تواصل المقاومة اللبنانية تثبيت معادلة توازن الردع في ميدان المواجهة مع جنود الكيان الصهيوني المؤقت، المنصدم كلياً بثبات حزب الله وامتلاكه القدرات القتالية الهائلة التي أرست قواعد اشتباك جديدة لم تكن في حسبان العدو الإسرائيلي.
وبالنظر للمواجهات العنيفة التي يخوضها مجاهدو حزب الله مع قوات العدو الصهيوني التي تحاول الاستماتة عند الحدود اللبنانية لمحاولة احتلال الأجزاء الحدودية، فإن المقاومة اللبنانية باتت تمثل قوة متنامية لا يمكن تجاهلها، حيث تجسد قدرة مدهشة على التكيف والابتكار في مواجهة التحديات والقدرة على إلحاق خسائر ملموسة بالعدو الصهيوني تعكس الإرادة الجماهيرية الثابتة والإيمان العميق بالحق في المقاومة والتحرر.
وفي حين يواصل حزب الله تصعيد عملياته العسكرية والتكتيكية، يتساقط العشرات من جنود العدو الصهيوني بين قتيل وجريح، إضافة إلى ذلك الانهيار المعنوي في صفوف العدو الصهيوني والذي انعكس على هيئة كابوس يؤرق مئات الصهاينة مما يعكس تحولًا جوهريًا في معادلة المعركة.
ومع إعلان نائب الأمين العام لحزب الله الشيخ نعيم قاسم عن تدشين مرحلة جديدة من المواجهة مع العدو الصهيوني، مسمياً المرحلة بمرحلة إيلام العدو، تشهد المستوطنات الصهيونية قصفا يوميا بعشرات الصواريخ، والطائرات المسيرة، والتي ينفذها حزب الله وفق مسار تصاعدي ناجح، يفضي بنزوح مئات الآلاف من المستوطنين الذين يشعرون بفقدان الأمن لاسيما بعد تمكن حزب الله من قصف منزل نتنياهو -أعلى سلطه في دولة الكيان – والذي يفترض أنه يحظى بتحصين أمني شديد. الأمر الذي يورد اليقين التام لكافة المستوطنين بفشل جيشه عن حماية المستوطنات.
لا أمان للكيان
ويقول الخبير اللبناني في الشؤون العسكرية حسن حردان: ” سريعاً وجه حزب اللهالضربات القاسية الصاعقة والموجعة للأمن الصهيوني، وضرب منزل رئيس حكومة العدو بنيامين نتنياهو في قيساريا، وحوّل كلّ الشمال الفلسطيني المحتل، لا سيما مدينة حيفا، إلى ساحة حرب تتساقط فيها الصواريخ، مؤكداً قدرة المقاومة على إفقاد الصهاينة الأمن، وإعادة تحطيم منظومة الردع الإسرائيلية التي حاول نتنياهو ترميمها عبر الاغتيالات لقادة المقاومة، وتدمير المدن والقرى اللبنانية في الجنوب والبقاع وضاحية بيروت الجنوبية.”
ويضيف في حديث لوسائل إعلام لبنانية ” لكن المقاومة أوصلت الرسالة بقوة وعزم بأنّ الكيان وقادته، وفي الطليعة نتنياهو، لم يعودوا في أمان، وأنّ المقاومة ستلاحقهم أينما كانوا، في منازلهم أو المواقع التي يتواجدون فيها، رداً على اغتيال قادة المقاومة، الأمر الذي يثبت قدرات المقاومة العالية، وكفاءة مُسيّراتها في ضرب أيّ هدف في كيان العدو بدقة متناهية”.
ويوضح حردان أن نتنياهو الذي وعد المستوطنين النازحين بإعادتهم إلى مستعمراتهم في الشمال، بات هو أيضاً من المهجرين غير قادر على العودة إلى منزله، الذي يبعد سبعين كلم عن الحدود مع لبنان، مؤكدا أن المجرم نتنياهو أقر بإصابة منزله بمُسيّرة انقضاضية للمقاومة.
ويعتبر حردان قصف منزل نتنياهو تطورا كبيرا وتصعيدا في عمليات المقاومة اللبنانية ضد العدو الصهيوني، مبينا أن عمليات التصعيد ستترك تداعيات كبرى للكيان الصهيوني على مستوى أمن رموز دولة الكيان أو أمن المستوطنين الصهاينة.
