حينما صمتت شعوب عربية عن المجازر الاسرائيلية التي ارتكبت في فلسطين إبان الانتفاضة الفلسطينية الأولى، ثم الصمت عن المجازر التي رافقت الانتفاضة الثانية التي بدأت خلال شهر سبتمبر عام 2000م تشجعت أمريكا لاحتلال أفغانستان احدى الدول الآسيوية ذات الأغلبية السكانية المسلمة، ولم تكتف، بل شرعت في الضغط على أنظمة عربية للمشاركة – ضمن ثلاثين دولة – لتشكيل ما أطلق عليه “تحالف دولي” لغزو العراق واحتلاله..
وحينما صمتت شعوب عربية عن غزو الأمريكان للعراق واحتلاله والمجازر التي ارتكبت هناك، وجدت أنظمة عربية أنه لا إشكال مع شعوبها قد يسببه تغاضيها عن إقدام اسرائيل على محاولة احتلال غزة والتي لم تتوقف إلا بعد قتل العديد من الفلسطينيين هناك، وتدمير المدينة..
وحينما صمتت شعوب عربية عن التدمير الهائل الذي لحق بغزة والمدن العراقية تجرأت أنظمة عربية على التصفيق للعدوان الإسرائيلي على لبنان، والذي حاول العدو خلاله احتلال بعض المناطق اللبنانية، وهو العدوان الذي لم يتوقف إلا بعد تدمير الضاحية الجنوبية ببيروت..
وحينما صمتت شعوب عربية عن عدوان اسرائيل على لبنان، وجدت أنظمة عربية ألا حرج من المشاركة في تحالف أسمي “أصدقاء سورية” لتوفير الغطاء لأمريكا واسرائيل لاحتلال سورية وتدميرها، وهو ما يتم حتى الآن منذ خمس سنوات، وألا غضاضة من تكوين ودعم تنظيم إرهابي مستحدث مطور عن تنظيم القاعدة أسمي “داعش” ليسهم بفاعلية في تدمير سورية ومعاقبة الشعب العربي السوري المقاوم..
وحينما صمتت شعوب عربية عن عمالة بعض الأنظمة العربية لأمريكا واسرائيل وتعاونها الصريح معهما في محاولة احتلال سورية، تجرأت أنظمة عربية على أن تتولى هي شن عدوان على أحد الأقطار العربية وهو اليمن، ودون أي اكتراث بأي ردات فعل من الشعوب العربية لم يخجل النظام السعودي من تصدر واجهة العدوان، بل برره – بكل وقاحة – أنه يأتي دفاعا عن العرب !..
وعلى الرغم من أن أمريكا واسرائيل وراء هذا العدوان – قطعا – إلا أنهما فضلا التنصل عن التدخل الصريح فيه، فجعلا أنظمة عربية تتصدر دور المعتدي والمحتل، فدخل العرب منعطفا خطيرا في مسار عروبتهم على صعيدي الشعوب وحكامها..
فبهذا العدوان أدخل النظام السعودي والأنظمة العربية المتحالفة معه العرب في احدى أسوأ مراحل التاريخ العربي المعاصر عنوانها “محاربة العرب للعرب”..
سيدون التاريخ أن حكاما عربا انحدرت لديهم قيم العروبة والوطنية خلال أربعة عقود أمام عدوهم الامريكي والاسرائيلي أيما انحدار..
فمن تخليهم عن مواجهته عسكريا، إلى الاكتفاء بإدانة جرائمه، إلى التغاضي عنها، إلى تشجيعه على استهداف بعض الأقطار العربية، إلى تقديم الوسيلة المناسبة له عندما ينوي معاقبة الشعوب العربية المقاومة له عبر تسليط التكفيريين من القاعدة وداعش عليها، إلى معاونته استخباريا ولوجستيا وتنفيذا في تصفية أعدائه من العرب والمسلمين، إلى تحمل نفقات حروبه أو جزء منها، إلى مشاركته عسكريا في حروب احتلاله للأقطار العربية، وصولا إلى إعفائه تماما من بذل جهد حروب الاحتلال والتدمير بتولي الأمر نيابة عنه، وهو ما يحدث في هذا العدوان السعودي على اليمن، والمستمر منذ ما يزيد عن تسعة أشهر، وبمشاركة بعض الأنظمة العربية..
العدوان الذي كشف القناع عن الأنظمة العربية، وفضح مسلسل انحدارها الأخلاقي وسقوطها القيمي والقومي..
سيدون التاريخ ايضا أن شعوبا عربية أسهمت في حدوث هذا الانحدار، بصمتها، بلامبالاتها، بانشغالها بقضايا ثانوية، بتخليها عن حلم الوحدة العربية، بتسليم أمرها لأنظمة تجاوزت جرم العمالة لتصبح هي العدو حقا..
ومضة:
لأن الشعب اليمني لم يصمت..
لأنه لم يكف عن تسيير التظاهرات المطالبة بالحق العربي المغتصب من قبل العدو الإسرائيلي..
لأنه ما زال يعلن موقفه من كون القضية الفلسطينية هي القضية المركزية للأمة..
لأنه ظل يعلن رفضه احتلال العراق وسورية..
لأنه أعلن رفضه القاطع للتدخلات الأمريكية والوصاية الأجنبية..
لأنه لم يصمت تحرك وقاوم..
لأنه لم يصمت دافع وهاجم..
وها هو يسطر أعظم انتصارات العرب ضد العدو الأمريكي الإسرائيلى وعملائه من الأنظمة العربية..
وإذا ما بقيت الشعوب العربية الأخرى على صمتها، فلن نفاجئ إذا ما شنت تلك الأنظمة العربية عدوانا وحشيا على الشعب الفلسطيني إن هو قرر خوض معركة تحرره الصادقة ضد اسرائيل، ومهما عظمت التضحيات..
فما الإعلان السعودي عن ما أسمي “تحالف إسلامي لمواجهة الإرهاب” إلا تحضير لردع أي استهداف عربي وإسلامي