خفافيش
أفق نيوز – بقلم – صلاح محمد الشامي
تعيش في الظلام، ولا تطيق النور، لا تتلاءم معه ولا تبصر فيه، الضوء يعميها بدلاً من أن يكون لها هادياً ودليلاً، لذلك لا تنشط إلا في الليل، وقبل أن يحين النهار، تطير منه مبتعدة، وتختبئ في أحلك الأماكن المظلمة، في أشدها سواداً وقتامة، وأكثرها رطوبة وعفونة، وتنام هنالك مع جماعاتها حتى يأتي الليل.
حتى نومها بالمقلوب، تنشب مخالبها في سقفٍ أو غصنٍ ممدود، وتتدلى إلى الأسفل، وتنام، وكأنها تشير إلى كونها من عالمٍ سفلي، أو أنها جاءت منه بالفعل، فهي تهواه، ولا يلائمها سواه، لذلك لا نراها في النهار، ليس لها في الضوء والنور أي نشاط أو تحرك.. أنشطتها كلها في الليل، في الظلام، في أحلكِ أوقاتِ العَتْمَة، حيثُ لا شاهد ولا دليل ولا رقيب على أعمالها، في نظرها على الأقل.
تتغذى على الدماء، تتسلل خفية في الظلام، وتهبط بالقرب من فريستها، وتترقب غفلتها، وتقترب منها بحذر، ثم تحقنها بمادة مخدرة تفرزها من لعابها أثناء العض، ثم تقوم باستحلاب فريستها، بمص دمائها، وهي في غفلة عن عدوها، أو نائمة لا تشعر بشيء.
هكذا هي (الخفافيش).. كائنات طفيلية، جبانة وغادرة، لكنها تمتلك تقنيات تمكنها من الرؤية في الظلام، وتقنيات تخدير ضحاياها، فهي تشاركهم المكان والسكن، وقد يلمحونها خلال النهار نائمة في وداعة، فيتركونها رأفة بها، ولضآلة حجمها.. لكنها لا تتركهم في الليل.. عندما يغفلون عنها لا تغفل عنهم، لا تسامحهم، تتغذى عليهم، تمتص دماءهم، تتمنى القضاء عليهم، فهم في نظرها ليسوا سوى مصدر للغذاء، ووسيلة للبقاء.
الكائنات النهارية في نظر (الخفافيش) مجرد كائناتٍ دنيا، كائناتٍ غبية، لا تستحق الحياة، ولا تستحق أن تكون في الصدارة، فإذا حدث مثل ذلك، فهي تستغلها لتأمين السكن والغذاء فقط، بينما تتحين الفرصة للقضاء عليها وإخراجها من مساكنها لتنفرد بها هي وحدها، لذلك فهي تنام في حماها خلال النهار، وتنشط بالتغذي عليها في الليل، بامتصاص دمها وهي مخدرة، نائمة أو غافلة.. ثم تصحو كائنات النور، لتجد (الخفافيش) في وداعتها ونومها وهدوئها، متدلية من الأسطح مباشرة فوق ضحايها، فتنظر إليها بشفقة ورحمة، وتستمر في ممارسة حياتها نهاراً، حتى يأتي الليل…،
وهكذا، تستمر دورة حياة كائنات الظلام وتعايشها مع كائنات الضوء، فلا يمكن للـ(خفافيش) أن تكف عن الغدر بجيرانها ومن يشارها مكان سكنها، لا يمكنها أن تكف عن امتصاص دماء ضحاياها في الظلام، كما لا يمكن لكائنات النور أن تفطن إلى ما يحصل لها في الليل..
وإن فطنت فهي تسامح وتعفو وتصفح، لأنها كائنات نهارية، لكن لا يمكن لكائنات الظلام أن تقدر هذا العفو وهذا الصفح، فهي تعود إلى ممارساتها الظلامية كل ليل، تظل تمتص دماءَ فرائسها، وتخدرها، لتظل كمصدر عيش وغذاء لطفيليات الظلمة.
ومهما بذلت كائنات النور لإصلاحها، لا يمكن لكائنات الظلام أن تبصر النور، أن تنعم بالضوء، أن تعيش في النهار.