أفق نيوز
الخبر بلا حدود

سياسةُ السعودية الاستراتيجية، تقومُ على إفراغ الحَجّ عن محتواه، وأَهْـدَافه، وغاياته ( تقرير شامل )

192

لم يخلُ عامٌ من الأعوام إلّا وفيه مجزرة للحجاج، بدعاوى مختلفة، وأعذار باردة، ما عدا الأعوام التي حَكَم فيها عبدالله بن عَبدالعزيز، فتميّزت بالسلامة للحجاج، وهذا يثير أَكْثَـر من سؤال.

المسؤولون السعوديون حسموا أمرَهم في منع وصول الحجاج اليمنيين إلى الأَرَاضي المقدسة.. العُـدْوَان السعودي على حجاج بيت الله الحرام

يمانيون../

أقلُّ وصفٍ يمكن أن يُطْلَقَ على مملكة “قرن الشيطان” بشأن صَــدِّها حجاجَ اليمن عن المسجد الحرام هو المماطلة، التي هي في المحصّلة صّدٌّ ومنع عنه، حيث طالما لعبوا على الوقت وتجاهلوا الخطابات الرسمية اليمنية بشأن هذه القضية.

وإذا أطلق أحد مسؤوليهم تطمينا هنا، جاء آخر بسيل من التشكيكات والعراقيل هناك، فسمعت منهم وكالات الحج أخباراً متناقضة، ووجدوا عراقيلَ كثيرة، كلها تشير إلى أن مسؤولي هذه المملكة قد حسموا أمرهم في منع وصول الحجاج اليمنيين إلى الأَرَاضي المقدسة، وها نحن في الأيام الأخيرة، ولمّا يتم حتى الآن ترتيب طرق وآليات لدخول الحجاج لأداء شعيرة تُعتبر من أهم الشعائر العبادية وركناً هاماً من أركان الإسلام.

ذلك ما كتبتُه كمقدمة لمقالة في العام الماضي عن ذات الموضوع، وها نحن اليوم يمكننا أن نكرر المقولة نفسها، فتتعدد المعاذير السعودية الوهابية لكن الصد عن المسجد الحرام واحد، سواءٌ أكان بوضع الاشتراطات المعيقة والمستحيلة، أَوْ بإطلاق الوعود الكاذبة، أَوْ بافتعال المجازر بحق الحجاج الأَبْريَاء ضمن تصفيات سياسية، وطموحات صبيانية، كما حدث في مجازر الحج العام الماضي، بإسقاط الرافعة، وتدافع منى، وكذلك بتسييس الحج، ومنع الحج عن كُلّ دولة وشعب لا يروقان للسعودية، وجعل الأماكن المقدسة شبّاكا لصيد المعارضين والمنتقدين لسياساتها، وكذلك بإهمال تنظيم الحجيج وتركهم عرضة للتدافع والازدحام ولغيرها من العوامل والأسباب التي بإمْكَان أيَّةِ دولة مهما ضَعُفَت إمْكَاناتها أن تتفاداها.

إفراغُ الحج من محتواه

هذا علاوة على سياسة السعودية الاستراتيجية، التي تقوم على استراتيجية إفراغ الحج عن محتواه، وأَهْـدَافه، وغاياته، من خلال منع الحجاج عن البراءة من المشركين، أَوْ التنديد بسياسات أَمريكا، ولم يقتصر الأمر على إفراغ الحج الذي هو في الأساس المؤتمر الأعظم للمسلمين سِيَاسيًّا ووحدوياً وثقافياً واجتماعياً، بل إنهم سخروا منابرَ الحرمين وقدسيتها في قلوب المسلمين لتحقيق أَهْـدَاف هذا المشروع الاستعماري، حيث حَوّلوا هذا المؤتمر الأعظم من مؤتمر لوحدة المسلمين إلى مؤتمر للتفريق بينهم، وتكفيرهم، وتضليلهم وتبديعهم، وقتلهم، وإضفاء المشروعية لجرائمهم التي يخزى حتى الخزي أن ينسبَها لنفسه، تفريق وتمزيق من قبل شيوخ الدين الوهابيين الذين أصاخوا سمع العالم بنعيقهم العالي بخطورة بعض المسلمين، ولكنهم صم بكم عن خطورة المعتدين في فلسطين والعراق وغيرها من بلدان المسلمين.

