شاهد .. قطار التطبيع بين “إسرائيل” والسعودية!
يمانيون – متابعات
شرع كيان الاحتلال الاسرائيلي في تنفيذ الإجراءات العملية لتدشين خط السكة الحديدية، الذي سيصل فلسطين المحتلة مرورا بالأردن وبعض الدول الخليجية، حيث كانت أولى إجراءات المشروع، تضمين 4.5 مليون دولار بموازنة 2019 لوضع المخطط الهندسي لهذا الخط الحديدي.
ويهدف الكيان الصهيوني من هذا الخط، الى ربط الدول الخليجية والأردن بالموانئ الإسرائيلية، ما يحولها إلى مركز نقل إقليمي ويعزز الاقتصاد الإسرائيلي بشكل كبير جدا.
وقالت صحيفة “إسرائيل اليوم” إن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير المواصلات والاستخبارات الاسرائيلي يسرائيل كاتس، اتفقا هذا الأسبوع على إطلاق خطة لإنشاء سكة حديد بين فلسطين المحتلة والسعودية والتي تدل على التقارب بين تل أبيب والرياض.
ووفقا للخطة سيجري عبر هذا الخط نقل البضائع من أوروبا إلى الدول العربية عبر فلسطين المحتلة والأردن والسعودية مع شركاء من السلطة الفلسطينية.
ومن المفترض أن يصل الخط إلى جسر الشيخ حسين في شمال غور الأردن، ويمر عبر الحدود إلى المملكة الأردنية، ومن هناك سيتم مد خط للسكة الحديدية باتجاه الجنوب، ليصل إلى السعودية التي باتت جاهزة للتواصل مع البنية التحتية المخطط لها.
وسينفذ المشروع بشكل مشترك من قبل الولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي والدول الآسيوية مثل الصين التي لديها مصلحة اقتصادية في الطرق البحرية والبرية لنقل البضائع إلى الشرق الأوسط.
قطار التطبيع بين “إسرائيل” والسعودية!ووفقا لمراقبين، فإن المبادرة تقوم على أساس الأمن المشترك والاستخبارات والمصالح الاقتصادية، وقد أوعز نتنياهو إلى وزراء الحكومة ورئيس مجلس الأمن القومي بتقديم المساعدة لتنفيذ الخطة.
وادعى كاتس إن “المبادرة ستعزز الاقتصاد الإسرائيلي ومكانة إسرائيل في المنطقة، فضلا عن المحور المعادي لإيران في المنطقة بقيادة الولايات المتحدة وبتعاون “إسرائيل” والسعودية والدول العربية المعتدلة”.
وتشير الصحيفة إلى أنه منذ اندلاع الازمة السورية، جرى تفعيل خط نقل مماثل بواسطة مئات الشاحنات التي تنقل يوميا من خليج حيفا إلى جسر الشيخ حسين وبالعكس، البضائع القادمة من أوروبا وتركيا أو من الدول العربية.
وفي السياق، قال الخبير الاقتصادي الدكتور حسام عايش إن “المرحلة التالية وفقا للخطة الإسرائيلية، هي قيام الأردن بتشييد الجزء الخاص به في امتداد الخط، بعدها ستتوجه الخطوط إلى السعودية والإمارات”.
وقال عايش لـ”أردن الإخبارية” إن “المسؤولين في الأردن والكيان الإسرائيلي تحدثوا عن سكة الحديد قبل ثلاث سنوات، وناقشوها مجدداً في الآونة الأخيرة”، مشيرا إلى أنه “حسب وثيقة صادرة عن الحكومة الإسرائيلية، تعتبر الأردن مركز رئيسي وإسرائيل جسر بري”.
وأوضح عايش أنه “وفقا للوثيقة الإسرائيلية الخاصة بالمشروع، فإن السكة سيدعم الاقتصاد الأردني المنهك، وسيربط إسرائيل بالمنطقة لمواجهة إيران”.
وطبقا لوثيقة رسمية إسرائيلية باسم “سكة السلام الإقليمية”، أوضحت أن “إسرائيل تمثل جسرا بريا سيرتبط مع المنطقة ويزيد من قوة مواجهة الخط الشيعي بالمنطقة”.
واستنادا للوثيقة، فإن “من المزايا الاقتصادية لسكة الحديد، الاستفادة من هذا الخط في نقل البضائع والمسافرين بين ميناء حيفا والدول العربية التي تعتزم تطبيع العلاقات مع الكيان الصهيوني”.
مشروع السكة جاءت ضمن بنود اتفاقية وادي عربة
وكما جاء في الوثيقة، “فهذا الأمر في الحقيقة سيعود بالنفع على الكيان الصهيوني من الناحية الاقتصادية، خصوصاً وأن ميناء حيفا سيتحول إلى خط ترانزيت استراتيجي بين دول مجلس التعاون والقارة الأوروبية عبر البحر الأبيض المتوسط”.
