البحر الأحمر …بين مخاطر التدويل وفقدان السيادة!
أفق نيوز – تقرير – علي الشراعي
( إذا تقلصت امدادات الولايات المتحدة الأمريكية النفطية بصورة لافتة فأن النتيجة الخطيرة والثابتة ستكون نقصا فوريا في الفاعلية العسكرية لها , وستتقلص قدرة استخدام السلاح الحربي الأمريكي إلى الصفر)
هذا ما قاله : الجنرال الأمريكي – بروس كي هوليداي – وهو يصف العلاقة بين أمن الطاقة والفاعلية العسكرية.
انطلاقا من المبدأ المتمثل بأن النشاط العسكري والتجاري لأي دولة مرتبط بنوع البحر الذي يقع عليه ذلك القطر ولقد اصبحت القوات البحرية تمثل أهمية ملحة ربما بشكل يفوق أهمية بناء الجيش البري لحماية أمنها القومي وسيادتها على مياهها الإقليمية.
أمن الطاقة
إن مصطلح أمن الطاقة على قدر كبير جدا من الأهمية ومع مرور الوقت اصبح يطلق عليه أمن الامدادات وأمن الطلب ايضا وهو القدرة على تأمين كميات كافية من الطاقة خاصة النفط مقابل اسعار ساعدت على وجود نمط لمجتمع استهلاكي .
وكان هذا التعريف في فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية في اوروبا والولايات المتحدة الامريكية حيث شهدتا فترة من التنمية الاقتصادية واخذ مفهوم أمن الطاقة مكانة بارزة في فترة 1973م وما بعدها وذلك لتأثير قطع امدادات النفط العربي عن الغرب .
ويرتبط مصطلح أمن الطاقة بمصطلح الأمن القومي نظرا لسعي الدول الكبرى السيطرة على المضائق المائية كمضيق باب المندب ممر ومعبر ناقلات الطاقة والسيطرة على الجزر القريبة منه كذلك الجزر المؤثرة في مساراتها كجزيرة سقطرى اليمنية وانشاء قواعد عسكرية على اراضي الدول القريبة من الممرات المائية كالقواعد التي في جيبوتي .
ممر النفط
تعد المضائق البحرية ذات اهمية للعالم وللدول الواقعة عليها كما أن للمضائق ادوار منها الاقتصادية وتعد وسيلة مهمة من وسائل الاتصال بين الشعوب والامم وتعد المضائق البحرية كحبل النجاة والحياة للمجتمعات وذلك بسبب ان البحار هي الطريق الرئيسي للتجارة العالمية كما أن المضائق تعمل على تقصير المسافات بين الدول .
ومن ذلك البحر الأحمر وله بوابتين رئيسيتين باب المندب جنوبا وقناة السويس شمالا ويمر من باب المندب 70% من تجارة النفط و 56 باخرة عملاقة يوميا و ما بين (16-20) ألف سفينة سنويا .
ويعد مضيق باب المندب حلقة الوصل ما بين المحيط الهندي والبجر الأحمر .
ويقع مضيق باب المندب في المياه الاقليمية لكل من اليمن واريتيريا وذلك كون مضيق باب المندب أصبح تحت السيادة اليمنية بعد الانسحاب البريطاني من جنوب اليمن 1967م فبإمكان اليمن رفض مرور اية سفينة فيه من جهة اليمن .
المتغيرات الدولية
لقد ظل الفقه السياسي على تنوع مدارسه يرفض تطبيق الأمن القومي إلا على الكيان السياسي الذي يحمل مقومات الدولة المتمتعة بالشخصية القانونية في الأسرة الدولية.
ومع ذلك فإن تاريخ العلاقات السياسية والدولية قد شهد كثيرا من المحاولات التي تقوم بها الدول القوية لتوسيع هذا المفهوم الاستراتيجي الخطير بما يتفق وأهدافها التوسعية والهيمنة في محيطها الإقليمي بل وفي العالم .