ويلفت حردان إلى أن قصف منزل المجرم نتنياهو أحدث رعبا كبيرا في الأوساط الصهيونية وأدخل الشك لدى كافة المستوطنين بعجز جيش الكيان عن حماية المستوطنين، لاسيما وقد فشلوا في حماية منزل رئيس وزرائهم في مكان إقامته الأكثر حماية ما يدفعهم إلى النزوح عن الشمال باتجاه الجنوب.
ويشير إلى أن المقاومة اللبنانية مازلت متمسكة بأهدافها المتمثلة في تحويل مدن ومستعمرات العدو إلى مدن ومستعمرات أشباح خالية من السكان تماماً كما هو حال مستعمرتي كريات شمونة والمطلة على الحدود.
ويجزم حردان أن قادة العدو يدركون جيدا أنهم عجزوا عن حماية المستوطنات وتأمينها من صواريخ ومسيرات المقاومة وباتوا يدركون أيضا فشل منظوماتهم الدفاعية في حماية المستوطنات، وهو ما دفعهم إلى الاعتراف بأن قصف منزل نتنياهو فشل أمني كبير جدا، ما دفعهم إلى اتخاذ إجراءات أمنية استثنائية لحماية المسؤولين الصهاينة السياسيين والعسكريين.
ويشدد حردان بأن تطبيق المقاومة استراتيجية «إيلام العدو» التي أعلن عنها نائب أمين عام حزب الله سماحة الشيخ نعيم قاسم في إطلالته الثالثة، تأكيد على تعافي حزب الله من الضربات التي وُجهت له، واستعادته زمام المبادرة، وإظهار قدرته على الردّ وبقوة على الجرائم الصهيونية، وتدفيع العدو الثمن الكبير.
ويرى أن المقاومة تملك القدرة على إعادة فرض المعادلات الردعية على أساس أمن اللبنانيين مقابل أمن المستوطنين، والتهجير بالتهجير، والاغتيالات بالاغتيالات، والتصعيد بالتصعيد والمقاومة في الميدان في مواجهة جيش العدو.
ويخاطب حردان العدو الصهيوني قائلاً: أردْتَها حرب استنزاف للمقاومة وعليك من الآن فصاعداً تحمّل الكلفة العالية لهذه الحرب، وها هي المقاومة تثبت أنها تملك القدرات على تحويل الكيان كله إلى ساحة حرب يفتقد فيه المستوطنون وقادة العدو إلى القدرة على التجوّل، وتجعلهم يختبئون في الملاجئ.
من هنا فإنّ نجاح المقاومة في ضرب منزل نتنياهو، بعد الهجوم على قاعدة غولاني، شكل تحوّلاً جديداً في مسار الحرب، أكدت فيه المقاومة أنها تملك القدرات الكبيرة والنوعية على مقارعة العدو واستهدافه أينما كان بحسب ما يقوله حردان.
ويضيف “وهو أمر يحصل لأول مرة في تاريخ الصراع العربي الإسرائيلي ويكشف أن كيان العدو ليس كليّ القدرة والجبروت وأنه عندما تتوافر مقاومة تملك استراتيجية متكاملة للمواجهة وتعمل على توفير مستلزماتها تستطيع أن تغيّر معادلات الصراع، وأن تفرض إرادتها، وتبرهن للعدو والصديق، أنها عندما تقول تفعل، وأنها عندما تعلن «ارقبوا الميدان»، كما قال بيان غرفة عمليات المقاومة، فإنّ رجال المقاومة ينفذون ما قاله سيد المقاومة قبل استشهاده، «ما ترون لا ما تسمعون»”.
ويصف حردان قصف منزل المجرم نتنياهو بالحدث الكبير الذي أدهش العالم بصورة لم يسبق لها مثيل وذلك لأنّ المقاومة أثبتت جرأة منقطعة النظير على تحدّي العدو.
