تحرك غربي جماعي لكن بعد فوات الأوان: حزمة المساعدات الأمريكية الجديدة لأوكرانيا هل تغير معادلة الحرب؟
قرار الكونغرس الأمريكي حزمة المساعدات العسكرية الجديدة لأوكرانيا بالتزامن مع تحركات مماثلة في بريطانيا والاتحاد الأوروبي، تتباين التقديرات حول ما يمكن أن يحدثه زيادة الدعم العسكري من فارق في الحرب التي تخوضها روسيا مع الغرب الجماعي في أوكرانيا للعام الثالث على التوالي في ظل مخاوف من أن تقود إلى طول أمد الحرب بما يعنيه ذلك من مخاطر أمنية وأعباء اقتصادية تعصف بكل دول العالم.
مصادقة الدوائر التشريعية الأمريكية مؤخرا على حزمة المساعدات الجديدة لأوكرانيا البالغة 61 مليار دولار، وما تلاها من تحركات أوروبية مماثلة، أثارت جدلا واسعا في الأروقة السياسية الأمريكية الأوروبية، بشأن ما إن كانت هذه الخطوات ستغير واقع المعادلات العسكرية الميدانية التي فرضها الجيش الروسي مؤخرا وأشاعت مخاوف أوكرانية وأوروبية من هزيمة عسكرة وشيكة لأوكرانيا تهدد أمن أوروبا.
يأتي ذلك بعد أن ظلت المساعدات الأمريكية العسكرية لأوكرانيا عالقة في دهاليز خلافات سياسية بين الحزبين الجمهوري والديموقراطي مدة 6 أشهر، تكبد فيها الجيش الأوكراني خسائر كبيرة أمام مقابل انتصارات روسية كبيرة في الجبهات الشرقية، غير أن المشهد تغير كليا، بعد إقرار التشريعات الأمريكية التي منحت أوكرانيا ضمن دول أخرى النصيب الأكبر من حزمة مساعدات عسكرية واقتصادية تبلغ نحو 95 مليار دولار.
وبحسب التقديرات العسكرية ستوفر حزمة المساعدات الأمريكية لكييف، منظومات من صواريخ دفاع جوي من طراز “ستينجر” المضادة للطائرات وصواريخ “تاو” و “جافلين” المضادة للدبابات وقذائف مدفعية عيار 155 ملم، ومركبات “برادلي” القتالية وأنظمة “الرمح” المضادة للدبابات، وذخائر “كلايمور” المضادة للأفراد، وذخيرة إضافية لأنظمة صواريخ المدفعية.
وسيضاف هذا الدعم إلى شحنة سرية تسلمتها كييف مطلع هذا الشهر وضمت صواريخ تكتيكية من طراز “أتاكمس” بمدى يصل إلى 300 كيلو متر، وهي الصواريخ التي تعتزم واشنطن إدراجها ضمن حزمة الدعم الجديدة بقيمة مليار دولار، بعد عامين من رفض واشنطن تزويد كييف بها نتيجة المخاوف المتعلقة بالمخزون واحتمالات توسع الحرب.
وبالإضافة إلى حزمة المساعدات الأمريكية حصلت كييف على حزمة مماثلة من بريطانيا تشمل المزيد من صواريخ “ستورم شادو” التي يزيد مدى إطلاقها عن 250 كيلومتراً كما ونح 1600 صاروخ هجومي وصواريخ دفاع جوي، في إطار حزمة تصل قيمتها إلى 620 مليون دولار، وتضم أيضا طائرات مسيرة وحوالي 60 قارباً، وزوارق مداهمة و500 مركبة مدرعة وحوالي 4 ملايين طلقة من ذخيرة الأسلحة الصغيرة.
دعم أوروبي
المساعدات الأمريكية البريطانية تزامنت مع حزمة مساعدات أوروبية ستحصل أوكرانيا فيها على أنظمة الدفاع الجوي “باتريوت” والمزيد من أنظمة الدفاع الجوي “سكاي نيكس” مع الذخيرة المصاحبة لها، وستة أنظمة دفاع جوي أوروبية تأتي استجابة لدعوة الممثل الأعلى للاتحاد الأوروبي للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية جوزيب بوريل الذي دعا الدول الغربية إلى اتخاذ قرارات أسرع من أجل دعم أوكرانيا، ولا سيما في أنظمة الدفاع الجوي لكبح الهجمات الصاروخية الروسية على محطات الطاقة ومراكز القيادة والسيطرة.
والدعم الأوروبي على انه حاول إخفاء الخلافات الأوروبية حول هذا الملف، فقد تزامن مع تعهدات جديدة لمجموعة الدول الصناعية السبع استمرارها في تقديم الدعم اللامحدود لأوكرانيا وزيادة المساعدات الدفاعية بما يساعد كييف على بناء قوة مستقبلية قادرة على الدفاع عن نفسها وردع أي عدوان عسكري عليها.
