ملفات سوداء … لعلاقة الرياض بصنعاء ! (3)
أفق نيوز – تقرير – علي الشراعي
حاولت الرياض ربط السياسة الخارجية اليمنية بالسياسة السعودية , فلم تقبل الرياض بأن تتبني صنعاء موقفا سياسيا خارجيا يختلف عن موقفها أو أن يكون لها حضورا إقليميا ودوليا.
وصل وفد عسكري سعودي ومعه بعض الأمريكيين , وطافوا بالوحدات العسكرية والمخازن وجردوا كل ما لدى القوات المسلحة, وسط استنكار الجميع ….. فالسلاح والجيوش هي دوما لتعزيز استقلال الشعوب وكرامتها ) .
-السياسة الخارجية
ارادت الرياض أن تجعل من اليمن تحت وصايتها فيما يخص شؤونها الداخلية وسياستها الخارجية ليس في العهد الجمهوري بل وحتي في العهد الملكي فالرياض لا يهمها نوع النظام بصنعاء بقدر ما يهمها أن يكون تابع لها ويدور في فلكها ومن ذلك :
1- عندما انضمت صنعاء إلى ( الدولة العربية المتحدة) عام 1958م والتي ضمت مصر وسوريا اعتبرت الرياض ذلك الانضمام تآمرا عليها , مما أدى إلى زيادة تأزم العلاقة بين الدولتين .
2- وفي عام 1989م , انضمت صنعاء ( إلى مجلس التعاون العربي ) . فاعتبرت الرياض أن هناك مؤامرة لتطويقها من الجنوب .
ويشير الكاتب والأديب والصحفي والمؤرخ المصري محمد حسنين هيكل في أن العلاقات المصرية – السعودية أصابها بعض التدهور نتيجة انضمام اليمن لمجلس التعاون العربي الذي ضم العراق والأردن إلى جانب مصر , مما حدا بالرئيس المصري إلى أن يرسل وزير خارجية إلى السعودية لتوضيح مسألة انضمام اليمن , وما إن بدأ الوزير المصري حدثيه عن الموضوع حتى قال الملك السعودي ( ما هي حكاية اليمن ؟ ) .
3- بعد شهرين من تحقيق الوحدة اليمنية في الثاني والعشرين من مايو عام 1990م , عندما اتخذت اليمن موقفا سياسيا من أزمة الخليج عقب غزو العراق للكويت في 2 اغسطس 1990م .
حيث تمثل موقف اليمن في رفض الحل والتدخل العسكري الأجنبي .
فقد اعتبرت الرياض موقف صنعاء هذا تآمرا مع القيادة العراقية .ومع أن عددا من الدول العربية اتخذت نفس الموقف فإن أيا منها لم تعاني ما عانته اليمن على كافة الأصعدة وخاصة الجانب الاقتصادي فلم تكتفي الرياض بتوقيف المساعدات .
بل مارست ساديتها السياسية بالهيمنة والضغط على بقية دول الخليج بوقف كافة المعونات والمساعدات المادية لصنعاء . واقدمت على طرد ما يقارب مليون يمني مغترب بالسعودية كانوا سببا بنهضة البنية التحتية للرياض منذ السبعينيات من القرن العشرين مع مصادرة كل ممتلكاتهم وعقاراتهم وحقوقهم واموالهم من قبل نظام الرياض دون مراعاة للقوانين والاعراف والمواثيق الدولية فيما يخص هذا الجانب بل ومناقضة لمعاهدة الطائف عام 1934م .
-تناقض المبادئ
فالرياض في حرب الخليج الثانية سنة 1991م , استقدمت واستعانت بأمريكا ودول الغرب فدخلت جحافل الجيوش الأجنبية وطائراتهم واساطيلهم لشبة الجزيرة العربية وخليجها , وقد تناست الرياض أن مؤسس دولتهم السعودية الثالثة عبدالعزيز ابن سعود عام 1932م , عندما شن عدوانه وحربه الشاملة على اليمن في 22 مارس سنة 1934م بعث بمذكرات رسمية إلى بريطانيا وإيطاليا وفرنسا حينما كانت سفنهم تجوب مياه البحر الأحمر آنذاك يخبرهما فيها : ( بأن الحرب محصورة بين دولتين إسلاميتين, فلا يجوز لدولة غير مسلمة أن تتدخل في النزاع ) .
