الأمم المتحدة , و البند ” السادس ” من أهداف الثورة اليمنية الخالدة ..! (تحليل)
156
Share
محمد أحمد الحاكم
((نحن شعوب الأمم المتحدة وقد آلينا على أنفسنا ” أن ننقذ الأجيال المقبلة من ويلات الحرب التي في خلال جيل واحد جلبت على الإنسانية مرتين أحزاناً يعجز عنها الوصف، وأن نؤكد من جديد إيماننا بالحقوق الأساسية للإنسان وبكرامة الفرد وقدره وبما للرجال والنساء والأمم كبيرها وصغيرها من حقوق متساوية … الخ ” )) هكذا بدأت شعوب العالم ديباجة قرارها الأممي في إنشاء منظمة دولية تعني بحفظ الأمن و تحقيق السلام الدوليين , وكافة الحقوق و الحريات الإنسانية الأساسية بلا إستثناء , وإعادة صياغة و ترتيب و تنظيم العلاقات الدولية في صورتها الودية في ضل تفعيل مبدأ التعاون الدولي بين شعوب العالم المختلفة .
من هذه ” الديباجة ” بنت الأمم المتحدة مبادئها و ميثاقها الأممي لتعبر في مضمونها العام وثيقة عهد أممية لكل شعوب ودول العالم تلزمها العمل في إطارها وتحت ظلاها , كحل وحيد يحفظ لشعوب ودول العالم أمنها و إستقرارها المستديمين , قاطعة بذلك سُبل و أسباب تدهور الأوضاع و تفاقم الأزمات بشتى صورها و أنواعها .
لقد جسدت الثورة اليمنية الخالدة في السادس و العشرين من سبتمبر من العام ألف و تسعمائة و إثنان و ستون ميلادية , أسمى صورة من صور الإلتزام الشعبي و الرسمي اليمني لكل المبادئ و المواثيق و القوانين التي رسمت صورة الأمم المتحدة و نظمت كيانها وعلاقاتها فيما بينها و بين كافة أعضاءها , من ناحية , وبين كافة أعضاءها مع بعضهم البعض من ناحية أخرى .
فمثلما كانت مقاصد و مبادئ قيام الأمم المتحدة قد تبلورت في وجوب تحقيق ” حفظ السلم والأمن الدولي … ، وفقاً لمبادئ العدل والقانون الدولي، لحل المنازعات الدولية التي قد تؤدي إلى الإخلال بالسلم أو لتسويتها ” بالإضافة إلى ” إنماء العلاقات الودية بين الأمم على أساس احترام المبدأ الذي يقضي بالتسوية في الحقوق بين الشعوب وبأن يكون لكل منها تقرير مصيرها، وكذلك اتخاذ التدابير الأخرى الملائمة لتعزيز السلم العام ” في ضل ” تحقيق التعاون الدولي على حل المسائل الدولية ذات الصبغة الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والإنسانية وعلى تعزيز احترام حقوق الإنسان والحريات الأساسية للناس جميعاً والتشجيع على ذلك إطلاقاً بلا تمييز بسبب الجنس أو اللغة أو الدين ولا تفريق بين الرجال والنساء” أتت الثورة اليمنية الخالدة لتعلن مدى تجسيد والإلتزام بتلك المبادئ الأممية جملة و تفصيلا , فكان بندها السادس من بنود أهداف ثورتها الصورة الكاملة و الواحدة للمبادئ و المواثيق الأممية , و التي أكدت فيه على وجوب ” إحترام مواثيق الأمم المتحدة و المنظمات الدولية و التمسك بمبدأ الحياد الإيجابي , وعدم الإنحياز والعمل على إقرار السلام العالمي و تدعيم مبدأ التعايش السلمي بين الأمم ” .
لقد أستطاع الجانب الشعبي و الرسمي اليمني طيلة الخمسة العقود الماضية التي تلت الثورة اليمنية الخالدة من ضرب أروع صور الثقافات المنظمة للعلاقات البينية فيما بينها و بين شعوب و دول العالم , إنطلاقاً من مبدأ حسن نيتها في إحترام مواثيق الأمم المتحدة و الإلتزام بقوانين المنظمات الدولية التابعة لها بحيادية مطلقة , في إطار سعيها الحثيث نحو تحقيق السلام و الإستقرار العالميين , بهدف الوصول الى مستوى عالً من مستويات التعايش السلمي بين الأمم , وبما يكفل لها الوصول الى تحقيق الحصول على كل الحقوق والمزايا المترتبة على صفة العضوية في هذا المنظمة .
على الرغم من مستوى ذلك الإلتزام اليمني تجاه ما تضمنته تلك المبادئ الأممية , نجد بأن الأمم المتحدة لم تستطع الإيفاء في تحقيق أي نقطة من نقاط مبادئها تجاه اليمن خاصة في ضل ما تعانيه اليمن مؤخراً أرضاً و إنساناً من إنتهاكات دولية صارخة غير مبررة , طالت كل شيء فيها من مقومات الحياة الإنسانية و الثقافية .
هناك عدة متغيرات مباشرة و غير مباشرة , رسمت مدى التناقض بين المبادئ و المواثيق الشكلية التي أنشأت من أجلها الأمم المتحدة مع التطبيق الفعلي لتلك المبادئ , و التي يمكن إسقاطها على الأزمة اليمنية الأخيرة و التي رسمت ملامحها دول العدوان و من ورائها الأمم المتحدة و التي يمكن إيجازها في ما يلي:-
* الصورة الغير مباشرة .