 

وجوهٌ عابسة تصُــدُّ عن ذكر الله

ما إن تطأ أرضَ الحرمين الطاهرة أقدامُ الوهابيين السعوديين إلّا ويحولونها إلى مناحات سنوية، إما بتكفيرهم للمسلمين، وانتهاك حرماتهم، وأعراضهم، أَوْ بتعمد قتل بعضهم، أَوْ بإهمال إدارتهم الإدارة المناسبة، أَوْ حتى بمضايقاتهم الحكومية الرسمية في الروضة والمنبر والبقيع وفي الزيارات، وأينما يولِي الحاج وجهه يجد أماماً في كُلّ ركن وزاوية وجها عبوساً قمطريراً، تنسدل من حافته السفلية لحية مبهطلة، وتخرج من تحت حاجبيه عينان مزورتان، ترسل نظرات حارقة مارقة ملؤها الكراهية والحقد الذي لو يمكن وزنه لرجح رضوى وثبير، وجوه تكفهر في وجهِ كُلّ مسلم فرِح بنعمة الله عليه بتيسير وصوله إلى تلك الأماكن المقدسة، ومن تحت فكي أولئك المطاوعة يخرج الشرر المستطير، والكذب المبير، والتكفير الخطير، لمعظم المسلمين، ويترصدون في كُلّ مكان لكل من لا يروق لهم تعاليمهم الممقوتة، وأدبياتهم الداعشية.

الحج.. على طريقة سلفهم

في سنة 1220هـ / 1806م احتل (سعود الأول بن عبدالعزيز بن محمد بن سعود) الحجاز بالتعاون مع الأتراك العثمانيين وارتكب فيه أنواع الجرائم فيها غير عابئ بقدسيتها، وكان بعضها مضحكاً، ومبكياً، وشر البلية ما يضحك، فقد منع على المصريين والسوريين والعراقيين أن يحجوا، بحجة أنه يخشى منهم وأنه لا يعجبه إسلامهم.

لقد صد الأمير الوهابي الحجاج عن بلوغ بيت الله الحرام، حيث سأل أميري الحج المصري والشامي قائلاً: (ما هذه العويدات التي تأتون بها وتعظمونها؟) “ويقصد بذلك المحمل المصري والمحمل الشامي”، فأخبراه بقولهما: “إن هذه العويدات هي المحمل المصري والشامي! وهي عادة قديمة جارية اتخذت لتجميع الناس والحجاج حولها متكتلين متحدين ضد قطاع الطرق ولصد العُـدْوَان”.

لكنه هددهم بكسر المحمل، وحرقه، وأضاف مشترطاً عليهم شروطاً ضرورية للقبول بهم حجاجا في العام القابل، وهي:

أولاً: أن لا تحلقوا لِحاكُم.

ثانياً: أن لا تذكروا الله بأصوات عالية، أَوْ تنادوا بقولكم “يا محمد”.

ثالثاً: أن يدفع كُلّ حاج منكم جزية قدرها عشرة جنيهات من الذهب.

رابعاً: أن يدفع أمير الحج المصري والسوري كُلُّ منهم عشر جواري وعشرة غلمان لون أبيض كُلّ سنة”.

هذه هي شروط الأمير الوهابي السعودي بنسخته الداعشية القديمة على حجاج الشام ومصر، كما أوردها ناصر السعيد في تأريخ آل سعود، ولا أستبعد صحة جميع تفاصيلها؛ فهذه هي العقلية والنفسية الداعشية التكفيرية، في نسخها الأولى، ولا فرق بينها وبين النسخ المتكاثرة اليوم.

ويؤكد السيد زيني دحلان في تأريخه هذه الرواية، ويذكر أنه كان من نصيب المحمل المصري في تلك السنة – التحريق، بأمر سعود، ونادى مناديه بأن لا يأتي بعد ذلك العام حليق الذقن، تاليا قوله تعالى: (إنما المشركون نجس فلا يقربوا المسجد الحرام بعد عامهم هذا..)، قال دحلان: فانقطع مجيء الحاج الشامي والمصري.

