عبدالباري عطوان : هذه نظرة أولية على المَشهد اليَمني بعد زِلزال مقتلِ صالح وأركان قِيادته.. التحالف السعودي أمام مأزقٍ صعب
عبدالباري عطوان
بعد مَقتل الرئيس علي عبد الله صالح ومُعظَمِ قادةِ الصّف الأول في حزب المُؤتمر الذي يَتزعّمه، وأبرزهم عارف الزوكا، نائبه، والعميد طارق صالح، ابن شقيقه وقائد حرسه، (ياسر العواضي الرجل الثّالث كان الوحيد بين الناجين)، أصبحت حركة “أنصار الله” الحوثيّة هي القوّة المَركزيّة الرئيسيّة سياسيًّا وعَسكريًّا في اليمن، ومن غير المُستبعد بعد حَسم قوّاتها السّيطرة لصالِحها في العاصمة صنعاء، ومُحافظاتٍ أُخرى، أن تُصبح نُقطةَ استقطابٍ قبليّةٍ وعسكريّةٍ للعَديد من القِوى في اليمن.
حزب المُؤتمر الشعبي العام الذي كان يُشكّل المِظلّة السياسيّة للرئيس الراحل علي عبد الله صالح، باتَ يَقف أمام خياراتٍ صعبةٍ، واحتمالات حُدوث انشقاقاتٍ داخله كبيرة، وإذا صحّت الأنباء التي تقول بأنّ السيد العواضي أمينه العام المُساعد قد يَقود التيّار الأكبر فيه، ويُواصل التّحالف مع تيّار “أنصار الله” والوقوف في خَندقه في مُواجهة العُدوان الذي يَشُنّه التحالف العربي بقِيادة المملكة العربيّة السعوديّة، فإنّ هذا قد يُحبط آمال التّحالف السعودي في إيجادِ قوّةٍ يمنيّةٍ داخليّةٍ مُوازيةٍ للحوثيين، وإضعافِ جَبهتِهم.
الرئيس علي عبد الله صالح ارتكب أخطاءً كثيرةً في حياتِه، مثل أي سياسي مُحترف وصل إلى سُدّة الحُكم، ولكن خَطأه الأكبر في تقديرنا يُمكن في سُوء تَقديره لقوّة خَصمه أوّلاً، والانشقاق عنه بعد أن بدأ صُمود تحالفه معه يُعطي ثِماره تَعاطفًا دوليًّا، وضَغطًا مُتعاظِمًا على التّحالف لوَقف العُدوان ورَفع الحِصار.
***
المَعلومات شَحيحة جدًّا عن تفاصيل الانقلاب الذي قادهَ الرئيس صالح ضِد حُلفائه الحوثيين، والصّفقة التي تَوصّل إليها مع المملكة العربيّة السعوديّة عبر البوابة الإماراتيّة، التي كان أبرز عناوينها تَحوّله من رئيسٍ “مَخلوع″ إلى رئيسٍ “سابق”، ولكن أيًّا كان الثمن؟، والمُقابل، فإنّه كان سُمًّا فتّاكًا أعطى نتائجه في قتلِ صاحِبه، في زمنٍ قِياسيّ.
الرئيس صالح أبلغني أنّه انتصرَ في حَربِ الانفصال عام 1994 لأنّه لم يَكُن، وعلى عَكس خُصومِه، مَدعومًا من السعوديّة، وأكّد لي أنّه خَسِر جميع حُروبه السّابقة بفَضل هذا الدّعم، وما أستغربه أنّه نَسِي، أو تَناسى، هذهِ القَناعة في أيّامه، أو أسابيعه الأخيرة، وقَرّر فَك الشّراكة مع الحوثيين، والانتقال إلى خَيمةِ التّحالف العَربي السّعودي.
