وردنا قبل قليل تفاصيل الساعات الاخيرة لاستشهاد القائد يحيى السنوار
أفق نيوز | مراد شلي |
الساعة الخامسة الا ربع فجرا بتوقيت مدينة غزة الخميس 17 اكتوبر 2024 م القمر يضيئ سماء القطاع، فهي ليلة منتصف الشهر القمري.
تصدح المساجد باصوات اذان صلاة الفجر في سماء معلنة يوم جديد من سردية الصمود الاسطوري في وجه آلة الاستكبار الصهيونية.
داخل غرفة صغيرة في الطابق الثاني بمبنى شبه مدمر في مخيم تل السلطان برفح.
* * *
مخيم تل السلطان يطلق عليه أيضا اسم “معسكر تل السلطان”، يقع شمال غربي مدينة رفح في قطاع غزة، ويعد فرعا من أفرع مخيم رفح، تأسس بديلا عن مخيم كندا الذي أصبح ضمن الحدود المصرية عقب اتفاقية كامب ديفيد.
يقع المخيم شمال غربي مدينة رفح، ويعتبر فرعا من أفرع مخيم رفح الموجود وسط المدينة والممتد في معظمها،
إلى جانب مخيمات أخرى تتبعه إداريا مثل مخيم الشابورة وأسدود وغيرهما.
بلغ عدد سكان مخيم رفح عام 2024 نحو 44 ألفا و227 نسمة حسب الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني.
* * *
يتواجد بالغرفة ثلاثة اشخاص يؤدون صلاة الفجر.
يؤمهم رجل ستيني نحيف بشعر راسه الثلجي ولحيته البيضاء وعيون كالصقر.
حاد الملامح يتلو آيات الصلاة بصوت منخفض خاشع.
* * *
انتهوا من صلاتهم واذكارهم ليبدأ القائد بتمنطق سلاحة الشخصي الكلاشينكوف وجعبة عسكرية بداخلها اربعة امشاط ذخيرة وقنبلتان يدويتان..
يضع بحرص مصحفان صغيران داخل الجعبة ثم يلبس بندقية قنص نوع دراجنوف على كتفه الايسر ثم يلثم وجهه بشاله الفلسطيني .
يلتف بجسده للخلف نحو رفيقيه اللذين انتهيا من تجهيز نفسيهما..
يرفعان اعينهما باتجاهه.
. يحدث رفيقيه: يوم جديد آخر ننكل فيه بالعدو .
يبتسم الاثنان فهما يسمعان ذات الجملة عقب صلاة الفجر واصبحت هذه الجملة صباحيتهم المعتادة كل يوم فبعد انتهاء العمليات في خان يونس انتقل القائد يحيى سنوار ورفيقيه لرفح منذ نهاية مايو وحتى اليوم.
* * *
كانوا يهاجمون بتكتيك ” الاربعين ثانية ” الغير مسبوق في تاريخ الحروب وسيسجل باسمهم في تكتيكات حرب الشوارع..
حيث يتم فيها الاستهداف عبر مجموعات مكونة من ثلاثة افراد يقومون بتغيير تموضعهم بلا توقف ويستهدفون مشاة العدو عبر الانقضاض عليهم من اماكن مختلفة والانسحاب فورا مستغلين عامل المباغتة وسرعة تنفيذ العملية والاخلاء مسنودين بالثقة بالله وشجاعتهم وتمرسهم للقتال ونفسية العدو المذعورة اصلاً .
* * *
الساعة العاشرة صباحاً بتوقيت مدينة غزة الخميس 17 اكتوبر 2024 م.
يشاهد القائد يحيى السنوار من بعيد عشرة افراد من مشاة العدو الاسرائيلي يقومون بتمشيط احد المباني يشير بيده اليسرى للحاج محمود حمدان قائد كتيبة تل السلطان ويطالعان رفيقهم الثالث وهو يرفع اصبعيه السبابه والابهام باتجاه عينيه ثم يشير بهما باتجاه مكان تواجد افراد مشاة العدو.
