مشهد ضبابي يُخيم على الهدنة الأممية في ثلثها الأخير.. أمريكا تحاول إنقاذ الهدنة وهي من عبثت بخيوطها
أفق نيوز../
دخلت الهدنة الأممية ثلثها الأخير وسط ضبابية المشهد بالمضي نحو هدنة جديدة نتيجة مماطلة تحالف العدوان السعودي الأمريكي في الحسم بملفات تتعلق بالشق الإنساني للهدنة ذي الأولوية لليمنيين لكبح جماح المعاناة الإنسانية الناجمة عن الحصار .
خلال الأسبوع الماضي كادت الهدنة الأممية الثالثة تنهار بعد أن بلغ عدد سفن الوقود المحتجزة قبالة ميناء جيزان السعودي 13 سفينة، وعادت أزمة النفط في المناطق المحررة إلى الواجهة، مع بدء شركة النفط برنامجا طارئا لتقنين الوقود، ما استدعى إعلانا رئاسيا من قبل المجلس السياسي الأعلى انه سينظر في الوضع الخطير ويتخذ القرار المناسب .
ووفقا لمسؤول حكومي: كان المتوقع أن نشهد انهيار الهدنة أمام هذا الخرق الخطير، وأن تذهب الأمور باتجاه توجيه ضربة محددة ومؤلمة إلى المنشآت النفطية السعودية بغرض تذكير الطرف الآخر بان الهدنة لا تعني الذهاب في التلاعب وعدم احترام التعهدات إلى ذلك الحد الذي أعاد طوابير السيارات إلى الاصطفاف أمام محطات الوقود في العاصمة صنعاء والمحافظات الحرة.
وبالعودة إلى فرص التمديد قال مسئولون في حكومة الإنقاذ أن التفاوض حول ملف الرواتب شبه مجمد بالرغم من وجود الفريق الاقتصادي للحكومة في العاصمة العمانية مسقط، والحال ذاته في ملف توسيع وجهات السفر من والى مطار صنعاء المحاصر من قبل تحالف العدوان منذ أغسطس 2016م .
تشترط صنعاء للقبول بهدنة جديدة صرف رواتب موظفي الدولة وتوسيع وجهات السفر من والى مطار صنعاء وضمان سلاسة تدفق الوقود والسلع إلى ميناء الحديدة كإجراءات لبناء الثقة وصولا إلى رفع كامل للحصار على مطار صنعاء وميناء الحديدة .
وعلى مدى أربعين يوما من الهدنة الحالية انتظر وفد صنعاء بدء عملية التفاوض لصرف الرواتب دون جدوى رغم الوعود المتكررة من قبل الأمم المتحدة، فيما لم تكن هناك اتفاقات ناضجة لتحديد وجهات السفر من والى مطار صنعاء .
تؤكد صنعاء على إطلاق رواتب موظفي الدولة من عائدات النفط الذي كان يغطي بند المرتبات قبيل شن العدوان على اليمن واعتبرت ذلك شرطا أساسيا لاستئناف الهدنة، واكد محمد عبدالسلام في تصريحات سابقة عقب زيارته إلى موسكو انه لن يتم الذهاب إلى هدنة دون حلول لهذا الملف الإنساني الحساس، وهدد حينها باستئناف شركات النفط الأجنبية التي تقوم بسرقة النفط اليمني وتوريد عائداته لصالح السعودية .
وفي هذا السياق قال وزير الخدمة المدنية سليم المغلس بعد مضي 40 يوما من الهدنة إن المفاوضات تكاد تكون مجمدة حول هذا الملف رغم تواجد اللجنة الاقتصادية في مسقط ورغم وعود الأمم المتحدة المتكرر في هذا المجال، واتهم دول العدوان على اليمن بافتقاد المصداقية والجيدة في الوصول إلى حلول لهذا الملف، وأنها تمضي في تعذيب اليمنيين عبر قطع الرواتب فيما تواصل سرقة النفط .
