هل ينجح «غريفيث» فيما فشل فيه نظيراه الأمميان في المفاوضات اليمنية؟
يمانيون – تقارير – صحيفة البديل المصرية
تحدث مبعوث الأمم المتحدة إلى اليمن، مارتن جريفيث، من سلطنة عمان السبت الماضي، عن رغبة حقيقية لتحقيق السلام وبدء مفاوضات سياسية لوقف الحرب وإنهاء معاناة الشعب اليمني، وقال المبعوث الأممي إنه لمس ذلك خلال اتصالات ولقاءات أجرى بعضها في صنعاء، وبعضًا آخر منها في مسقط، ففي العاصمتين التقى جريفيث قادة من جماعة أنصار الله، وفي باقي محطات جولته الراهنة سيزور الإمارات والسعودية، وسيلتقي أيضًا الرئيس اليمني المنتهية ولايته، عبد ربه منصور هادي.
ويتحرك جريفيث بحذر شديد في تعامله مع الملف اليمني المتشعب، والذي أطاحت تفاصيله بمبعوثين سابقين للأمم المتحدة، هما جمال بن عمر، وإسماعيل ولد الشيخ أحمد، وكان جريفيث قد أقام في صنعاء نحو أسبوع التقى خلاله قادة من أنصار الله، على رأسهم عبد الملك الحوثي، وتشير طول المدة التي قادها المندوب الأممي الجديد في صنعاء نهاية الشهر الماضي إلى أن النقاشات كانت طويلة وشائكة، حيث ذكرت مصادر مطلعة أن جريفيث ناقش مع زعيم الحوثيين جملة قضايا ومقترحات من أجل إحياء المحادثات السياسية، وأضافت أن النقاش تطرّق إلى تفاصيل تتعلق بمطالب أنصار الله، ومنها ترتيب مؤسسة الرئاسة، وتشكيل حكومة وحدة وطنية، والعودة إلى الحوار الذي اقترح أنصار الله أن يكون بين المكونات السياسية، مستبعدين بذلك الرئيس هادي.
ويرى أنصار الله أن أي عملية سياسية في أي بلد لا بد أن تقوم على أساس التوازنات الداخلية، ولا بد أن تلبي مصالح اليمن، وليس على أساس التوازنات الخارجية ومصالح الخارج، وشرعية أي حاكم لا بد وأن تستمد من الداخل وليس من الخارج، ولذلك لا بد من استعادة العملية السياسية الداخلية، أي بعودة كل المكونات السياسية اليمنية كـ “حزب الإصلاح، الحزب الناصري، الحزب الاشتراكي، الحراك الجنوبي، أنصار الله، والمؤتمر الشعبي” إلى طاولة الحوار من أجل سد الفراغ في السلطة التنفيذية، خاصة أن هادي ليس له أي دور حقيقي في الأزمة اليمنية، فصحيح أن وجود هادي في الحكم كان نتيجة لتوافقات بين المكونات السياسية في الداخل اليمني، إلا أنه لم يحظَ بتوافق كل المكونات اليمنية عليه، حيث كان التوافق بين الإصلاح وشركائهم، والمؤتمر الشعبي وشركائهم، في مقابل رفض الحراك الجنوبي وشباب الثورة اليمنية، بالإضافة لرفض أنصار الله للمبادرة الخليجية.
وفي سياق التحركات الدبلوماسية الأخيرة لجريفيث نجد أنه التقى أيضًا رئيس وفد أنصار الله، محمد عبد السلام، يوم السبت الماضي في العاصمة العمانية مسقط، حيث اكتسب هذا اللقاء أهمية خاصة، فمسقط كانت مسرحًا للمفاوضات بين أنصار الله ومسؤولين من الرياض، حيث تزامنت تحركات المبعوث الأممي الأخيرة مع معلومات نقلتها مصادر إعلامية قطرية، أفادت أن السعودية أجرت خلال الشهرين الماضيين اتصالات مع أنصار الله، لكنها لم تكلل بالنجاح رغم التوافق على بعض النقاط وفقًا للمصادر القطرية، وتركزت الاتصالات على ضرورة التوقف المتبادل للقصف، حيث يوقف أنصار الله إطلاق صواريخ على مواقع داخل السعودية، مقابل وقف الضربات الجوية من قبل ما يسمى بالتحالف العربي على اليمن، بالإضافة لوقف المواجهات على الحدود.
