قاضي أمريكي يكشف معلومات سرية عن عملية إنزال للمارينز الأمريكي في البيضاء
يمانيون- وافقت محكمة في مقاطعة أمريكية على طلب التماس تقدمت به منظمة حقوقية يتيح لها مراجعة تفاصيل عملية إنزال جوي أمريكي نفذت في اليمن مطلع العام الماضي 2017، وأدت إلى مقتل مدنيين يمنيين، بينهم أطفال ونساء، وضابط صف أمريكي.
ونشر موقع “ميدل أيست آي” البريطاني، الجمعة، تقريرا للصحفية “هانا بورتر”، وهي صحفية مستقلة وباحثة تركز على اليمن والخليج وتقيم حاليا في بيروت، تطرقت فيه لتفاصيل وحيثيات القضية التي ربحها مؤخرا “الاتحاد الأمريكي للحريات المدنية”، بموجب قانون حرية المعلومات، ضد إخفاء وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية معلومات بشأن عملية الإنزال الجوي التي نفذتها فرقة كوماندوز متخصصة تتبع البحرية الأمريكية في منطقة الغيل بقرية يكلا بمحافظة البيضاء في 29 يناير/ كانون الثاني 2017.
وكانت الـCIA رفضت في وقت سابق طلب المنظمة الحقوقية المدنية الأمريكية بالحصول على تفاصيل العملية التي تحدد إجراءات اتخاذ القرار وقانونيته. لكن القاضي بول أنجلماير من الدائرة الجنوبية في نيويورك، أمر الأسبوع الماضي وكالة الاستخبارات المركزية بجمع الملفات المتعلقة بتخطيط العملية، وتقديمها إلى اتحاد الحريات المدنية الأمريكي في غضون أسبوعين.
وتنازول التقرير الذي نشر تحت عنوان رئيسي “خطوة أقرب إلى الحقيقة بشأن غارات ترمب في اليمن”، واسفل منه كتب الموجز التوضيحي التالي: “مُنِح الاتحاد الأمريكي للحريات المدنية (ACLU) طلبًا من قانون حرية المعلومات بعد أن حاولت وكالة المخابرات المركزية إخفاء تفاصيل الغارة اليمنية الفاشلة”.
ترجمة نصية للتقرير:
قريبا سيطلب من وكالة الاستخبارات المركزية الإفصاح عن تفاصيل بخصوص غارة فاشلة وقاتلة لقوات البحرية الأمريكية في اليمن عام 2017، وذلك بعد أن وافقت محكمة في مقاطعة أمريكية على طلب التماس للاتحاد الأمريكي للحريات المدنية بموجب قانون حرية المعلومات (FOIA)، بمراجعة السجلات التي تحدد عملية اتخاذ القرار وقانونية العملية.
واعتادت وكالة المخابرات المركزية الأمريكية على رفض طلبات قانون حرية المعلومات عبر (Glomar response) (أي اعطاء اجابة لا تؤكد أو تنفي وجود معلومات معينة)، الذي يفرض على الأخرين عدم إمكانية الوكالة تأكيد أو نفي وجود معلومات معينة إذا كان الكشف عنها سيعرض العمليات أو معلومات استخباراتية حساسة، للخطر.
ومع ذلك يتم إبطال شرعية استخدام (Glomar response)، إذا تم بالفعل الإقرار الرسمي بوجود مثل هذه المعلومات. وهو ما حدث بالضبط عندما دافع السكرتير الصحفي السابق للبيت الأبيض شون سبايسر مراراً عن الغارة في وجه الصحفيين المشككين، ليمنح بذلك اتحاد الحريات المدنية الأمريكي (ACLU)، الإقرار الذي يلزمه للظفر بطلب الحصول على السجلات.
عملية قاتلة
في 15 مارس 2017، قيد اتحاد الحريات المدنية الأمريكي طلبًا (التماسا) بموجب قانون حرية المعلومات مع وكالة المخابرات المركزية ووزارات الخارجية والعدل والدفاع فيما يتعلق بالتصريح والمبرر القانوني للهجوم، بالإضافة إلى التقييمات اللاحقة لوفيات المدنيين. ومن بين تلك الوكالات الفيدرالية الأربع، رفضت وكالة الاستخبارات المركزية وحدها المضي قدماً في الطلب.
وقد أمر القاضي بول أنجلماير من الدائرة الجنوبية في نيويورك الأسبوع الماضي بأن تقوم وكالة الاستخبارات المركزية بجمع الملفات المتعلقة بتخطيط العملية، والتي ستقدم إلى اتحاد الحريات المدنية الأمريكي في غضون أسبوعين. وخلال تلك الفترة، سيتعين على الوكالة أيضًا صياغة مبرر لاستخدامها حق Glomar Response (جلومر ريسبونس ) (وهو مصطلح في القانون الامريكي يعني الاستجابة لطلب الحصول على معلومات بحيث لا يتم تأكيد أو نفي وجود المعلومات المستهدَفة )، وذلك في حال كانت تخطط لحجب السجلات الأخرى المتعلقة بالغارة.
وقد مثلت العملية، التي نفذت بعد منتصف ليل 29 يناير/ كانون الثاني 2017 في الغيل في جنوب اليمن، فشلاً كارثياً، بكل المقاييس. حيث تم إنزال ما يقرب من 30 جنديا من الفرقة السادسة للقوات البحرية الامريكية إلى القرية بهدف مفترض لجمع معلومات استخبارية عن القاعدة في شبه الجزيرة العربية، على الرغم من أن آخرين يؤكدون أن الهدف الحقيقي للمهمة كان زعيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية قاسم الريمي.
