معركة الحُديدة تفاجئ الغزاة
يمانيون| الأخبار
أُريد لليلة الثالث عشر من حزيران/ يونيو الجاري أن تكون إحياءً للعدوان السعودي – الإماراتي على اليمن، بعدما دخل عامه الرابع من دون تحقيق إنجاز يُذكر. تهويلٌ سياسي وديبلوماسي تولّتهما أبو ظبي بالدرجة الأولى، وحربٌ نفسية باتت أساليبها مكرورةً لدى اليمنيين، وضخّ إعلامي مكثّف في محاولة لهزم «أنصار الله» من دون قتال. كلّها عدّة لخطة إماراتية – سعودية، بتغطية أميركية، تبدو أشبه بما عُمل عليه في آب/ أغسطس 2011 لإسقاط طرابلس الغرب. اعتلى «وزير التغريد» الإماراتي، أنور قرقاش، منبر التخويف، بادئاً الحملة بالحديث عن مهلة وساعة صفر، وتَبِعته وسائل الإعلام السعودية والإماراتية بالتجييش للمعركة، ناشِرةً مقاطع مُصوّرة سُجِّلَت في الخط الساحلي الذي لا تزال القوات الموالية لـ«التحالف» تراوِح فيه منذ أسابيع، مُتحدِثةً عن تقدم سريع بلغ مشارف مطار الحديدة، ومُدّعيةً حدوث انهيار في صفوف الجيش واللجان. عمل دعائي ترافق مع إطلاق إذاعة محلية في محافظة الحديدة للترويج لمزاعم قوى العدوان، وتثبيط معنويات اليمنيين، توازياً مع استمرار الاشتغال على بث الفرقة بين «أنصار الله» وجمهورها الوطني عبر اللعب على الوتر الطائفي (تنتمي الأغلبية الشعبية في الحديدة إلى المذهب الشافعي، بينما تأتي «أنصار الله» من خلفية زيدية).
في المقابل، لم يكن ما شهده ليل الثلاثاء – الأربعاء استثنائياً بالنسبة إلى «أنصار الله»؛ ذلك أن المعركة انطلقت فعلياً قبل نحو 3 أسابيع. وقد تمكّن الجيش واللجان، بعد فترة وجيزة على بدئها، من قلب المعادلة لمصلحتهما على نحو بدا معه أن الساحل الغربي لن يكون إلا مصيدة دامية للتشكيلات التابعة لـ«التحالف». إذ استطاعت القوات الموالية لحكومة الإنقاذ حصر مهاجِميها في شريط ساحلي ضيق ومكشوف، لم يتمكن هؤلاء من الخروج منه إلى ما يجانبه من مناطق تظهر السيطرة عليها ضرورية للقول إن ثمة تقدماً ذا طابع استراتيجي. ليل أمس، استعجلت قيادة تحالف العدوان إعلان نصر في الحديدة، فبادرت إلى محاولة تنفيذ إنزال في المدينة على الرغم من أن مسعىً مماثلاً لها في منطقة الفازة جنوبي المحافظة قبل فترة مُنِي بفشل ذريع. أشهرت «أنصار الله» سلاحها الاستراتيجي الذي كانت قد لوّحت به مع تصاعد التهديدات بمهاجمة الحديدة، ليُعلَن فجراً «تدمير بارجة حربية للعدو بصاروخين بحريين». وأفادت وكالة «سبأ» الرسمية بأن «الصاروخين أصابا البارجة بدقة، واشتعلت النيران فيها، وتراجعت بقية البوارج عن محاولة الهجوم والإنزال»، مُتحدّثة عن «محاولات إنقاذ وإخلاء تحت غطاء جوي مكثف».
