أفق نيوز
الخبر بلا حدود

نص الحوار الصحفي للرئيس علي ناصر محمد مع صحيفة ” 26 سبتمبر

803

اليمن واحد عبر التاريخ وأملنا أن يخرج منتصرا من الصراعات والانقسامات
علي ناصر محمد الرئيس والسياسي المحنك تولى مقاليد الحكم في جنوب الوطن سابقا في فترة حساسة كانت تشوبها الصراعات على مستوى المنطقة وتتجاذبها التيارات الاشتراكية والرأسمالية ..

فبعد نهاية حكم الرئيس سالم ربيع علي بعد أحداث 1978م تحمّل رئاسة الدولة والحكومة حتى نهاية 1978 م وبعدها تم دمج الأمانة العامة والرئاسة برئاسة عبد الفتاح إسماعيل إسوةً بتجارب بعض البلدان الاشتراكية في مقدمتها الإتحاد السوفييتي وعين نائباً للرئيس حتى أبريل 1980م وحينها قدم عبد الفتاح إسماعيل استقالته لأسباب سياسية وصحية ، وتحمّل علي ناصر مسؤولية رئاسة الدولة من إبريل 1980 م حتى عام 1985 م ، وبعد أحداث 13 يناير1986 م غادر السلطة وعدن إلى صنعاء والتحق به في صنعاء أكثر من 100 ألف من مدنيين وعسكريين مع عائلاتهم ، وفي عام 1990 م غادر صنعاء إلى دمشق بناءاً على طلب الرفاق في عدن ومباركة علي عبد الله صالح كشرط لتحقيق الوحدة بحسب مذكراته الشخصية، شغل كل المناصب في مرحلة الاستقلال والجمهورية بداية من محافظ للجزر مع إعلان الاستقلال والجمهورية ثم محافظا للمحافظة الثانية (لحج) فوزيرا للدفاع ووزير ادارة محلية ووزير مالية ووزيرا للتربية والتعليم ورئيسا لأمن الدولة (وزارة أمن الدولة) وظل رئيسا للحكومة والدولة والتنظيم (أمين عام الحزب ) وقد سلم رئاسة الحكومة قبل أحداث 13 يناير الدامية عام 1986 م واحتفظ برئاسة الدولة والحزب.
اليمن بالطبع لن ينسى فترة حكم الرئيس علي ناصر محمد حيث كانت فترة ربما توصف بالذهبية لجنوب اليمن لكن الصراعات أنهت تلك الحقبة خلال أحداث 13 يناير المشؤومة فكانت بالنسبة له ختاما لمسيرته في السلطة حيث تفرغ بعدها للعمل الشخصي في دمشق وقد تحمل المسؤولية بكل اخلاص وتفان ولن ينسى التاريخ دوره ومكانته في المجتمع حيث ظل الرئيس أبو جمال محافظا على تاريخه السياسي والنضالي في ظل عالم متغير تساقطت فيه الكثير من الرموز كأوراق الشجر ، وعندما فرض عليه الخروج من صنعاء لإتمام الوحدة خرج واقفا لتجسيد وتحقيق أمل بدأ هو بنفسه مع أخيه الأستاذ محسن العيني وضع لبناته الأولى في اجتماع القاهرة عام1972 م واستكمله الرئيسان القاضي عبدالرحمن الارياني والشهيد سالم ربيع علي (سالمين) في ليبيا عام1973 م ، أسس مركز للدراسات والبحوت كأول رئيس وزعيم يفكر بالتاريخ بدلا من تأسيس جبهة أو حزب لإسقاط النظام ، وعند تواجده في دمشق قام بتأسيس المركز العربي للدراسات الاسترتيجية ويرأس حاليا مجموعة السلام العربي .
26 سبتمبر تواصلت مع الرئيس علي ناصر محمد وأجرت معه حوارا موسعا لا تنقصه الصراحة كشف فيه عن حقائق مغيبة من حق الجيل الجديد أن يطلع عليها ويعرف كيف كان اليمن يحكم وتدار مؤسساته حيث كان الاهتمام بالمصلحة الوطنية العليا هو آخر ما كان يفكر فيه قادة النظام .. فيما يلي التفاصيل :

