في اليمن… رمضان بما تيسّر
يمانيون – تقارير – جريدة الأخبار اللبنانية
يكاد يكون شهر رمضان لهذا العام في اليمن الأقلّ حيوية مقارنة بما سبقه. مردّ ذلك تدهور الأوضاع الاقتصادية لمعظم اليمنيين، الذي حملهم على الاكتفاء بالحدّ الأدنى من متطلبات هذا الشهر، في ظل ارتفاع الأسعار وتوقف الرواتب وتراجع القدرات الشرائية
للعام الرابع على التوالي من العدوان والحصار، استقبل اليمنيون شهر رمضان بما تيسّر لهم. على غير عادتهم في كل السنوات، تراجع مستوى إقبال المواطنين في العاصمة صنعاء على شراء الاحتياجات الأساسية لهذا الشهر، وبدت حركة الأسواق في العاصمة والمحافظات الخاضعة لسيطرة حكومة الإنقاذ عند أقل مستوى مقارنة بالأعوام الماضية. إذ إن تراجع معدلات الدخل بنسبة 61% بحسب الإحصائيات الرسمية لوزارة التخطيط في حكومة الإنقاذ، وتدهور القدرات الشرائية للمواطنين إلى أدنى مستوى خلال العام الجاري، سبّبا تغيير الطابع الاستهلاكي لليمنيين، لتحتلّ الاحتياجات الغذائية الأساسية من قمح ودقيق وأرز وسكر رأس سلّم الأولويات، مقابل تخلّي السواد الأعظم عن بقية المنتجات المرتبطة بشهر الصوم. وفي محاولة للخروج من حالة الركود غير المسبوقة في الموسم الحالي، اتجهت الأسواق المحلية في صنعاء، التي كانت تشهد إقبالاً كثيفاً قبيل شهر رمضان من كل عام، إلى إعلان خفوضات في أسعار السلع والمنتجات المرتبطة بالمائدة الرمضانية لاستقطاب المستهلكين، إلا أنها فشلت في استعادة الكثير من عملائها.
تدهور القدرات الشرائية
الخبير الاقتصادي، محمد إبراهيم السقاف، رأى في تراجع مستوى الطلب على السلع والمنتجات الرمضانية «مؤشراً خطيراً»، يكشف مدى تدهور القدرات الشرائية للمواطنين. وأشار السقاف، في حديث إلى «الأخبار»، إلى أن مستوى الحركة التجارية في الأسواق المحلية قبيل شهر رمضان كان مفاجئاً وصادماً لتجار المواد الغذائية، الذين كانوا قد أنهوا استعداداتهم لاستقبال موسم الغذاء السنوي في اليمن، الذي يبدأ من منتصف شهر شعبان ويمتدّ حتى منتصف شهر رمضان، وترتفع فيه حركة الطلب على السلع والمنتجات إلى أعلى المستويات. وأضاف أن عزوف الكثير من اليمنيين عن شراء متطلّبات شهر الصوم «يدلّ على مدى التدهور الحاد للأوضاع الإنسانية في البلاد»، لافتاً إلى أن معدل الفقر ارتفع إلى 78.8% مطلع العام الجاري، بمعدل ارتفاع بلغ 29.8% منذ بدء العدوان. وتفيد التقارير الرسمية والأممية بأن الحصار الاقتصادي الشامل على اليمن أدى إلى زيادة معدّل سوء التغذية، ليصبح أكثر من 21 مليون مواطن بحاجة إلى مساعدة إنسانية، وأكثر من 9 ملايين آخرين مشرفين على الدخول في مرحلة المجاعة بحسب تصنيفات برنامج الغذاء العالمي ومنظمة الأغذية والزراعة (الفاو).
تراجع الاستيراد
وتوازياً مع تراجع الإقبال على الاستهلاك، تراجع معدل استيراد السلع والمنتجات من الأسواق الخارجية إلى أدنى المستويات، ووفقاً لمصدر مسؤول في وزارة الصناعة والتجارة في حكومة الإنقاذ، فإن فاتورة الاستيراد تراجعت بنسبة 50% العام الماضي. وأفاد المصدر، في تصريح إلى «الأخبار»، بأن السلع والمنتجات التي استقبلها ميناء الحديدة منذ مطلع العام الجاري لا تتجاوز 10% من إجمالي السلع والمنتجات التي كانت تصل الميناء قبيل شهر رمضان من كل عام، عازياً ذلك إلى شحّ النقد الأجنبي، فضلاً عن الخسائر التي تعرض لها عدد كبير من المستوردين بسبب احتجاز دول العدوان كميات كبيرة من الواردات في ميناء جدة منذ أواخر كانون الأول/ ديسمبر الماضي، ورفضها الإفراج عنها، وتعمّدها الإبقاء عليها تحت عوامل التعرية حتى تنتهي صلاحيتها، ما يفقدها أي جدوى.