وبالفعل في عام 1221هـ منع سعود هذا أمير الحج الشامي من الحج، فرجع حجاج الشام تلك السنة من غير حج بعد أن وصولوا إلى المدينة المنورة. وقد أقر المؤرخ النجدي الوهابي ابن بشر بمنع صاحبه للحاج الشامي ومن يأتي من جهة استانبول وصدِّهم في تلك السنة من الحجاج.

وعلى ضوء ذلك يبدو أن أهالي مصر والشام واليمن قد امتنعوا عن الحج كلياً طيلة ست سنوات حتى تحرير الحرمين الشريفين من سيطرتهم في عهد محمد علي باشا لاحقاً على يد ولده إبراهيم، حيث قضى على الأسرة التكفيرية سِيَاسيًّا في مهدها.

لِمَ الاستغرابُ من مجازر الأعراب؟

اليوم نحن اليمانيين لا نستغرب هذا المنع لحجاجنا من هذه المملكة الشيطانية؛ لأنه ليس أَكْثَـر سوءاً من هذه المجازر بحق أَطْفَـال اليمنيين ونسائهم والتي اخضلّت بدمائهم الزكية هذه البلاد شرقاً وغرباً وشمالاً وجنوباً، مجازر سيتحدث التأريخ عنها بحروف الحزن والأسى، ويستعيدها ضمن صفحات الخزي والعار لشعوب العالم عموماً والعالم الإسلامي خصوصاً، كما لا نستغربها أيضا؛ لأن هذه المملكة الشيطانية تأسست على أنهار من دماء حجاجٍ أَبْريَاء قضوا على أيدي جنودها في مجزرة تنومة عام1922م، وهم في طريقهم إلى الأَرَاضي المقدسة.

مجزرةُ تنومة.. جرس موت الحجاج المبكر

كان يمكن للوعي الإسلامي أن يتخذ من مجزرة تنومة بحق حجاج اليمن، منطلقاً لتحرير الأماكن المقدسة من هذه العصابة المفسدة في الأَرْض، تلك الجريمة المروعة التي ارتكبها آل سعود بحق حجاج اليمن، حيث قتلوا ما يقارب الـ 3000 حاج يمني، في ما عرف بمجزرة تنومة عام1922م الموافق 1340هـ، في منطقة عسير بين بلاد بن لسْمر وبن لحْمر، لما انقضّت عليهم مجموعات تكفيرية (داعشية) من جيش عبدالعزيز آل سعود في رؤوس الجبال المطلة على الوادي، يقال لهم الغُطْغُط، بقيادة التكفيري الوهابي سلطان بن بجاد العتيبي، وهم عزل من السلاح، ومعهم نساء، فتقربوا إلى الله بزعمهم بقتل هؤلاء الحجاج اليمنيين جَميْعاً رجالا ونساء؛ لأنهم بحسب عقيدتهم كفار مباحو الدماء والأعراض، ولما قتلوهم هنَّأ بعضُهم البعضَ الآخر بكثرة من قُتِل من الحجاج، فمن قتل حاجًّا واحدا بشّروه بقصرٍ في الجنة، ومن قتل اثنين بشَّروه بقصرين، وهكذا. وبعد ذلك سطوا على دوابهم وقافلتهم التي كانت تحمل الحبوب والدقيق والسمن واحتياجاتهم التموينية التي كانت أَيْـضاً سببا في سيلان لعاب هؤلاء الوهابيين التكفيريين.

وقد نحت مملكة قرن الشيطان باللائمة على بعض فرق جيشها تضليلا للرأي العام وتنصلا من عار وشين الجريمة المروِّعة أمام العالم الإسلامي، لكن القاضي العلامة الحسين بن أحمد بن محمد السياغي في كتابه (قواعد المذهب الزيدي) – والذي كان أبوه العالمُ والمدرِّسُ في الجامع الكبير بصنعاء أحدَ شهداءِ هذه المجزرة – يلخِّص تعامل الملك عبدالعزيز مع هذه القضية بقوله: “استفتح الملك عبدالعزيز الحجاز بقتلهم، وباء بدمائهم وأموالهم، ولم يتخلّص منهم إلى أن توفي”.