فيما أفادت الوثيقة بأن “خط سكة الحديد سيشكل عامل ضغط على الدول العربية لاسيّما العراق، باعتبار أن الأخير يعتمد في استيراد الكثير من البضائع عن طريق الأردن، بالتالي فإن الخط المذكور الذي سيكون مفتاحه بيد تل أبيب، سيهدد الأمن الاقتصادي للعراق”.
من ناحيته، رأى الخبير البيئي الدكتور سفيان التل أن “هذا المشروع يخدم مصالح الكيان الإسرائيلي، ويمكنها من فتح طرق مختصرة للتجارة في المنطقة، وسيساعدها بالوصول إلى منابع النفط في بلدان المنطقة”.
وقال التل لـ”أردن الإخبارية” إن “هذه السكة جاءت ضمن بنود اتفاقية وادي عربة التي نصت على أن يقوم الطرفان بفتح وإقامة طرق ونقاط عبور بينهما، وسيأخذان بالاعتبار إقامة اتصالات برية واتصالات بالسكك الحديدية بينهما”.
وحذر الخبير من تنفيذ مشروع الخط قائلا إن “شبكة الحديد ستعمل على زيادة تدفق المنتجات الإسرائيلية إلى الأسواق الأردنية، الأمر الذي سيمكن “إسرائيل” من اختصار حلقات النقل إلى دول أخرى عن طريق الأردن “.
ومع معاناة الكيان الإسرائيلي من عزلة إقليمية خانقة، فإنه من الطبيعي أن مد سكك حديد بين هذا الكيان وبعض دول المنطقة، سيخرجه من هذه العزلة التي تضاعفت بعد هزيمته على يد حزب الله لبنان في تموز 2006 وفشل عدوانه المتكرر على قطاع غزة.
ومن الأمور التي تعول عليها تل ابيب لتطبيع العلاقات مع بعض الدول العربية، العزف على وتر “إيران فوبيا”، خصوصاً وأن السعودية وحلفاؤها في المنطقة، يلعبون دورا مهما في تكريس حالة العداء ضد طهران، بسبب دعمها لمحور المقاومة الذي يتصدى للمشروع الصهيوأمريكي.
ويبدو أن هذا المشروع لن يجد معارضة كبيرة من قبل الرياض التي يسعى ولي ولدي عهدها الأمير محمد بن سلمان الطامح في العرش إلى كسب رضا واشنطن، وفي وقت تصاعدت فيها مظاهر التطبيع بين تل أبيب والرياض، والتي تمثلت في زيارات لمسؤولين سعوديين سابقين إلى تل أبيب.
ثالث مشروع أردني بالتنسيق مع تل ابيب
من جهته، اعتبر رئيس لجنة مقاومة التطبيع الدكتور مناف مجلي أن “المشروع هو الثالث الذي يعتزم الأردن إنشاؤه مع الاحتلال، وذلك بعد مشروعي ناقل البحرين واتفاقية الغاز مما يخدم المصالح الإسرائيلية ويزيد مجالات التطبيع الاقتصادي”.
وقال مجلي إن “اللجنة ستضغط وتطالب الحكومة بعدم إبرام المشروع، حماية للمصالح الوطنية العليا والتزاما منها بمقاطعة الكيان الإسرائيلي ومقاومة التطبيع”.
وأبدى رئيس لجنة مقاومة التطبيع مخاوفه من أن “يتم مستقبلا ربط خط السكة الحديد المزمع تنفيذه مع شبكة الحديد المحلية، التي تعتزم الحكومة الأردنية تنفيذها وتربط كافة أرجاء الأردن”.
وحول العقبات والقيود أمام السكة الحديدية، ذكرت صحيفة “رأي اليوم” اللندنية، أن “خط السكة يواجه عقبات متعددة من بينها أن الدول العربية باستثناء مصر والأردن، لا تعترف رسمياً بالكيان الصهيوني، وهذا الأمر من شأنه أن يعيق أو يؤخر توسيع هذا الخط، باعتبار أن فتح قنوات اقتصادية بحاجة إلى إقامة علاقات سياسية ودبلوماسية، وهو ما لم يحصل حتى الآن”.
وحسب الصحيفة، يخشى الكيان الإسرائيلي من تعرض خط سكك الحديد إلى هجمات مسلحة، في ظل الظروف المعقدة التي يشهدها الشرق الأوسط.
وأشارت “رأي اليوم” إلى أن “معارضة شعوب المنطقة لإقامة علاقات سياسية ودبلوماسية مع الكيان الصهيوني، ستحول دون إقامة علاقات اقتصادية وتجارية مع تل أبيب، ما يعني أن هذا المشروع سيولد ميتا ولن يكتب له النجاح في حال تنفيذه”.
