بعد سنوات من الإنكار.. لهذا كشفت أمريكا عن دعمها للسعودية عسكريًا في اليمن
يمانوين – منذ ما يزيد عن عام– تحديدًا في العشرين من مارس 2017- تسلم “دونالد ترامب” مقاليد الحكم في الولايات المتحدة الأمريكية، وعقب أدائه اليمين الدستورية، وجَّه كلمة لخَّص فيها سياسته التي سيُكرِّسها خلال حكمه، قال: إنه “سيعمل على مساعدة اليمنيين من القصف العشوائي لطيران التحالف العربي الذي تقوده السعودية”.
ولكن مع مرور الأيام تبدل الحال، وفجأتنا وزارة الدفاع الأمريكية “البِنتاجون” على لسان المتحدث باسمها، أن لديها قوات في اليمن تساعد في العمليات اللوجستيّة والاستخبارات، وفي تَأمين الحُدود السعوديّة، قائلة: “لن نكشف عن حجم قواتنا الخاصة داخل اليمن ودعمنا للسعودية في حربها سيستمر” دون مزيد من التفاصيل.
هذا الاعتراف يأتي بعد ثَلاث سنوات من الإنكار والاكتفاء بالقَول بأنّ الدور الأمريكي في حرب اليمن يقتصر على تزويد طائرات حربية سعودية بالوقود في الجو، وتبادل المعلومات الاستخبارية، ليفتح الباب أمام عدة تساؤلات، لماذا دخلت القوات الأمريكية الحرب اليمنية إلى جانب السعودية رغم الإعلان مرارًا وتكرارًا أن الحرب خلّفت معاناة إنسانية؟.. ولماذا أَقدمت أمريكا على هذه الخطوة الآن؟.. وهل الأمر له علاقة بالحرب المتوقَعة ضد إيران؟
بالرغم من الكشف عن وجود قوات أمريكية تقاتل بجانب نظيرتها السعودية، إلا أنَّ “البِنتاجون” مازال يتحفظ حول الأمر؛ حيث قالت المتحدثة باسم وزارة الدفاع الأمريكية “دانا وايت”، خلال مؤتمر صحفي، الخميس الماضي: إن العلاقات العسكرية بين بلادها والرياض “قوية ومتنوعة”، مشيرة إلى أنّ “الجيش الأمريكي يساعد السعودية في تأمين حدودها”.
ولم تكشف “وايت” مزيدًا من التفاصيل، واكتفت بالقول: “سياستنا تتمثل بعدم مناقشة مكونات قواتنا المسلحة، وليس لدي رقم محدّد، ولكن كما تعلمون فإنَّ الولايات المتحدة الأمريكية لديها تاريخ طويل من العلاقات العسكرية مع السعودية، ولدينا عدد من القوات هناك يقومون بالمساعدة، وكما قمنا في السابق بعمليات إعادة تزويد الوقود والأمور اللوجستية، ومشاركة المعلومات الاستخباراتية ومساعدتهم على حماية حدودهم”.
وفي سياق متصل، كشفت صحيفة “نيويورك تايمز“ أنَّ وحدة من القوات الخاصة الأمريكية انتشرت نهاية 2017 على الحدود السعودية مع اليمن لمساعدة الرياض في تدمير مخابئ الصواريخ التي يملكها المتمردون الحوثيون.
ونقلت الصحيفة عن مسؤولين أمريكيين ودبلوماسيين أوروبيين– لم تسمهم- قولهم: إن “القوات الخاصة الأمريكية وصلت في ديسمبر الماضي إلى السعودية”.
وقالت إنَّ القوة المتألفة من بضع عشرات من جنود الوحدة الخاصة “غرين بيريتس” (القبعات الخضراء) مازلت ناشطة على الحدود السعودية اليمنية.
وعن طبيعة عمل هذه القوات، قالت “نيويورك تايمز” إنها “تنفذ مهمة تحسّس وجود أنفاق لصواريخ باليستية قد تُطلق على السعودية من قبل الحوثيين، ومن ثم تدميرها بالتعاون مع القوات السعودية، إلى جانب ضرب مواقع الحوثيين عمومًا”.