قضى في هذه المجزرة خيرة أعلام اليمن، وممن استشهد فيها السيد العلامة الحسين بن يحيى حورية المؤيدي، والسيد العلامة محمد بن يحيى شريف الضحياني، والسيد العلامة يحيى بن أحمد بن قاسم حميد الدين، والحاج حسين القريطي والد الشيخ المقرئ محمد حسين القريطي رحمهما الله، الذي ولد في نفس العام، والحاج محمد مصلح الوشاح، أحد أهالي صنعاء، والحكيم الطبيب حمادي بن سعد التركي، يقول صاحب كتاب سيرة الإمام يحيى حميد الدين: “وقلّ أن تخلو قرية من قرى اليمن عن مصاب بعض أهلها بين هؤلاء الحجاج”، وأخبرني الأستاذ علي بن محمد الذاري رواية عن العلامة محمد بن إسماعيل العمراني، أنه قال: “إنه لم يخل بيت في أنحاء اليمن من (المعدِّدة)”، والمعددة هي التي تندب الشهداء وتبكيهم.

ومن دون شك فقد كان ذلك المصاب أعظم صدٍّ وصرْفٍ نفّذه آل سعود ضد حجاج بيت الله، ويبدو أنه قد صدَّ اليمنيين عن الحج في تلك الأعوام القريبة التالية، وربما استمر حتى اتفاقية الطائف عام 1934هــ؛ إذ نعرف أن مندوب الإمام يحيى السيد حسين بن عبدالقادر كان قد اشترط وجوب تسوية مسألة الحجاج قبل كُلّ شيء، لما جاءت وفود عبدالعزيز لدعوة الإمام يحيى بإرسال مندوب عنه في المؤتمر الإسلامي عام 1926م. وعمّ السخط والحزن أرض اليمن، وبعد حوالي أربع سنوات وصل الرحالة نزيه مؤيد العظم إلى اليمن فوجد الحزن والأسى يعم اليمنيين، ورأى علامات الحقد الشديد ظاهرة على أسارير وجوههم، وهناك ما ينص صراحة أن اليمنيين امتنعوا عن تأدية فريضة الحج بعد ذلك، وهذا ما يؤكد انصداد اليمنيين عن الحج في تلك الأعوام.

وقد رثى شهداء تلك المجزرة المهولة الشعراء والأعيان، وعلى رأسهم القاضي العلامة المؤرخ الجغرافي محمد بن أحمد الحجري، وقال القاضي العلامة يحيى بن محمد الإرياني، والد الرئيس الأسبق القاضي عبدالرحمن الإرياني:

جنيت على الإسلام يا ابن سعودٍ      جنايةَ ذي كُفْرٍ به وجحودِ

جناية من لم يدر ما شرعُ أحمد        ولا فاز من عذب الهدى بورود

ولما حضر الموتُ السيدَ العلامة يحيى بن علي الذاري رحمه الله أسِف على أمرين لم يوفّق فيهما، وهو أنه لم يقاتل الصهاينة في فلسطين، والثاني أنه لم يجاهد آل سعود اقتصاصا لشهداء مجزرة تنومة، وكان قد فاض ألما في شعره عليهم، فنظم قصيدة حماسية وملتهبة بروح الإباء، ومنها قوله:

ألا من لطرف فاض بالهملان *** بدمعٍ على الخدين أحمرَ قانِ

بما كان في وادي تنومة ضحوةً *** وما حلّ بالحجاج في سدوان

من ابن سعودٍ والخوارجِ قومِه *** على غير ما جُرْمٍ جنَتْه يدانِ

عن البيت ذي الأستار صدُّوا وفودَه *** وباتوا بطُرْقِ الغيِّ في جوَلان

ولم يرقبوا إلّا ولا ذمّة لهم *** ولا واجباً من حُرمةٍ وأمان

أحلوهُمُ قتلا وسلبا وغادروا *** جسومَهُمُ صرعى تُرَى بعِيان

ليبكِهِمُ البيت العتيقُ وطيبةٌ *** وزمزمُ والتعريفُ والعَلَمانِ

وتبكِهِمُ تلك المشاعرُ عن يدٍ *** وتبكِهِمُ الأملاكُ والثقلانِ

لذا لبس الإسلام ثوب حداده *** وناح ونادت حاله بلسان

لقد أحرز الحُجَّاجُ خيْرَ شهادة *** وفازوا بحورٍ في الجِنانِ حِسانِ

وآب كلابُ النار شرُّ خليقة *** إلى سقَرٍ تسعى بهمْ قدَمان

يصدون عن المسجد الحرام وعن أَهْـدَاف الحج العظام

هذا العام هو الثاني على التوالي إذ تصد مملكة قرن الشيطان حجاج اليمن، ومنذ 2011م وهي تمنع الحجاج السوريين من الحج، وخلال نوبات مختلفة تعرض الحجاج المصريون والأتراك للمنع، وعقب أزمة لوكربي بين أَمريكا وليبيا في التسعينات تم منع الحجاج الليبيين من الحج بضغوط أَمريكية وبريطانية وفرنسية على حد قول العقيد معمر القذافي؛ الأمر الذي دفعه لاتخاذ قرار أخرق قضى بتوجيه بعض الليبيين إلى الحج (السياحة) إلى المسجد الأقصى المحتل، وأعلنت إسرائيل ترحيبها بذلك، وأما مجزرة الحجاج الإيرانيين في عام 1979م فهي فضيحة مدوية، لم تتفوق عليها إلّا مجازر 2015م/ 1426هـ بسبب إسقاط الرافعة في الحرم المكي، ثم تسبّب ولي ولي العهد المشؤوم بتدافع آلاف الحجاج بعد أن تم توجيه سيول بشرية منهم في اتجاهات متعاكسة، أدى إلى تدافعهم ودعس بعضهم بعضا، لكي يمر سربٌ طويل من السيارات الفارهة يمتطيها أمير مهفوف، لا يبالي بحياة الناس ولا كرامته.

لم يخلُ عامٌ من الأعوام إلّا وفيه مجزرة للحجاج، بدعاوى مختلفة، وأعذار باردة، ما عدا الأعوام التي حكم فيها عبدالله بن عَبدالعزيز، فتميزت بالسلامة للحجاج، وهذا يثير أَكْثَـر من سؤال.

الصد عن المسجد الحرام يأتي في ذات السياق الذي تبذل فيه مملكة قرن الشيطان جهودا كثيفة وسعيا حثيثا في إفراغ الحج من أَهْـدَافه وغاياته التي تمثل تجسيدا حيا للوحدة الإسلامية والكيان العالمي الموحد حيث مؤتمر المسلمين السنوي، ووجوب إظهار براءتهم وهم في خِضم هذا المشهد الأسطوري من أعداء الله الذين يناقضون المشروع الإلهي في الأَرْض، لكن مملكة قرن الشيطان تستخدِمُ منابرَ الحرمين الشريفين للتفريق بين أتباع الأمة الإسلامية، ولتحريض بعضها على البعض الآخر، وتمنع كُلّ من يحاول إعلان البراءة من أعداء الله والمستكبرين في الأَرْض، الذين أذاقوا أمة الإسلام سوء العذاب، أَمريكا وإسرائيل. وسيستمر الوضع على هذا النحو ما دامت هذه الأسرة المرتبطة بالاستعمار ومشاريعه الهدامة والمفرقة تحكم سيطرتها على تلك الأماكن الطاهرة.

من المسؤول.. ولماذا؟

في العام الماضي دافعت أبواق يمنية من أبواق النفاق عن السعودية متهمةً من سموهم الحوثيين بعرقلة الحج، لكن منشورا على الفيسبوك بتأريخ 16 يوليو الماضي للمدعو فؤاد بن الشيخ، الوزير المعين من الخائن هادي كشف أن السعودية هي من عرقلت وتعرقل الحج بمماطلتها، مذكرا إيانا أنها (أي السعودية) في العام الماضي فتحت معبر الوديعة لمدة ثلاثة أيام في أول أيام الحجة بعد طول مماطلة، لمن صادف أنه موجود في المنفذ. وهذا بالطبع لن يناله إلّا قلة قليلة من اليمنيين، وأغلبهم ممن ترضى عنهم السعودية.