ويحمل إعلان وزارة المواصلات الإسرائيلية طرح عطاء رسمي لإنجاز مقاطع من سكة الحديد الحجازية التاريخية التي تربط بين حيفا وإربد الأردنية في طيّاته معاني رمزيّة وسياسية تتجاوز الحدث وتفتح أبواباً كبيرة للتأويل والتحليل.
وبحسب “القدس العربي” يعيد الخبر، بداية، تذكير العرب (والأتراك) بالوقت الذي كانت فيه الأرض العربية مفتوحة ولم تكن دولها الحديثة موجودة.
وشكّل الخطّ التحاقاً لسكّان المنطقة بالعالم الحديث، بالمعنى الجغرافي والسياسي، فالسكة الحديدية التي أنشأها السلطان عبد الحميد الثاني وابتدأ العمل فيها عام 1908 فتحت الطريق السريع بين دمشق والمدينة المنوّرة مع تفرعه، من بصرى في سهل حوران، إلى فلسطين والأردن مرورا بمعان ورأس النقب وجدة.
إضافة لاختصاره رحلة الحج من 40 يوماً إلى 5 أيام (كان والي دمشق يدعى أمير الحج)، فإن الخط الحديدي أمّن للسلطنة العثمانية الصمود سنتين أمام الهجوم البريطاني في الحرب العالمية الأولى.
وكان تدمير القوات البريطانية وحلفائها من القبائل العربية (في إطار “الثورة العربية الكبرى”) للخط عام 1916 هو نهاية رمزية كبرى للسلطنة العثمانية نفسها، وعلى هامش ذلك، نهاية الوحدة الجغرافية العربية، وسيطرة الكولونيالية الغربية على مقدرات العرب… وكارثة فلسطين.
سادت لفترة طويلة في الأدبيات السياسية العربية، والأيديولوجيات القوميّة منها خصوصا، مقولة إن إعادة توحيد الأمة العربية (وسيادة الاشتراكية و«الحرية») هي المقدّمة للقضاء على “إسرائيل”.
لكن الذي حصل فعلاً أن الأحزاب القومية التي استلمت السلطات لتنفيذ الأجندة المذكورة في الدول العربية كرّست تجزيء بلادها بالحديد والنار، وسامت شعوبها أشكالا من الاستبداد فاقت به ما قام به الاستعمار، وانتهى مطاف الدعاية لمقاومة “إسرائيل” إلى أشكال من التذلل لها والتقرّب إليها وإعلان التنكّر للفلسطينيين وقضيتهم وبيعها في مزاد سياسي مخجل.
مع وصول مسار الدول “الوطنيّة” التي قادتها أحزاب قوميّة إلى مرحلة الفشل وطنيا واجتماعيا وسياسيا استلمت الراية بعض الدول الملكيّة، وبعضها كان هامشيّ التأثير في الوضع العربيّ، كالإمارات، وقدّمت مشروعاً جديداً يقوم على سياسة تعرف نفسها بالعكس:
مناهضة تيار الإسلام السياسي، وذلك من خلال تصعيد الاتجاهات العسكريّة ـ الأمنيّة التي تتلخّص سياساتها بالولاء لمن يدفع، بالتنسيق مع قوى التغلّب العالمية، سواء كانت أمريكا أو روسيا أو إسرائيل!
مع صعود إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، ساهمت هذه القوى في الدعوة لفتح الباب لتغييرات سياسية كبرى في العالم العربي خدمة للمشاريعها ومصالحها الاستراتيجية ، ولذلك راجت للتعبير عن هذه التغييرات الكبرى جملة صفقة ترامب، التي لا تجبر الفلسطينيين على الخضوع لإسرائيل فحسب، بل تغيّر شكل العالم العربيّ كلّه وتوحّده هذه المرّة حقّا..!
وبذلك يكتمل مشروع الحرب العالمية الأولى، ويعود خط الحجاز لا ليحمل الحجاج من تركيّا وأنحاء العالم الإسلامي إلى المدينة المنورة، ولكن ليحمل البضائع والمال الإسرائيليين إلى دبي وجدّة ومكة، والتجار السعوديين والإماراتيين والمصريين والبحرينيين إلى حيفا وتل أبيب والقدس.
بإعادة خط الحجاز بهذه الطريقة المقلوبة تنجح “إسرائيل” في خلق نموذجها لـ”توحيد العالم العربي” تحت رايتها في سخرية رمزيّة كبرى من أساطير العرب الحديثة، بدءاً من الثورة العربية الكبرى التي دمّرت الخط الحجازي، ومروراً بالانقلابات العسكرية التي قادتها الأحزاب القومية العربية، وانتهاء بهذه الأنظمة الملكيّة التي تريد الحفاظ على ممالكها بالانخراط التام في المشروع الأمريكي ـ الإسرائيلي.