أفق نيوز | قضية مهمة جداً: أن نعرف أن هناك وعداً ووعيداً في الدنيا، إضافة إلى الوعد والوعيد في الآخرة، وكما أسلفت في أثناء درس من الدروس: أن جهلنا بهذه النقطة، جهلنا بأن هناك وعيداً على كل عمل نقترفه، على كل طاعة نقصر فيها، على كل واجب نفرط فيه، على كل أمر إلهي لا نستجيب له، أن هناك وعيداً.
تقصيرنا في فهمنا لهذه القضية هو ما جعلنا نجهل وضعيتنا التي نحن فيها؛ لنعرف أن ما نحن فيه هو عقوبة لتفريط حَدَثَ منا، لتفريط حصل منا فيما يتعلق بأوامر الله سبحانه وتعالى، جَهِلْنَا هذا حتى آل الأمر إلى أن أصبحنا نتعبد الله سبحانه وتعالى بالبقاء على وضعية هي في واقعها عقوبة! والعقوبة أساساً هي للازدجار، ليرتدع الإنسان، ليخاف.
فلماذا نظل في حالة هي عقوبة على تفريطنا؟! ثم نقول لأنفسنا: هكذا حال الدنيا! الدنيا هكذا يكون حالها، يكون فيها بلاوي مصائب، وأهل الحق يكونون هكذا مستضعفين، مستذلين، مساكين، وهكذا. فنحمِّل المسؤولية الله، أو نحمل المسؤولية الدنيا!.
الأشاعرة يقولون: هذا كله من الله هكذا؛ لأنه ملك يعمل ما يريد، حسناً هل هذه عقوبة فلنفهمها إذا كانت من الله إذاً فهي عقوبة؟ أو هي ماذا؟ أو كان هذا هو حال الدنيا، هل أن الدنيا بطبيعتها هي تنتج هذه الأوضاع؟ أو أن الدنيا هي مرتبطة بالله؟ الله هو الذي يدبر أمورها، {وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ}(هود: من الآية123) فهل هو الذي طبع هذه الدنيا على أن تكون على هذا النحو المزعج؟! أن يعيش فيها أولياؤه أذلاء مستضعفين أن يعيش فيها أولياؤه مقهورين مغلوبين على أمرهم، أن يعيش فيها الحقُ الذي أراد أن يحكم هو عبادَه في هذه الدنيا أن يعيش فيها ضائعاً غائباً، وأن يكون الباطل هو الذي يسود ويعاني الناس الأمرين من سيادة الباطل وانتشار الفساد؟! هل هو الذي طبع الدنيا على هذا النحو؟!. حاشى لله.
الله هو الذي خلق كل شيء على أجمل ما يمكن أن يكون {الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ}(السجدة: من الآية7) {لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً}(هود: من الآية7) {إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ}(الإسراء: من الآية9) {اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ}(الزمر: من الآية23) كل عمل من جانب الله كله أحسن، أحسن… إلى آخره.
نسينا أن ننظر إلى واقعنا هل هو واقع خزي أم واقع عزة؟ ـ لو سألنا أنفسنا ـ ما هو؟ أليس واقع خزي؟ أن يتهددنا رئيس أمريكا، يتهدد العالم الإسلامي بكله حكومات وشعوبا، أن يمتد تهديده إلى أن يصل إلى حكام المسلمين فينطلقون هم يهددون المسلمين بتهديداته: [توقفوا عن أن تقولوا كلمة تجرح مشاعر اليهود والنصارى.]!.
إذا كان هذا هو واقع خزي فإن الله ذكر الكثير في القرآن الكريم: أن ذلك إنما يحصل للعاصين، إنما يحصل للمفرطين، {لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ}(البقرة: من الآية114) بل أصبحت المقاييس معكوسة، والفهم مغلوطا: الناس الذين ينظرون إلى وضعيتهم في هذه الدنيا وضعية شقاء، وخزي، وذلة، بعد أن جعلوا أن هذا هو الشيء الذي طبعت به الدنيا من قبل خالقها، أو من أي جهة كان: أن هذه مرحلة مؤقتة فلنصبر عليها، وسنحصل على الرفعة، والعزة، والنعيم، والمكانة العظيمة في الجنة، في الآخرة!!.