كانا يشاهدانهم ثم يعودان باعينهما باتجاه قائدهم يشير باصبعه باتجاه الحاج محمود ويدور بها عكس الساعة ليعرف الحاج اتجاه مكان تموضعه فيذهب على الفور باتجاه يمين مكان تواجد جنود العدو وكذلك رفيقهما الثالث الذي ذهب عكس اتجاهه يسار مكان تواجدهم .
بعد ان تموضع الاثنان على بعد خمسين متر تقريبا يمينا ويسارا بانتظار اشارة البدء التي يطلقها القائد السنوار عبر اطلاقه الرصاصة الاولى .
يتفحص القائد السنوار بعينينه الحادتين المكان ويلقي نظرة على رفيقيه ثم يبدأ اطلاق النار مباغتاً القوة الراجلة للعدو والذين يتفاجأون بكمية اطلاق نار كثيف عليهم من ثلاث جهات ليتساقطوا بين قتيل وجريح .
* * *
استغرقت العملية اربعين ثانية وهي فترة هذه العمليات الخاطفة التي ابتدعها مقاتلوا المقاومة في غزة وسميت بعمليات الاربعين ثانية .
يشير القائد السنوار لرفيقيه بسرعة العودة لمكان التجمع ومغادرة المكان يركض الاثنان بسرعة في خط متعرج تفاديا لاي هجوم من الخلف .
يعرف الثلاثة ان السرعة والوقت يشكلان عاملي حسم في هذه العمليات .
ينطلق الثلاثة عكس اتجاه المكان يركضون بسرعة مدهشة رغم اعمارهم المتقدمة لكن اللياقة وتمرس القتال جعلهم مقاتلين سريعين للغاية ومناورين بشكل مدهش .
واصلوا ركضهم باتجاه مكان الاختفاء وتربص اهداف جديدة وفجأة تشاهدهم قوة مشاة كبيرة خرجت من زقاق شارع جانبي مكونة من خمسين جندي انتقلوا للتو للمكان بعد سماعهم اطلاق النار الكثيف .
بسرعة يشير قائد مجموعة العدو بيده للجنود باطلاق النار باتجاه المقاتلين الثلاثة ليبدأ اطلاق النار الكثيف باتحاههم…
* * *
كان القائد السنوار يركض متقدماً رفيقيه بنصف خطوة.. يمسح بعينيه الاماكن امامهم.. وصلوا لنهاية الشارع..
تلتقط اذنيه صوت اطلاق رصاص من يمينهم..
تراجع نصف خطوة ساحبا زميليه باتجاه حفرة كبيرة يسار تواجدهم.
انزلقوا بخفة عجيبة باتجاه الحفرة ثم التفت بعينيه باتجاه مصدر اطلاق الرصاص الذي يبعد ثلاثين متراً..
كان يتحرك بسرعة ومرونة مدهشتين.
يعود لمشاهدة رفيقيه يشاهد الحاج محمود مضرجاً في دماءه إثر اصابته برصاصة قاتلة في الرأس واخرى في يمين صدره فيما رفيقهم الثالث اصيب برصاصتين في ساقه اليمنى اما القائد السنوار فكان نصيبه رصاصتين اصابتا عظمة كتفه الايمن وسحقته تماماً..
* * *
يمسك وجه الحاج محمود بكلتي يديه ويمسح دماءه ويشير لرفيقهم الثالث بان يطلق النار باتجاه مكان اطلاق النار المعادي.
بصوت متهدج يسارع للشهادة يحدث الحاج محمود قائده يحيى السنوار:
ابو ابراهيم فش فينا حيل انتبه لحالك وللمقاومة في وداعة الله.
يحتضن القائد السنوار رفيقه الشهيد مودعاً اياه في مشهد مؤلم.
* * *
يغالب وجع فقد رفيقه يمسح المكان بعينيه يشاهد منزلا امامه يفكر بسرعة يجب الوصول الى المنزل.
يتواصل تبادل اطلاق النار..
يلقي القائد السنوار قنبلة يدوية باتجاه جنود العدو ويستغل غبار القنبلة ليوقف رفيقه الثالث ويضع يده اليسرى جنب كتف رفيقه ليساعده على المشي.
يخرجان من الحفرة باتجاه المنزل امامهم..
وفجأة قذيفة دبابة تنطلق باتجاههم..