على أنه يجب أن يعلم الجميع أن منع الحجاج اليمنيين من أداء هذه الشعيرة يأتي في سياق العُـدْوَان السعودي الأَمريكي على هذا الشعب العربي المسلم والمتدين، وهو مظهر من مظاهر العُـدْوَان الذي لا ينفصل عنه بأي حال من الأحوال، وسلاح حقير تستخدمه السعودية ضد اليمن ممثلة في حجاجها، وهو أَيْـضاً وجه آخر من وجوه القبح التي ظهر عليها نظام مملكة قرن الشيطان، والتي كشفت سوءتها اليوم بشكل سافر أَكْثَـر من أي وقت مضى، وليست هذه هي المرة الأولى التي يتم فيها تسييس الحرمين الشريفين من قبل السعوديين، فهي تمنع حجاج سوريا لمدة خمسة أعوام، وتمنع حجاج إيران لهذا العام، وكله تسييس قبيح للمشاعر الحرام، وفي أعوام سابقة عند تدهور العلاقات بين قطاع غزة وهذه المملكة تم منع حجاج القطاع؛ الأمر الذي حدا بأحد أعضاء المجلس التشريعي عن حماس إلى إطلاق تصريحات مندِّدة بآل سعود، وسبق ذلك منع الحجاج الليبيين الذين كان نظامهم على خلاف دائم مع آل سعود، وبات من المؤكد أن السعودية في هذا العام أَيْـضاً تمضي في عرقلتها للحجاج اليمنيين وصدهم عن الوصول إلى البيت الذي جعله الله للناس أمنا، وجعلهم فيه سواءً العاكفَ فيه والباد، حيث لا شرعية أبدا لأي إجراء يتم فيه منع أَوْ عرقله الحجاج من أي مكان قدموا؛ حيث جعل الله حق البادي – وهو النائي عن مكة وممن ليس من أهلها – مثل حق العاكف فيها، سواء بسواء.

وما كانوا أولياءَه

من مصلحة آل سعود أن يقلّبوا اليوم صفحة التأريخ القريبة، وأن يستشعروا أنهم سيخرجون من الباب الذي دخلوا منه، فتحديدا في عام1924م أشاع والدُهم عبدالعزيز آل سعود ملك نجد أن حاكم الحجاز آنذاك الشريف الحسين بن علي قد منع حجاج نجد من دخول مكة، فعقدوا مؤتمرا في الرياض حضره أعيان ومطوّعة وقادة نجد، وقرروا وجوب إعلان الجهاد ضد من صدّ عن بيت الله الحرام، وبهذه الذريعة تم لهم اجتياح واحتلال الحجاز والحرمين الشريفين.

نهايتهم في الحرمين الشريفين لن تكون أحسن من نهاية كفار قريش لمّا صدوا المسلمين بقيادة الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم عن البيت الحرام في السنة السادسة للهجرة، فاعتبره القرآن خطيئة تضارع خطيئة الكفر، وموجباً لإسقاط ولايتهم الواقعية على البيت الحرام، بالإضافة إلى سقوط ولايتهم الشرعية أصلاً، وسبباً موجِباً لتعذيبهم من الله؛ (وَمَا لَهُمْ إلّا يُعَذِّبَهُمُ اللّهُ وَهُمْ يَصُدُّونَ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَمَا كَانُواْ أَوْلِيَاءهُ إِنْ أَوْلِيَآؤُهُ إلّا الْمُتَّقُونَ وَلَـكِنَّ أَكْثَـرهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ)، واعتبره إلحاداً ظالماً يستحق صاحبه عذابا أليما، (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ الَّذِي جَعَلْنَاهُ لِلنَّاسِ سَوَاء الْعَاكِفُ فِيهِ وَالْبَادِ وَمَن يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ).

