.. النص الكامل … لإحاطة ولد الشيخ التي قدمها لمجلس الأمن بشأن اليمن .. أقرأ ماقال
يمانيون -متابعات
حث المبعوث الأممي إلى اليمن إسماعيل ولد الشيخ، اليوم الثلاثاء، أطراف الصراع اليمني على «الانخراط الفوري» في المفاوضات؛ بغية تجنب مزيد من إراقة الدماء، ووقف الانزلاق نحو المجاعة، وإعادة الالتزام بالتوصل إلى نهاية سلمية للصراع.
وقال المسؤول الأممي خلال جلسة بمجلس الأمن الدولي حول الوضع في اليمن، إنه «مع بداية شهر رمضان ينبغي علينا أن نتذكر أن 7 ملايين يمني على حافة المجاعة، وأن ربع سكان اليمن لا يستطيعون الحصول على احتياجاتهم الغذائية».
وأضاف «نصف عدد السكان لا تصل إليهم المياه النقية الصالحة للشرب، ولا الصرف الصحي ولا أدوات النظافة، كما أدى انتشار وباء الكوليرا مؤخرًا إلى وفاة أكثر من 500 شخص وإصابة 60 ألف أخرين في 19 محافظة».
وحذّر ولد الشيخ من مغبة هجوم قوات التحالف العربي على ميناء الحُديدة (غرب اليمن)، وقال إن «انتشار الأعمال العسكرية ووصولها إلى الحُديدة، سيُخلف أثارًا مدمرة على البنية التحتية وعلى أرواح المدنيين».
وفيما يلي نص الاحاطة التي قدمها المبعوث الاممي الى مجلس الامن الدولي حول تطورات الاوضاع في اليمن :
سيدي الرئيس،
شكرا لاعطائي الفرصة لاطلاع مجلس الأمن على أبرز تطورات الملف اليمني.
يستمر العنف في اليمن على عدة أصعدة وتستمر معه معاناة الشعب اليمني. تتركز الأعمال القتالية على الساحل الغربي لمحافظة تعز حيث تحاول القوات التابعة للحكومة الوطنية التقدم في الذباب والمخا باتجاه ميناء الحديدة وداخل مدينة تعز.
وقد أكدت مجموعة من المؤسسات الانسانية بعد جولة تفقدية لها في أوائل شهر نيسان/ أبريل ان ذو باب شبه خالية بسبب دمار البنية التحتية والتخوف من الألغام الأرضية القابلة للانفجار أما في المخا فيقدر أن 40% من المنازل والبنى التحتية تهدمت بسبب الحرب.
كما أن العنف مستمر في محافظة حجة والمنطقة الحدودية بين اليمن والمملكة العربية السعودية. وقد عرفت تعز ارتفاعا في حدة العنف في الفترة الأخيرة خاصة بين 21 و23 أيار/مايو بسبب قصف القوات الموالية لأنصار الله وعلي عبد الله صالح مما أدى الى وفاة وجرح عشرات اليمنيين وتدمير البنى التحتية. وفي هذا السياق نعيد ونكرر أن قصف المناطق المدنية والبنى التحتية يعتبر خرقا أساسيا للقانون الانساني الدولي.
كما أن الغارات الجوية أصابت أيضا مناطق أخرى عديدة في اليمن. ففي 29 آذار/ مارس، أودت غارة جوية في محافظة صعدة بحياة 12 مدني ومن بينهم أطفال وكذلك تم اطلاق صواريخ بالستية على الأراضي السعودية. ان تواصل العمليات القتالية يؤدي الى ازدياد في تسليح لشعب اليمني، تكاثر الأسلحة وانتشار أوسع للألغام الأرضية.
ان ما رأيناه من صور ومشاهد مفجعة من الساحل الغربي ومناطق أخرى من البلاد هو دليل اضافي كيف تستنزف هذه الحرب العباد والبلاد فتقضي على حياتهم وأرزاقهم والبنى التحتية. لا بد أن تتنبه الأطراف لخطورة الوضع وأن تعمل معا للتوصل الى حل سلمي يحد من تفاقم الأزمة السياسية والانسانية.