مع أن الله يربط في القرآن الكريم: {لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ} تكررت أكثر من مرة يتحدث عن العقوبات في الدنيا، ويتحدث عن الوضعية السيئة في الدنيا أنها تنذر بمثليها وأعظم منها في الآخرة، فمن أين جاء لنا نحن هذا؟.
أو عندما نرى أنفسنا تحت أقدام اليهود والنصارى: أن الصبر على ذلك هو نفسه الوسيلة لأن نحظى بالعزة والرفعة في الآخرة؟.. لا.. بل أقرب ما يمكن أن يكون الأمر هو: أن الله ربط بين الشقاء في الدنيا والشقاء في الآخرة، فإذا كنت شقيا في الدنيا فاحذر أنك قد تكون شقيا فعلا في الآخرة، إذا كانت هذه الأمة تعيش ذليلة، مقهورة مهزومة، تعيش في حالة خزي في الدنيا، فلتحذر أن ذلك ينذر بأن وراء ذلك عذابا عظيما في الآخرة {لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ}.
{قَالَ اهْبِطَا مِنْهَا جَمِيعاً بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدىً فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلا يَضِلُّ وَلا يَشْقَى}(طـه:123) لاحظوا الربط:{وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً}(طـه: من الآية124) ثم ماذا؟ ثم ندخله يوم القيامة الجنة؟! ربط بين الشقاء في الدنيا، بين ضنك المعيشة وبين الشقاء في الآخرة {فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى}(طـه: من الآية124).
من أين جاء هذا الفهم لكثير من المرشدين، لكثير من علمائنا أيضاً؟ أن ننتظر بعد الخزي في الدنيا، بعد الذل في الدنيا، بعد الشقاء في الدنيا، وهو شقاء ليس في إطار عمله في سبيل الله، بل لا يسمى ذلك شقاء عناء ليس في مجال عمله في سبيل الله له، وفي ميادين العمل لله، خزي وذل وشقاء، ومعيشة ضنكا، هكذا بدون مقابل في الدنيا، لا من أجل جهد بذلناه في سبيل الله، ولا من أجل مواقف عظيمة وقفناها ضد أعداء الله.
بل لا يحصل وأنت تقف المواقف ضد أعداء الله، لا يحصل ضدك ما تعتبره خزياً وإن كان ـ من وجهة نظر الآخرين ـ إذلالاً لك، وخزياً لك، وأنت تعاني من أجل الحق فهذا ليس خزياً، أنت من ينظر إليك أعداؤك حتى وأنت في زنازينهم في السجون ينظرون إليك كبيراً، وعظيماً وقوياً، وتكون كذلك عند نفسك قويا، وعظيما، وكبيرا. ليس هذا.
الشقاء الذي نحن فيه، الخزي الذي نحن عليه كمسلمين، المعيشة الضنكى التي نحن نعاني منها مقابل ماذا هي؟ هل هناك شيء؟ إنها هي التي تأتي لمن أعرض عن ذكر الله {فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً}.
فلماذا يأتي الكثير فيقولون: [إن شاء الله بعد هذه الحياة نصير إلى الجنة، هذه دنيا نصبر على هذه الحالة وهي أياما وتنتهي ثم ندخل الجنة]؟ لماذا لا تتأملون الربط الخطير جداً بين الشقاء في الدنيا وبين الشقاء في الآخرة؟{فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيراً قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى} (طـه:126). {وَكَذَلِكَ}(طـه: من الآية127) أي: وهكذا يكون{نَجْزِي مَنْ أَسْرَفَ وَلَمْ يُؤْمِنْ بِآياتِ رَبِّهِ}(طـه: من الآية127). شقاء في الدنيا، وعمى، وعذاباً، وخزياً في الآخرة.
تكرر في آيات كثيرة في القرآن الكريم، الحديث عن الوعيد يبدأ من الدنيا وينتهي في الآخرة، يكون هنا في الدنيا بأشكال متعددة، عقوبات تأتي بأشكال متعددة منها ما هي عقوبات معنوية، ومنها ما هي عقوبات مادية، ومنها ما هي آلام نفسية، ومنها ما يتمثل بقسوة في القلوب، لها أشكالها الكثيرة.
[الله أكبر/ الموت لأمريكا / الموت لإسرائيل/ اللعنة على اليهود / النصر للإسلام]