“الاختراق الصبياني” لقوى العدوان ومصير آلاف المرتزقة في معركة الساحل الغربي
إبراهيم السراجي
انطلقت مرحلةٌ جديدةٌ من معركة الساحل الغربي بتصعيدٍ بدأته قوى العدوان الأمريكي السعودي الإماراتي، معتمدةً على سياسة الأرض المحروقة عبر الغارات الجوية المكثّفة بشكل غير مسبوق؛ بهدف تحقيق اختراق ميداني يعد من الناحية العسكرية انتحاراً لكن قوى العدوان لا تبالي بذلك طالما أن المئات ممن يسقطون يومياً هناك هم من المرتزِقة وليس جنوداً أمريكيين أَوْ إماراتيين وغيرهم.
ويمتدُّ الساحلُ الغربي لليمن من منطقة ذو باب بمحافظة تعز، حيث باب المندب مروراً بمحافظة الحديدة وانتهاءً عن مديرية ميدي بمحافظة حجة الحدودية فيما يتفاوت عرض المساحة المفتوحة للشريط الساحلي بين 4 إلى 7 كيلو مترات تقريباً، وهي المساحة التي يسعى العدوان لتحقيق الاختراق فيها؛ باعتبارها مساحات رخوة تمنحُ أفضليةً للطرف الذي يمتلك الطيران، معتمداً على الدفع بعشرات الآليات المدرعة والمئات أَوْ الآلاف من مرتزِقة ودعمهم بغارات جوية تصل لمئات الغارات أحياناً من طائرات الأباتشي ومختلف الطائرات الحربية.
وبالنظر لخريطة الساحل الغربية والحديدة يلاحظ أن قوى العدوان انطلقت من مديرية الخوخة عبر الخط الساحلي وبعرض لم يتجاوز حتى عرضَ المساحة المفتوحة هناك، متوجهاً صوبَ الأطرَاف الساحلية لمديرية التحيتا، وهو اختراقٌ كما يصفه قائد الثورة السيد عبدالملك الحوثي في خطابه مساء أمس الأحد بأنه “اختراق صبياني” والصبيانية هنا معناها أن العدوَّ يدفع بمرتزِقته عبر الخط الساحلي الذي مهما تقدموا فيه يظلُّ تحت السيطرة النارية للجيش واللجان الشعبية المتمركزين في المناطق الجبلية المحاذية للساحل الغربي برمته.
ومن خلال تقدّم العدوّ في الخط الساحلي بعرض مساحته ضيّقة للغاية فإنّه يسعى أولاً لتحقيق نصر إعلامي من خلال القول بأنه وصل إلى مديرية التحيتا بمحافظة الحديدة رغم أن وصولَه لأطرَافها عبر الخط الساحلي كما تظهره الخرائط لا يتجاوز 1 % من مساحة المديرية ككل، ويكون ثمنُ هذا الانتصار الإعلامي المئاتِ من القتلى وآلاف الجرحى من المرتزِقة وتدير عشرات الآليات، والتقارير التي تصدر عن وسائل تابعة للمرتزِقة يومياً عن وصول عشرات الجثث ومئات القتلى إلى مستشفيات المخا والخوخة وعدن تؤكّـد حجم ذلك الثمن.
وبالعودة مجدداً إلى خريطة الساحل الغربي، يُلاحَظُ دِقّة وصف قائد الثورة لاختراقات العدوان بأنها “اختراقات صبيانية” إلى جانب السبب المذكور سابقاً؛ لأنَّ قوى العدوان عبر الدفع بمرتزِقتها إلى الشريط الساحلي تضع المرتزِقة أمام خطر محقّـق يسهل معه تنفيذُ إغارات متزامنة من طرفين في المناطق الخاضِعة لسيطرة الجيش واللجان، وبالتالي تطويق ومحاصَرة المرتزِقة في الوسط والقضاء عليهم.
استراتيجية قوى العدوان
في الوقت الذي تؤكّـدُ الكثيرُ من التصريحات والمعلومات بأن معركة الساحل الغربي معركة أمريكية وبإدارة أمريكية ولتحقيق أهداف الولايات المتحدة للهيمنة على البحار والممرات البحرية في إطار صراع دولي أَكْبَـر وأوسع ويعرفه الكثيرون، إلا أن تقارير نشرتها مراكز دراسات أمريكية بينها “معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى” الذي يعده كثيرون بأنه تابعٌ لدوائر القرار في الولايات المتحدة، تكشفُ طبيعة المعركة واستراتيجية قوى العدوان وحدود أهدافها.