ولكن، وفق مراقبين، فإنّ تعداد هذه القوات أكبر بكثير من الرقم المذكور، وذلك لعدة أسباب؛ أولًا لأنها جاءت بِطلب من ولي العهد السعودي “محمد بن سلمان”، أثناء زيارته الأخيرة لواشنطن، وثانيًا، أن مهمتها تتركَز حول كيفية رصد، ومن ثمَ تَدمير، الصواريخ الباليستية التي استهدفت مواقع عسكرية ومدنية سعودية، والتي بلغ عددها حتى الآن 105 صواريخ، بحسب تقارير صحفية.
هل بدأت أولى خطوات الحرب على إيران؟
“من غير المستبعد أن يكون هذا التدخل العسكري الأمريكي المباشر في اليمن، جاء في إطار مقايضة أو مكافأة للمملكة العربية السعودية مقابل اشتراكها في الحرب الأمريكية المباشرة أو غير المباشرة ضد إيران، والمرشحة للتصاعد بعد انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي بعد عشرة أيام على الأكثَر”، وذلك وفق ما رأى الكاتب الصحفي “عبد الباري عطوان”.
وتعتبر إدارة “ترامب” أن اليمن تشكل مسرحًا حساسًا في حملتها المصعَدة الهادفة إلى الحد من النفوذ الإيراني في العالم العربي والشرق الأوسط.
وتقلق واشنطن بشكل خاص من اكتساب طهران القدرة على قطع طرق الشحن في البحر الأحمر التي تُعتبر أساسية لتجارة الطاقة العالمية.
كما تقلق من احتمال قيام طهران بتحويل الحوثيين إلى قوة سياسية وعسكرية شبيهة بـ”حزب الله” الذي يُعدّ إلى حد بعيد أقوى لاعب في لبنان اليوم.
عين “ترامب” على “أرامكو”
انتقال الولايات المتحدة من المشاركة غير المباشرة إلى المباشرة في الهجوم السعودي على اليمن، ليس لهدف عسكري وحسب، بل اقتصادي أيضًا؛ حيث سبق وأعلن الرئيس الأمريكي “دونالد ترامب” عن رغبته بالاستحواذ على “أرامكو”، العام الماضي، وهو ما يفسِّر سبب هذا التغير المفاجئ.
وقال “ترامب” في وقت سابق، في تغريدة عبر صفحته على موقع “تويتر“: “سأكون ممتنًا للغاية إذا طرحت شركة أرامكو السعودية أسهمها في بورصة نيويورك”.
وحسب “العدسة” تعتزم المملكة العربية السعودية لطرح حصة في شركة “أرامكو” تقدّر بنحو 5% للاكتتاب، وذلك في إطار خطة اقتصادية “رؤية 2030” أطلقها ولي العهد الأمير “محمد بن سلمان”، تهدف لتنويع الاقتصاد والابتعاد عن النفط. وتهدف الخطة لإنشاء أكبر صندوق سيادي في العالم تقدّر قيمته بنحو تريليوني دولار.
وتدرس الرياض خيارات طرح “أرامكو” المزمع في 2018 بأحد البورصات العالمية، ومن ضمنها نيويورك ولندن وطوكيو، ولم تقرر المملكة إلى الآن في أي بورصة عالمية سيتم الطرح.
نجاح “ترامب” في جعل السعوديين يطرحون أرامكو للاكتتاب في نيويورك من المؤكد أنه سينعش الاقتصاد الأمريكي، فضلًا عن أنه سيكون خسارة كبيرة لبريطانيا؛ لأنها ترى أنها المكان المناسب لذلك والأكثر احتياجًا له بعد خروجها من الاتحاد الأوروبي.
وربما هذا ما يفسره تحركات “ابن سلمان”، التي لم يكن ليجرؤ على اتخاذ أيّ منها داخليًا– وخاصة اعتقال الأمراء والاستيلاء على أموالهم-، وخارجيًا– الحرب في اليمن والتصعيد ضد المدنيين-، لولا دعم “ترامب” وصهره “كوشنر” اللذين يطمحان للاستيلاء على درة التاج السعودي وهي شركة أرامكو، فضلًا عن دعمها لولي العهد في خطواته لتولي منصب ملك السعودية الذي يطمحه له الأمير الشاب أيضًا.