عليهم أن يتذكَّروا أنه عند إغلاق أبواب البيت الحرام أمام القلوب التي تهوي إليه، يكون الله قد أذن لعباده المؤمنين بفتحه والدخول إليه آمنين، وجعله سببا لفتح مكة، ألم يقل الله تعالى: (لَقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيَا بِالْحَقِّ لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِن شَاء اللَّهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُؤُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ لَا تَخَافُونَ فَعَلِمَ مَا لَمْ تَعْلَمُوا فَجَعَلَ مِن دُونِ ذَلِكَ فَتْحاً قَرِيباً)، لقد كان صدُّ الكفار للمسلمين عنه فتحا مبينا لمكة وللبيت الحرام على يد المسلمين.

حَجُّنا.. إلى أين؟

في ظل هذا العُـدْوَان السعودي الأَمريكي البشع الذي يستهدف الأَطْفَـال والنساء بالدرجة الأولى يجب أن نحج جَميْعاً إلى جبهات العزة والشرف، يجب أن نلبس أكفان الموت، وننوي الإحرام بالجهاد الفاعل، وأن نطوف مع الجيش واللجان الشعبية حيث ما طافوا، ونسعى بين صفا حاجاتهم، ومروة عدتهم وعتادهم، وأن ننطلق للمرابطة والوقوف مع الأبطال على صعيد الجبهات، وكل الجبهات مشعر حرام، في نهم، أَوْ تعز، أَوْ مأرب، أَوْ الجوف، أَوْ جيزان، أَوْ نجران، أَوْ عسير، لا يصح حجنا إلّا بالمبيت والمرابطة فيها، ويجب أن نجمع بين الجهادين المال والنفس، والكلمة والموقف، وأن نرمي في كُلّ يوم معسكرات إبليسهم الرجيم، ومواقع شيطانهم النجدي بما تيسر من زلزا3، أَوْ توشكا، أَوْ سكود، أَوْ بما يبدعه اليمنيون، مما لا نعلمه من فصيلة (والقادم أعظم) ويفي بالغرض.

هذا هو حجنا الذي يجب أن نحجه هذا العام، وفي كُلّ عام يشبه ظروفه، بلا وداع للجبهات، ولا كلل من المشاركة فيها، وعاقبة التخلف عن هذا الحج العظيم هو الوقوع في السخط الكبير، والعاقبة الأثيمة، التي لن تكون إلّا مثل عاقبة عدن، وحضرموت، وبيت الرميمة، وبيت الصراري.

علينا العملُ.. ومن الله التوفيق

ستستمر هذه المملكة في المضي في طريقها الشيطاني في الصد عن الحج، وتسييس الحرمين الشريفين، وتوظيف قدسيتهما في الترويج للمشروع التمزيقي التدميري للأمة الذي يتّسق والمشروع الأَمريكي في المنطقة، وفي إفراغ الحج عن محتواه، وعقاب الله لهم آتٍ لا محالة، تلك سنة الله وناموسه الحكيم، قال الله تعالى: (وَمَا لَهُمْ إلّا يُعَذِّبَهُمُ اللّهُ وَهُمْ يَصُدُّونَ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَمَا كَانُواْ أَوْلِيَاءهُ إِنْ أَوْلِيَآؤُهُ إلّا الْمُتَّقُونَ وَلَـكِنَّ أَكْثَـرهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ)، وهذا ما يتطلَّب من الشعوب الإسلامية أن تتحرّك لتحرير الحرمين الشريفين ضمن حركةِ تحرُّرٍ عالمية تسعى لتخليص جميع الأماكن المقدسة من دنس أدوات أَمريكا سواء في فلسطين أَوْ في الحجاز، ويعيد التذكير بأهمية وضع المقدسات الإسلامية تحت إدارة إسلامية شعبية مهنية لا تخضع للحسابات ولا الضغائن السياسية، دعك من الخضوع للإملاءات الأَمريكية، وتكون وظيفة تلك الإدارة هو توفير أجواء الحرية العبادية التي كفلها القرآن الكريم لجميع حجاج بيته الحرام القادمين من كُلّ فج عميق.

