{وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلاً} أليس هذا يحكي كلام الظالم في الآخرة، في يوم الحساب؟{يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلانًا خَلِيلاً}(الفرقان: 27-28) أليس هو يتلهّف ويتحسّر على تلك الصداقة التي أقامها مع فلان في الدنيا؟ وكان ممن يضله {لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي}(الفرقان: 29) أليست هذه حسرة شديدة؟ تصور لو أن الواحد منا يتصور أنه هو من يقول هذا. أليست هذه ندامة شديدة وحسرة كبرى؟
{الأَخِلاَّءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلاَّ الْمُتَّقِينَ}(الزخرف: 67) أخلاؤك المتقون هنا مَن ترتبط بهم، من تجالسهم، من تهتدي بهم، من تقف مواقفهم من المتقين، هم من سترى نفسك يوم القيامة أكثر حبًّا وأكثر وداً وأكثر علاقة بهم، وترى أنك كنت في نعمة عظيمة أن ارتبطت بأولياء من أولياء الله.
لكن كل صداقة ستتحول إلى عداء يوم القيامة، كل ولاء، كل تقديس في هذه الدنيا، وكل تصفيق، وكل تأييد سيتحول – إذا لم يكن هنا في الدنيا على حق – سيتحول كله في الآخرة إلى عداء {وَمَن يَعْشُ عَن ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ (36) وَإِنَّهُمْ لَيَصُدُّونَهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُم مُّهْتَدُونَ (37) حَتَّى إِذَا جَاءَنَا قَالَ يَا لَيْتَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ بُعْدَ الْمَشْرِقَيْنِ فَبِئْسَ الْقَرِينُ}(الزخرف: 36-38).
قل هنا في الدنيا، قل هنا في الدنيا، لا تنتظر حتى تقول هذه يوم القيامة: {يَا لَيْتَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ بُعْدَ الْمَشْرِقَيْنِ} ليت أني لم أعرفك، ليت أن بيني وبينك بُعْدَ المشرقين، بُعْد ما بين المغرب والمشرق فلا أعرفك ولا تعرفني، فبئس القرين، بئس القرين، لكن {وَلَن يَنفَعَكُمُ الْيَوْمَ إِذ ظَّلَمْتُمْ أَنَّكُمْ فِي الْعَذَابِ مُشْتَرِكُونَ}(الزخرف: 39) ما ينفعك أن تقول: (ليتني كنت…، وليتنا كنا…) كلها انتهت، أصبحتم مشتركين في العذاب جميعاً. فهذا التمني لا يخفف شيئاً من آلامك، وهذا التمني لا يزيد في عذاب قرينك الذي أضلك.
{قَالَ قَرِينُهُ رَبَّنَا مَا أَطْغَيْتُهُ وَلَكِن كَانَ فِي ضَلاَلٍ بَعِيدٍ (27) قَالَ لاَ تَخْتَصِمُوا لَدَيَّ وَقَدْ قَدَّمْتُ إِلَيْكُم بِالْوَعِيدِ (28) مَا يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ وَمَا أَنَا بِظَلاَّمٍ لِّلْعَبِيدِ}(ق: 27-29) أن تجلس أنت وقرينك (هو الذي أضلني، هو الذي كذا، هو الذي كذا) هذا ليس وقته الآن {قَدَّمْتُ إِلَيْكُمْ بِالْوَعِيدِ} كان ينبغي أن تعرف وأنت ما زلت في الدنيا، اعرفْ كيف تختار القرين الصالح الذي لا يضلك، الذي سيقودك إلى الهدى. ماذا سينفعك أن تقول: {يَا لَيْتَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ بُعْدَ الْمَشْرِقَيْنِ فَبِئْسَ الْقَرِينُ}(الزخرف: 38) لا تنفعك في الآخرة. هنا في الدنيا ستنفعك: أن تبتعد عن قرناء السُوء وجلساء السُوء كالبعد ما بين المشرق والمغرب.
صوَّر القرآن الكريم هـذه الحالة وهـي من أسـوأ الحالات بصور متعددة وشخصها تشخيصاً واضحـاً، نجد صورة منها فيما بين القرناء كأفراد، وفيما بين الفرقاء، فريق المستكبرين وفريق المستضعفين الذين كانوا أتباعاً {وَإِذْ يَتَحَاجُّونَ فِي النَّارِ}(غافر: 47) يتخاصمون ويتجادلون، وكـل شخص يحاول أن يحجّ الآخر أو كـل فئة تحاول أن تحجّ الأخرى، فتثبت أنها هي السبب فيما وصل إليه الجميع.
{وَإِذْ يَتَحَاجُّونَ} لكن أين يتحاجّون؟ في النار، قد صاروا كلهم في النار {فَيَقُولُ الضُّعَفَاءُ لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا} الضعفاء: الأتباع الذين كانوا يؤيدون ويصفقون ويباركون للمستكبرين للكبار مِن زعماء السُّوء، مِن المضلين {إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعًا} نحن كنا أتباعاً لكم في الدنيا، وكنا نفديكم بأرواحنا، وكنا نعمل لكم كذا وكذا، وكنا، وكنا.. إلى آخره {فَهَلْ أَنتُم مُّغْنُونَ عَنَّا نَصِيبًا مِّنَ النَّارِ}(غافر: 47) تدفعون عنا نصيباً من النار، أو تحاولون بأي طريقة أن يحصل تخفيف علينا من النار {قَالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُلٌّ فِيهَا} ماذا نعمل لكم؟ كلنا الآن قد أصبحنا فيها {إِنَّ اللَّهَ قَدْ حَكَمَ بَيْنَ الْعِبَادِ}(غافر: 48).