حزب الله لم يلجأ بعد لاستخدام أسلحته النوعية
بدوره يؤكد رئيس مركز الشرق الأوسط للدراسات العميد الركن الدكتور هشام جابر أن الجميع يترقب استخدام حزب الله أسلحة جديدة لم تُستخدم بعد، مشيرا إلى أن الحزب لم يلجأ بعد لاستخدام بعض الأسلحة المتوفرة لديه مثل صواريخ أرض بحر والصواريخ الباليستية والصواريخ المضادة للطائرات، معتبرا أن ذلك “يؤكد أننا أمام مرحلة جديدة من التصعيد”.
ويؤكد جابر في حيث خاص للجزيرة أن التكتيكات العسكرية لحزب الله لن تشهد تحولات جذرية وأنه سيواصل اعتماده على أسلوب “حرب العصابات” من خلال استدراج “العدو” إلى العمق وتنفيذ غارات وكمائن محكمة، مؤكدا أن تطور التكتيكات العسكرية يعتمد على الميدان والتطورات اليومية.
ويوافقه في ذلك الباحث في العلاقات الدولية والمحلل السياسي علي مطر وذلك بتأكيده أن حزب الله يسير وفق مراحل متعاقبة، حيث تمحورت المرحلة الأولى -التي تلت أحداث الاغتيالات- حول استعادة السيطرة في الميدان، فبدأت باستهداف المستوطنات الشمالية وصولًا إلى حيفا، مع توجيه رسائل متعددة إلى إسرائيل، بالإضافة إلى الضربة القوية في قاعدة بنيامينا، والتي كان لها تأثير كبير على مراحل الحرب الحالية ومراحل الميدان.
ويقول مطر في حديثه للجزيرة: أن حزب الله وباستمراره في استراتيجياته، يواصل استهداف مناطق مثل صفد، مستخدمًا الطائرات المسيّرة والصواريخ، بما في ذلك أسلحة نوعية مثل “قادر1″ و”قادر2” إلى جانب بعض الصواريخ غير المعلنة.
ويعتقد المحلل السياسي أن “الحزب يسعى في المرحلة الحالية إلى زيادة “إيلام العدو” حيث يخطط لاستهداف مستوطنات جديدة بالشمال وضواحي تل أبيب، وقد يصل إلى قلب تل أبيب نفسها، كما يضيف أن “العدو هو من بدأ هذا العدوان وشمل المناطق اللبنانية، مما يجعله يتحمل تكاليف باهظة نتيجة الاستهدافات المتزايدة”.
ويلفت مطر إلى أن “أهداف الكيان في إعادة المستوطنين لن تتحقق، وإنما سيستمر نزوح آلاف المستوطنين من المناطق الشمالية نحو حيفا”.
ويشير إلى أن هناك نحو مليون إلى مليوني شخص إسرائيلي يعيشون بجوار الملاجئ، مع تفاقم معاناتهم بسبب الاستهدافات المتكررة “وبذلك، يبدو أن المرحلة المقبلة ستتسم بهذه الصورة”.
مفاجآت حزب الله
وفي السياق ذاته يرى الخبير العسكري العميد حسن جوني أن البيانات الصادرة عن حزب الله تقدم إطارا عاما للعمليات الدفاعية التي ينفذها على مختلف الأصعدة، برا وبحرا وجوا، موضحا أن بيانات حزب الله تكشف تفاصيل حول استراتيجيات الدفاع وشكل المعركة، بما في ذلك كيفية استخدام الوسائل العسكرية والصواريخ.
ويؤكد في حديثه لوسائل إعلام لبنانية، أن بيانات غرفة العمليات التابعة للمقاومة تثبت وقوع إصابات في صفوف “العدو الإسرائيلي”، سواء من حيث القتلى أو الجرحى، مع ذكر أرقام محددة تتعلق بالمعارك والاشتباكات، وتبرز أيضا نية حزب الله الدخول في مرحلة جديدة تصعيدية، تتضمن احتمالية استخدام أسلحة جديدة مثل الصواريخ الاستراتيجية.
ويعتقد جوني أن هناك احتمالية لاستهداف مناطق وأهداف حساسة ذات أهمية للأمن القومي الإسرائيلي، على شكل عمليات مفاجئة خاصة باتجاهات غير متوقعة، ويرجح أن تشمل هذه العمليات أيضًا جوانب أخرى مثل العمليات البحرية، مما يشير إلى أن الحزب يستعد لمفاجآت جديدة.