-هيمنة الرياض
تقدمت اليمن بطلب الانضمام إلى ( مجلس التعاون الخليجي ) في ديسمبر 1996م , خلال انعقاد قمة مجلس التعاون الخليجي التي عقدت في الدوحة حيث أبدت ا ثلاث دول ( قطر وعمان والامارات ) موافقتها على الطلب , أما السعودية فقد تجاهلت الطلب تماما وكأنه لا يستحق الرد والمناقشة ! .
فيما رأى نجيب رياض الريس في كتابه ( رياح الجنوب اليمن ودورها في الجزيرة العربية ) في شأن انضمام اليمن لمجلس التعاون الخليجي بقوله : ( فإن ذلك لن يحدث قبل أن يحل اليمن قضايا الجدود التاريخية والمعقدة مع السعودية لذا فمن الأفضل له أن ينهي صراعه التاريخي مع السعودية قبل أن يفكر بالانضمام إلى المجلس .
إضافة إلى أنه في حال انضمام اليمن إلى المجلس لابد وأن يصبح طرفا في الصراع الدائر بين دول الخليج الخاضعة للهيمنة السعودية وبين الدول المناهضة لها ).
-تنازلات سياسية
ابتداء من عام 1970م , والتي اعترفت الرياض بالجمهورية العربية اليمنية قدمت السعودية دعما ماليا لحكومة صنعاء , بلغت هذه المعونات وفقا لمعطيات التقديرات حوالى ربع ميزانية اليمن , علما بأن هذه المعونات قدمت مقابل تنازلات سياسية معينة سلفا من الجانب اليمني .
إضافة إلى علاقة الرياض رسميا بالحكومة المركزية بصنعاء واصلت في ذات الوقت تقوية وترسيخ علاقاتها غير الرسمية مع مشايخ القبائل وزودتهم بالسلاح والمال , الأمر الذي أدى إلى تعاظم نفوذ القبائل في الجمهورية العربية اليمنية.
وقدمت سفارة السعودية بصنعاء مساعدات مالية للضباط اليمنيين والموظفين بهدف الحفاظ على أنصارها في أجهزة الدولة والتأثير في سياسة صنعاء الداخلية والخارجية بما يخدم اهداف الرياض .
وليس من قبيل الصدفة أن يعلن المقدم يحيى المتوكل عضو مجلس القيادة ووزير الداخلية في عهد الرئيس الحمدي بقوله : ( إننا نرغب أن تكون لنا علاقات حسنة وجيدة مع جميع البلدان , مانحين الأفضلية في هذا الميدان للعربية السعودية , باعتبارها جارتنا وتقدم لنا مساعدة كبيرة ) .
-الملف الاقتصادي
ومع بداية عام 1975م , تمكن الرئيس الحمدي من خلق علاقات مع البلدان العربية وغيرها من البلدان الأجنبية الشرقية بعد أن حصل منها على المساعدات الضرورية على شكل قروض وصفقات أسلحة للجيش اليمني.
غير أن هذا لم يكن يبعث على الارتياح لدي الرياض فطالبت صناء بتضييق علاقات الجمهورية العربية اليمنية الاقتصادية والعسكرية مع البلدات الأخرى وبالأخص الاتحاد السوفيتي وجمهورية الصين الشعبية .
وتوجه إلى صنعاء وفدان سعوديان : الوفد الأول لبحث مسألة تزويد الجيش اليمني بالأسلحة الحديثة الأمريكية , والوفد الثاني قضية المساعدات الاقتصادية التي تقدمها الرياض .
وقد عارض الوفد الثاني للرياض قيام بعثة عراقية ببناء مصافي نفط في الخوخة.