لقد أكدت الأمم المتحدة في معرض مبادئ و مواثيق إنشاءها على ضرورة ” احترام المبدأ الذي يقضي بالتسوية في الحقوق بين الشعوب وبأن يكون لكل منها تقرير مصيرها” إلا أننا رأيناها فعلياً قد وقفت حائط صد أمام إرادة و حرية و تطلعات الشعب اليمني, و التي تكللت و أرتسمت هذه الحرية في الواحد و العشرون من سبتمبر ألفان و أربعة عشر ميلادية , و التي أكدت عظمه سعيه بكل قوة في رسم شكل مصيره و مستقبله المنشود كحالة منه مناهضة لما عاناه طيلة أكثر من خمسة عقود من الزمن من الإضطهاد و الحرمان الذي مارسته ضده السلطات المتعاقبة المستبدة , و إلى جانبها التدخلات الأجنبية المختلفة , حيث فرضت على الأحرار اليمنيين صيغة جديدة مغايرة لتلك التطلعات التي كانت قد بدأت تتحقق , عبر تبنيها لما سمي بإتفاق السلم و الشراكة الذي لم يدم طويلاً نتيجة عجزها في منع قوى العدوان من التدخل في الشأن الداخلي اليمني و تحييد هذه الإتفاقية , و التي قد كان ممكن لها أن ترى النور لو لم يأتي ذلك التدخل الأرعن .
* الصورة المباشرة .
بالرغم من أن الأمم المتحدة قد أكدت فرض صيغة ” مبدأ المساواة في السيادة بين جميع أعضائها ” وبأنه في حالة و جود أن نزاع بين أعضاء الهيئة فأنه يتم فضه ” بالوسائل السلمية على وجه لا يجعل السلم والأمن والعدل الدولي عرضة للخطر” مع عدم أحقية أية عضو من أعضاء الهيئة الأممية عند رسم علاقاتهم الدولية من فرض ” التهديد باستعمال القوة أو استخدامها ضد سلامة الأراضي أو الاستقلال السياسي لأية دولة أو على أي وجه آخر ” , إلا أننا وجدناها قد وقفت عاجزة و مشلولة كلياً إن لم تكن ميتة منذ ولادتها في أن تلتزم في تحقيق و إنفاذ أي نقطة من نقاط مبادئها و مواثيقها تلك , فهي لم تستطع منع التدخلات الأجنبية في الشأن اليمني , بصورته المباشرة وما قاموا به من شن عدوان عسكري و إقتصادي و ثقافي و إجتماعي طال أمده الى حد الأن أكثر من عامين , كما أنها عجزت من تحقيق أي أنجاز سياسي تفاوضي رعته بين الأطراف اليمنية خلال فترة العدوان يمكن أن يفضي الى وقف نزيف الدم و إيقاف الحرب و الإقتتال .
هناك صورة أخرى أكدت فيه الأمم المتحدة للعالم عظمة عجزها عن أدنى مستويات المهام و الأدوار المناطه بها , وهو القيام بالدور الإنساني و الإغاثي , فعلى الرغم من تعدد تقارير منظماتها الإنسانية و الغذائية و الحقوقية , التي تواكب سير أحداث الأزمة اليمنية منذ إنطلاقتها , و التي تؤكد في مجملها عن فداحة العدوان و أساليبه الإجرامية , و تحديدها لمستوى و مؤشرات المخاطر الكارثية التي ستدمر العنصر البشري و البيئي و اللازم على المجتمع الدولي حلها سريعاً قبل أن تتفاقم و تشتد وطأتها في حالة إستمرار العدوان و تغاضيهم عنها , إلا أنها وقفت عاجزة تماماً من تخفيف و طأة هذه المعاناة المتفاقمة , عبر فك الحصار الجوي عن مطار صنعاء و البحري عن ميناء الحديدة , تحت نطاق رفدها لهذا الشعب بالمساعدات الغذائية و الطبية و غيرها , و الذي بلغ حدة المستمر الى حد الأن أكثر من عام .
إيجازاً لما سبق نؤكد القول…. بأن الجانب الشعبي و الرسمي اليمني الوطني الحر , قد أستطاع أن يثبت للعالم بأسره مدى قدرته في الإلتزام بمبادئ و قيم و أخلاقيات النظم و القوانين الدولية المنظمة للعلاقات الدولية و الساعية الى فرض السلم و الأمن الدوليين , طيلة أكثر من خمسة عقود تلت ثورته المجيدة , رغم ما تخللتها الكثير من التدخلات الدولية المباشرة و غير المباشرة في شأنه الداخلي , في الوقت الذي لم يسمح لنفسه التدخل في شأن الدول الأخرى , في الوقت الذي أيضاً تؤكد لنا فيه الأمم المتحدة مستوى عجزها القوي نتيجة تناقضها التطبيقي بين ما تحمله من مبادئ وقيم و مواثيق فكرية وبين ما تطبقه على أرض الواقع عند معالجتها لكل القضايا ذات الشأن الدولي منذ إنطلاقتها في العام 1945م , مؤكدة لنا أيضاً و بما لا تدع لنا مجالاً للشك مستوى التبعية الذاتية المطلقة التي وضعت نفسها تحت مظلة الهيمنية الصهيوأمريكية , التي أفقدتها قيمتها المعنوية و الأخلاقية .