حوار عبر التواصل أجراه احمد ناصر الشريف
– سيادة الرئيس علي ناصر محمد: سؤالنا الأول يتعلق بموقفكم من وحدة اليمن فقد كان موقفا مشرفا منذ وقت مبكر يعتز به كل يمني وكان لكم شرف التوقيع على أول اتفاقية وحدوية في القاهرة مع نظيركم آنذاك في شمال الوطن الأستاذ محسن العيني رحمه الله .. كيف تصفون ما يقوم به البعض اليوم من مطالبات بالتشظي في ظل تحديات وظروف استثنائية تواجه الشعب اليمني عموما ?
– بداية نهنئ شعبنا بقدوم الذكرى الـ 34 لعيد الوحدة اليمنية وتأتي هذه المناسبة وشعبنا اليمني يعاني من الصراعات والحروب والانقسامات منذ 10 سنوات ونأمل أن يأتي العام القادم وقد تحقق الأمن والاستقرار والتأمت الجراح في يمننا العزيز، نحن ننتمي إلى جيل تشرب وتربى على قيم الحرية والعروبة والوحدة والنضال في سبيلها منذ أن كنا شبابا وأعضاء في حركة القوميين العرب ، وتعمقت في قلوبنا ونفوسنا خلال الثورة وبعد الاستقلال ، وصارت جزءا لا يتجزأ من تاريخنا ونضال شعبنا اليمني ، ونجد هذا الأمر طبيعيا ، ولا يختص به أحد دون الآخرين بل هو رصيد لشعبنا اليمني شمالا وجنوبا ولأجيال كاملة ناضلوا في سبيلها وقدموا التضحيات الغالية .
ويمكنني أن أذكر هنا بعض المحطات التي مر بها طريق الوحدة الذي لم يكن مفروشا بالورود ، بل صعبا وشاقا ومعقدا ، وكما تعلم فإن شعبنا قد ناضل أكثر من 20 سنة مع كل الشرفاء من أجل الوحدة اليمنية تخللتها صراعات وحروب ومهاترات إعلامية ، منها حرب 1972 م التي اندلعت بين النظامين ،وكانت الوحدة عنوانا لها حتى وإن كانت النوايا غير ذلك، واستطاع المسؤولون في صنعاء وعدن وضع حد لها عندما احتكموا إلى الحوار بدلا عن السلاح ، وكانت نتيجة ذلك الحوار اتفاقية القاهرة التي جرى التوقيع عليها من قبل رئيسي الحكومتين في كل من عدن وصنعاء وبيان طرابلس بين الرئيسين سالم ربيع علي والقاضي عبدالرحمن الارياني وربما من المناسب هنا أن أذكر بعض التفاصيل وكيف استطعنا احتواء الحرب ، والخروج من حالة الحرب أو الوحدة بالحرب الى توقيع أول إتفاقية وحدوية بين النظامين في صنعاء وعدن ، خاصة للأجيال الجديدة من اليمنيين الذين لم يعيشوا ذلك الحدث التاريخي المهم الذي يعتبر الأساس القانوني والمرجعية لكل الاتفاقيات الوحدوية التي تم توقعيها بعد ذلك .

قصة اللقاء مع الأستاذ العيني:
– كيف تم اللقاء بينكم وبين نظيركم الأستاذ محسن العيني وما هو الدور الذي لعبه وفد الجامعة العربية في هذا الجانب لتقريب وجهات النظر ؟
– تم اللقاء بيني وبين الأستاذ محسن العيني رئيس وزراء الجمهورية العربية اليمنية حينها في القاهرة ، ولهذا اللقاء قصة من المناسب أن احكيها هنا ، قام وفد من جامعة الدول العربية بزيارة كل من صنعاء وعدن لاحتواء الحرب التي اندلعت بين النظامين حيث دعت الجامعة العربية إلى وقف الحرب وفي لقاء الوفد معي في مكتبي وكنت حينها رئيسا للوزراء ووزيرا للدفاع ابلغوني أن القيادة في صنعاء موافقة على وقف الحرب ، ونريد أن نعرف موقفكم ، فقلت للوفد ونحن أيضا موافقون على وقف إطلاق النار والحرب ، فقال رئيس الوفد هل ممكن أن تتصل برئيس الوزراء محسن العيني وتبلغه بذلك ؟ قلت لهم لا مانع ، وفعلا اتصلت به وقلت له أن وفد الجامعة العربية موجود في مكتبي ويطالبون بوقف الحرب ونحن موافقون على ذلك خلال 24 ساعة وقلت له أيضا أنا مستعد للقاء بكم في صنعاء أو عدن فما رأيك ؟ وكان رده : سأتشاور مع الرئيس القاضي عبدالرحمن الإرياني وسأرد عليك ، فقلت له أن وفد الجامعة ينتظر ردكم فهل أتركه ينتظر أو أدعه يغادر ؟ فقال لي : فلينتظروا ، وبعد ساعة أتصل بي وقال : نحن موافقون على مقترحكم بوقف الحرب من الساعة الخامسة مساءاً ، أما اللقاء فنفضل ألا يعقد لا في صنعاء ولا في عدن ، بل نفضل أن يعقد في مقر جامعة الدول العربية في القاهرة ، فرحبنا بذلك على الفور ، لأننا كنا أصحاب القرار في وطننا حينها وبرغم أن اتفاقية القاهرة وضعت حدا للاقتتال وحقن دماء اليمنيين حينها لكنها لم تضع حدا نهائيا للحرب إذ اندلعت الحرب مجددا في عام 1979 م ولم ينتصر أي طرف في هذه الحرب ، وكان لابد من الاحتكام مرة أخرى إلى الحوار كسبيل وحيد لوقفها والبحث عن حلول سلمية لتحقيق الوحدة فوقعت اتفاقية الكويت بين الرئيسين عبد الفتاح إسماعيل وعلي عبد الله صالح وجرى الاتفاق على تحقيق الوحدة في مدة أقصاها 6 أشهر لكنها لم تتحقق ، وعاد التوتر من جديد بين النظامين ، وكانت حروب الجبهة الوطنية في المنطقة الوسطى في شمال اليمن إحد أسباب ذلك التوتر ، التي استمرت لأكثر من 12 عاما، من جديد.
– هل معنى ذلك أنكم لجأتم للحوار مجددا ؟
– نعم لجأنا للحوار وقمت أنا بزيارة صنعاء وكنت حينها نائبا للرئيس والتقيت مع الرئيس علي عبد الله صالح في لقاء أخوي ودي وصريح وقلت له حينها وبحضور أعضاء الوفدين من عدن وصنعاء أن الحكام غير صادقين في تحقيق الوحدة اليمنية بطريقة سلمية وأن حرب 1972 م كان الهدف منها إسقاط النظام في عدن وضم الجنوب إلى الشمال وفي 1979 م كان الهدف من الحرب إسقاط النظام في الشمال وتحقيق الوحدة اليمنية بقيادة الحزب الاشتراكي اليمني والقوى الوطنية المتحالفة معه وقلت لهم حينها ، أنه لا يمكن تحقيق الوحدة بالحرب وأنه يجب الاحتكام إلى لغة الحوار لتحقيق الوحدة اليمنية أولا بوقف الحروب وثانيا بوقف المهاترات الإعلامية على طريق الوحدة اليمنية ، وفي عام 1981 م عندما زار الرئيس علي عبد الله صالح عدن جرى الاتفاق على قيام المجلس اليمني الأعلى بقيادة الرئيسين وتوحيد المناهج المشتركة لمادتي التاريخ والجغرافيا وقيام عدد من المشاريع المشتركة بين الشمال والجنوب على طريق الوحدة اليمنية المتدرجة وشق الطرقات بين الجنوب والشمال والسماح بحرية حركة تنقل المواطنين بين الشطرين وقد تحقق ذلك ، كنا نرى في مثل هذه الإجراءات تحقيق نوع من المصالح الاقتصادية المشتركة وخلق تواصل فعلي بين السكان يسهم في إيجاد أرضية صلبة لتحقيق الوحدة ولكن واجهنا صعوبات في الشمال والجنوب من القوى المتطرفة التي لا تريد تحقيق الوحدة بطريقة سلمية وهناك كثير من التفاصيل تناولتها في مذكراتي (عدن والوحدة اليمنية) لمن يريد العودة إليها للإلمام بكل الظروف التي أحاطت بالوحدة اليمنية وموقفنا المبدئي منها .