وأوضح المصدر أن قوات تحالف العدوان احتجزت ما يزيد على 10 آلاف حاوية بضائع، منها ما يضمّ سلعاً ومنتجات استوردَت لتوفير متطلبات السوق في شهر رمضان، إلا أنها لم تدخل السوق حتى اليوم، والكثير منها يصل ميناء عدن وهو غير صالح للاستهلاك الآدمي، فيجري إتلافه. وحول أسباب احتجاز تلك السلع والمنتجات، يؤكد المصدر أن الذريعة الوحيدة هي محاربة تهريب الأسلحة والصواريخ إلى اليمن من الخارج، مُذكِّراً بقيام سلطات ميناء جدة السعودي ببيع قرابة 7000 حاوية تابعة لتجار يمنيين في آذار/ مارس الماضي في المزاد العلني. ويُقدّر تقرير حديث صادر عن قطاع التجارة الخارجية في وزارة الصناعة والتجارة في حكومة الإنقاذ، تراجع واردات اليمن السلعية الأساسية من الخارج بنسبة 55%، في مؤشر خطير ينذر بكارثة إنسانية قد تصل إلى حدّ المجاعة.
ارتفاع الأسعار
وما ضاعف معاناة المواطنين قبيل شهر رمضان، الارتفاع الكبير في أسعار السلع والمنتجات، خصوصاً أن الاتجاه العام للأسعار غير مستقر بسبب عدم استقرار سعر صرف الدولار في السوق المحلي. وتباين معدل ارتفاع أسعار السلع الأساسية بين 50 و60% عن الأسعار التي كان يجري التعامل بها قبل اندلاع العدوان أواخر آذار/ مارس 2015. حالات الارتفاع تلك، مضافةً إلى توقف رواتب موظفي الدولة منذ أيلول/ سبتمبر 2016 جراء قرار الرئيس المستقيل عبد ربه منصور هادي تعطيل وظائف البنك المركزي في صنعاء، والسيطرة على كافة الموارد العامة للدولة في الجنوب، فرضت حالة التقشف الإجباري على مختلف الشرائح الاجتماعية اليمنية في المحافظات الواقعة تحت سيطرة «أنصار الله».
وفي ظل هذه الظروف الاقتصادية الصعبة، وجّه رئيس المجلس السياسي الأعلى، مهدي المشاط، إلى وزارة المالية بصرف نصف راتب خلال شهر رمضان للحدّ من معاناة موظفي الدولة، في وقت دشّنت فيه عدة منظمات أهلية مشاريع لمساعدة الفقراء في شهر الصوم. ومن بين تلك المشاريع ما أعلنته «مؤسسة الشهداء» عن توزيع ما يقارب 6000 سلة غذائية في محافظة صنعاء، فضلاً عن الآلاف من المساعدات الغذائية التي ستُصرَف توالياً.
تراجع معدّل استيراد السلع والمنتجات من الخارج إلى أدنى المستويات
كذلك، أعلنت «مؤسسة بنيان التنموية» مشروعاً مماثلاً يستهدف الأسر الفقيرة والمتضررة من العدوان والحصار، فيما ستتولى «مؤسسة يمن ثبات التنموية» تقديم مساعدات غذائية لأسر الجنود المرابطين في مختلف الجبهات. وفي الاتجاه نفسه، تحاول مؤسسات القطاع الخاص تقديم العون للفقراء خلال شهر رمضان، من خلال «بنك الطعام» الذي يقدم مساعدات للآلاف من المعسرين. وعلى الرغم من غياب دور المنظمات الدولية في المدن الرئيسة، إلا أن عدداً من المنظمات التابعة للأمم المتحدة توجد بصورة فاعلة في عدد من الأرياف اليمنية، وتقدم مساعدات شهرية للأسر هناك. والجدير ذكره أنه، على مدى السنوات الماضية من عمر العدوان والحصار، لَعِب التكافل الاجتماعي دوراً فاعلاً في الحدّ من معاناة الكثير من الأسر اليمنية، وأسهم في تعزيز صمود اليمنيين، خصوصاً في الأحياء الفقيرة من العاصمة.