ورغم تأخر الدعم الأمريكي والأوروبي لـ 6 أشهر فإن بعض التقديرات تشير إلى أن هذا التدفق للأسلحة من شأنه أن يحسن فرص كييف في صد الهجمات الروسية ومنعها عن تحقيق تقدم في الشرق بعد الانتصارات الكبيرة التي حققها الروس في تلك الجبهة خلال الشهور الأخيرة والتي وضعت الجيش الأوكراني في حالة تراجع دائم.
ويشير العسكريون الأوكرانيون إلى أن حصول كييف على منظومات الدفاع الجوي الاستراتيجية طويلة المدى، سيمكنها من الضغط على الجيش الروسي وكبحه عن استهداف مراكز القيادة والسيطرة الحيوية كما سيتيح للجيش الأوكراني مهاجمة أهداف روسية بعيدة في شبه جزيرة القرم فضلاً عن الموانئ والمرافق البحرية في شبه الجزيرة التي يعمل في إطارها أسطول البحر الأسود الروسي.
معركة صعبة
بخلاف الطموحات الأوكرانية فإن الجيش الأوكراني لا يزال حتى اليوم يخوض معركة صعبة مع الجيش الروسي المتوغل في العديد من المناطق على الجبهة الشرقية، ما يجعل حزم الدعم الأمريكية والبريطانية والأوروبية الجديدة قادرة فقط على تلبية جزء من الاحتياجات الملحة لأوكرانيا في ساحة المعركة وليس كلها.
ذلك أن الجيش الأوكراني يواجه مشكلات في نقص عدد الجنود وصعوبات في التجنيد الجديد كما يواجه نقصا حادا في الذخيرة في مقابل امتلاك القوات الروسية عدد كبير من الجنود وامتلاكها عتاد حربي يجعلها الأكثر قدرة على تنفيذ عمليات عسكرية معقدة.
هذا التفاوت الهائل في عدد الجنود والتسليح، ساهم في نجاح القوات الروسية بفرض سيطرة كاملة على مدينة أفدييفكا المحصنة في فبراير الماضي وفي السيطرة على قرية أورلوفكا في جمهورية دونيتسك في مارس الماضي وكذلك السيطرة على بلدات نيفيلسكوي، وبروفسوري بلدة بوجدانوفكا، ناهيك عن تمكنها من دحر القوات الأوكرانية من سيفيرني وبوبيدا ولاستوشكينو كما حسنت مواقعها على طول خط المواجهة.
والتقدم الروسي المستمر في الجبهات الشرقية جاء في ظل تراجع اوكراني وانسحابات وخسائر كبيرة، اثارت الشكوك من قدرة كييف على الصمود لفترة طويلة، حتى أن بعض مسؤولي إدارة الرئيس بايدن شككوا في إمكانية أن تحقق حزم المساعدات الأمريكية الجديدة انتصارات للجيش الأوكراني أو حتى تحقيق فارق في الأداء العسكري الأوكراني في الجبهات، بعد ان شهدت ديناميات المعركة خلال الشهور الماضية تغيرات لصالح القوات الروسية.
هذا التشكيك عبر عنه مشرعون أمريكيون خلال مداولات إقرار القوانين الخاصة بالمساعدات الأمريكية لأوكرانيا، وسط تساؤل ما إن كان تقديم المزيد من الأسلحة لأوكرانيا سيؤدي إلى هزيمة روسيا، أو التقليل من المخاطر التي تواجه الجيش الأوكراني الذي يشهد حالة تراجع منذ شهور وصار اليوم معرضا للانهيار في أي لحظة.
وفقا لذلك فإن أكثر ما يمكن توقعه من حزم المساعدات الغربية الجديدة، هو أن تساعد الجيش الأوكراني في تقليل حجم الخسائر والمحافظة على خطوطه الدفاعية لعدة شهور، وربما أحداث تحولات في ساحة المعركة تزيد من حجم الخسائر الروسية.
وهذا السيناريو صار مطروحا على طاولة مراكز القرار الأمريكية والأوروبية التي ترى أن رفع أمريكا وأوروبا سقف دعمها العسكري المقدم لأوكرانيا، لن يقود لانتصارات ميدانية، قدر ما سيؤدي إلى انخراط أمريكا والغرب في حرب طويلة مع روسيا دون أي ضمان بأن يحقق الجيش الأوكراني أهدافه.
والسبب في ذلك أن نوعية وحجم المساعدات الأمريكية والغربية الجديدة لن تكفي لتلبية احتياجات الجيش الأوكراني سوى لثمانية أشهر وقد تنتهي بنهاية العام الجاري، وهي فترة يصعب التكهن باحتمال أن الجيش الأوكراني قد يحقق فيها نجاحات عسكرية.
ومنذ وقت مبكر كان واضحا أن إقرار واشنطن زيادة مساعداتها العسكرية لكييف جاء بعد تقارير مخابراتية حذرت من ان عدم المسارعة في تقديم الدعم لأوكرانيا سيؤدي إلى خسارتها الحرب مع نهاية العام الجاري في حين ذهبت للتأكيد على أن حزمة المساعدات الإضافية ستمنح الأوكرانيين القدرة على الصمود حتى نهاية العام الجاري بما يضع روسيا في موقف يمكنها معه فرض شروط أي تسوية سياسية للأزمة.