حديث وزير الخدمة المدنية دقيق فالمرتبات لموظفي الدولة والقطاعين العام والمختلط تبلغ نحو 75 مليار ريال شهريا، وهؤلاء الموظفون يعولون نحو ثلث المجتمع اليمني الأشد فقرا نتيجة توقف الرواتب منذ 7 سنوات وفقا لوزارة المالية، ومن شأن عودة الرواتب أن تخفف من وقع الأزمة الإنسانية في اليمن ـ الأزمة الأكبر عالميا وفقا لتقارير أممية ومنظمات دولية .
توقف إنتاج النفط اليمني مع بدء العدوان في 2015م ومغادرة الشركات الأجنبية تحت بند القوة القاهرة الذي يتيح لها التوقف، لكن الإمارات والسعودية استأنفتا تصدير النفط اليمني وبيعه في العام 2018م لتعويض نزيف خزائنها نتيجة طول أمد الحرب في اليمن غير المتوقع، وجرى إيداع العائدات التي بلغت حتى يونيو 2018م 9 مليارات ونصف المليار دولار في حسابات سعودية وإماراتية وعرف منها حسابات في البنك الأهلي السعودي.
وبحسب وزارة النفط في صنعاء فإنه يجري إنتاج من 60 ألفاً إلى 80 ألف برميل من النفط الخام في عدد من القطاعات التي أعيد تشغيلها في حضرموت وشبوة ومارب، حيث أعيد ربط أنابيب التصدير من القطاع 18 إلى حقول جنة هنت في شبوة ومنه إلى ميناء النشيمة بدلا من راس عيسى في الحديدة .
وفي شأن تقدم المفاوضات حول فتح وجهات جديدة للسفر من مطار صنعاء اكد وزير النقل اللواء عبد الوهاب الدرة أن توسيع الوجهات سيخفف أعباء الترانزيت التي يتحملها المسافرون اليمنيون نتيجة اقتصار الرحلات على وجهة وحيدة هي صنعاء عمّان، حيث تحولت العاصمة الأردنية إلى محطة ترانزيت خاصة للطلاب والمرضى الذين يفضلون مصر والهند نتيجة انخفاض تكلفة العلاج، وما يترافق مع ذلك من زيادة أعباء السفر نتيجة ارتفاع تذاكر الطيران للغاية بتأثير الحصار الجوي ووجود ناقل وحيد ومنع تحالف العدوان من دخول وقود الطائرات إلى مطار صنعاء لتزويد الطائرات ما يفرض عليها مسارات ثانوية إلى جيبوتي للتزود بالوقود أو مجيئها محملة بالوقود من عمان ما يستتبع ذلك من خفض عدد المسافرين لإفساح المجال لحمولة زائدة من الوقود تكفي للذهاب والإياب .
خلال الهدن الماضية تعثرت رحلات القاهرة لأهداف تكاد تكون سياسية أكثر من كونها إجرائية فنية، ومع ذلك مضت صنعاء بالتفاهم مع الجانب المصري في معالجة ملاحظات الجانب المصري لإعادة إطلاق الرحلات صنعاء القاهرة ، ويؤكد ويزر النقل في هذا السياق أن الرحلة الأولى لم تشهد أي مشاكل أمنية ومع ذلك أضاف : نحن نتعاون مع الجانب المصري لإعادة إطلاق الرحلات وتلبية الاشتراطات رغم أن القاهرة تسيّر رحلات من مطار عدن الأدنى تقييما بالنسبة لمطار صنعاء .
في الطرف الآخر استقبلت واشنطن دعوة رئيس المجلس السياسي الأعلى للتشاور حول الهدنة عقب ارتفاع عدد سفن الوقود المحتجزة إلى 13 سفينة بفزع وهرع مبعوثها إلى المنطقة لمحاولة إنقاذ الهدنة، والإفراج عن السفن المحتجزة في مشهد تكرر مع اقتراب كل تمديد من نهايته، لكن المهمة الأمريكية تبدو أصعب هذه المرة من سابقتيها، إذ أن صنعاء فطنت الحيل الأمريكية في إضاعة الوقت والعبث ببنود الهدنة عقب كل تمديد ومن ثم الظهور في نهايتها بمظهر الوسيط .