الشعب اليمني واحد
• يلاحظ أن هناك انسلاخا مقصودا من الهوية اليمنية فيما أنتم مدافعون أشداء عنها .. حدثونا عن معطيات مثل هذه المواقف وكيف ينبغي أن تعزز هويتنا اليمنية ?
— الشعب اليمني شعب واحد عبر التاريخ ، لكنه عاش لفترات طويلة خاصة الأخيرة منها في حالة من التجزئة وفي كيانات وممالك وسلطنات ، وفي مرات كثيرة كان واقعا تحت الاحتلال الأجنبي ، في بعض المراحل التاريخية قامت عدة محاولات لتوحيد اليمن في دولة واحدة وهذا ما أشرت اليه في مذكراتي عدن والوحدة اليمنية، أما أسباب الانسلاخ عن الهوية اليمنية حسب سؤالكم فيعود إلى الطريقة التي تمت بها الوحدة والتي جرت بين الحزبين في عدن وصنعاء باقتسام السلطة والثروة وقد أشرت أكثر من مرة أنه جرى الهروب الى الوحدة في 22 مايو 1990 م وجرى الهروب من الوحدة عام 1994 م والمشكلة ليست في الوحدة بل في الذين وقعوا عليها ، وفي الأخطاء التي ارتكبها النظام بعد الوحدة وخاصة بعد حرب 1994م تجاه الجنوب ومواطنيه ، حيث شعر الناس بالإقصاء وعدم المساواة ، وساهم عدم حل تلك الأخطاء ومعالجة آثار الحرب إلى تفاقم تلك المشكلات مما سمح بظهور وتضخم الهويات المحلية الضيقة على حساب الهوية الوطنية الواحدة التي لم يسمح لها بالوقت الكافي لكي تنمو في جو طبيعي من المساواة والعدالة في ظل دولة الوحدة.
أذكر أن الرفيق علي سالم البيض الأمين العام للحزب الاشتراكي اليمني قال عشية تحقيق الوحدة أن عدن وصنعاء تعانقتا إلى الأبد وكرر ذلك ثلاث مرات ولم يكن ذلك العناق إلى الأبد بدليل ما حدث بعد قيام الوحدة وحرب 1994 م بكل ما خلفته من آثار مدمرة على الوحدة وفي نفوس المواطنين ، كان يمكن تفادي تلك الحرب لو تم تطبيق وثيقة العهد والاتفاق التي وقعت في العاصمة الاردنية عمان بحضور كل القوى السياسية والمرجعيات الوطنية والاجتماعية اليمنية ، لكن كان للعليين مشروعهما الخاص الذي جر الوبال على اليمن ووحدته . وقد تضرر المواطن من هذه الصراعات بسبب القيادات في صنعاء وعدن التي أساءت الى الوحدة مما أدى الى ظهور بعض الأصوات التي تطالب بفك الارتباط بين عدن وصنعاء وكان للقوى الخارجية تأثير كبير لهذا الصراع لأنها لا تريد الوحدة لليمن الكبير الغني بثرواته وشعبه وخيراته وموقعه الاستراتيجي المتحكم بباب المندب والبحر الأحمر وبحر العرب وجزيرة العرب والمحيط الهندي والقرن الافريقي وقد تسببت هذه الصراعات والانقسامات والظلم إلى قيام الحراك في الجنوب والحراك في الشمال أو ما سمي حينها بساحة الحرية والتغيير في صنعاء وأدى إلى التغييرات التي شهدتها اليمن في عامي 2011 و 2012 م التي أدت إلى استقالة الرئيس علي عبدالله صالح وتعيين الرئيس عبد ربه منصور رئيسا لليمن.