القدرات الروسية
تكاد التقارير الأمريكية والدولية تتفق على أن روسيا تمتلك اليوم عتادا عسكريا هائلا بعد أن شرعت من اليوم الأول للحرب في زيادة إنتاجها العسكري وتجديد ورفع مخزوناتها من الأسلحة والذخائر بما جعلها قادرة على مواصلة الحرب لفترة ممتدة تزيد عن عامين دون أن تواجه أي مشكلات في السلاح والذخائر أو الجنود.
وقد تمكنت روسيا خلال العامين الماضيين من إنتاج أسلحة حديثة أحدثت فارقا كبيرا في المعركة في ظل الدعم الغربي المتصاعد لأوكرانيا بمنظومات الدفاع الجوي والأسلحة التكتيكية، ناهيك عن تفوق الجيش الروسي بعدد الجنود والقدرة على التعبئة والحشد بصورة سريعة وامتصاص الخسائر الاقتصادية الكبيرة.
أكثر من ذلك نجاح روسيا في إعادة تسليح قواتها عن طريق تجديد العتاد العسكري القديم الذي يعود إلى الحقبة السوفيتية، في حين أن عدد الجنود الروس صار اليوم يفوق عددهم ببداية الحرب، في ظل القدرة المتسارعة على التعلم والتكيف مع التحديات الميدانية على المستويين التكتيكي والتكنولوجي.
هذه المؤشرات تعززت اكثر بعد موافقة الرئيس الروسي مؤخرا على زيادة قياسية في الإنفاق العسكري للعام الجاري 2024، وصلت إلى 115 مليار دولار، ما يعادل تقريباً ثلث إجمالي الميزانية السنوية لروسيا، بينما أعلن مسؤولون روس أن المجمع الصناعي العسكري تمكن من تصنيع 1500 دبابة خلال العام الماضي 2023، وضاعف إنتاجه من المركبات المدرعة 4 مرات، وزاد معدل إنتاجه من الدبابات 5 مرات، كما عزز تصنيع الطائرات المسيرة وقذائف المدفعية بنحو 17 مرة وانتج للمرة الأولى طائرات مسيرة قادرة على اعتراض وإسقاط نظيراتها المسيرة في الجو قبل بلوغ أهدافها.
يضاف لذلك الاقدم الذي احرزته موسكو في صناعة الربوتات العسكرية
والتقدم النوعي الروسي المحقق خلال العامين الماضيين، وما يعانيه الجيش الأوكراني من نقص حاد في الذخيرة والمجندين الجدد، عزز التكهنات من إمكانية نجاح الهجوم الروسي المرتقب خلال فصل الصيف في عمليات قد يتمكن الجيش الروسي من حسمها كليا مع حلول نهاية العام الجاري.
وليس أدل على ذلك من التحذير الذي أطلقه الرئيس الأوكراني من احتمال نفاد الصواريخ الدفاعية الأوكرانية إذا واصلت روسيا حملة القصف المكثف على بلاده مستخدمة الصواريخ بعيدة المدى، مضيفاً: “إذا واصلوا توجيه ضربات يومية بنفس الطريقة التي اتبعوها على مدى الشهر الماضي، فقد تنفد صواريخنا وشركاؤنا على علم بذلك.
وقد أعلن الرئيس زيلينسكي قبل أشهر أن صمود قواته في الجبهات يحتاج إلى 25 منظومة دفاع جوي من طراز “باتريوت” لصد الهجمات الروسية بالصواريخ الباليستية وصواريخ “كينجال” الفرط صوتية ناهيك عن حاجتها لمنظومات دفاع جوي لمواجهة الطائرات المسيرة وأنظمة صواريخ بعيدة المدى يمكنها اختراق التحصينات الروسية ومهاجمة مواقعها خلف خطوط ا لمواجهة الأمامية.
وعلى أن حزم المساعدات الأمريكية والأوروبية ركزت على تلبية هذه المطالب، إلا أن الوقت يبدو قد فات لمساعدة كييف على تحويل مسار الحرب لصالحها، فتأخر وصول هذه النوعية من الأسلحة لأكثر من 6 أشهر، غير المعادلة كليا بعد أن استثمرتها القوات الروسية في تحقيق انتصارات كبيرة، أفقدت الجيش الأوكراني القدرة على الدفاع عن الخطوط الأمامية ووضعته في حالة تراجع، كما جعل من سائر الأهداف الأوكرانية في مرمى النيران الروسية.
وعدم جدوى حزمة المساعدات الجديدة في تحقيق انتصار أوكراني في الحرب، امر صارت تتناقله العديد من الدوائر السياسية والعسكرية الأمريكية والأوروبية في العلن، غير أنه من وجهة نظر أمريكية أخرى لا يعني خسارة واشنطن المعركة كليا، فغاية ما تطمح اليه هو استمرار تدفق السلاح إلى أوكرانيا بما يضمن اطالة أمد الحرب مع روسيا إلى مالا نهاية.