أفق نيوز
الخبر بلا حدود

رمضان محطة هدى وبلوغ تقوى

160

دينا الرميمة

 

بعد غياب دام عاماً، مجدّدًا عاد الضيف الكريم كعادته، وما بين مغادرته وعودته مررنا بالكثير من الأحداث التي أتخمت قلوبنا بالمآسي، لا سِـيَّـما ونحن في صراع دائم مع قوى الشر التي لا تزال تمعن وتتفن في إيذائنا بحروب عسكرية سواء علينا كشعب يمني أَو على أهلنا في غزة وفلسطين وسائر أرضنا العربية، أَو بحربهم الناعمة علينا كأمة إسلامية، لا شك أن الكثير تأثر بها وتلوثت عقولهم، وهذا ما يجعلنا نتساءل عن حال صحائفنا كيف أصبحت بعد أن عزمنا في رمضان السابق أن نملأها بصالح الأعمال وحاولنا جاهدين ألَّا نلوثها بسيء الفعل، إلَّا أننا بلا شك ندرك أننا مقصّرون.

 

لكن معية الله لا تزال تهدينا الفرص السانحات منها شهر رمضان يحل علينا ضيفاً كريماً حاملاً عطايا من الرحمن تضاعف الأجور وتستجاب فيها الدعوات، التي تجنبنا العقوبة الإلهية، وتمحي الزلل وتغير حياتنا إلى الأفضل، ولا ينالها إلا من أحسن استقباله فيدخل في ضيافة الرحمن.

 

فشهر رمضان له طقوسه التي تميزه عن بقية الشهور، كونه شهرًا أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان، أي أنه معيار للحق والباطل، وهو شهرُ الإحسان، وشهرُ الرضوان شهر الجهاد، شهر توبة وتسامح تُفتح فيه أبواب الجنان، منها باب يدخل منه الصائمون يسمى الريان، هو شهر تُغلق أبواب النيران، ويُصفد فيه كُـلّ شيطان، وفيه ليلة هي خير من ألف شهر!!

 

بالتالي مخطئ من يعتقد أن الاستعداد لرمضان يكون بتوفير متطلبات البطن الجائعة من أكل وشرب ومتطلبات القلوب الغافلة بما تعده لها قنوات التلفزة من مسلسلات وبرامج للترفيه عن النفس كما يحسبون، فيقضون نهاره نياماً وليله بإشباع البطن والنفس بشهواتها، وهنا يفوتهم ما لهذا الشهر من عظيم الخير وفرص الغفران.

 

إنما لكي نحسن استقبال وإكرام هذا الشهر علينا أن ننظر إلى معنى ما يحمله معه من فريضة اختصها الرحمن من بين الفرائض لنفسه فقال بحديث قدسي: «كل عمل ابن أدم له إلا الصوم فَــإنَّه لي وأنا أجزي به».

 

وإذا ما تأمَّلنا في معنى الصوم من حَيثُ نَظَرنا إليه، هو عتقُ النَّفسِ الإنسانيةِ مِن كُـلّ رِقٍّ: من رِقِّ الحَياةِ ومَطالِبِها، ومن رِقِّ الأبدانِ وحاجاتِها في مَآكِلِها ومَشارِبِها، من رِقِّ النَّفسِ وشهواتِها، ومن رِقِ العُقول ونوازِعِها، ومن رِقِ المخاوِفِ حاضِرِها وغائبِها.

 

وهنا يكون استقباله كما ذكر السيد عبدالملك -سلام الله عليه- بالاستعداد النفسي والذهني للإقبال على هذا الشهر، وأن لا نتأثر بالحالة الروتينية الاعتيادية، فنستقبله بمتطلبات الروح العطشى للهدى والمثقلة بالهموم، علها تحظى برضا ربها وتصل لمرحلة التقوى غاية الله من هذه الفريضة.

 

وفي هذا يقول الإمام علي -عليه السلام- “صيام القلب عن الفكر في الآثام أفضل من صيام البطن عن الطعام”.

 

علينا أن نعقدها توبة نصوح ونحاسب أنفسنا عن كُـلّ مظلمة وكلّ معصية ونسعى لإصلاح مكامن الخلل في أنفسنا وكبح جماح شهواتها التي تسلبها زكاءها وتضيع الوقت، فنكون في حالة جهاد دائم، ويكون صيامنا صوم البطن والجوارح معاً نستشعر فيه المعنى الحقيقي للصوم، نحافظ على الصلاة المفروضة، ونكثر من النوافل التي تزيد من رصيد الحسنات، ونحيي مساجد الله بالصلاة والذكر وقراءة القرآن بتدبر وخشوع، لا بكم ما نختم، إنما نقف على آياته آخذين منها العبرة، مستلهمين منها مواقع الزلل ومواضع الطمأنينة وما يضاعف الأجور، أيضاً حفظ اللسان وإشغاله بالذكر والدعاء.

 

وتحسس الأعمال التي تخلق التقوى بالإحسان إلى أنفسنا بما يكرمها عند ربها والإحسان إلى من حولنا، والتنقيب عن المحتاجين والأسر المتعففة، لا سيَّما في يمننا الحبيب الذي أنهكته الحرب والحصار وسلبت الكثير أحبائهم ومنازلهم وأرزاقهم وفيها الكثير ممن يحسبهم الجاهل أغنياء من التعفف، أَيْـضًا إخراج الزكاة المفروضة التي تطهر النفس والمال وهي ركن من أركان الإسلام.

 

هنيئاً لأُولئك الصائمين المرابطين بالثغور جهاداً في سبيل الله وذوداً عن دينه وأمته مجسدين سيرة النبي الكريم وغزوة بدر، وهناك حَيثُ هم تجمعت كُـلّ الشعائر في جبهات العزة والكرامة صلاة وصيامًا وجهادًا ببنادقهم التي تسبح في وجه أعداء الله تنكيلًا، هناك على هوى متارسهم، حَيثُ تكمن كُـلّ التقوى فلا ملذات ولا لهو ولا شيء يُغري سوى صوت طلقات الرصاص التي تفجر رؤوس الظالمين، هناك حَيثُ قد لا تسعفهم اللحظات لكسر صيامهم إلا برائحة البارود المنطلق من فوهات بنادقهم.

 

ومنهم من قد يرحل شهيدًا ليفطر هناك، حَيثُ الحياة الأبدية في مقعد صدق عند مليك مقتدر، وهذا هو الفوز العظيم.

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com