وفي هذا الصدد، أنا لن أخفي عن أعضاء هذا المجلس الموقر أن رفض كل طرف تقبل الطرف الآخر وتقديم التنازلات أو حتى التباحث بها يبعدنا أكثر فأكثر عن الحل الشامل الذي نسعى اليه، فيما يبقى المواطن اليمني ضحية نزاع لاحول له فيه ولا قوة.
سيدي الرئيس،
مع بداية شهر رمضان المبارك، نذكر أن هناك سبعة ملايين يمني ويمنية مهددون بخطر المجاعة ان لم تتوقف الحرب. ربع اليمنيين غير قادرون على شراء المواد الغذائية الأساسية. نصف المجتمع اليمني لا يحصل على مياه صالحة للشرب، أو على أبسط مستلزمات التعقيم والنظافة وهذا يساهم بانتشار الأمراض المعدية. فانتشار داء الكوليرا مؤخرا أدى الى ما يزيد عن 500 حالة وفاة وأكثر من 60,000 آخرين يشتبه اصابتهم بعدوى الكوليرا في 19 محافظة. ولا شك أن تراجع الخدمات الصحية ساهم في الانتشار السريع لهذا المرض.
وفي الحديث عن القطاع الصحي، ان أقل من نصف المراكز الاستشفائية لا يزال قادرا على العمل بالاضافة لندرة أدوية السكري وارتفاع ضغط الدم والسرطان وغيرها من الأمراض المستعصية . وكما أكدت منظمة الصحة العالمية، فان اليمنيين لا يموتون فقط من الحرب المستمرة، انما هم يموتون أيضا بسبب انعكاساتها. فان نقص السيولة النقدية وانقطاع مصادر رزقهم يمنعهم من الحصول على الخدمات الصحية التي هم بحاجة اليها.
سيدي الرئيس،
لقد تمكنا حتى الآن من منع عملية عسكرية على الحديدة. ان امتداد القتال الى المدينة، لو حصل، لأدى الى خسائر لا تحصى في الأرواح والبنى التحتية والى منع دخول الأدوية والمواد الأساسية عبر ميناء المدينة. ولا شك أن لذلك وحده نتائج وخيمة تزيد من معاناة اليمنيين.
فقد كنت بغاية الوضوح خلال لقاءاتي مع الحكومة اليمنية والقيادات السياسية في صنعاء اذ حثيت الجميع على التوصل الى تسوية للوضع في الحديدة. ومن المؤسف أن الوفد المفاوض لأنصار الله والمؤتمر الشعبي العام لم يحضر للتباحث بتفاصيل هذا الحل التفاوضي الذي يشتمل على ركائز أمنية واقتصادية وانسانية تسمح باستغلال المرفأ لادخال المواد الانسانية والمنتجات التجارية على أن تستعمل الايرادات الجمركية والضريبية لتمويل الرواتب والخدمات الأساسية بدل استغلالها للحرب أو للمنافع الشخصية. فلا شك أن هكذا اتفاق يضمن أمن سكان الحديدة كما يضمن استمرار حصول اليمنيين على المواد الأساسية والسلع التجارية بالاضافة الى أنه سوف يسهل دفع الرواتب.
ان المقترح الذي تقدمت به لتجنب الاشتباكات العسكرية في الحديدة يجب التفاوض عليه بموازاة اتفاق آخر يضمن دفع الرواتب لكل موظفي الدولة في كافة المناطق اليمنية. ان عدم الحصول على الرواتب يؤدي لازدياد نسبة الفقر المدقع ووحده هكذا اتفاق يضع تدابير محددة لوضع كل واردات الدولة المالية، سواء تم تحصيلها في صنعاء أو الحديدة أو أي مكان آخر، لدفع الرواتب والمحافظة على سير الخدمات الحكومية في كل المناطق. وأنا هنا أوجه الدعوة مرة أخرى لجميع الأطراف للتباحث في هذا الاقتراح وبدون أي تأخير. وفي هذا السياق، أعيد وأكرر أن دفع الرواتب لن يكون ممكنا الا بالاتفاق بين الفرقاء اليمنيين وهذا يتطلب تعاونا جديا وبناء بدل وضع اللوم على الأمم المتحدة.