وعلى مستوى العمليات البرية، بدت مصادر وزارة الدفاع في حكومة الإنقاذ واثقة وجازمة لدى تأكيدها فشل محاولات القوات الموالية لـ«التحالف» في التقدم بالمناطق الداخلية لمحافظة الحديدة. إذ تصدّى مقاتلو الجيش واللجان لمحاولة تقدم باتجاه منطقة الفازة في مديرية التحيتا، وأخريين باتجاه منطقتي الطائف والنخيلة في مديرية الدريهمي، مُكبّدين المهاجمين خسائر بشرية ومادية، بينها تدمير آليتين وثلاث مدرعات. وفي جبهة حيس، هاجمت القوات اليمنية المشتركة مواقع التشكيلات التابعة لـ«التحالف»، وتمكّنت من «تدمير ستّ مدرعات، وخمسة أطقم عسكرية»، حاملةً «الغزاة والمرتزقة على التحول إلى العمليات الدفاعية بعد فشلهم في استرداد مثلث العدين». وعلى الرغم من أن العمليات الإماراتية – السعودية كانت مسنودةً بغطاء جوي قتالي واستطلاعي كثيف، إلا أن ذلك لم يَحُل دون «انكسار معنويات القوات المهاجِمة وعدم قدرتها على استخدام العتاد الحربي المتطور الذي حُشِد لهذه المعركة»، وفق ما أكد مصدر في وزارة الدفاع. وهو ما يذهب إليه، كذلك، مصدر يمني مطلع في حديث إلى «الأخبار»، مبيِّناً أن الهجوم كان كبيراً، إلا أن منفذيه لم يستطيعوا إحداث أي اختراق على الأرض، بل على العكس، ووجهوا بهجمات في الخطوط الخلفية في منطقتي حيس والخوخة. ويعترف المصدر بأن القوات المهاجمة باتت على مقربة 23 كلم من الحديدة، إلا أنه يوضح أن هذه النقطة هي على الشريط الساحلي الضيق جداً، أما في المناطق الداخلية، فالمسافة تقدر بـ100 كلم. ويؤكد المصدر أن الجاهزية في صفوف القوات اليمنية المشتركة عالية جداً، وفي جعبتها الكثير من الخيارات الاستراتيجية التي يمكن الرد بها على قوى العدوان، مضيفاً أن الوضع الميداني «جيد»، وأن التقدير العسكري في صنعاء مرتاح لسير الأمور على الأرض، منبهاً إلى أن ما يُروَّج في الإعلام الخليجي يجافي الحقائق الميدانية. ويتهم المصدر الولايات المتحدة بالمشاركة في العملية بصورة مباشرة ومرصودة، تفوق مشاركاتها اللوجستية في بقية المعارك الدائرة في اليمن منذ بداية العدوان.
أعطى ترامب الرياض وأبو ظبي موافقة كانت الإدارة السابقة تتردد في إعطائها
يجزم المطلعون على الرسائل المتبادلة بين صنعاء والجهات الدولية المتابعة للملف اليمني بأن المعركة «أميركية بامتياز»، وأن كل ما يجري إخراجه بصورة اعتراض على العملية ليس سوى «تمويه» على دعم مطلق للإمارات، فضلاً عن أن ليس من مصلحة واشنطن التورط في أي اشتباك قد يؤدي إلى تضرر مصالحها في البحر الأحمر والملاحة الدولية، وكذلك لعدم ضمان تحقيق انتصار في المعركة حتى الآن. لا شيء استجدّ ميدانياً، منذ عامين تقريباً، في منطقة الساحل الغربي، يمنع تنفيذ هجوم مشابه، سوى أن الموافقة الأميركية تبلورت أكثر منذ مجيء الرئيس دونالد ترامب. الأخير، وإدارته، ومنذ التقارب الكبير مع الرياض وأبوظبي، أعطيا الخليجيين موافقة كانت الإدارة السابقة تتردد في إعطائها، تخوفاً من الملف الإنساني في اليمن وتفاقمه. وأبوظبي، ومعها الرياض، جادتان في المضي بالمعركة حتى آخر «مرتزق» يتعامل معهما، قدر ما يسمح الميدان. إلا أن الضوء الأخضر الأميركي المعطى للإماراتيين والسعوديين في مرحلة سابقة بكثير على تصاعد العمليات في الساحل الغربي، خفت الحديث عنه في وسائل إعلام أميركية سبقت أن أشارت إليه، ليعود البعض منها ويؤكد، كما أشارت مجلة «فورين بوليسي»، عدم وجود ممانعة لدى إدارة ترامب، ظهر جليّاً في نبرة وزير الخارجية، مايك بومبيو، الذي لم يتحدث عن «خطوط حمراء».
وتعيد العملية تسليط الضوء على دور الإمارات كوكيل أميركي في المنطقة يلتزم السيطرة على الموانئ والممرات البحرية الاستراتيجية، لتشكل العملية في الحديدة ذروة هذا العمل. وتبرز أهمية المعركة، من منظار التحالف الخليجي، في أنها تمثل ثاني خطوة بعد نقل البنك المركزي للضغط على الصمود الشعبي، وتسهم في تكريس التقسيم (مشروع «الأقاليم الستة») عبر عزل «أنصار الله» عن المنافذ البحرية، وحصرها في إقليم شمال الشمال، ظناً أن ذلك يرغم الحركة اليمنية على التنازل والخضوع لشروط تفاوض مذلّ.