ويرى مراقبون أن مضاعفة أنصار الله هجماتهم الصاروخية على السعودية خلال الأشهر الماضية، بينها هجوم أطلقوا خلاله سبعة صواريخ على المملكة في 26 مارس في الذكرى الثالثة لبدء العدوان العربي على اليمن، قد يأتي في إطار فشل هذه المفاوضات، بالإضافة إلى أن هذه الهجمات البالستية تعد وسيلة للضغط على التعنت السعودي لتحقيق مكاسب يمنية في المفاوضات، خاصة أن أنصار الله لا يرون مستقبلًا للرئيس اليمني المنتهية ولايته في حكم اليمن، وحتى الآن لا يزال موقف الرياض مبهمًا من هادي أيضًا، فالتواصل الأخير بين الرياض وحركة أنصار الله جرى بعيدًا عن هادي وحكومته، كما أن حليفة السعودية في عدوانها على اليمن وهي الإمارات تعمل على تهميش دور هادي في اليمن عبر دعمها للحراك الجنوبي وجهات نافذة من آل صالح على حساب هادي.
وفي مقابل ذلك نفى مسؤول بالتحالف خوض السعودية مفاوضات مع أنصار الله، وأكد مجددًا الدعم لجهود إحلال السلام بقيادة الأمم المتحدة، والتي تهدف للتوصل إلى حل سياسي، ولم يصدر تعليق رسمي عن مسؤولي جماعة أنصار الله.
وفي ظل هذه المعطيات نجد أن هناك ظروفًا جديدة يمكن أن تضيف جديدًا لتحركات جريفيث في اليمن، ما قد يخلق مناخًا جديدًا لم يكن متوفرًا لنظيريه الأمميين السابقين في اليمن، فأطراف الصراع في اليمن وخاصة السعودية لم يعد بوسعها تكبد المزيد من أعباء الحرب الاقتصادية وحتى الأخلاقية، فاستهدافها لمدنيي اليمن أطفالًا ونساءً بات يضعها في موقف حرج حتى مع أقرب داعميها في عدوانها على اليمن كالولايات المتحدة وبريطانيا، وباتت السعودية بحاجة للتخلي عن عقدها الثلاثة لتحقيق السلام في اليمن، فالعقدة الأولى تتمثل في أن السعودية حتى الآن لا تعترف بأنها طرف في الصراع، وتحاول أن تبعد الشبهات عنها إلى جارتها الإيرانية، والعقدة الثانية للرياض تتمثل في ربط السعودية للحل بهادي، والذي ليس في يده القرار ولم يعد يمثل قوة سياسية لا في اليمن ولا حتى في السعودية التي تحتجزه، كما أن مصالح هادي ومن معه أصبحت مرتبطة باستمرار الأزمة، فحل الأزمة في اليمن يعني اختيار رئيس جديد لها وحكومة وحدة وطنية جديدة، العقدة الثالثة أن السعودية في عدوانها على اليمن دخلت بسقف عالٍ من الأهداف، وتوقفها عن العدوان لن يحفظ لها ماء وجهها.
ويرى متابعون أن نجاح جريفيث من فشله في الملف اليمني مربوط بمدى التزامه الحياد بين الطرف اليمني المعتدى عليه والطرف السعودي، وليس معروفًا ما إذا كانت جنسيته البريطانية ستمنح له هذا الحياد، خاصة أن بريطانيا من أهم الدول التي تدعم العدوان السعودي على اليمن بالسلاح.