* * *
انقشع غبار القذيفة وبعينين داميتين يشاهد القائد السنوار رفيقه شهيداً مضرجاً في دماءه يسحب جثته للداخل باتجاه ردهة المنزل وسط اطلاق نار مكثف .
اصيب القائد السنوار بشظايا في رأسه وعنقه ومزقت لحم ساعد ذراعه اليمني وبكلتي قدميه عشرات الشظايا بمختلف اجزاء جسده رغم فداء رفيقه الذي قام باحتضانه ليحمي جسده .
* * *
صعد بكل صعوبة يجر جسده القائد السنوار للطابق الثاني من المنزل يشاهد طقم كنب شبه مدمر..
يقترب من النافذة ويبدأ في اطلاق النار.. ينتظر قليلا ويسمع صوت اقتراب الجنود يلقي قنبلة يدوية يسمع صراخ الجنود . يبتعد الجنود بضحاياهم .
فجأه دوي قذيفة دبابة باتجاه مكانه . .
* * *
يصاب من جديد يشعر باسياخ من النار تخترق ظهره يتحامل على جراحه النازفة.
يتنامى لمسامعه صوت اقتراب خطوات جنود العدو ينتظر قليلاً يخرج القنبلة اليدوية الاخيرة يرميها باتجاه النافذة لتسقط فوق الجنود المتقدمين خارج المنزل ليسمع من جديد صوت صراخاتهم .
استمر اطلاق الرصاص لست ساعات متواصلة.. نفذت ذخيرة القائد السنوار تماماً.
* * *
يلتفت ناحية طقم الكنب يتذكر صورته الشهيرة على كنية خلف الدمار بعد عدوان 2014 م..
يذهب باتجاه الكنبة يجاهد نفسه مستعينا بعصا خشبية للجلوس عليها..
* * *
شريط حياته كان يمر امام عينيه.. طفولته في مخيم خان يونس للاجئين.. اسرته ابوه وامه اولاده الثلاثة زوجته شقيقاه.. سنوات شبابه الـ24 التي قضاها في السجون الاسرائيلية.. سنوات النضال العسكري التي توجها بعملية طوفان الاقصى.. رفاق.حماس.. شهداء المقاومة الحاج محمود .. ورفيقهم الثالث ….
فجأة.. يخرجه من تفكيره صوت طائرة درون تسسلت من احدى النوافذ تقترب من مكانه.. تقترب ببطء.. يجاهد نفسه ويرمي باتجاهها العصا الخشيية..
يرفع عينيه للاعلى. يتذكر كلماته لوالدته ” الان جاء الموعد يا أماه، فقلد رأيت نفسي اقتحم عليهم موقعهم، وأقتلهم كالنعاج ثم استشهد، ورأيتني بين يدي الرسول صلى الله عليه واله وسلم في جنات النعيم، وهو يهتف بي مرحى بك مرحى بك” يكرر الشهادتين ويسلم روحه لبارئها شهيدا في سبيله عز وجل..
* * *
الساعة الرابعة عصرا بتوقيت مدينة غزة الخميس 17 اكتوبر 2024 م..
بعد ان ظل العدو لساعات يقصف المبنى حتى دمره تماما.. اخرجوا جثمان القائد الكبير. من بين الانقاض..
ارتعبوا بسرعة حينما رفعوا لثام شاله الفلسطيني عن وجهه ليصرخ الجنود في رعب: انه السنوار..
تصل المعلومات لقيادة العدو ويبدأون بسرعة تحليل الصورة وارسال الخبراء وتحليل الـDNA.
وطوال ساعات حتى اعلان جيش العدو استشهاد القائد السنوار وبسبب نشوة انتصارهم المزعوم نشروا مقطع الطائرة المسيرة ليتحول لدليل على عظمة وبسالة القائد الكبير الشهيد يحيى السنوار..
ثم نشروا ما قالوا انها مقتنياته فيما هي بعض من مقتنياته ومقتنيات رفيقه الثالث الشهيد.
ندم العدو بعد نشره للمقطع ولمقطع المقتينات فقد اكدوا قوة وبسالة وصلابة الشهيد القائد وفندوا روايتهم المكذوبة المعتادة عن الشهيد البطل يحيى السنوار.