ووفقا للأنباء فإن المبعوث الأمريكي الذي أطلق تصريحات مؤيدة لمطالب صنعاء بشأن ملفات الرواتب وتوسيع وجهات السفر من وإلى مطار صنعاء يواجه صعوبة في مهمته هذه المرة .
تتهم صنعاء الطرف الأمريكي بوصفه قائد العدوان بالتلاعب بالوقت حتى ربع الساعة الأخيرة ومن ثم الحضور لكسب اتفاق، وذكرت العالم بأنها منحت شهرين كاملين في التمديد الأخير للتفاوض، يضاف إلى صنعاء بعثت برسائل القوة ما يكفي لإفهام تحالف العدوان بأن رصيد صبرها ينفد وهي تحترم الهدنة من موقع قوة أظهرت بعضا منها.
خلال التمديد الثالث أقامت صنعاء عدداً من العروض العسكرية وعبرها بعثت برسائل عدة إلى أكثر من صعيد، داخليا لطمأنة الشعب بأن القوات المسلحة تقف على أهبة الاستعداد لحماية الأرض وتحقيق النصر، وخارجيا كان عرض وعد الآخرة من على ضفاف البحر الأحمر رسالة بأن الهدنة إذا ما انهارات فإن حدود المعركة لن تقف عند البر ومنابع النفط السعودي والإماراتي وإنما سيكون البحر مسرحا رئيسيا في وقت يعيش العالم فيه أزمة طاقة نتيجة الأزمة في أوكرانيا والعقوبات الغربية على روسيا .
وفي هذا السياق قال نائب رئيس الوزراء لشؤون الدفاع والأمن الفريق الركن جلال الرويشان أن صنعاء لا تعول على الهدنة لتحقيق الأهداف الاستراتيجية المتمثلة بتحرير الأرض واستقلال القرار السياسي، وهي دخلت إلى الهدنة لتأكيد صدق نواياها تجاه السلام، إن كان هناك من يفهم رسائل السلام .
صحيفة البيان الإماراتية نقلت عن مسؤول لم تسمّه، قوله إن الأمريكيين تقدموا بخطة تتضمن الاتفاق على آلية لصرف مرتبات الموظفين في مناطق سيطرة المجلس السياسي الأعلى، وفتح ممر إلى مدينة تعز، إضافة إلى السماح بتسيير رحلات مباشرة من مطار صنعاء المحاصر إلى 6 وجهات إقليمية ودولية، ولم يتم التأكد من صحة التسريبات الإمارتية، فمن المؤكد أن واشنطن بصدد الرضوخ لاشتراطات صنعاء الإنسانية منعا لانهيار الهدنة وفتح تصعيد جديد في الوقت الذي تركز فيه جهودها للمواجهة مع روسيا وتسعى لضمان إمدادات الطاقة من الشرق الأوسط .
وعلى صعيد متصل فإن مجلس الأمن حرص على إصدار بيان صحافي يعتبر أدنى إصدارات مجلس الأمن في تنازل أمريكي عن الحصول على بيان رئاسي في ما يخص الملف اليمني، وبرغم أن البيان حمل انحيازا واضحا لرواية تحالف العدوان، إلا أنه عكس انقساما واضحا داخل المجلس، وبدء حصاد صنعاء ثمار صبرها وصمودها وإظهار قوتها سياسيا رغم تغييبها قسريا عن مجلس الأمن .
ووفقا لآخر الأنباء فإن المبعوث الأمريكي ليندركينغ عاد مجددا للتوسط بالطرف العماني والطرف الإيراني اللذين تربطهما علاقة صداقة قوية مع حكومة صنعاء لدفع نحو منع انهيار الهدنة، فيما صنعاء ثابتة على موقفها اتفاق واضح على هدنة بشروط وموسعة أو لا اتفاق، ويبدو أن صنعاء في طريقها لإيصال مزيد من الرسائل إلى العالم .
*الثورة / إبراهيم الوادعي