يقول الناس أيضاً ممن لا يحققون لأنفسهم صحة ولائهم هنا في الدنيا، فيتأثرون بالدعايات، يتأثرون بالتطبيل، يتأثرون بتنميق القول، بزخرفة الآخرين؛ فيتولّون هكذا ويتبعون هكذا إتباعاً عشوائـيًّا: {يَوْمَ تُقَلَّبُ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ يَقُولُونَ يَا لَيْتَنَا أَطَعْنَا اللَّهَ وَأَطَعْنَا الرَّسُولاَ (66) وَقَالُوا رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءَنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلاَ}(الأحزاب: 66-67) وجهاءنا، مشائخنا، زعماءنا، الذين كانوا مضلين، نحن أطعناهم في الدنيا {فَأَضَلُّونَا السَّبِيلاَ} ولكنا أصبحنا لا نملك شيئاً، لا نملك إلا أن نقول لشدة ألمنا مما وقعنا فيه، وحسرتنا التي نعاني منها، إذا كان بالإمكان: {رَبَّنَا آتِهِمْ ضِعْفَيْنِ مِنَ الْعَذَابِ وَالْعَنْهُمْ لَعْنًا كَبِيرًا}(الأحزاب: 68).
لاحظوا في أكثر من آية، ليس أمامهم إلا أن يطلبوا أن يزيد الله تلك الطائفة التي أضلتهم، أو ذلك الشخص الذي أضلهم، أو ذلك القرين الذي أضله أن يزيده عذاباً، يقول لهم: المسألة واحدة: {لِكُلٍّ ضِعْفٌ} {رَبَّنَا آتِهِمْ ضِعْفَيْنِ مِنَ الْعَذَابِ} أعطهم مثلنا مرتين أو أكثر {وَالْعَنْهُمْ لَعْنًا كَبِيرًا} أليسوا أولئك الذين قالوا عنهم: {إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعًا} هم من كانوا يؤيدونهم، هم من كانوا يدافعون عنهم، هم من كانوا قد لا يسمحون بالسب لهم ولا يسمحون لأحد أن ينالهم بكلمة جارحة، هم من كانوا ينطلقون جواسيس لهم في الدنيا، أولئك لشدة حسرتهم هم من سيقولون: {رَبَّنَا آتِهِمْ ضِعْفَيْنِ مِنَ الْعَذَابِ وَالْعَنْهُمْ لَعْنًا كَبِيرًا}(الأحزاب: 68).
هنا في الدنيا العنهم، هنا في الدنيا تبرأ منهم، هنا في الدنيا ابتعدْ عنهم، كل هذه الآيات تنبِّهنا على أن نصحح موقفنا هنا في الدنيا؛ لأن من المحتمل أن يكون هذا، أو هذا، أنت، أو أنت، أو ذاك، أن يكون ممن يقول هذا: {رَبَّنَا آتِهِمْ ضِعْفَيْنِ مِنَ الْعَذَابِ وَالْعَنْهُمْ لَعْنًا كَبِيرًا} لأن سادتنا وكبراءنا هي تبدأ من عند الوجيه الذي في قريتك، من عند عميد أسرتك، كبير قريتك، كبير القبيلة، كبير الشعب الذي أنت فيه، كبير الأمة التي أنت منها. هم سادتنا وكبراؤنا، هم أضلونا السبيلا. هل تحدَّث الله سبحانه وتعالى في هذه الآيات عن أنه قبل عذراً (نحن لم نكن نفهم، لم نكن ندري، لم نكن، لم نكن… إلى آخره)؟ الضال والمضل كلهم في جهنم.
حول هذه الآية: {قَالَ ادْخُلُواْ فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِكُم مِّن الْجِنِّ وَالإِنسِ}(الأعراف: 38) ثم قوله: {قَالَتْ أُخْرَاهُمْ لأُولاَهُمْ رَبَّنَا هَـؤُلاَءِ أَضَلُّونَا} مع هذه الآيات الأخرى ونحن لم نستكمل نقل الآيات الأخرى هي كلها تنبيه لكل واحد منا: أن تلك الصرامة التي ستبدو منه في الآخرة، وذلك الوعي الذي سيبدو منه في ذلك اليوم في أرض المحشر أو في قعر جهنم فَلْيَبْدُ منك الآن في الدنيا: وعيك، صرامتك، موقفك القوي، تلعن الضال، تبتعد عنه، لا تؤيده، تعمل على قهره هنا في الدنيا، وإلا فستكون أنت من يقول هذه العبارات: {رَبَّنَا آتِهِمْ ضِعْفَيْنِ مِنَ الْعَذَابِ وَالْعَنْهُمْ} تلعنهم حيث لا ينفع.
إن هذا القرآن هو نور، ينير لنا الطريق، هو هدى يهدينا إلى كيف نقف المواقف الصحيحة، لا تظن أنها قضية سهلة، من أول خطوة تقف فيها مع قرين لك، مع صديق لك، انظر ربما قد يكون هذا الصديق ممن تأتي يوم القيامة فتقول: {يَا لَيْتَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ بُعْدَ الْمَشْرِقَيْنِ فَبِئْسَ الْقَرِينُ} انظرْ في: مَن تصاحب، مَن تُطيع، مَن تتولى، مَن تؤيِّد، وإلا فستكون أنت ممن يندم يوم القيامة. نعوذ بالله أن نكون ممن يندم، نعوذ بالله أن نكون من النادمين. أسأل الله سبحانه وتعالى أن نكون من المهتدين في الدنيا إلى ما فيه نجاتنا في الدنيا والآخرة إنه على كل شيء قدير.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته،،،
[الله أكبر/ الموت لأمريكا / الموت لإسرائيل/ اللعنة على اليهود / النصر للإسلام]