جولة ثانية من معركة “ارحل “
أفق نيوز – بقلم – عباس السيد
على بساط سعودي ـ إماراتي، دخل طارق عفاش مدينة تعز في مشهد استعراضي يعيد إلى الأذهان مشهد إحراق ساحة الحرية في 29 مايو 2011، الساحة التي شكلت نواة ثورة 11 فبراير، ومنها تردد صدى صرخة “ارحل” في جميع المحافظات والساحات اليمنية. ومنها انطلقت “مسيرة الحياة” نحو العاصمة صنعاء عندما تلبد وهج الثورة بالدخان في ساحة التغيير. ومنها بدأ العد التنازلي لنظام صالح وعائلته الذي امتد أكثر من ثلاثة عقود.
ومن المفارقات الغريبة، أن طارق صالح الذي فشل في توفير الحماية لشخص عمه عفاش، انتقل إلى مسؤولية أكبر وهي “حراسة الجمهورية” كما يظهر بالخط العريض على هايلوكسات الميليشيات التي اصطفت على طريق المخاـ تعز وانتشرت في شوارع وأحياء المدينة المنكسرة قهرا وخجلا.
قصة الشاب طارق تشبه قصة العم صالح، فحين فشل الأخير في أن يكون رئيسا، لقب نفسه بالزعيم، وهي صفة ومكانة تتجاوز مكانة الرئيس، ومن “شابه عمه ما ظلم .. “.
لسنا هنا بصدد البحث عن “جمهورية عفاش وأهداف وخطط من يعتبرون أنفسهم ورثتها وحماتها”، فهم مجرد أسنان ترس في ماكينة العدوان . لكننا سنحاول قراءة دلالات هذه الزيارة وما تعنيه في إطار سياسة التحالف السعودي الإماراتي في الحرب على اليمن، وعلى تحالف ما كان يسمى “أحزاب المشترك “وعلى رأسها حزب الإصلاح، والتي تشكل محافظة تعز بالنسبة له، المعقل، والفقاسة، والحضانة. فهي فرصة لفهم بعض الغموض وإزالة الالتباسات التي وقع فيها الكثير من الكتاب والمراقبين وهم يحللون خطط “التحالف “والعلاقة بين أطرافه في اليمن، وخصوصا العلاقة بين السعودية والإمارات، حيث كان البعض يرى أن التوتر والخلافات والتنافس بين الدولتين في اليمن هو السائد.
منذ رحيل صالح واستلام هادي للسلطة عام 2012، عزز حزب الإصلاح نفوذه في تعز حتى باتت أهم معاقله، وخصوصا بعد أن نجح في إبعاد المحافظ شوقي هايل من قيادة المحافظة، لمجرد الاشتباه في ارتباطه بنظام “المخلوع عفاش “. وحين يدخل سليل عفاش ووريثه الشرعي المحافظة كالفاتحين، يلوذ الإصلاح بالصمت، وتبدو الخطوة كأنها عملية استلام وتسليم روتيني، لكنه في الحقيقة لم يجر، بين ميليشيات الإصلاح وميليشيات طارق، بل تم بين السعودية والإمارات عبر وكيليهما المحليين. وهذا ما يفسر صمت الإصلاح واستسلامه، وكأن ما يحل به هو “قضاء وقدر “ولا راد له. ماذا عن موقف بقية أحزاب المشترك في المحافظة، كالاشتراكي والناصري؟ أين العتواني والمخلافي ونعمان، أين أروى والأصبحي وسارة وبشرى التي قادت مسيرة الحياة ؟ الله والتحالف أعلم .
كانت بداية ظهور عفاش في المديريات الساحلية للمحافظة، المخا وذباب، قبل أن يستقر في الجحملية قائدا للواء تعز .. بعدها نِبِع للسبعين رئيسا للجمهورية، وانتهى زعيماً لحي الكميم .
وكأن التأريخ يعيد نفسه. يقتفي طارق صالح نفس خطى عمه، وتبدو بوضوح بعض ملامح وهوية “الشرعية” التي يدعي التحالف السعودي الإماراتي أن حربه على اليمن تهدف لاستعادتها، وكأنها “شرعية عفاش”.
ثمة حقائق أخرى تجلت بوضوح بعد تسليم الإصلاح معقله لخصمه، منها ما يتعلق بحقيقة الدور السياسي والوطني لأحزاب المعارضة اليمنية وعلى رأسها الإصلاح الذي قدم من خلال موقفه الأخير دليلا إضافيا بأنه مجرد أداة وظيفية تتاجر بالدين والمبادئ والوطن، وهنا لا أقصد سوى قيادات الحزب الفاعلة والمؤثرة، ففي الحزب الكثير من الكوادر والقيادات والقواعد والنشطاء الوطنيين، ومنهم من أقروا مقترحا لي بإطلاق اسم “جمعة رفض الوصاية “في ساحة التغيير بالعاصمة خلال ثورة الشباب عام 2011 .
من ناحية أخرى، يبدو التنسيق السعودي الإماراتي في اليمن مثاليا، ولا يعكس أي خلافات أو توترات أو تنافس كما يعتقد البعض . يعملان بذكاء اللصوص ومحترفي الجريمة، ويجيدان التمثيل، يحوّلان الاحتلال إلى تحرير، ويغلفان الحصار بحملات الإغاثة الإنسانية ..
لكل منهما أدواته السياسية والميليشوية، وكثيرا ما يحتاج تنفيذ الخطة إلى التضحية بهذه الأدوات أو تلك، فيسمح السعودي للإماراتي باجتثات الإصلاح من شبوة على سبيل المثال، ويسمح الإماراتي للسعودية بضرب الانتقالي في أبين ومنعه من التوسع نحو حضرموت .. وفي هذا السياق التكاملي يجري عملية تسليم واستلام مدينة تعز بين الأدوات السعودية والإماراتية .
تبدو المناطق والمحافظات المحتلة مثل رقعة الشطرنج، يلعب فيها السعودي والإماراتي لا ليفوز أحدهم على الآخر، بل للفوز على اليمن، اللاعب الغائب الحاضر . لكن المؤكد أن هذه اللعبة لن تطول، كما لن يطول غياب اللاعب اليمني الحقيقي الذي يتأهب لخوض جولة ثانية من “معركة ارحل “المعركة التي حدد أهدافها وغاياتها الكابتن عبدالملك في كلمته أواخر الشهر الماضي .معركة ارحل هذه المرة لن تكون عبر مكبرات الصوت، ولا “سلمية وبصدور عارية “بل ستكون هادرة مدوية وسيتردد صداها في المشرق والمغرب، ومن قد يرى في هذا مبالغة وتهويلاً، عليه أن يسأل نفسه : إلى متى ينتظر اليمنيون حقوقهم، وما الذي تبقى لهم كي يخسروه ؟.