وصل وفد سعودي وبعد زيارته للحديدة والسواحل اليمنية ومحادثات طويلة , رفع إلينا هؤلاء ما توصلوا إليه , وخلاصته أن المملكة السعودية بحاجة إلى مدة لا تقل عن ثمانية عشر شهرا لدرس الموضوع من الناحية الفنية .
وبعد ذلك القرار سياسي ويعود إلى الجهات العليا في المملكة ) .وأخذت هذه المسألة طابعا حادا بين رئيس وزراء صنعاء ( محسن العيني ) والوفد السعودي .
وقبل ذلك اكتشفت رواسب النفط في البحر الأحمر بالقرب من سواحل الجمهورية العربية اليمنية آنذاك .
وكحماية لتهج البلاد الاقتصادي المستقل أعلن محسن العيني عن نوايا إنشاء شركة النفط الوطنية .
لكن الرياض تقدمت باقتراح مضاد يقضى بإنشاء شركة نفط سعودية – يمنية مشتركة بحيث يكون للسعودية في الواقع في هذه الشركة السلطة المطلقة .
وقوبل هذا الاقتراح بالرفض من قبل رئيس الوزراء محسن العيني .
وبهذا الصدد كتبت المجلة البيروتية ( الحرية ) في تأريخ 2/1/1975م , : ( بأن العيني كمناوئ مشهور للاحتكارات السعودية في اليمن , حاول إقامة علاقات مع البلدان العربية الأخرى بهدف أن لا يقع اليمن نهائيا تحت النفوذ السعودي ) .
-تسليح الجيش
يتحدث محسن العيني رئيس للوزراء في دولة الرئيس الحمدي في كتابه ( خمسون عاما في الرمال المتحركة ) حيث وجه رسالة إلى السيد ألكسي كوسيغين رئيس وزراء الاتحاد السوفيتي بقوله : ( …. فإن السلاح قد استهلك ونحن في حاجة إلى إعادة تسليح قواتنا , وأرفقت بالرسالة الكشف الذي قدمته القيادة العامة للقوات المسلحة …. ووصل الوفد العسكري السوفيتي , وكان واضحا أن القيادة لم تعد مهتمة أو متحمسة للبحث في موضوع التسليح , رغم أنها هي التي قدمت إلى الطلبات وألحت علي في توجيه رسالتي إلى رئيس الوزراء السوفيتي ) .
ويضيف العيني ( ووصل وفد عسكري سعودي ومعه بعض الأمريكيين , وطافوا بالوحدات العسكرية والمخازن . وجردوا كل ما لدى القوات المسلحة , وسط استنكار الجميع . إنني لست ضد الحصول على السلاح , من أي جانب , ولا أعتبر السلاح الروسي وطنيا والغربي غير وطني , ولكن قواتنا عرفت السلاح السوفيتي … فالسلاح والجيوش هي دوما لتعزيز استقلال الشعوب وكرامتها ) .
وفيما يخص الصين يقول العيني : ( … كما أن الصين الشعبية أجابت باستعدادها لتقديم السلاح , وقد أبلغنا هذا سفيرنا في صنعاء
كما وصل إلى صنعاء سفيرنا في بكين وأكد ذلك وتلقينا دعوة لإيفاد وفد عسكري يمني إلى بكين للبحث في هذا الموضوع ) .
– انتهاك للسيادة
وجود وفد عسكري سعودي – امريكي في صنعاء ودخول الوحدات العسكرية والاطلاع وجرد السلاح انتهاك واضح للسيادة اليمنية واستقلالها وتكريس لهيمنة الرياض على صنعاء إلى ابعد مستوى في كل الجوانب السياسية والعسكرية والاقتصادية وغيرهما .
وهذه تظل من الملفات السوداء في علاقة الرياض بصنعاء فالمتعارف عليه ان العلاقات بين الدول تكون علاقة تكافئ واحترام للشؤون الداخلية والخارجية وعدم التدخل فيها .
وما عرضناه خلال التقارير الثلاثة ما هو الا جزء من التاريخ الاسود للرياض بعلاقتها بصنعاء طيلة قرن من الزمن.