أمريكا والدمية الأغلى في الوطن العربي
أفق نيوز../
في فترة ترشحه للرئاسة الأمريكية، قال بايدن: إن “خطته هي “جعل السعوديين يدفعون الثمن، وجعلهم منبوذين في الواقع”، وخلال الترويج لحملته الانتخابية، استند على قضية الصحفي جمال خاشقجي، الذي دخل القنصلية السعوديّة في تركيا عام 2019م، ولم يخرج منها.
في هذه الفترة، استغلت خطيبة خاشقجي سيطرة الديموقراطيين على المشهد السياسي في الولايات المتحدة، لترفع قضية على ولي العهد السعوديّ محمد بن سلمان عام 2020م، بالتآزر مع الناشطين في جماعة حقوقية كان قد أسسها خاشقجي قبل وفاته، تسمى DAWN وهي اختصار لعبارة “الديموقراطية للعرب الآن”، الواقع أن الناشطين في هذه المجموعة هم أشخاص متنفّذين، وهم قادرون على إسماع صوت الجمعية في الإعلام الأمريكي، وَأَيْـضاً على دفع نواب من الكونغرس لدعم القضية في المحاكم الفيدرالية الأمريكية.
وبعدما وصلت الدعوى إلى القاضي، كان عليه أن يرجع للإدارة الأمريكية للبدء في القضية، كون الرجل ولي عهد دولة، فأرسل إلى إدارة جو بايدن، إلا أنه لم يتلقّ أي جواب، ثم أرسل مرة أُخرى ولم يحصل على قرار أَيْـضاً، فأمهلهم حتى شهر تشرين الأول /أُكتوبر من العام الجاري، وسيبدأ بإجراءات القضية.
لكن الإدارة الأمريكية لم تتدخل إلا في منتصف نوفمبر، حَيثُ قام فريق قضائي بإرسال توصية من وزارة الخارجية الأمريكية والبنتاغون، تفيد بوقف القضية؛ لأَنَّ الرجل يتمتّع بحصانة دبلوماسية، الأمر الذي طرح سؤال: لماذا انتظرت إدارة بايدن على الأقل عامين لإيقاف القضية ومن ثمّ قامت بإيقافها في الفترة الأكثر توترًا بين الإدارة الأمريكية والمملكة؟.
خيانة فادحة..!
في السياق، ندّدت منظمتا العفو الدولية وهيومن رايتس ووتش الحقوقية بمنح الإدارة الأمريكية حصانة قانونية لولي العهد السعوديّ محمد بن سلمان في الدعوى المرفوعة ضد بشأن جريمة قتل الصحفي جمال خاشقجي، وقالت منظمة العفو في بيان على موقعها الإلكتروني: إن “محاولة إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن منح الحَصانة إلى محمد بن سلمان “خيانة فادحة”.
ورداً على الطلب القانوني المقدم من حكومة الولايات المتحدة، الذي دعت فيه محكمة أمريكية إلى منح محمد بن سلمان الحصانة من دعوى قانونية رفعتْها خطيبة الصحفي المقتول جمال خاشقجي، قالت الأمينة العامة لمنظمة العفو الدولية أنياس كالامار: “يجب أن تشعر حكومة الولايات المتحدة بالخجل الكبير. فهذا الطلب ليس سوى خيانة فادحة ومثيرة للاشمئزاز تمامًا”.
وأكدت كالامار، أن “تنفيذ حكومة الولايات المتحدة لهذه الخدعة القانونية أمر مخيِّب للآمال، ويبعث برسالة مشينة مفادها أن أصحاب السلطة – سواءٌ أكانوا رؤساء دول، أَو مسؤولين حكوميين تلطَّخت أيديهم بالدماء، أَو جنرالات اقتُرفت جرائم حرب تحت قيادتهم، أَو وزراء أصدروا أوامر بارتكاب عمليات اختطاف وتعذيب، أَو مسؤولين تنفيذيين فاسدين – هم مطلَقو الأيدي في التصرف فوق القانون ويتمتعون بحصانة تامة”.
وشددت على أنه “يجب أن يمثُل محمد بن سلمان أمام محكمة قانونية للإجَابَة عن كُـلّ هذه المزاعم الخطيرة، ونحن نعقد آمالًا على أن نظام المحاكم الأمريكي سيرفض طلب وزارة العدل ويضمن الذهاب بالقضية إلى المحكمة”.
