تتالي العروض العسكرية لصنعاء يستفزّ الرياض.. واشنطن لحلفائها: لا بديل من تجديد الهدنة
أفق نيوز../
تُواصل قيادة صنعاء تنظيم عروضها العسكرية النوعية، والتي «تمّ تصميمها بعناية لتُجسّد التحوّل» المتمثّل في انتهازها فرصة التغيّرات الإقليمية والدولية، من أجل إعادة ترتيب أوراقها وتنظيم صفوفها وتحسين قدراتها، وهو ما فهمته جيّداً أطراف «التحالف» التي لم تَجد بدّاً، والحال هذه، من التباحث مع الجانب الأميركي في جدوى إبقاء الهدنة. على أنّ الأخير يجد نفسه محكوماً تماماً بتجديد هذه الهدنة وتوسيعها تلافياً لسيناريو اشتعال البحر الأحمر، والذي ستكون تداعياته كارثية على أمن الطاقة العالمي، في الوقت الذي بدأ فيه، بحسب معلومات «الأخبار»، الاشتغال على آليات لتحقيق الهدف القديم – الجديد، المتمثّل في فكّ الارتباط بين «أنصار الله» ومحور المقاومة.
احتفلت قيادة صنعاء، أمس، بالذكرى الثامنة لـ«ثورة 21 سبتمبر»، والتي سيطرت خلالها حركة «أنصار الله» على معظم محافظات البلاد، على رأسها العاصمة. واكتسبت الاحتفالات هذا العام أهمّية خاصة، بالنظر إلى فترة الهدنة التي يعيشها اليمن، والتي يُنظر إليها – على رغم التلكّؤ في تنفيذ بنودها – على أنها مكسب لليمنيين، وتحوّل أساسي في مسار الحرب على بلادهم. أيضاً، اقترنت الذكرى بعرض عسكري كبير لصنوف مختلفة من الأسلحة المحلّية الصْنع، وعلى رأسها منظومات «كروز» الصاروخية الباليستية وطائرات مسيَّرة بعضها يُعرض للمرّة الأولى، في ما يمثّل استكمالاً لمسار العروض التي نفّذتها المناطق العسكرية الخمس التابعة لحكومة صنعاء – فضلاً عن استعراض وزارة الداخلية والاستعراض المركزي – والتي مثّلت جميعها مفصلاً رئيساً وغير مسبوق، لم تستطع قوى التحالف السعودي – الإماراتي، ومِن ورائها الأطراف الغربية وحتى “إسرائيل”، إلى الآن، هضْم نتائجه أو تجاهُل رسائله المتعدّدة الاتّجاهات.
وشكّلت هذه العروض، وعلى رأسها «وعد الآخرة» الذي نُظّم في مدينة الحديدة، مادّة خصبة للنقاش الداخلي لدى أصحاب القرار في الرياض وأبو ظبي، وعنواناً لجدل صعب ومعقّد وعميق مع المبعوث الأميركي إلى اليمن، تيم ليندرينغ، أثناء زيارته الأخيرة للمنطقة، حيث طرحت السعودية والإمارات، بشكل جدّي، المفاضلة بين جدوى تجديد الهدنة وتوسيعها، وبين عودة الحرب، ليأتي جواب الولايات المتحدة بأن الخيار الأوّل هو الوحيد المتاح، أخْذاً في الاعتبار أهمّية إبقاء منطقة الشرق الأوسط هادئة حتى لا يستتبع اشتعالها تداعياتٍ إضافية على أمن الطاقة العالمي المهدَّد أصلاً. كذلك، تَوسّع النقاش حول هذا الموضوع ليشمل أصحاب الرأي والنُخب الخليجية، التي عادت لطرْح تساؤلات حول صدقيّة الإعلانات المتكرّرة للناطقين باسم «التحالف»، خصوصاً في الأسبوع الأوّل من الحرب، حول تدمير المنظومة الصاروخية التابعة لـ«أنصار الله» بنسبة 90%.
وما زاد الطين بلّةً، بالنسبة للمتشكّكين، هو أن قيادة صنعاء أخرجت من جعبتها، يوم الإثنين، مفاجأة جديدة، من خلال إطلاقها في سماء العاصمة ثلاث طائرات مروحيّة، ما أثار تساؤلات حول كيفية النجاح في إعادة تشغيل تلك المروحيّات بعد توقّف الطيران العسكري للجيش اليمني منذ عام 2015، على رغم الحظر الذي يمنع شراء الأسلحة أو التزوّد بها، والحصار الذي تفرضه بحرية الأسطول الخامس الأميركي، بمشاركة من «التحالف»، على السواحل اليمنية.
والجدير ذكره، هنا، أن هذه ليست المرّة الأولى التي تَظهر فيها طائرات مروحيّة يمنية في الأجواء، إذ عرض «الإعلام الحربي»، منتصف العام الحالي، مشاهد لطائرة مروحية وهي تقوم بإغاثة المدنيين والمقاتلين المحاصَرين في مدنية الدريهمي. كما عرض، العام الفائت، مشاهد لمروحيّة وهي تقوم بإسناد المقاتلين في جبهة مأرب.
ويعترف مراقبون عسكريون في دول الخليج بأن قيادة «أنصار الله» التقطت فرصة المتغيّر العالمي والإقليمي، واستفادت من حالة الانقسام في مناطق سيطرة «التحالف»، من أجل إعادة ترتيب أوراقها وتنظيم صفوفها، وهو ما ظهر جلياً في العروض العسكرية الأخيرة التي نظّمتها، والتي «تمّ تصميمها بعناية لتُجسّد هذا التحوّل بشكل دقيق»، بحسب ما تؤكد أوساط يمنية مطّلعة، معتبرةً أن الصدمة التي ولّدتها هذه العروض لدى «التحالف» والأطراف اليمنية الموالية له، «سيزداد وقْعها عندما تَظهر إلى العلن نتائج مفاوضات الهدنة بين الجانبَين الأميركي واليمني (صنعاء)، بحيث ستجد تلك الأطراف أن دورها أصبح يقتصر على تطبيق ما تخلُص إليه المفاوضات فقط».
ومع ذلك، فإن تمديد الهدنة لن يعني إنهاء حالة الجهوزيّة العسكرية لدى صنعاء، بل إن الأيام المقبلة ستشهد مفاجآت جديدة، سواءً لناحية الأنشطة العسكرية أو الكشف عن أنواع جديدة من السلاح، تعزيزاً للتحذير الذي أطلقه قائد حركة «أنصار الله»، عبد الملك الحوثي، في خطابه أثناء العرض العسكري في العاصمة أمس، من أن «الاستمرار في العدوان هو أكبر تهديد للسِلم الإقليمي والدولي وضرره لن يقف على حدود اليمن».
أمام هذا الواقع، أبلغت مصادر يمنية معنيّة، «الأخبار»، بأن «الرُباعية الدولية» (الولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا والسعودية والإمارات)، وفي ظلّ اضطرارها لتلبية شروط «أنصار الله» لناحية رفع الحصار، لجأت إلى برامج وخطط بديلة تعتمد بشكل أساسي على «الحرب الناعمة»، وتقوم على محاولة التفرقة بين صنعاء وبقيّة مكوّنات «محور المقاومة»، وصولاً إلى ما تطمح إليه من انفصال الأولى عن الأخيرة، وهو ما تبدو قيادة الحركة متنبّهة إليه جيّداً.
*لقمان عبدالله – جريدة الأخبار اللبنانية