وفي موازاة جهودنا للحد من النزاع، نحن نعمل أيضا على المحافظة على المنظومات والبرامج التي تخدم اليمنيين اليوم وفي المستقبل. ولا بد من شكر البنك الدولي والمملكة العربية السعودية على تنظيم مؤتمر لمناقشة الاجراءات الضرورية لدعم مؤسسات الدولة والاقتصاد اليمني لتمكينه من التعافي والعمل على اعادة البناء في المستقبل القريب. وفي هذا السياق، أحيي جهود البنك الدولي، صندوق الأمم المتحدة للطفولة والهيئات اليمنية المحلية على اعادة احياء نظام المساعدة النقدية المباشرة للعائلات الأكثر عوزا من خلال آليات موجودة أصلا لشبكات الأمان الاجتماعية. ان هذه الآليات ستساهم بتقوية القدرة الشرائية وتحمي آلاف الأطفال من خطر سوء التغذية.
ان المستوردين التجاريين يعانون حاليا من نقص التمويل اللازم للتمكن من متابعة عملهم وتأمين المواد الأساسية. وأنا أرحب بالجهود الرامية لانشاء آلية تمويل تجارية تؤمن للمستوردين التجاريين الحصول على العملة الصعبة التي هم بحاجة اليها لاتمام عملهم. ومن شأن ذلك تسهيل توافر جميع المواد الأساسية في الأسواق اليمنية حاليا ويساهم في مرحلة التعافي الاقتصادي في المراحل اللاحقة. وهذا النشاط ما هو الا جزء محدود من التعاون الوثيق بين البنك الدولي والأمم المتحدة وهو يعتبر سابقة بحد ذاتها من حيث سعة شموله وسرعة المباشرة في تنفيذه. أنا كلي أمل ان تساهم هذه المبادرات في تحسين الوضع الانساني العام في اليمن وتساعد على التعافي بشكل أسرع مع انتهاء الحرب.
ومن المؤسف ان أفق التعافي الاقتصادي والاستقرار ليست بقريبة حاليا، خاصة وأن اليمن لا يزال أرضا خصبة للجماعات المتطرفة حيث أن عمليات القاعدة في شبه الجزيرة العربية تستمر في عدة محافظات ومنها شبوة وحضرموت وعدن والضالع ومأرب. ان غياب الأمن والاستقرار يجعل من اليمن ملاذا آمنا لهذه الجماعات ووحده السلام الدائم سوف يغير هذه المعادلة.
سيدي الرئيس،
أود أن أعبر عن قلقي الشديد بسبب التقارير الواردة من اليمن عن أعمال لقمع الاعلاميين والناشطين الحقوقيين والمجتمع المدني وقد وصل الأمر في بعض الأحيان الى التحرش، الضرب، والاعتقال القسري والمحاكمات العشوائية. فلقد أصدرت محكمة تابعة لأنصار الله والمؤتمر الشعبي العام في 12 نيسان/ أبريل حكم اعدام بحق الصحفي يحيى عبد الرقيب الجبيحي، كما تتلقى جماعة البهائيين تهديدات متزايدة وتتعرض للتوقيف والمداهمة. على الأطراف الالتزام بواجباتهم واحترام المجتمع المدني والسماح لهم بمتابعة عملهم دون أي تمييز ودون التعرض لأي نوع من أنواع الضغط أو التخويف أو التهديد. كما يجب السماح للأقليات الدينية أن تعيش من دون خوف أو اضطهاد.
ومن الضروري الاضاءة على الجهد الجبار والأساسي الذي تقوم به السيدات اليمنيات للمساهمة في حل النزاع ووضع توجه نحو السلام المستديم والمصالحة الوطنية بالرغم من الجو السياسي المشحون بالعنف في البلاد والذي يؤثر على سلامتهن. فخلال زيارتي الأخيرة الى صنعاء، سررت بلقاء سيدات من التوافق النسائي اليمني للأمن والسلام والذي هو على تعاون دائم مع مكتبي، ويضم سيدات من مختلف الأحزاب السياسية بالاضافة الى ممثلات عن المجتمع المدني. ان هذه الاجتماعات التي دعت اليها منظمة الأمم المتحدة للمرأة ركزت على أمور هي في صلب معاناة المواطنين ومنها الأزمة الاقتصادية، دعم مسار التوصل الى حل سلمي بالاضافة الى تفادي هجوم عسكري على الحديدة. وكذلك تطرقت السيدات الى آليات لتفعيل دور المرأة في محادثات السلام وفي تطبيق قرار مجلس الأمن 1325. ان السيدات اليمنيات والمجتمع المدني والقادة السياسيين يجتمعون بشكل دوري للتباحث بمسار السلام ومستقبل البلاد. وفي هذا السياق، أحييي جهود دولة ألمانيا ومنظمة برغهوف لاستضافة هذه الفعاليات لمساعدة اليمنيين على التوافق على توجه سلمي يمهد لمرحلة جديدة ترضي طموح الشعب اليمني.