وسواء أكان ذلك بسبب معلومات سرية (تحذير) من قبل السكان المحليين، أم بسبب عيوب استراتيجية وطوبوغرافية يمكن التنبؤ بها (متوقعة)، فقد تم اختراق (فضح) العملية بسرعة، ودخل فريق البحرية في تبادل إطلاق النار مع سكان الغيل والقرى المجاورة. وتم استدعاء الدعم الاحتياطي وقصفت الغارات الجوية المنطقة، ودمرت المنازل وأي بيانات قيمة ربما تحتوي عليها.
وقبل الانسحاب، قتلت القوات الأمريكية حوالي 25 مدنياً، بينهم 10 أطفال. كما لقي ضابط الصف ريان أوينز مصرعه في وقت مبكر من القتال، وأصيب اثنين آخرين بجروح خطيرة.
خطأ سبايسر
اعتبر الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أنها “غارة ناجحة للغاية منحت كميات كبيرة من المعلومات الاستخباراتية الهامة التي ستؤدي إلى المزيد من الانتصارات في المستقبل ضد عدونا”. وبعد أيام، وفي محاولة لإثبات إعداد الإدارة الامريكية الشامل للغارة مسبقاً، زوّد سبايسر الصحفيين بجدول زمني تفصيلي لعملية صنع القرار كاشفاً عن أسماء جميع المعنيين بتلك العملية.
وقال سبايسر “في الخامس والعشرين من يناير، أطلع الجنرال فلاين الرئيس ترامب على توصية الوزير ماتيس وعلى وضع العملية”. وأضاف “طلب الرئيس مقابلة الوزير ماتيس ورئيس الأركان المشتركة دانفورد. حيث في ذلك المساء عقد اجتماع على مائدة العشاء ضم الرئيس، ونائب الرئيس، ووزير الدفاع ماتيس، والقائد دانفورد، ورئيس الأركان بريبوس، وجاريد كوشنر، وكبير الخبراء الاستراتيجيين بانون، والجنرال كيلوج، والجنرال فلاين، ومدير وكالة المخابرات المركزية بومبيو. حيث جرى تناول العملية بشكل مكثف”.
وبالنظر للتصريحات الرسمية لسبايسر، فقد أشار (القاضي) انجلماير في قراره بالقول: “إن المحكمة غير مستعدة لقبول أن مدير المخابرات المركزية قد حضر الاجتماع، الذي تمت فيه مناقشة هذه الغارة مع الرئيس ويبدوا بأنه تمت الموافقة عليها، ومع ذلك لا هو ولا موظفيه سبق وأن أدلى أو تلقى أي وثائق على الإطلاق … ولولا التصريحات العلنية للبيت الأبيض عن الغارة، لكان الاهتمام الذي توليه وكالة المخابرات المركزية بالغارة … من شأنه أن يبرير استخدام (Glomar response ) على الأرجح”.
وبعبارة أخرى، توجد سجلات واضحة يمكن أن تسلط الضوء على شرعية الغارة وتنفيذها الفاشل. إذ أن هذه الكارثة تعد مثالا نادرا على تهور إدارة ترامب في خدمة مصالح الشعب الأمريكي، وربما تؤدي إلى مزيد من الشفافية لاستخدام القوة الأمريكية في الخارج.
وقال محامي اتحاد الحريات المدنية “بريت ماكس كوفمان” لـموقع “ميدل إيست آي” البريطاني بأنه من “المشجع أن نرى محكمة تعيد النظر في ادعاءات الحكومة غير المعقولة بالسرية”، مضيفاً أنه متفائل بأن هذا الحكم قد يشكل سابقة لطلبات الكشف عن المعلومات في المستقبل. كما قال إنه يجب أن تكون الحكومة ملتزمة بما يتطلبه القانون وليس “استخدام المعلومات كسلاح ودرع وقاية”.
“لا تختبئ وراء مقتل ابني”
ومع ذلك، من غير المحتمل أن يكون هناك أي لجوء قانوني بالنسبة للضحايا المدنيين لغارة منطقة الغيل، التي كانت أول عملية لترامب لمكافحة الإرهاب منذ توليه منصبه الذي لم يكن قد مضى عليه سوى تسعة أيام فقط. حيث وصف ترامب منطقة الغيل اليمنية بأنها “منطقة عداء نشطة”، مقللا بذلك من الحماية التي كانت تمنح سابقاً للمدنيين.
أحد المدنيين الذين قُتلوا في تلك الليلة كانت المواطنة الأمريكية نوارة العولقي البالغة من العمر ثماني سنوات، وهي ابنة الداعية اليمني ذو الجنسية الأمريكية في تنظيم القاعدة أنور العولقي وشقيقة عبد الرحمن العولقي، وهو شاب في السادسة عشرة من عمره، وولد في دنفر، وقد قتل بطريقة مشابهة لمصرع والده في غارة أمريكية بطائرة بدون طيار في عام 2011.
أحد أوائل المنتقدين لعملية الغيل هو بيل أوينز، والد ضابط القوات البحرية الأمريكية، الذي قتل في الغارة. والذي قال، مخاطباً إدارة ترامب: “لا تختبئوا وراء مقتل ابني لمنع إجراء تحقيق”، وذلك خلال حديثه مع صحيفة “ميامي هيرالد” بعد فترة وجيزة من الغارة. وأضاف “أريد تحقيقًا … الحكومة تدين لابني بإجراء تحقيق”.
– التقرير الأصلي من موقع ميدل إيست آي