الرئيس صالح استعاد شَعبيّته الطاغية، وبَعد الإطاحة به، ونِظام حُكمه، بحِراك شعبيٍّ كاسح عام 2011، لأن من جاءوا بعده لم يُقدّموا البديل الأفضل، ولأنّه وَقف في الخَندق المُواجه لعاصفة الحزم وعُدوانِها على اليمن، ورَفع راية المُقاومة للعُدوان، ولم يُدرك أن التخلّي عن هذا المَوقف الذي يُؤيّده مُعظم اليمنيين، قد لا يُمكّنه من جَمع مِليوني مُؤيّد في ميدان السبعين، مِثلما فَعل في الذّكرى الـ 35 لتأسيس حزب المُؤتمر في آب (أغسطس) الماضي.
إذا كان التفكّك هو أحد الاحتمالات التي تُواجه حِزب المُؤتمر في الأيّام والأسابيع المُقبلة، مِثلما يَعتقد الكثير من الخُبراء في الشأن اليمني، فإنّ الخَطر نفسه قد يُواجه التّحالف العَربي أيضًا، ومن غير المُستبعد أن يكون السودان أو؟ل المُنسَحِبين.
الحوثيون باتوا الآن في مَوقع أقوى، وقَتلهم للرئيس صالح، واستعادتهم لمُعظم المواقع التي كانت تحت سيطرة قوّاته في صنعاء، وتَزايد احتمالات انضمام بعض وحدات الجيش اليمني إلى صُفوفِهم، كُلها عوامل لَعِبت دَورًا كبيرًا في تجنيبهم “مُؤامرةً كبيرةً” حِيكت خُيوطها السعوديّة ودولة الإمارات لإخراجِهم من العاصمة، وميناء الحديدة، شريان الحياة الرئيسي الذي يَمدّهم بأسبابِ البَقاء والتّسليح مَعًا.
الحوثيون باتوا الأكثر قُدرةً على حَسم الحَرب في اليَمن سِلمًا أو حربًا، من أيِّ وقتٍ مَضى، سِلمًا، لأنّهم تخلّصوا من ازدواجيّة القِيادة، بالتخلّص من الشّريك الصّالحي، ممّا يُعطيهم حُريّةً أكبر في أيِّ مُفاوضاتٍ مُقبلة، وحَربًا، لأنّهم صَمدوا في جَبهاتِ القِتال سواء على الحُدود الشماليّة، واستنزفوا الخَصم السّعودي، أو في صنعاء ومُدنٍ أُخرى مثل تعز والحديدة، وامتلاكهم صواريخ باليستيّة، ومن نوع كروز، قادرة على الوصول إلى الرياض وجدّة وخمس مشيط، وأيًّ مدينةٍ أُخرى في العُمق السّعودي.
***
حَرب اليّمن، وبعد ثلاثِ سنواتٍ تقريبًا من المُواجهات الدمويّة، والقَصف المُكثّف والحِصار التّجويعي الخانق لحواليّ 28 مليون يمني، يُواجهون المَجاعة والأوبئة، لا يُمكن حَسمها عَسكريًّا أو بالمُؤامرات وشِراء الولاءات، وإنّما بالحِوار على قاعدة الثوابت الأساسيّة، وأبرزها احترام الخَصم، والاعتراف بشرعيّة مَطالِبه في الأمن والسلام والاستقرار والسّيادة، ولا نَنسى التّعويضات الماديّة والبشريّة.
بعد انهيار مُؤامرة استقطاب الرئيس صالح وأنصارِه، لم يَبقَ للتّحالف العَربي بقِيادة السعوديّة غير خيارٍ واحدٍ فاعلٍ هو العَودة إلى مائدة المُفاوضات، وتَقليص الخسائر، ووَقف النّزيف البَشري والمالي، فهَل تَستمع القِيادة السعوديّة لعَين العَقل وتَفتح حِوارًا مع الحوثيين للتوصّل إلى تَسويةٍ شامِلةٍ مُستدامة.
نأمل ذلك لإدراكِنا أن الحِوار آتٍ لا مَحالة في نَهاية المَطاف، وأنّ المُكابرة لا تُفيد.