بدورها قالت منظمة هيومن رايتس ووتش: إن “الموقف القانوني لوزارة الخارجية الأمريكية بعدم إمْكَانية مقاضاتها محمد بن سلمان؛ لأَنَّه رئيس حكومة يُبرز تقاعس إدارة بايدن عن السعي إلى المساءلة عن دور محمد بن سلمان في القتل الوحشي للصحفي الأمريكي جمال خاشقجي عام 2018م”.
من يتمتع بالحصانة الدبلوماسية في الولايات المتحدة
الواقع أن قانون الحصانة الدبلوماسية في الولايات المتحدة يشمل الملوك والرؤساء ووزراء الخارجية فقط، أما من دونهم فلا يشملهم القانون، في منتصف سبتمبر الماضي، تنازل ولي العهد السعوديّ محمد بن سلمان عن وزارة الدفاع لصالح شقيقه خالد بن سلمان، ليتم تعيينه بعدها رئيسًا للوزراء، وذلك في سابقة خرقت القانون السعوديّ نفسه، والذي ينصّ على أن الملك هو رئيس الوزراء.
وعلى الرغم من ذلك، لم تبادر إدارة بايدن لإيقاف الدعوى مباشرة، فماذا كانت تنتظر؟، ترى صحيفة واشنطن بوست، أن الإدارة الأمريكية كانت تنتظر قرار السعوديّة بخصوص تخفيض إنتاج النفط في أوبك بلس، بينما كانت دوائر في الإدارة الأمريكية تعتبر ولي العهد السعوديّ هو الورقة الرابحة في الشرق الأوسط، جاء ذلك في تعليقات لأحد أعضاء الكونغرس الذي وصف بن سلمان بــ “الدمية الأمريكية الأغلى”.
بايدن يعيد تقييم العلاقات مع السعوديّة للمرة الثالثة
قرار خفض الإنتاج 2 مليون برميل يوميًّا، جعل بايدن مستاءً جِـدًّا، وهدّد بأن ذلك سيكون له عواقب على السعوديّة، فخرج مستشار الأمن القومي جاك سوليفان وقال: “سنراجع هذه العلاقات ونعيد تقييمها”، في حين أكّـد وزير الخارجية انتوني بلينكن أنه سيُعاد تقييم العلاقات بما يتناسب مع مصالح الولايات المتحدة، وكانت هذه هي المرة الثالثة التي يعيد فيها بايدن تقييم العلاقات مع السعوديّة بحسب موقع VOX.
التقييم الأول كان عندما دخل بايدن إلى البيت الأبيض فمنع بيع السلاح للسعوديّة، أما الثاني فعندما وجد أنه لا يستطيع مواكبة الحرب الأوكرانية بدون كسب السعوديّة وإخراجها من سرب روسيا والصين، فزار المملكة في تموز / يوليو الماضي.
أما اليوم، في ثالث إعادة تقييم، ترى VOX أن بايدن يريد أن يعادي الإدارة السعوديّة لكنه لا يعرف كيف؟، لكن الاختبار الحقيقي سيكون في شهر كانون الثاني / ديسمبر، عندما يبدأ العمل بالعقوبات على النفط الروسي، كيف ستتصرف السعوديّة؟، بالإضافة إلى عامل آخر مهم جِـدًّا، هو زيارة الرئيس الصيني إلى السعوديّة في النصف الثاني من الشهر نفسه.
لماذا لا تستطيع الولايات المتحدة الانسحاب من السعوديّة؟
الواقع أن السعوديّة هي شريك تجاري مهم للولايات المتحدة، ورقمها 27 في التجارة الخارجية مع الولايات المتحدة، وهي أكبر مستوردي للأسلحة الأمريكية في العالم، كما أنها مركز ثقل في منطقة غرب آسيا، وبإمْكَانها التأثير على علاقات بايدن مع الدول المجاورة، والأهم أنها دولة مجاورة لإيران، وبالتالي فَـإنَّ بايدن، وعلى الرغم من كرهه الشديد للسعوديّين، إلا أنه بحاجة إلى إعادة تقييم لعلاقاته معهم بشكل مُستمرّ، والملاحظ أن هذا التوتر تمتاز به إدارات الديموقراطيين تجاه السعوديّة، وتحديدًا منذ تولي محمد بن سلمان الأمر في المملكة.