وعلى مر التأريخ كان الغزاة الذين حاولوا احتلال الحديدة أكبر كما حدث في ثلاثينيات القرن الماضي بمحاولة سعودية بريطانية للسيطرة على الساحل الغربي، كانت قوى الغزو المختلفة ترتكِبُ خطأ كبيراً باعتمادها على السيطرة على الشريط الساحلي لسهولة تحقيق الاختراق فيه لطبيعته المفتوحة وأطرَافه شبه الصحراوية، لكنها في نهاية المطاف كانت تتحولُ لفريسة سهلة لليمنيين الذين كانوا يديرون المعركة مع الغزاة وفقاً لإمكاناتهم العسكرية البسيطة، من خلال الإغارة المتواصل واستنزاف الغزاة، انطلاقاً من المناطق الجبلية المحاذية للساحل الغربي حتى يجبروا الغزاة في نهاية المطاف على الاندحار.
وفيما يبدو واضحاً أن قوى العدوان تعتمدُ ذات الاستراتيجية الخاطئة التي اعتمد عليها الغزاة السابقون، إلا أن الولايات المتحدة وقوى العدوان تراهنُ على السيطرة على الساحل الغربي بالتزامن مع موعد إعلان المبعوث الأممي عن “إطار عمل المفاوضات” منتصف الشهر المقبل وإقراره من مجلس الأمن، وبالتالي إصدار قرار من المجلس بوقف إطلاق النار لحماية قوى العدوان في الشريط الساحلي من أي استهداف من قبل الجيش واللجان الشعبية.
تلك الخطة يؤكّـدُها وزيرُ الشؤون الخارجية الإماراتي أنور قرقاش في مقابلة مع صحيفة أمريكية الأسبوع الماضي والتي تضمنت ثلاث نقاط رئيسية على لسانه، وهي أولاً قوله إن البيئة في اليمن باتت مهيَّأة لتسوية سياسية، وثانياً قوله إن تحالف العدوان لا يسعى لنصر شامل في اليمن، وثالثاً قوله إن قوى العدوان لن تنسحبَ من اليمن بعد التسوية السياسية؛ لأنَّه -وبحسب زعمه- لا توجد قُـوَّات متماسكة في اليمن لحماية السواحل وضمان تطبيق أي حل سياسي.
ويظهرُ اليومَ بوضوح في ظل التصعيد العسكري في الساحل الغربي بالتزامن مع تصعيد مماثل في جبهات الحدود أن الولايات المتحدة تريدُ تحقيق هدفين رئيسيين، الأول السيطرة على الساحل الغربي لضمان هيمنتها وتحقيق أهدافها، والثاني تأمين الحدود السعودية كمكافأة للنظام السعودي نظير تكفلُه بقيادة العدوان وتحمل تكلفته العسكرية والمالية والأَخْـلَاقية، في عدوانٍ اتضح أنه بهدف أمريكي، بالإضَافَة إلى تركيز العدوان على السيطرة على الجزر اليمنية ومنابع النفط والغاز وباب المندب والبحر الأحمر، باستخدام شعار “مساعدة اليمنيين” أَوْ “إعادة الشرعية” والدليل أن العدوان لا يقبل بتحمل أعباء كبيرة لدعم المرتزِقة في المناطق غير الهامة مثل مدينة تعز، وهو ما أكّـده أحدُ قيادات المرتزِقة هناك شاكياً من ضعف الدعم المقدم لهم بقوله إن معركة مدينة تعز بالنسبة لتحالف العدوان ليست هامة مثل المخاء وميدي؛ لأنَّه لا يوجدُ في مدينة تعز بترول ولا غاز أَوْ ممرٌّ بحري هام.
وإذا كان ذلك هو مُخَطّط العدوان فإن هناك عوامل ليست في متناول العدوان منها استمرار الصمود اليمني واستمرار ضربات الجيش واللجان الشعبية القادرة على قلب المعادلة وإبادَة المرتزِقة وكسر شوكة العدوان من خلال سيطرتهم النارية الكاملة على كافة مساحة الساحل الغربي.