بالمختصر المفيد.. إيرادات في مهب الريح
يمانيون ||كتابات || عبدالفتاح علي البنوس
يكثر الحديث هذه الأيام عن الإيرادات وضرورة تنميتها ، ورفع وتيرة تحصيلها وذلك للإسهام في الحد من تبعات الأعباء الاقتصادية والمعيشية الملقاة على كاهل المواطن المسكين المغلوب على أمره ، ولكن وعلى الرغم من كثرت الحديث حول هذا الموضوع إلا أننا لا نلمس أي تفاعل إيجابي معه ، إذ لا تزال نسبة الإنجاز فيه محدودة جدا وغير ملبية لأدنى سقف التطلعات في هذا الجانب ، ونلاحظ بأن التركيز يكاد يكون معتمدا وموجها صوب قطاع الجمارك والضرائب والواجبات بدرجة أساسية مع تغليب للجمارك .
وهو ما يدفعنا للتساؤل حول أسباب التركيز على الجمارك والضرائب والواجبات وإغفال ما دون ذلك من الإيرادات ؟! ولماذا لا تزال الإيرادات الفعلية التي تجبى من الجمارك والواجبات والضرائب عرضة للنهب والفيد والاستغلال فما يدخل البنك المركزي من إيرادات هذه الجهات يقل بكثير عن المتحصل الفعلي منها ؟! فلا يزال التهرب الجمركي يطل برأسه كسوس ينخر في إيرادات الجمارك ، وما تزال هنالك ممارسات عبثية تتسبب في إهدار المال العام وتحويله إلى منافع وموارد شخصية ، أما قطاع الضرائب فحدث ولا حرج ، فلو تم توريد الضرائب المستحقة على القات والعقارات والاتصالات والإنفاق الحكومي والخاص بصورة فعلية لما كانت هنالك أي مشكلة في جانب المرتبات على الإطلاق ، والأمر ذاته ينطبق على الإيرادات الزكوية فما يتم تحصيله لا يكاد يتجاوز الـ50 ٪ من الإيرادات الفعلية ولا تزال العشوائية هي الغالبة على أداء تحصيلها وخصوصا في ظل عدم تعاون السلطات الأمنية في جانب الضبط تحت ذرائع الظروف التي تمر بها البلاد وتدخل بعض قوى النفوذ للحيلولة دون تحصيل ودفع الواجبات الزكوية وامتناع البعض منهم عن سدادها لسنوات عديدة .
ومن الأوعية الإيرادية المهملة والتي تستغل لمصلحة بعض الأفراد والجماعات تلك المرتبطة برسوم النقل بين المحافظات وداخل المدن حيث صارت فرز السيارات والمركبات بيد جماعات تتقاضى الآلاف على المركبة الواحدة دون أن يكون للدولة أي ريال واحد بحجة أن لديهم عقدا قيمته الفتات من الريالات بعضها لا تصل كاملة والبعض تتعرض للقرصنة والاقتطاع من قبل نافذين هنا وهناك ، ولا أعلم ما هو المانع من قيام الدولة ممثلة بوزارة النقل وفروعها في المحافظات والمديريات بالتحصيل في الفرز والمواقف بسندات رسمية دون الحاجة إلى ( القبال ) وإسناد التحصيل لنافذين و(متسلبطين ) يمارسون صنوف الإذلال والاستغلال في حق أصحاب السيارات والباصات والمركبات ؟! من الجرم أن يتم التعاقد مع شخص على إستلام رسوم النقل بعقد شهري لا يتجاوز الخمسين ألف ريال في الوقت الذي تزيد فيه إيرادات تلكم الفرزة على مليون ريال شهريا وقس على ذلك .
أضف إلى ذلك إيرادات الأوقاف وخصوصا تلك الخاصة بالعقارات والتي باتت ضربا من ضروب الفساد وإهدار المال العام وكأن عقارات الأوقاف ناقصة عن بقية عقارات القطاع الخاص ولا أعلم ما سبب الصمت عن ذلك ؟! ومن المستفيد من عدم جباية إيرادات الأوقاف على الوجه الأمثل ، وكذلك إيرادات الصناديق الملحقة وفي مقدمتها صندوق صيانة الطرق والجسور وصناديق النظافة والتحسين والتأمينات والمعاشات وغيرها من الصناديق والمؤسسات الإيرادية التي لا تحتاج سوى ضبط إيقاع عملها وتقنين عملية التحصيل والصرف فيها بحيث تورد كافة الإيرادات وتستغل الصرفيات الاستغلال الأمثل فيما يخدم الصالح العام .
بالمختصر المفيد، تنمية الموارد المالية يجب أن تتحول من توجيهات خطية وكلامية إلى خطوات عملية يلمس الجميع أثرها وتنعكس إيجابيا على حياتهم ومعيشتهم ، إلى هنا ويكفي تسرب الإيرادات والقرصنة عليها ، لقد آن الأوان لتفعيل الرقابة على تحصيل الموارد المالية وقطع الأيادي العابثة التي تمتد للإيرادات الحكومية وتوظفها لخدمة مصالحها وتنمية مدخراتها ودعم استثماراتها ومشاريعها الخاصة .
هذا وعاشق النبي يصلي عليه وآله .