذائي

 

تتفق دراسة الكاتب علاء أحمد شكيب بعنوان “علاقة البذور المعدلة وراثياً باللعبة السياسية”، مع دراسة الباحث الأمريكي وليام انغداهل عن البذور المعدلة، حيث يشير فيها إلى أن الشركات الأجنبية التي تحتكر حق الملكية الفكرية للبذور تقوم بطرح بذور معدلة وراثياً في الهند وأسواق العالم الثالث، مما يؤدي إلى الاندثار التدريجي للمشاريع الزراعية الصغيرة والعائلية المعتمدة على البذور الطبيعية.

 

مثالاً على ذلك ما حدث في العراق، الذي يعتبر حقل التجارب الأول عربياً لشركة “مونسانتو”. يقول الباحث انغداهل: “لم يكن من المثير للدهشة أن تصدر جامعة الدفاع الوطني التابعة للبنتاجون قبيل حرب العراق عام 2003 نصاً يعلن أن الأعمال الزراعية تمثل للولايات المتحدة الأمريكية ما يمثله النفط للشرق الأوسط. لقد أصبحت التجارة الزراعية سلاحاً استراتيجياً في ترسانة القوة العظمى الوحيدة في العالم”.

 

قبل العام 2003 كان لدى العراق بنك بذور، تحديداً “بذور القمح”، كان يشمل كل أنواع القمح المعروفة، فقد قام الفلاحون العراقيون بذلك عن طريق حفظ بذور القمح ومشاركتها مع الآخرين وإعادة زراعتها مرات متتالية؛ إلا أنه بعد ذلك العام انقلب وضع العراق رأساً على عقب، حيث تعرض للغزو الأمريكي الذي دمر الدولة بكل مفاصلها، وفيما يخص الزراعة أصدرت أحكاماً أدت إلى تدميرها.

 

فقد أصدر الحاكم الأمريكي في العراق حينها جملة من الأوامر التنفيذية سميت بـ”خطة المئة”، من بينها القرار أو الأمر رقم (81) الذي اتخذ اسماً قانونياً مخادعاً: “براءة الاختراعات والتصميم الصناعي وسرية المعلومات والدوائر المتكاملة وتنوع المحاصيل”، الذي ترجم عملياً أيضاً إلى “قرار حماية الأنواع الجديدة من النباتات”، نص في مضمونه: “يحظر على المزارع العراقي حفظ البذور، أو مشاركتها مع غيره أو إعادة زراعتها”، وهو الأمر الذي أرغم المزارعين على الاعتماد على الشركات الأجنبية لمدهم بالبذور المعدلة وراثياً كل عام لزراعتها، وبذلك أصبح مستقبل العراق الغذائي مرهوناً بقرارات الشركات الاحتكارية مثل “مونسانتو” و”سنجنتا” وغيرهما من شركات المنتجات الزراعة الأمريكية التي استغلت ذلك لصالح تجاربها أيضاً، فقد رأت في العراق أرضاً وشعباً مناسبين لتطبيق تجاربها العلمية عليهم وعلى أراضيهم.

 

أما مصر فقد شهدت، إلى جانب 55 دولة حول العالم، عام 2013، مظاهرات مناهضة لاستخدام البذور المهجنة، تحديداً ضد شركة “مونسانتو” التي تحتكر نحو 70% من صناعة البذور في العالم. وقد طالب حينها أستاذ الزراعة في جامعة القاهرة حسن أبو بكر الناس بأن “يكون لديهم وعي بالغذاء والأطعمة التي يتناولونها والخطر الذي يواجهونه”، مشيراً إلى أن البذور المعدلة وراثياً تشكل خطورة على سلامة وصحة المستهلك وتضر بالأمن الغذائي القومي.

 

والخطير في الأمر، وفق علاء شكيب، عضو هيئة التدريس بقسم الأحياء بجامعة أم القرى، هو أن جزءا من المساعدات الغذائية التي ترسل إلى البلدان الأفريقية الفقيرة جداً والتي تعاني من المجاعات والصراعات هي أغذية من محاصيل معدلة وراثياً، حيث يتم تجربتها على المستهلك الأفريقي الجائع قبل أن يتم طرحها في الأسواق الأمريكية والأوروبية.

 

هذا الدمار المنظم للقطاع الزراعي في أسواق الدول النامية يعتبر منهجياً وقانونياً، وذلك بوجود تشريعات تدعم الشركات المستثمرة وتمنحها حق الملكية الفكرية لكل أنواع البذور المهجنة، لذا يرى الكاتب علاء شكيب أن المشكلة في ذلك هي أن معظم التشريعات في العالم العربي لا تتضمن حماية الأصول الوراثية العربية التقليدية من احتمال احتكار الملكية الفكرية لها من قبل شركات دولية، بحجة الاستثمار والتطوير، ومن الضروري أن يتم تطوير وإنفاذ تشريعات وطنية صارمة بملكية الدول والحكومات للأصول الوراثية قبل السماح بالاستثمار في المحاصيل المعدلة وراثياً.

 

اليمن يفضح “الفاو”

 

اليمن، كدولة عربية عرفت حضاراتها بالزراعة والتجارة، كانت محل استهداف من الحكومات المتعاقبة عليه قبل ثورة 21 أيلول/ سبتمبر 2014، وذلك إما بمحاربة المزارعين في إمكانات الزراعة وإما باستيراد منتجات زراعية لضرب محاصيل المزارعين المحليين أو باستيراد بذور تضعف المنتج المحلي وتدمره، وحالياً من قبل المنظمات الأممية مباشرة، التي ظهر دورها البارز في تدمير الزراعة في اليمن خلال سنوات العدوان، والتي يفترض أنها تعمل من أجل حماية حقوق الإنسان وتوفير الغذاء الجيد والمناسب لأبناء الشعب اليمني المحاصر؛ لكن الواقع كان غير ذلك، فقد أعلنت وزارة الزراعة والجهات المختصة في صنعاء أنها أتلفت كميات كبيرة جداً من المساعدات الغذائية المدعومة أممياً طيلة الأعوام الماضية.

 

لم تكتفِ المنظمات الأممية بذلك، بل حاولت أن تدخل بذورا فاسدة وغير صالحة للزراعة، قائلة إن ذلك دعم للمزارعين اليمنيين، لذا قامت الحكومة في صنعاء بإيقاف شحنات بذور في صعدة عام 2019 وقامت بإتلافها عام 2021، أيضاً أتلفت شحنات أخرى من البذور نفسها في ذمار والحديدة.

 

كما أكد المعنيون بفحص المواد الغذائية والبذور أن منظمة “الفاو” تشارك في العدوان على اليمن عن طريق إدخال بذور فاسدة إلى المواطن اليمني المحاصر. ويذكر أيضاً أن “الفاو” قامت بذلك خلال الفترات السابقة.

 

وأوضح مدير مكتب الزراعة بصعدة، زكريا المتوكل، في تصريح صحفي، أنه تم ضبط هذه البذور عام 2019 وتم تحريزها ومنع توزيعها، مؤكداً أن منظمة “الفاو” قامت بخطوات مماثلة خلال الفترات السابقة.

 

ونظراً لما ذكرناه فيما سبق عن علاقة شركة “مونسانتو” بمنظمة “الفاو” فإن القرائن تشير إلى أن مصدر هذه البذور هو شركة “مونسانتو” الأمريكية، أي أن الاستهداف في الغذاء والمتسبب في أزمة الغذاء العالمية هي أمريكا، يليها دول أوروبا الداعمة لمثل هذه الشركات بغطاء أممي.

 

المصدر: مها موسى / صحيفة لا

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com