أهمية الحوار لحل الخلافات
– الثروات الوطنية وتحديدا النفط والغاز والأسماك هي جوهر التوافق أو الخلاف .. ترى ما أبرز النقاط التي تقوي التوافق والتفاهم ?
– الأمر الطبيعي أن يكون استثمار الثروات الوطنية ( النفط والغاز والثروة البحرية إلخ..) الأساس للتنمية وتقوية التوافق والتفاهم لا العكس خاصة إذا جرى توظيفها لمصلحة كل الوطن وكل المواطنين، قبل قيام الوحدة في العام 1990 م جرى الخلاف مع النظام في صنعاء عندما حاول ضم مناطق في الجنوب إلى الشمال لصالح شركة (هانت) الأميركية التي كانت تنقب عن النفط في محافظة مأرب وكاد ذلك أن يؤدي الى حرب ثالثة ، وأتذكر أنني اتصلت بالرئيس علي عبد الله صالح حينها وطالبته بانسحاب قواته من هذه المناطق ما لم فان البديل هو الحرب ، وكانت القيادة في عدن ترفض هذا الاحتلال وفرض الأمر الواقع لصالح شركة “هانت” الأميركية وكانت كما أذكر هذه المناطق تتبع محافظة شبوة الجنوبية ( شحم البقر والأفاليل ) كان الرئيس علي عبد الله صالح مدعوما من الولايات المتحدة الامريكية وبعض دول الخليج كما هو معروف ، وعندما بلغ التوتر ذروته طالبته أن نلتقي بشكل عاجل ونلجأ للحوار لحل المشكلة بدلا من اللجوء الى السلاح ، واقترحت عليه حينها ان أتوجه الى صنعاء تجنبا للصدام والحرب وطلب مني الإنتظار لكي يرد على طلبي ، وفهمت من ذلك أنه كان في حاجة للتشاور مع بعض حلفائه ومع المسؤولين في صنعاء الذين اقترحوا عليه الذهاب الى عدن بدلا من ذهابي الى صنعاء ، وأبلغني أنهم سيأتون إلى عدن صباح اليوم التالي ، هذا الاقتراح لم يحظ برضى بعض القيادات عندنا الذين كانوا يعتقدون أنه غير صادق وأنه احتل أراضينا وسيزورنا لتبرير مشاريعه ، لكننا تغلبنا على رأي أولئك واتخذنا الإجراءات لاستقباله في مطار عدن ، وجرى حينها حديث صريح مع الرئيس صالح بالانسحاب الفوري واتفقنا على تشكيل لجنة عسكرية من رئيسي الأركان عبد الله علي عليوة وعبد الله البشيري وآخرين معهم للإشراف على انسحاب القوات الشمالية من المناطق التي احتلتها ، وفي نفس الوقت وقعنا اتفاقية على مشروع مشترك لاستخراج النفط من الشمال والجنوب ، وهكذا وبالحوار أطفأنا بؤرة أخرى كان يمكن أن تشعل فتيل حرب ثالثة بين عدن وصنعاء .

لاستخراج النفط قصة
– كيف تم استخراج النفط في ظل الخلافات التي كانت قائمة بين قيادتي الشطرين آنذاك ..؟
– قصة استخراج النفط قصة طويلة خاصة في الجنوب تعود إلى منتصف القرن العشرين الماضي أي إلى عهد الاستعمار البريطاني لعدن والجنوب ثم عهد ما بعد رحيل قوات الاحتلال والدولة المستقلة وفي إحدى المراحل جرى الإتفاق مع شركة (ايجيب )الايطالية على التنقيب عن النفط من البحر في محافظة حضرموت وفعلا نجحت الشركة في استخراجه من خليج شرمة بكميات تجارية ومن النوع الممتاز وأعلنت الشركة عن ذلك وبدأنا بالإعداد للاستثمار النفطي لكن بعد شهرين فقط أعلنت الشركة عن انسحابها وعلمنا أن بعض الدول دفعت لها حوالي مليار دولار مقابل ذلك كما قال لي السفير الإيطالي الذي كان متعاطفا مع النظام في عدن وغير راض عن قرار الانسحاب وهذه ليست الشركة الأولى التي تنسحب بل هناك شركات أخرى قبلها كانت تنقب عن النفط مثل شركة (بان اميركان) في ثمود وشركة (سوناطراك) الجزائرية التي نقبت عن النفط في حضرموت ولكن عملها تعثر لأسباب لا نعرفها وحينها قال لي السفير الجزائري أن من المصلحة أن تنسحب شركة (سوناطراك) التي منحناها امتياز 60 ألف كيلو متر للتنقيب عن النفط ، حتى لا يكشر الأسد عن أنيابه !! وفهمت حينها أنها رسالة لنا وأن هناك قوى لا تريد ذلك وفي لقاء مع الرئيس هواري بومدين شكرناه واتفقنا على أن تنسحب الشركة و تعطى فرص لشركات أخرى للتنقيب عن النفط وقبل ذلك انسحبت شركة (بان اميركان) في منتصف الستنينيات بعد قيام ثورة أكتوبر في الجنوب وكان الناس حينها في حضرموت يغنون مع الفنان الراحل محمد جمعة خان :
” يا حضرموت افرحي واحيي الليالي الملاح الفقر ولّى وراح
بترولنـــا بـايجي يا ناس خلوا الصياح الفقر ولّى وراح “.
ولم تكتمل هذه الفرحة بسبب انسحاب شركة (بان اميركان )وشركة (اجيب) الايطالية وسبق أن تحدثت عن هذا الموضوع في المذكرات وبعد ذلك استخرج السوفييت النفط في شبوة ، ويبدو ان استخراج النفط من أي بلد يخضع لتأثيرات الدول الكبرى وشركات النفط الكبرى التي تتحكم في استغلال هذه الثروة بكل أسف ، ونحن نؤكد أن استثمار خيرات اليمن واستقراره هو استقرار للمنطقة فالفقر والجهل هما مصدر الإرهاب ومصدر كل الشرور ولا يمكن تجفيف منابع الإرهاب إلا بالاستقرار والاستثمار لخيرات أي دولة لتنعم هذه الشعوب بخيراتها كغيرها من الشعوب الأخرى .