وغالبا ما كانت الدول الصغيرة والضعيفة ضحية هذا التوسع الذي تلجأ إليه الدول الكبرى للحفاظ على مصالحها .
فالمتغيرات الدولية التي حدثت مطلع التسعينيات من القرن الماضي كسقوط الاتحاد السوفيتي وقيام الوحدة اليمنية 1990موحرب الخليج الثانية 1991م ومن أجل تأمين نقل النفط إلى أمريكا وأوروبا من منابعه في الخليج العربي قد حملت القيادة الأمريكية على نقل موقع الثقل في استراتيجيتها من غرب أوروبا إلى الخليج العربي والمحيط الهندي ووسط آسيا وجرت معها كل القوى الطامعة إلى هذه المنطقة الحساسة من العالم الثروات والمال .
حلف الناتو
لقد ساهمت الدول البحرية الكبرى وعلى راسها امريكا وبريطانيا منذ الثمانينيات من القرن الماضي حتى وقتنا الحاضر في إذكاء النزاعات الخامدة والصراعات المتعددة أو تكييفها وقولبتها في أطر تخدم أهدافها الاستراتيجية في البحر الأحمر والقرن الأفريقي والخليج العربي .
ومن تلك الاساليب استغلال لأعمال القرصنة في المياه الإقليمية لصومال و ارسال العديد من الدول الكبرى كأمريكا والاتحاد الأوروبي وحدات من قواتها البحرية لحماية سفنها من هجمات القراصنة بشكل قد يؤدي إلى تهديد دول المنطقة واستندت هذه الدول إلى القرارات الصادرة من مجلس الأمن والتي سمحت بموجبها دخول السفن الحربية للدول الكبرى للمياه الإقليمية الصومالية .
فقد بادرت الأمم المتحدة عام 2008م ومن خلال جهازها مجلس الأمن بإصدار العديد من القرارات وتشير تلك القرارات بضرورة تدخل الدول والمنظمات الدولية لمكافحة القرصنة البحرية في الصومال وقد كان للدور الأمريكي والفرنسي ظاهرا داخل مجلس الامن في إصدار تلك القرارات بهدف إرسال القوات العسكرية إلى البحر الأحمر سعيا منها لحماية أساطيلها البحرية إضافة إلى تأمين نقل النفط والسيطرة على مضيق باب المندب تحت ستار الأمم المتحدة وشرعنه للكيان الصهيوني من التواجد في جنوب البحر الأحمر .
بالإضافة إلى مساهمة عشر دول من الاتحاد الأوروبي تحت قيادة بريطانيا للمساهمة في عملية مكافحة القرصنة .
اما التطور الخطير فتمثل بقيام حلف الناتو في منتصف اكتوبر 2008م بنشر سبع سفن تابعة لدول أعضاء الحلف مما أعتبر استكمالا لسعي قوات الحلف وخصوصا الولايات المتحدة الأمريكية لتأمين تواجدها العسكري في افريقيا والبحر الاحمر خاصة بعد تأسيس القيادة المركزية للجيش الأمريكي في افريقيا( أفريكوم ) في جيبوتي تضم 1800 جندي أمريكي ولعل هذا ما تسعى إليه امريكا بعد احتلال افغانستان والعراق والتواجد العسكري الكثيف قبالة السواحل الصومالية وفي مياه خليج عدن .
خدمة الكيان الصهيوني
ومن جهة أخرى نجد الكيان الصهيوني هو المستفيد الأكبر من عمليات القرصنة في الصومال إذ يعمل منذ قيامه إلى تدويل مياه البحر الأحمر بحجة حماية الممرات البحرية الدولية.
ويبنى الكيان الصهيوني مشروعه لتدويل البحر الأحمر على حقيقة كونه لا يمتلك سوى عدة أميال في ميناء أيلات لا يتيح له ممارسة سياسة قوة بحرية على البحر الاحمر بعد أن تعاظم القلق الصهيوني بعد حرب 1967م بقيام مصر بإغلاق قناة السويس لسنوات طويلة ثم حرب 1973م وقيام اليمن بإغلاق مضيق باب المندب بوجهة الملاحة الصهيونية .
