ومن الشقاء أن تجد البعض يدافعون مستميتين عن (يزيد)، وهم في الأصل لا يعلمون من هو (يزيد)، ولا من هو الحسين..؟
أو ما الذي فعله (يزيد) بالحسين..؟!
فجريمة قتل (يزيد) للحسين، في اعتقادي، أشد وأفظع من جريمة قتل قابيل لأخيه هابيل على جرمها وفظاعتها..!
على الأقل، قابيل ندم مباشرةً بعد قتله لأخيه وقام بمواراة سوءته بدون أن يُمَثِّل أَو يعبث بها، أما (يزيد) فقد علم الناس أجمعون بما قام به من التمثيل بجثة الحسين وحز رأسه -عَلَيْـهِ السَّـلَامُ-، ونقل رأسه الشريف إلى دمشق، حَيثُ يقيم (يزيد)، في واقعة لم يشهد لها التاريخ مثيلا، ولا تنُمُّ عن مُجَـرّد قتل منشق أَو متمردٍ أَو انقلابيٍ كما يحاول البعض تصويره، وإنما تنم عن رغبة انتقامية جامحة نابعةً من حقدٍ تاريخيٍّ متأصل لا يمكن أن يخرج عن إطار عملية تصفية حساباتٍ قديمة جِـدًّا..!
ومن الشقاء أكثر أن تجد هنالك من يحاول أن يبرّر (ليزيد) فعلته تلك؛ بدعوى أن الحسين بمفاهيم هذا العصر كان (انقلابياً) أَو (متمرداً) أَو (منشقاً) أَو أي شيء من هذا القبيل..!
يحسسونك طبعاً وكأن (معاوية) وَ(يزيد) كانا قد جاءا إلى السلطة بانتخابات حرة ونزيهة وعبر صناديق الاقتراع..!
بل إن هنالك من يذهب أكثر من ذلك بالقول إنه لولا (بنو أمية)، لما فُتحت الأمصار والأقطار..!
يُشعرونك دائماً كما لو أنها ما كانت لتفتح إلا بهم وعلى أيديهم، متناسين بذلك طبعاً وعد الله، سبحانه وتعالى، ووعد رسوله الكريم في فتحها..!
يا هؤلاء.. لولا (بنو أمية)، وسياساتهم المستبدة والظالمة والخاطئة، والتي حدت بأحد ملوكهم ذات مرة إلى إصدار الأمر فجأةً بتوقيف تقدم الجيش الإسلامي الذي كان قد وصل إلى تخوم فرنسا؛ لكانت أُورُوبا قد دخلت يومها في حظيرة الدولة الإسلامية مُسلمةً وموحدة، ومن بدري..!
حتى في العصر العباسي، ألم يفر عبد الرحمن بن معاوية بن صخر (الداخل) إلى الأندلس وينشق بها عن الدولة الإسلامية، معلناً هناك عن دولة أمويةٍ صغيرة انتهى بها المطاف إلى سقوطها بأيدي الفرنجة وطرد المسلمين والعرب من بلاد الأندلس نهائيًّا وإلى الأبد؟!
لماذا لا نسمعكم تقولون عنه مثلاً: انقلابي أَو متمرد أَو منشق أَو…؟!
أنا، في الحقيقة، لست طائفاً هنا، ولن أكون، ولكني أردت التحدث، بصراحة، عن العقلية الأموية السلطوية المتسلطة، والتي استمرت ولا تزال تلازمنا إلى اليوم، العقلية التي قتلت وتآمرت ذات يوم على عمر بن عبد العزيز الأموي نفسه؛ طمعاً ولهثاً وراء السلطة كما تآمرت وقتلت سيدنا علي وسيدنا الحسين من قبل لذات الغرض، وبالتالي فالحديث عن جريمة قتل الحسين هو حديث لا يخص طائفةً بعينها أَو فئةً بذاتها، وإنما يخص المسلمين عامة على اختلاف مذاهبهم ومشاربهم؛ وذلك لما خلَّفته من شرخٍ عميق لم يلتئم بعد، ولا يمكن له أن يلتئم إلا بالعودة إلى نهجه ونهج أبيه وجده القويم كمنطلقٍ لإعادة ترتيب وتصويب مسار العلاقة بين المسلمين جميعاً على أسس صحيحة وسليمة تبدأ باستلهام ثورته بكل معانيها الإنسانية، وتنتهي بإسقاط العقلية والأنظمة الرجعية المتخلفة والعميلة التي تجد في التقليل من شأن ثورة الحسين ومحاولات تغييب أَو تهميش دوره فرصةً ملائمةً؛ لضرب الأُمَّــة بعضها ببعض، وكذلك مرتعاً خصباً؛ لتعزيز فرص استمرارها وبقاءها وذلك من خلال تعمدها المُستمرّ تبني الرؤية الباطلة المقابلة والترويج لها دائماً.