أطماع القوى الاستعمارية
– سقطرى في رؤية اليمنيين خط أحمر .. ولكن بدأت تظهر تفاوتات في التكامل مع هذه المعطيات .. كيف يجب أن نحافظ على يمنية ووحدة الأرخبيل السقطري مع الجغرافية اليمنية وكيف تقرأ التحديات القائمة ?
– جزيرة سقطرى تعتبر جوهرة المحيط الهندي وهي من أجمل الجزر في العالم لما تمتاز به من طبيعة خلابة في الجبل والبحر ولما تحتويه من أشجار ونباتات وحيوانات نادرة لامثيل لها في العالم بالإضافة لحقول النفط فيها وتاريخياً كانت سقطرى مطمعاً للقوى الاستعمارية فقد تعرضت هذه الجزيرة للغزاة عبر تاريخها من البرتغاليين والبريطانيين والهولنديين وغيرهم ، لكنها كانت تقاوم الغزاة عبر التاريخ أيضا وأستشهدُ هنا على سبيل المثال بالمقاومة الباسلة للقائد محمد بن عامر بن طوعري بن عفرار الذي تصدى ومقاتلوه لأول محاولة استعمارية في القرن السادس عشر لاحتلال الجزيرة وأبلى بلاءً حسناً حتى استشهد مع أكثر من مائة وخمسة وعشرون مقاتلاً رفضوا الاستسلام والهدنة مع العدو ، ولم يبق منهم إلا رجل أعمى بقي مختبئاً في أحد أركان القلعة ، وعندما أمسكوا به سألوه : لماذا لم تهرب ؟ ..هل انت أعمى !! فقال لهم رده التاريخي الذي ذهب مضرب المثل : نعم إنني أعمى ، ولكنني أرى شيئاً واحداً وهو الطريق المؤدي إلى الحرية.
وكما حافظ أبناء سقطرى عليها في القرن السادس عشر علينا أن نحافظ عليها اليوم ونحميها كجزء من وطننا الكبير والعزيز، ومثل هذه الجزيرة بحاجة الى الاستقرار والاستثمار كجزيرة سياحية وغنية بالثروات النفطية والسمكية وتملك كل المواصفات لكي تكون جاذبة للاستثمارات بالإضافة إلى موقعها الاستراتيجي، ونحن نتطلع أن تهتم الدول الشقيقة بتطويرها لصالح سكان الجزيرة ولصالح الوطن ولصالح المستثمرين .