سيدي الرئيس،
خلال الشهرين الماضيين، مطالبات المحافظات الجنوبية بالحكم الذاتي أصبحت أكثر الحاحا. وذلك يزيد أيضا من ضرورة التوصل الى اتفاق سلام حتى يتمكن اليمنيون من الدخول في محادثات معمقة والعمل على الدستور والاتفاق على آلية عمل لعلاج الشرخ الداخلي الذي حصل في السابق وتضع أسسا بناءة للتعامل مع مخاوف الجميع كما التحضير لانتخابات جديدة تسمح للقيادة السياسية بوضع البلاد على مسار التعافي والازدهار.
ان هذه الحرب قد أرهقت جميع اليمنيين وأثقلت كاهلهم. فلقائي في صنعاء مع مجموعة من الشباب اليمني الناشط أكد لي مرة أخرى قوة وصلابة هذا الشعب العريق و سعيه للانتقال السلمي. فقد تباحثنا في التحديات السياسية والأمنية التي تواجه البلاد بالاضافة الى الأزمة الاقتصادية وتفشي داء الكوليرا. وقد تقدم الشبان والشابات بأفكار عملية تتعلق بضرورة اعادة فتح مطار صنعاء الدولي للطيران المدني ودفع الرواتب وكيفية التعامل مع الأزمة الانسانية والصحية ودعم مسار السلام. ان مطالبات الشبان والشابات محقة، منطقية واقتراحاتهم ملهمة وعملية.
ان اتفاق الحديدة والرواتب كان من المفترض أن يكون الخطوة الأولى باتجاه وقف شامل للأعمال القتالية ومباشرة محادثات السلام الا أن حتى هذه المحادثات الأولية فرض عليها التعثر وكأن هناك من لا يريد لها أن تجري أصلا.
كما أنه من غير الممكن التغاضي عن حادث استهداف موكب الأمم المتحدة الذي أقلني من المطار عند وصولي الى صنعاء في 22 أيار / مايو وأذّكر جميع الأطراف أن أمن وسلامة فريق عمل الأمم المتحدة يقع ضمن مسؤولية السلطات المحلية ومن الضروري التحقيق في الحادث الخطير لتحديد المسؤوليات وتجنب تكراره. الا أن ما حصل، وبالرغم من خطورته، يزيدني اصرارا وعزما على المضي قدما وتكثيف الجهود للتوصل الى حل سلمي شامل يضمن الأمن والاستقرار للشعب اليمني.
أطلب من هذا المجلس الموقر حث الأطراف على التعاون المباشر مع الأمم المتحدة للتباحث حول كيفية انهاء النزاع ووقف هدر الدماء وعدم تعريض المواطنين للمجاعة والأمراض. ان الأزمة الانسانية وشبح المجاعة هما من صنع الانسان وكان من الممكن تفاديهما بينما لا يزال أطراف النزاع آخذين بالبلاد الى الهاوية وغير مكترثين بآلاف المواطنين الذين يخسرون حياتهم علما أن وحدة الصف في المجتمع الدولي لمسار الأمم المتحدة للسلام ساهمت في توضيح الرؤيا للمرحلة المقبلة في التاريخ اليمني.
وفي الختام، أود أن نتذكر معا آلاف اليمنيين واليمنيات الذين خسروا حياتهم من دون أي سبب أو ذنب، أبرياء دفعوا فاتورة حرب الزعماء من أرواحهم. كما نتذكر ملايين اليمنيين الذين يتعرضون للموت في كل لحظة، موت من قنبلة أو رصاصة، موت من الجوع أو من سوء التغذية، باختصار موت من مسببات ممكن تفاديها. كفى نزاعات على السلطة وليكن النزاع من أجل اليمن وبناء وطن حقوق أبنائه محترمة ومحفوظة واقتصاده مستقر ومؤسساته الحكومية فعالة، وطن لليمنيين، كل اليمنيين، كما يستحقه اليمنيون.