مخاطر التدويل
ومن خلال تواجد اساطيل الدول الكبرى في القرن الأفريقي أثارت مخاوف الدول العربية من تحول منطقة جنوب البحر الأحمر لبؤرة صدام إقليمي ودولي نتيجة تواجد أساطيل الدول الكبرى . وعلى آثر ذلك عقدت الدول العربية المطلة على البحر الأحمر اجتماع وأنشأت العديد من اللجان من خلال الجامعة العربية من أجل وضع الحلول الكفيلة لمواجهة الأزمة بشتى الطرق .
وتعد اليمن من بين الدول العربية التي كان لها دور بارز في هذه الأزمة وكان هذا الموقف ما يبرره بسبب تزايد الوجود العسكري المكثف والمتعدد الجنسيات في جنوب البحر الأحمر لما له أثر على الامن القومي العربي عامة واليمني خاصة , وأعلنت مصر بأنها مستعدة للتدخل عسكريا في خليج عدن وقبالة السواحل الصومالية كون أن القرصنة البحرية تشكل تهديدا على الأمن القومي المصري كونه تدخلا مشروعا ومدعوما بالقانون الدولي .
فموقف الدولة العربية ومنها مصر ادراكهم بأن تدويل البحر الأحمر يحمل في طياته تداعيات كارثية على الأمن القومي العربي ومن بينها حرمان الدول العربية من السيطرة على حركة الملاحة في الممر المائي الذي غالبية الدول المطلة عليه هي دول عربية بل قد تكتسب إطراف دولية حقوقا في المنطقة استنادا لقرارات مجلس الأمن التي خولها استخدام القوة في مواجهة القرصنة والتي قد تستخدم للضغط على الدول العربية في حالة تضارب المصالح مع تلك الأطراف الدولية
شر عالمي
ومن خلال المراجعة لقرارات مجلس الأمن بخصوص قراراتها عام 2008م بخصوص اعمال القرصنة بالساحل الصومالي نجد تسيس لتلك القرارات داخل مجلس الأمن بالإضافة إلى المعالجة السريعة لهذه الظاهرة التي لم تعطي الوقت الكافي لمعالجتها في اطار الدول المطلة على البحر الأحمر كون القرصنة لم تتعدى المياه الإقليمية الصومالية .
وقد أعطت اتفاقية عام 1982م الحق لجميع الدول بمكافحة القرصنة البحرية أذا ما وقعت أعمال القرصنة في اعالي البحار خارج البحر الإقليمي للدول الساحلية أما العمليات التي تقع داخل البحر الإقليمي لا تسمى قرصنة و تقع مهمة مكافحتها للدولة الساحلية فقط ولا يحق للدول الأخرى ملاحقة القرصنة داخل البحر الإقليمي لأي دولة إلا بعد الحصول على الإذن المسبق من الدولة الساحلية .
لذلك أصبحت الامم المتحدة ومجلسها وكل المنظمات التابعة لها أداة سياسية مطيعة بيد أمريكا لتحقيق أطماعها وأهدافها التوسعية والاستعمارية وابقاء تدفق النفط الخليجي لواشنطن واوروبا وخدمة للكيان الصهيوني لإيجاد موطئ قدم له في البحر الأحمر وجزره ومضيق باب المندب وما عدوان 2015 م على اليمن واحداث السودان اليوم إلا امتداد لتحقيق هدفها في البحر الاحمر عبر تدويل ممراته وشرعنه لتواجد أساطيلها البحرية فيه وفقدان السيادة عليه من قبل الدول المطلة عليه وتهديد للأمنها القومي تحت مظلة قرارات الأمم المتحدة والتي أصبحت منظمة شرها أكثر من نفعها للعالم !