منع الاستثمار في سقطرى
• هل سبق وتم عرض مشاريع استثمارية سياحية في سقطرى من قبل دول أخرى ..؟
– اذكر أن رجل الأعمال المصري أنسي سويرس وابنه المهندس سميح سويرس كانا قد زارا هذه الجزيرة ورافقهما الدكتورعبد الكريم الارياني وزير الخارجية حينها بعد الوحدة ، وقد نالت اعجابهما وأبديا استعدادهما لإقامة مشاريع سياحية بقيمة 12 مليار دولار لبناء الفنادق والشاليهات والموانئ والمطارات والطرقات والبنية التحتية بشكل عام ، وقالا أنها ستصبح مصدر دخل للعملة الصعبة يعود بالفائدة على الطرفين ولكن ذلك لم يتحقق لأن السلطة في صنعاء طلبت أن تشارك بـنسبة 51% بالاسم فقط دون ان تدفع حصتها في رأس المال فرفض سويريس هذا الطرح ، وبسبب هذا الموقف خسرت الجزيرة وخسرت الدولة وخسر سكان الجزيرة مصدر دخل من العملة الصعبة وفرص العمل، وسبق وأن تحدثت عن هذا الموضوع في مذكراتي .
– ما لذي تحمله من ذكريات ومن مواقف عن سقطرى خاصة وأنكم أشرفتم منذ وقت مبكر على جزيرة سقطرى وعلى تنميتها في آواخر الستينيات من القرن الماضي ?
– في بداية ديسمبرعام 1967 م صدر قرار جمهوري يحمل رقم 4 بتعييني محافظاً للجزر في المحيط الهندي والبحر الأحمر وكان الهدف من ذلك هو إثبات حق السيادة على الجزر في المحيط الهندي والبحر الاحمر بعد الخلافات بين الوفد البريطاني برئاسة وزير المستعمرات شاكلتون ورئيس وفد الجبهة القومية قحطان الشعبي ، وكان البريطانيون يريدون أن يحتفظوا بقاعدة عسكرية في عدن وتدويل جزيرة بريم وتسليم جزر كوريا موريا لسلطنة عمان باعتبار أن جزر كوريا موريا أهديت للملكة فكتوريا من قبل سلطان عمان وحينها أتفق الوفدان على ألا يتفقوا بشأن جزر كوريا موريا، وقد زرت بعد ذلك جزيرة بريم والجزر في البحر الأحمر كحنيش الصغرى والكبرى وزغار وجزيرة كمران كما زرت لاحقا جزيرة سقطرى وانبهرت بطبيعتها الساحرة ولأول مرة أشاهد في شواطئ الجزيرة سربا من الأسماك ونحن على ارتفاع 300 متر بالطائرة ، وبعدها شقينا بعض الطرقات في الجزيرة وطورنا مطارها وبدأنا بإقامة بعض المشاريع السكنية ولكن كان ذلك دون مستوى متطلبات المواطنين في هذه الجزيرة ، ودون مستوى طموحنا ، فقد كانت إمكانياتنا الاقتصادية لا تسمح بأكثر من ذلك حينها وبعد الوحدة جرى شق طرق إسفلتية حول الجزيرة وأنشئت بعض المشاريع لكن كل ذلك كان دون الامكانيات الهائلة التي تمتلكها الجزيرة والتي تحتاج إلى مشروع استثماري ضخم .
– ما أهم الطموحات التي كان يتطلع اليها سكان جزيرة سقطرى من الدولة وكانوا يأملون في تحقيقها ؟
– الشعب في الجزيرة يتطلع لإقامة مشاريع كبيرة تعود بالنفع والفائدة على الوطن والمواطن فيها وعلى الدولة فهذه الجزيرة توجد فيها أشجار نادرة كشجرة دم الاخويين وغيرها من النباتات التي لا يوجد مثلها في العالم كله ومن الملاحظ أنه لا وجود في هذه الجزيرة لثعابين اوعقارب أو حيوانات مفترسة ويسكنها شعب مسالم يتحدثون اللغة السقطرية والعربية وبحق أن هذه الجزيرة هي جزيرة الأساطير كما قال عنها أحد المسؤولين البريطانيين .

مراهنة خاسرة
– كتاباتكم وتغريداتكم الأخيرة وضعتم فيها نقاطا عديدة على الحروف في شأن ما يسمى تدخلات وما عرف بالتحالف ووجوده في اليمن .. كيف تقرأ مستقبل مهام ما يسمى التحالف في اليمن وما أبرز التحديات القائمة بهذا الشأن ?
– الحرب دخلت الشهر الماضي عامها العاشر وقد طالبت منذ بداية الحرب بوقفها والاحتكام الى لغة الحوار بدلا عن السلاح ولكن البعض لم يفهم حينها هذا الرأي الصادق بل كان البعض يعتقد انه سيدخل الى صنعاء بعد 30 يوما أو 45 يوماً وقلت لهم حينها أن الحرب قد تطول لسنوات وهذا ما حدث بعد ذلك ، ولا أريد أن أدخل بالتفاصيل وقد طالبت حينها بالاحتكام الى لغة الحوار بدلا عن السلاح في اليمن وناشدت الاشقاء في المنطقة بالعمل على وقف الحرب واستعادة الدولة برئيس واحد وحكومة اتحادية واحدة لان استقرار اليمن هو استقرار للدول المجاورة وبقية دول الخليج ودول العالم بأسره، ونحن حريصون على العلاقات ألأخوية مع دول الخليج وعندما انتخبت رئيساً في ابريل عام 1980 م كانت اول زيارة قمت بها إلى السعودية كدولة جارة وكبيرة ومؤثرة في المنطقة وأيضا زرت دول الخليج الأخرى وأقمنا العلاقات مع سلطنة عمان بعد قطيعة استمرت فترة طويلة وهذا يؤكد حرصنا على العلاقات الأخوية الندية مع هذه الدول ونتمنى على الإخوة في المنطقة أن يهتموا بالاستقرار والاستثمار وسيادة اليمن .

الإيمان بقومية المعركة
– قرأنا اشراقات نشرتموها حول المقاومة الفلسطينية وكلها أمل وتفاؤل .. ماذا لو قرأنا معكم مصدر تلك التفاؤلية والقراءات المتوهجة بالآمال وكيف تنظر لمستقبل ما يجري في غزة وفي المنطقة بعد أن تداخلت اوراق عديدة فيها ?
– موقفنا من القضية الفلسطينية موقف ثابت منذ أن كنا في رئاسة الدولة بعدن وقدمنا للثورة الفلسطينية كافة أشكال الدعم المتواضعة كالسلاح والمال والرجال وأيضا فتحنا المعسكرات والمساكن للعائلات لهم شمال عدن بعد أن أخرجوا قسرا وظلما من بيروت بل أنني كنت والقيادة في عدن في استقبال المقاتلين واحتضناهم كأبنائنا وجنودنا ، ونظمنا مهرجانا كبيرا بمناسبة عيد الثورة الفلسطينية وشاركت فيه كل القيادة الفلسطينية وعلى رأسهم الزعيم الفلسطيني الكبير ياسر عرفات رحمه الله ، ونحن لا نمن على الشعب الفلسطيني بذلك بل نعتبره واجبا قوميا تجاه هذا الشعب العظيم الصامد الذي قدم من الشهداء والتضحيات الكثير ، اليوم لسنا في موقع قرار ولكننا لن نبخل بدعمنا السياسي والمعنوي للشعب العظيم الصامد في غزة والمدن الفلسطينية وقد أكدنا أكثر من مرة أننا مع الشعب الفلسطيني وقيام الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس .

لا نقبل التدخل الخارجي
– باب المندب والبحرين العربي والأحمر شرايين اقتصادية مهمة وهمزة وصل بين قارات العالم .. ولكن التواجد الأجنبي صنع أسافين لدول المنطقة بما فيها اليمن .. كيف يجب أن يتم التعامل مع هذه الجغرافية ومواجهة التدخلات الأجنبية بما فيها الصهيونية ?
– نحن ضد التدخل الخارجي في شؤون اليمن وقد أكدت اكثر من مرة على أن اليمن يتمتع بموقع استراتيجي هام في المنطقة والشعب اليمني يدفع الثمن بسبب هذا الموقع والموقف من القضية الفلسطينية والقضايا العربية ونحن نناشد الدول الصديقة والشقيقة والمبعوث الأممي هانس غروندبرغ بوقف الحرب في اليمن وفي غزة التي تعتبر خط الدفاع الأول عن الأمة العربية والإسلامية والمقدسات كما نبارك خارطة الطريق التي رعتها سلطنة عمان مع الاشقاء في المملكة ومع أنصار الله والتي أيدتها دول الخليج الأخرى وغيرهم على طريق حل الأزمة في اليمن شمالاً وجنوباً.
– كيف ينبغي أن يتم وضع رؤية اقليمية لحوض البحر الأحمر والبحر العربي تضمن للدول المتشاطئة سيادة وطنية والتخلص من التواجد الأجنبي بأطماعه الاستعمارية ؟
– سبق لليمن شمالاً وجنوباً والصومال والسودان أن عقدوا اجتماع قمة في تعز بشأن التفاهم والتعاون بين هذه الدول المطلة على البحر الأحمر وحضر هذه القمة الرئيس إبراهيم الحمدي والرئيس سالم ربيع علي والرئيس الصومالي سياد بري والرئيس السوداني جعفر النميري لكن هذا الاتفاق لم يكتب له النجاح بسبب الضغوط الخارجية ، المنطقة اليوم أكثر من أي وقت مضى بحاجة الى مثل هذا التعاون بين كافة الدول المطلة على البحر الأحمر والبحر العربي ، كما أشرت ، والأهم من التعاون هو العمل على استقرار هذه المنطقة لكي تتمكن من استثمار خيراتها وثرواتها لصالح شعوبها التي عانت ولا زالت تعاني من الصراعات وآثار الحروب كاليمن والسودان والصومال واريتيريا .

اليمن هدف للغزاة
– ألا ترون بأن محاولة إضعاف اليمن اقتصاديا وأمنيا والتأثير على استقراره ناتج عن تآمر خارجي منذ العهد التشطيري وحتى اليوم وهل ترون أن لموقعه الفريد علاقة مباشرة بيتعرض له من أطماع ?
– اليمن عبر التاريخ هدف للغزاة والطغاة الفرس والاحباش والبرتغاليين والأتراك والفرنسيين والبريطانيين وغيرهم بسبب الموقع الاستراتيجي الذي يدفع ثمنه عبر التاريخ ونحن نأمل أن يخرج اليمن منتصراً من هذه الصراعات والانقسامات لصالح أمن واستقرار المنطقة فاستقرار اليمن هو استقرار لهذه الدول ، وكما علمت من أحد المسؤولين أن هناك دراسة تؤكد وجود أكثر من 100 حقل نفطي في اليمن في البر والبحر ولكنها لم تستثمر بسبب التآمر والتدخل الخارجي !!!
– كيف تقيمون عمليات البحر الأحمر والبحر العربي وخليج عدن والتي امتدت مؤخرا الى المحيط الهندي التي تقوم بها القوات المسلحة اليمنية إسنادا للشعب الفلسطيني ?
– سبق أن أكدنا ان اليمن مع القضية الفلسطينة تاريخياً كما أننا مع وقف الحرب في اليمن وغزة وبقية الدول العربية سورية وليبيا والسودان والصومال وغيرها من الدول ، وأن العمليات التي تجري في البحر الأحمر والبحر العربي وخليج عدن أدت الى تأثر الملاحة البحرية في العالم كله وأظهرت الحاجة أولا الى وقف الحرب في فلسطين واليمن وإلى تحقيق السلام والاستقرار للشعوب العربية.