آن للشعوب أن تتحرك في عصرها، آن لها أن ترفض احتكار آل سعود للأماكن المقدسة، وأن تسعى لأن تكون تحت إدارة إسلامية شعبية مهنية مستقلة لا تتبع أي نظام سياسي قائم، ولا تحمل سوى هدف تيسير منافع الحجاج وتوفير أجواء الذكر والعبودية الخالصة لله في تلك الأيام المعلومات التي يتهيأ فيها الحاج نفسيا وسلوكيا وعقليا واجتماعيا لإعادة ضبط نفسه على أساس المعايير الإلهية الفطرية، فطرة الله التي فطر الناس عليها، بعيدا عن أجواء المشاحنات والصراعات السياسية، فيعود بعد حجه المبرور (كيوم ولدته أمه) كما ورد في الأثر الشريف على صاحبه وآله أفضل الصلاة والسلام.

====

عناوين فرعية

  • سياسةُ السعودية الاستراتيجية، تقومُ على إفراغ الحَجّ عن محتواه، وأَهْـدَافه، وغاياته، من خلال منع الحجاج عن البراءة من المشركين، أَوْ التنديد بسياسات أَمريكا وَسخروا منابر الحرمين وقدسيتها في قلوب المسلمين لتحقيق أَهْـدَافِ هذا المشروع الاستعماري وحوّلوا هذا المؤتمرَ الأعظمَ من مؤتمر لوَحدة المسلمين إلى مؤتمر للتفريق بينهم، وتكفيرهم، وتضليلهم وتبديعهم، وقتلهم، وإضفاء المشروعية لجرائمهم التي يخزى حتى الخزي أن ينسبها لنفسه.
  • نحن اليمانيين لا نستغربُ هذا المنعَ لحجّاجنا من هذه المملكة الشيطانية؛ لأنه ليس أَكْثَـر سوءاً من هذه المجازر بحق أَطْفَـال اليمنيين ونسائهم والتي اخضلّت بدمائهم الزكية هذه البلاد شرقا وغربا وشمالا وجنوبا، مجازر سيتحدث التأريخ عنها بحروف الحزن والأسى، ويستعيدها ضمن صفحات الخزي والعار لشعوب العالم عموما والعالم الإسلامي خصوصاً.
  • حيث قُتلوا ما يقارب الـ 3000 حاج يمني، في ما عُرف بمجزرة تنومة عام 1922م الموافق 1340هـ، في منطقة عسير بين بلاد بن لسْمر وبن لحْمر، لما انقضّت عليهم مجموعات تكفيرية (داعشية) من جيش عبدالعزيز آل سعود في رؤوس الجبال المطلة على الوادي، يقال لهم الغُطْغُط، بقيادة التكفيري الوهابي سلطان بن بجاد العتيبي، وهم عزل من السلاح، ومعهم نساء، فتقربوا إلى الله بزعمهم بقتل هؤلاء الحجاج اليمنيين جَميْعاً رجالاً ونساءً؛ لأنهم بحسب عقيدتهم كفار مباحو الدماء والأعراض
  • في ظل هذا العُـدْوَان السعودي الأَمريكي البشع الذي يستهدف الأَطْفَـال والنساء بالدرجة الأولى يجب أن نحج جَميْعاً إلى جبهات العزة والشرف، يجب أن نلبس أكفان الموت، وننوي الإحرام بالجهاد الفاعل، وأن نطوف مع الجيش واللجان الشعبية حيث ما طافوا، ونسعى بين صفا حاجاتهم، ومروة عُدَّتِهم وعَتَادِهم، وأن ننطلقَ للمرابطة والوقوف مع الأبطال على صعيد الجبهات، وكل الجبهات مشعر حرام، في نهم، أَوْ تعز، أَوْ مأرب، أَوْ الجوف، أَوْ جيزان، أَوْ نجران، أَوْ عسير، لا يصح حجنا إلّا بالمبيت والمرابطة فيها.
    – صدى المسيرة- حمود عبدالله الأهنومي
WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com