جملة اعتراضية
عـبدالله عـلي صبري
o ونحن في شهر فبراير ومع حلول الذكرى السابعة لما يعرف بثورات الربيع العربي، يحار المرء وهو يحاول توصيف ما حدث ويحدث، ويستغرب في الوقت نفسه كيف تبخرت الآمال العريضة في الدمقرطة والتغيير، لتدخل المنطقة في دوامة من الحروب والصراعات العبثية، التي إن كان سببها الرئيسي يعود إلى التدخلات والمؤامرات الخارجية، إلا أن العوامل الذاتية حاضرة ومسؤولة هي الأخرى عن جملة التداعيات الدموية التي تعيشها معظم دول الربيع أو الخريف العربي!
ومما لا شك فيه إن انتهازية الإخوان المسلمين في مختلف الثورات، شكلت مدخلا للثورات المضادة، التي سرعان ما أجهضت مشروع التغيير، وعادت بنا إلى مربع الاستبداد السياسي، مع دورة عنف شديدة، سمحت للإرهاب أن يعبث بالأمن والاستقرار والسلم الاجتماعي، بل وما زلنا نعيش تحت دوامة خطر التقسيم مجددا على طريقة سايكس بيكو.
إلا إن انحراف مسار التغيير، لا يعني التنازل عن الطموحات والغايات النبيلة التي ضحى من أجلها الآلاف من الشباب العربي، الذين خرجوا ونزلوا إلى الساحات من أجل مستقبل أفضل، وتنمية أشمل، وكرامة مستدامة للمواطن والإنسان.
صحيح أن الأمن أصبح على رأس الأولويات في المرحلة الراهنة، إلا أن ديمومة الاستقرار لا يمكن أن تكون بالاستخذاء للاستبداد، والقهر، ولقوى الهيمنة التي تحكم وتتحكم في مقدرات العالم.
وإذا اتخذنا من مصر نموذجا لقراءة مشهد الربيع العربي، فإن الاستقرار النسبي الذي تحقق خلال السنوات الماضية، تحت حكم العسكر، غدا معرضا لهزة حقيقية، بعد أن فرض السيسي على المصريين انتخابات شكلية هي أقرب إلى الاستفتاء، والأسوأ أن حراك المجتمع المصري المناهض لانحراف كهذا، ليس بالمستوى المطلوب، وكأن ثمة عزوف مجتمعي عن الديمقراطية والمشاركة السياسية، بعد صدمة الربيع ومآلاته.
والأسوأ من كل ذلك أن حرية الرأي والتعبير في مصر قد تراجعت على نحو مخيف. وبرغم تكاثر وتطور وسائل الإعلام المصرية المرئية إلا أن غالبيتها العظمى تسمح بحمد النظام ليل نهار، في إسفاف لا يليق بمكانة مصر ورموزها من الإعلاميين المخضرمين، الذين كانوا في مقدمة صفوف التنوير والتغيير والتضحية.
لكن مع كل هذه العتمة، يبقى الأمل حادينا،..و”سنظل نحفر في الجدار..إما فتحنا ثغرة للنور أو متنا على وجه الجدار”.