الجيش كان مهاباً
– من المؤكد أن العدو الصهيوني كانت له اطماع في الجزر اليمنية قديما وحديثا هل لا حظتم ذلك عندما كنتم وزيرا للدفاع للجيش الجنوبي سابقا ?
– لقد بنينا جيشاً قوياً مهاباً مزوداً بأحدث الأسلحة من المسدس وحتى صاروخ (سكود) بفضل التعاون مع الدول الشقيقة والصديقة وكان في المقدمة الاتحاد السوفييتي الذي قدم لنا احدث أنواع الأسلحة من صواريخ وطائرات ودبابات ومدافع بالإضافة إلى تأهيل الكوادر القادرة على استيعاب واستخدام هذا السلاح ،ولهذا فإن إسرائيل وغيرها كانت تخشى من هذا الجيش الوطني ولم تقترب من جزره وأراضيه وأنشأت لها قواعد في الجزر الارتيرية ، كما أن علاقتنا الاستراتيجية مع الاتحاد السوفيتي كانت أحد اسباب قوتنا التي لم تسمح بمثل هذا التفكير ، ومن المعروف أن اليمن يمتلك اكثر من 120 جزيرة أهمها وأكبرها أرخبيل سقطرى وجزيرة بريم في باب المندب وجزيرة كمران إضافة للأهمية الاستراتيجية لبعض الجزر الأخرى، وفي حرب 1973 م بين العرب وإسرائيل اتخذت القيادة قراراً بعدم السماح للسفن الإسرائيلية بالمرور من باب المندب والبحرالأحمر تضامناً مع مصر والدول العربية الأخرى، مصر التي قدمت كل أشكال الدعم لليمن شمالا وجنوبا وضحت من أجل فلسطين منذ عام 1948 م وحتى اليوم ، وكان هذا وفقا لمنظورنا بقومية المعركة والدفاع عن الأمن الاستراتيجي العربي .

وطن لا نحميه لا نستحقه
– ارتبطت حقيبة وزارة الدفاع في الشطر الجنوبي سابقا بشخصكم لفترة طويلة حتى عندما كنتم رئيسا للوزراء احتفظتم بها .. حدثونا قليلا عن الجيش الجنوبي آنذاك وهل صحيح أنه كان اقوى جيش في منطقة الجزيرة والخليج من حيث التدريب والتسليح وكانت تهابه كل دول المنطقة وكيف تم التآمر عليه وتفكيكه ?
– نحن لا ندعي أن الجيش في اليمن الديمقراطية كان أقوى جيش في المنطقة ولكننا نؤكد بأنه كان جيشا قويا ومهابا لحماية حدود اليمن بحرا وبرا وجوا، الجيش في اليمن الجنوبية هو امتداد لما كان يسمى حينها بجيش الجنوب العربي ، وقبل 30 نوفمبر كان يمتلك أسلحة خفيفة ومتوسطة وبعض القطع بحرية وطائرات (جت بروفست) لا تكفي لحماية البحر والبر والجو وكان علينا أن نبدأ ببناء جيش حديث بسلاح حديث وكفاءات جديدة لهذا الغرض ، وعندما عينت وزيرا للدفاع عام 1969 م وضعت خطة عسكرية لخمس سنوات للتأهيل والتسليح وهذه الخطة التي وضعتها كانت سابقة لخطط التنمية التي بدأت عام 1971 م وأول خطوة قمنا بها هي انشاء أول كلية عسكرية في 1 سبتمبر عام 1970 م بالتعاون مع وزارة الدفاع السورية بقيادة الفريق الجوي حافظ الأسد الذي قدم للقوات المسلحة كافة أشكال الدعم من طيارين لاستخدام طائرات الميغ 17 لأننا لم نكن نملك حينها سوى طيارين اثنين بالإضافة إلى فريق قانوني لتنظيم وزارة الدفاع برئاسة اللواء زهير غزال احد المستشارين لحافظ الأسد إضافة أيضا لمهندسين وضباط لإنشاء الكلية العسكرية وفي مقدمتهم إبراهيم يونس الذي اشرف على تأسيس الكلية العسكرية بالتعاون مع الضباط اليمنيين الذين درس بعضهم في بريطانيا والأردن وغيرها ويومها أعلنت أن يوم 1 سبتمبر يوم تأسيس الكلية العسكرية هو يوم عيد القوات المسلحة الذي يحتفل به ونتذكره حتى الآن ، ومن أجل تطوير الجيش فقد خرّجت الكلية العسكرية دفعات لتمد الجيش بدماء جديدة مؤهلة وقد أوفدنا المئات بل الآلاف من الطلاب إلى الاتحاد السوفييتي والى بلدان أخرى للتدرب والدراسة في مجال الطيران والدبابات والمدفعية وسلاح الهندسة والصواريخ وغير ذلك من التخصصات العسكرية الذي كان جيشنا بحاجة إليها وأنجزنا هذه الخطة بنجاح وكانت منطلقا لبناء قوات مسلحة قوية مهابة في المنطقة ، وقد تعرضت اليمن الجنوبية لحروب من قبل بعض الدول المجاورة ومن قبل قوات شاه ايران ولكننا لم نهزم في كل هذه الصراعات والحروب لأن القوات المسلحة كانت الدرع الواقي للدفاع عن الوطن، ولم يكن الهدف من بناء هذه القوة معاداة أحد في المنطقة بل الحفاظ على السيادة الوطنية وحماية اليمن الديمقراطية بحرا وبرا وجوا.
فـ (وطن لا نحميه لا نستحقه) وكان هذا شعارنا الذي طبقناه قولاً وعملاً.. ويجب أن نعترف أن الخطر كان من داخل القلعة وليس من خارجها بسبب التطرف والمزايدات التي مرت بها التجربة منذعام 1967 م وحتى اليوم ، ونحن لا نعفي أنفسنا من المسؤولية ، والسؤال من كان يقف وراء هذا التطرف والمزايدات ؟ الزمن سيجيب عن ذلك .

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com