ووفقا للخبير العسكري، فإن الهدف النهائي هو تطوير معادلة الردع، مما يعني أن احتمالات التصعيد ستستمر، بغض النظر عن الاتجاه الذي ستأخذه الأحداث، “وبالتالي، فإن المعركة لا تزال قائمة، وتستند رؤية حزب الله في إدارتها على إستراتيجية طويلة الأمد، تتضمن تدرجًا في استخدام القوة وتطوير القدرات، مما يضمن دائمًا إمكانية تحقيق المفاجآت”.
من جهته يقول الكاتب الصحفي المصري أحمد جمعة: ” بنى الكيان الإسرائيلي وجوده منذ عقود طويلة، على الإرهاب بالقتل وسفك الدماء فى عمليات هجومية غادرة ينقل بها المعارك والعمليات العسكرية إلى خارج حدوده ليحقق انتصارات خاطفة كانت تستغرق أياماً وربما ساعات قليلة بطريقة الضربة القاضية من الجولة الأولى، مستفيدًا من تفوقه العسكري وخاصة السلاح الجوي والذى تضمنه له الولايات المتحدة الأمريكية ومعها الغرب الذى يفتح مخازن سلاحه لإسرائيل دونما قيد أو شرط، وتحجبه عن دول الجوار وحدث ذلك فى حرب 1967 واجتياح لبنان والعدوان المتكرر على غزة والضفة”.
ويضيف في مقال له نشر في جريدة الجمهورية “خلال تلك الضربات الخاطفة كانت إسرائيل تحقق أهدافها التي خططت لها ولكن مع الوقت تغيرت المعادلة واستفادت جبهات المقاومة وطورت من قدراتها للمواجهة وضربت نظريته العسكرية بضربات استباقية نوعية مثلما أعلنت حركة حماس أن عملية طوفان الأقصى كانت ضربة استباقية للعدو الذي كان يستعد لعملية شاملة ضد غزة للقضاء على المقاومة الفلسطينية”.
ويتابع “لتدخل تلك الحرب في غزة عامها الثاني دونما توقف ودون أن يحقق الكيان الإسرائيلي أهدافه التي أعلنها بالقضاء على حماس واستعادة الأسرى ووضع خطط إدارة غزة على طريقته وهواه، ودون توقف المقاومة عن تنفيذ عملياتها وتلقين جنود العدو دروسها قاسية رغم سقوط عشرات الآلاف من المدنيين قتلى وجرحي”.
ويرى جمعة أن الحال نفسه يحدث في لبنان التي كان الكيان الإسرائيلي يجتاحها ليقتل الآلاف ويدمر مدنها وصولاً إلى العاصمة بيروت ولكن هذه المرة ظهر حزب الله بعباءة مختلفة، وأخذ يفاجئ الكيان الإسرائيلي بقصف المدن بمئات الصواريخ الباليستية ويسقط العشرات يومياً بين قتلى وجرحى ليؤكد أن معادلة الصراع اختلفت وتبعثرت الأوراق كثيراً بحيث لا تستطيع القيادة الإسرائيلية ومعها جيش مدجج بأحدث الأسلحة الفتاكة من التقدم شبر واحد فى جنوب لبنان بعد مرور أكثر من خمسة عشر يوماً.
ويختتم جمعة مقاله بالقول: “الكيان الإسرائيلي المتخبط والغارق في وحل غزة التي لا تزال المقاومة تنفذ عمليات نوعية فى الشمال والجنوب وتدمر آليات وتسقط العديد من جنوده قتلى وجرحى يومياً، كان يعتقد أن مهمته ستكون سهلة في لبنان ولكن مفاجآت حزب الله التي نجحت إسرائيل في اغتيال الصف الأول من قياداته، تذهل الكيان الإسرائيلي فللمرة الأولى منذ عشرات السنين يتعرض قلب الكيان الإسرائيلي وعاصمته لصواريخ حزب الله التي تشكل نزيفاً كبيراً لاقتصاده وعناصر جيشه، في تطور جديد أسماه نائب الأمين العام لحزب الله أنه مرحلة إيلام العدو كقاعدة جديدة فرضتها المقاومة الفلسطينية واللبنانية على العدو ووضعته في زاوية ضيقة يتلقى فيها ضربات قاتلة”.